في تحولاته يحتوي الطين على إمكانات لا حصر لها، تتجلى في رفوف المنازل والمعارض والمتاحف. في كل مرة يُصنع فيها شيء من الطين، يحدث فيها تفاعل مع الخطوط الزمنية للمادة نفسها، سواء أكان قد اُستخرج من قمة جبل، أم مجرى نهر، أم حفرة عميقة. وعند حرقه، يُمنح الطين وظيفة ما أو معنى أو شعورًا، ويترسخ شكله في الحاضر البشري.

وهكذا تحتوي الأشياء المصنوعة من الطين على علامات للوجود البشري، وتروي قصص التاريخ بشكل أكثر اكتمـالًا من أي مادة أخرى. فهناك سبب لوجود الكثير من الأواني الفخارية في المتاحف؛ لأن الطين المحروق هو أحد أكثر المواد قدرة على حراسة التاريخ.

في هذا الكتاب تُقدِّم الكاتبة والصحفية، جينيفر لوسي آلان، رسالة حب إلى الطين، المادة التي تُشكِّل بداية حياتنا ومنتصفها ونهايتها كلها، وترتبط بالأبدية والكيمياء والحياة اليومية.

منذ بداية التاريخ البشري، أخذ الناس حفنة من التراب، وشكَّلوها على صورتهم؛ لذلك نجد أن هناك أشكالًا بشرية موجودة في كل مكان كان فيه تقليد لصناعة الخزف، وأن هناك تقليدًا لصناعة الخزف في كل مكان كان فيه نشاط بشري. فالطين هو المادة التي شكل منها الله، سبحانه وتعالى، الإنسان، وطمي النيل هو الذي يظهر في إحدى لوحات المقابر في مصر التي تصوِّر الإله خنوم على دولاب الخزاف، وهو في طور عملية الخلق المادي للإنسان.

يُقسم الكتاب إلى 15 فصلًا، كل فصل يركز على موضوعات مختلفة متعلقة بالطين وهو ما يسمح بالتفاعل مع هذه المادة من زوايا متعددة، وإقامة روابط بين خصائصها الفيزيائية وأهميتها الثقافية.

بعيدًا عن استكشافها للطين نفسه، تثير “آلان” أسئلة مهمة حول الاستدامة وعدمها في الفن والحياة، وتتأمل في كيفية عمل الأشياء المصنوعة من مواد مختلفة مثل سجلات دائمة للوجود البشري، وتدعو القرَّاء إلى إعادة النظر في علاقاتهم بالأشياء اليومية والتعرُّف على السرديات المتضمنة فيها.