“ليس هناك مواد لا يمكن الاستفادة منها، فأنا لا أتخلص من أية نفايات، وأجمع كل حجر أو معدن أو قطعة بلاستيكية أصادفها في طريقي، وأعكف على تحويلها إلى قطعة فنية فريدة”. ربما كانت هذه العبارات التي تمثّل منطلقات للفنان السعودي صدّيق واصل، وكرّرها مراراً في لقائه مع القافلة، السبب وراء التكريم المستحق الذي حازه أخيراً ضمن فعاليات أسبوع البيئة، الذي نظمته وزارة البيئة والمياه والزراعة، تحت شعار “البيئة لنا ولأجيالنا”، ومنحته في ختامه درعاً تكريمية نظير أعماله التي أسهمت طيلة 35 عاماً من العطاء الفنيّ، في إبراز أهمية تدوير المخلفات والحفاظ على البيئة.
في مكتبه الخاص بالإدارة العامة للخدمات الاجتماعية بأمانة العاصمة المقدسة، حيث التقته القافلة، يتذكّر الفنان واصل أول منصب فنيّ تقلده في حياته، حينما كان طالباً في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وتم تعيينه في عام 1994م أميناً لنادي الفنون التشكيلية في قسم الهوايات بعمادة شؤون الطلاب. غير أن شغفه بالفنّ وأعماله التي كانت شاهدة منذ وقت مبكر على تفرّده، دفعت به نحو الواجهة الثقافية، سواء أكان ذلك في الأنشطة الطلابية والمعارض الفنية التي تنظمها الجامعة، أم في المشاركات الخارجية في نادي الوحدة الرياضي، والنادي الأدبي بمكة المكرمة، وغيرها.
شغف مبكر
يسترسل واصل في الحديث عن اهتمامه بالبقايا المهملة والمخلفات، ولا سيما شغفه الخاص بتشكيل الحديد والمعادن، فيشير إلى البدايات التي زرعت فيه حبه الكبير لهذا الفن، ويقول: “إن أول ما فتح عينيّ على إمكانية صناعة تحف جمالية من مخلفات المعادن والخردة، كانت صحبتي لوالدي إلى ورشته الخاصة بصيانة السيارات، حيث كانت تثير فضولي قطع الخردوات والبقايا المعدنية الناجمة عن إصلاح السيارات. فهناك تشكلت أفكاري وأعمالي ولوحاتي في ذهني قبل أن أكبر”.
ويضيف: كانت لي تجارب استكشافية أخرى في مرحلتي العمرية ما بين 10 و15 سنة، فاستخدمت الأسمنت والجبس، وكنت أصنع بها مجسَّمات لكأس العالم لكرة القدم، وأبيعها في دوري الحواري، وكنت أعمل على هذه الكؤوس في ممرات بيت والدي القديم في حي المسفلة بمكة. كما استخدمت بقايا “الشيشة” المكسورة التي كان يستخدمها والدي، والمكونة من النحاس الأصفر والألمنيوم، وأيضاً مادة الرصاص من بقايا بطاريات السيارات، وغيرها.
وكانت لي تجربة أخرى في نحت الرخام والخشب، وأضفت السكراب الحديد إلى الأسمنت والجبس في عمل مجسمات ذات خامات مختلفة. وساعدني في ذلك تخصصي في العلوم البيئية وزراعة المناطق الجافة وعلوم التربة، وغيرها من المجالات التي عملت بها، فكانت الخامات المهمشة والمتروكة وغير المستخدمة مصدراً لاستفزاز حسي الفني وطاقتي وقدراتي، والتي تستلهم من تأملاتي وملاحظاتي المبكرة، إضافة إلى أن تعلمي للحام الكهربائي والمعدني وصهر المعادن وتشكيلها وسحبها وطرقها، كان له أثر كبير في أعمالي المجسمة، ولوحاتي ذات البُعد الثنائي التي فتحت لي آفاقاً جديدة في التجريب والاكتشاف بناءً على المكتسبات المحدودة وطموحاتي الكبيرة، عبّرت عنها بعض أعمالي التي يلاحظ فيها وكأنها تعاني من أزمات إنسانية وعاطفية قاسية.
استخدم الخامات الصلبة لبناء اللوحة البارليافية النافرة والمنحوتة التجريدية.. وجعل الحديد أكثر ليونة ومرونة ومشحوناً بالموضوعات الإنسانية والعاطفية.
خصوصية التجربة
وفي ردٍّ على سؤال حول ما إذا كان يحب أن يوصف بالنحّات أم بالتشكيلي، أجاب بأنه فنّان يعشق أسلوبه الخاص. فمن يشاهد أعمال الفنان صدّيق واصل يدرك أنه فنان لا يخضع للقوالب الجاهزة، وأن فنه ليس فناً تقليدياً ينتمي للأنواع التشكيلية المعروفة، بل هو فن فريد بدأت تتشكل ملامحه مؤخراً، وقد أطلق عليه بعض الأكاديميين والمتخصصين اسم “الفنّ البيئي”.
إذن فهو فن معاصر وفريد، يعتمد تدوير المهملات والمتروكات ليجعل منها أعمالاً فنية ذات قيمة بصرية، ذات أبعاد إنسانية ودلالات رمزية. وهو من أبرز من استخدم الحديد في إبداع مجسّمات تتميَّز بأسلوب خاص انطلق به نحو العالمية.
سبق لبعض النقاد أن رأوا تأثر واصل بالنحات العالمي ألبرت جياكوميتي، في حين رأى آخرون أنه اختطّ لنفسه أسلوباً خاصاً متفرداً عن غيره. وفي هذا الصدد يقول الفنان: “في (الكتالوج) الخاص بمعرض الفن السعودي المعاصر الرابع عشر، كتب الناقد الفنان الراحل سمير الظريف، أن أعمالي تحاكي تجارب الفنان العالمي ألبرت جياكوميتي، مع أنني لم أقرأ يومئذ عن هذا الفنان ولم أشاهد أعماله الفنية. إلا أنه ومنذ ذلك اليوم التصق بي لقب (جياكوميتي السعودية) عن طريق الفنان الناقد الظريف”.
تأثير التخصص
كان لتخصص واصل في علوم البيئة أثر كبير في رؤية الخامة الحديدية ومعرفة الأساليب الأفضل للتعامل معها. ما مكّنه من إنجاز إبداعات جمالية توهجت بأحاسيس متنوِّعة جعلت من الحديد لغة إنسانية. وفي هذا الصدد، يقول الناقد الفني والفنان عبدالرحمن المغربي: “عندما نشاهد المنجز الفني الخاص بالفنان صديق واصل نشعر بأهمية البحث الدؤوب لخلق أجواء تشكيلية مغايرة ومختلفة، سواء على مستوى (المجسم)، أو (اللوحة المسندة)”. ويضيف: “نذكر الهرم المقلوب الحاصل على جائزة الدانة الذهبية الأولى بدولة الكويت عام 1999م، إذ كان صدّيق أصغر فنان سعودي يحصل على هذه الجائزة في ذلك الوقت، وهو بداية المدخل للفكر المجرد من أي شوائب للواقع المرئي، يرسل من خلاله تصوراً ما تجاه الحياة. أو أي منعطف لهاجس اجتماعي يحتاج إلى تنويه أو بصيرة”.
ومن المعروف أن صدّيق واصل ينتمي إلى التوجه الفني المعروف باسم “المينيمال”، وهو أسلوب فني يعتمد الحد الأدنى من التزيين، ويقلل من شأن الشيء، ويتجنب التقنية التعبيرية. ويصف الناقد الفني الدكتور سامي جريدي تجربة النحات واصل بقوله: “فنان متجدِّد بأفكاره وفنّه.. في كل مجال يطرقه يبدع ويتميز ويدهش بفنه وألقه المتلقي.. فالفنان واصل استخدم خامة الحديد كعنصر رئيس وصعب المراس، يتطلب صبراً كبيراً وخبرة طويلة لكسر عنفوانه وجبروته”.
توظيف الأدوات
يقول واصل إنه يستخدم الخامات الصلبة لبناء شيئين متكاملين، هما: اللوحة البارليافية النافرة التي تتكوَّن هياكلها الأساسية من مخلفات الحديد ومن المواد الصلبة، والمنحوتة التجريدية التي تنهض على افتراضات تأليفية. ويضيف أنه رغم اعتماده على مواد هامشية من بعض المخلفات البيئية، إلا أنها لا تشيِّد المشهد النحتي في كثير من الأحيان، بل الأساس في ذلك هو اعتماده على صياغات تسيّد الموضوع والفكرة، أكثر من اعتماده على الشكل”.
وحول دلالات الأطراف الحادة التي تظهر في كثير من أعماله، يقول: “إنها تشير إلى القسوة، رغم أنها ذات موضوع إنساني يتناول قِيَماً مثل التسامح أو الهدوء. مثل هذه الأعمال المباشرة تثبت في ذهن المتلقي أكثر من غيرها. وفي هذه الحالة يحاول الفنان تفكيك صلابة مادته بمثل هذه الرؤية البسيطة والمتناولة تحت طائلة العين المجرَّدة، وتتراوح الأفكار والأحاسيس والمشاعر والعواطف الإنسانية من الأحداث القاسية في الواقع، وكأنها تعاني من أزمات فكرية وصراعات نفسية حادة في أجواء من الرعب والخوف، وقد عبَّرت عن ذلك في عملي الفني (الهرم المقلوب)، فهو عمل ألهمني التعمق في صراع الإنسان وعذاباته اليومية من الكوارث”.
موضوعات إنسانية
رغم قسوة الحديد ولونه القاتم، فإن الفنان طوّعه وقدّمه للجمهور كمعدن رقيق لطيف، وقرّب مدلولاته الرمزية إلى المتلقي بشكل واضح، فيقول: “يرى البعض أن النظر إلى الحديد يثير الإحساس بالقوة والشدة والصرامة، غير أني تمكنت من جعله عاطفياً، مشحوناً بالموضوعات الإنسانية ليعكس أعمالاً تشكِّل كياناً عضوياً متماسكاً”. ويضيف إن أبرز الموضوعات الإنسانية التي مثلتها أعماله، كانت موضوعات عذابات الإنسان وصراعاته خلال واقعه اليومي المعاش، المثقل بالأحداث القاسية وأجواء الرهبة والخوف، رغم أن التعامل مع الحديد وفق هذه الغاية يتطلب صبراً وقدرة على التطويع. ومن يتأمل ملياً في أعمال واصل يلحظ أنها تحاول أن ترسم وجوهاً ذات معالم طمستها عوامل عديدة. الأمر الذي يراه البعض تغييباً للملامح الأصلية والكاملة للوجوه ويمثِّل رفضاً لجمالية الوجوه التي يرى فنانون كثيرون أن جماليتها مادة تعبير أساسية. فعند واصل، تبقى المشاعر والانفعالات هي مادة التعبير الجمالية بالدرجة الأولى.
الفن في زمن الكورونا
ولما كانت جائحة الكورونا، ظهرت المعارض الفنية الافتراضية، وانتشرت في مختلف دول العالم، ولم يغب واصل عن هذه المعارض الافتراضية، إذ حضرت أعماله فيها بشكل لافت خلال الفترة الماضية.
ففي شهر مارس الماضي كانت له مشاركة في معرض “آرت دبي” عن طريق “غاليري حافظ”، وقبل ذلك كانت له مشاركة في معرض “الشارة” الذي أقيم في جدة خلال شهر أكتوبر ونظمه المجلس السعودي الفني، كما شارك في معرض جماعي في غاليري “أثر”، وكانت لي مشاركة في المعرض الافتراضي الذي خصص لموضوع الجائحة الذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي (إثراء) في مدينة الظهران. كما أنه يحضّر حالياً لمعرض شخصي، وعَدَ أن يكون مفاجئاً وجديداً بالأعمال التي سيقدِّمها، إضافة إلى معرض ثنائي مرتقب مع أحد زملائه التشكيليين من مدينة الرياض.
صدّيق واصل
• فنان سعودي، عضو في عدَّة بيوت تشكيلية وجمعيات للثقافة والفنون، وهو عضو مؤسس في جمعيات سعودية للتصوير الفوتوغرافي والفنون التشكيلية وغيرها.
• تحفل مسيرته الفنية بعديد من المعارض الشخصية الفردية، منها: معارض شخصية فردية في صالة “أتيليه الفنون” بجدة على مدى سنوات عديدة، وأخرى في صالة “أروقة الفن” في مكة المكرمة، وفي صالة “إبداع” بجدة.
• من أبرز معارضه الأخرى:
– معرض شخصي في “جاليري أرت سبيس” في دبي عام 2015م.
– المعرض الرباعي بالمركز العربي الثقافي في دمشق لعام 2006م.
– معرض (انظر أبعد) الذي نظَّمه صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) بالعاصمة النمساوية فيينا عام 2011م.
– شارك في معارض آرت فير بلبنان ومراكش وأبوظبي ودبي، وفي مزادات بركات بلندن، وكريستيز بدبي، ومعرض (إسلاموبوليتان) ضمن أسبوع التصاميم في ميلانو بإيطاليا عام 2016م، وفي معرض الفن السعودي المعاصر للمختارات السعودية بلندن، وشارك في معرض الفن السعودي المعاصر للمختارات السعودية بالعاصمة الإسبانية مدريد.
• حصل على عديد من الجوائز والتكريمات. أبرزها:
– المركز الأول في تصميم إنجازات الملك عبدالعزيز 1419هـ.
– المركز الأول في النحت بالمعرض السابع عشر للمناطق بالرياض 1423هـ.
– المركز الأول في مسابقة المعرض السنوي للفنون التشكيلية لمكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بمكة المكرمة لعام 1425هـ.
– جائزة القصبة الذهبية للخط العربي من أمانة العاصمة المقدسة 1433هـ.
– المركز الأول في معرض 25 فبراير (الدانة الذهبية) بدولة الكويت لعام 1419هـ.
– المركز الأول في معرض دول مجلس التعاون الخليجي الثاني عشر لشباب الخليج بالرياض 1421هـ.
– جائزة الميدالية الفضية في النحت بمهرجان الإسكندرية لشباب الدول العربية عام 1428هـ.
– تم اختيار أعمال صدِّيق واصل ضمن عشرة فنانين بالعالم في مهرجان آرت دبي 1434هـ.
انه مفخرة
يملك الاحساس المرهف في جل اعماله قضيته الاساسية هموم الانسان ومشاق الحياة التي تؤثر به
اتتبع جميع اعماله وانتظر الجديد دائما
يفكر خارج الصندوق فتظهر اعماله بغير المألوف بها عنصر المفاجأة التي تلفت النظر للعمل مواضعية في اعماله مبتكرة وغير متكرره.
ما شاء الله تبارك الله بالتوفيق عزيزي صديق