الصبـــاح فتـــرة من فتـــرات النهــــار، وأكثر من ذلك بكثير.
إنه البداية التي تتجدَّد يومياً. بداية نهار جديد.
وبداية نهار جديد تعني بداية العودة إلى الحياة وحراكها بعد سكون الليل.
وككل بداية، يرسم الصباح مسار اليوم، وما سنواجهه فيه.
وبفعل تكرار هذه البداية، باتت للصباح طقوسه الاجتماعية ودلالاته الثقافية الخاصة التي تختلف كلياً عن تلك التي تتعلَّق بباقي فترات اليوم مثل العصر أو المغيب أو الليل. طقوس ومفاهيم تمتد من أبسط العادات الفردية إلى الممارسات الاجتماعية بأوسع معانيها، لها حضورها الخاص في الآداب والفنون والثقافات.
في هذا الملف وانطلاقاً من التحية الصباحية، يستوقفنا الدكتور عادل النيل، أمام عالم الصباح بأبرز ما فيه، من صياح الديك وفنجان القهوة إلى أهمية ضوئه في تاريخ الفنون.
“عندما يأتي الصباح تفتح الزهرة شفتيها لاقتبال قبلة الشمس..” هذه الصورة البيانية الزاهية التي صاغها جبران خليل جبران تختزل كثيراً من دلالات البداية اليومية، وما تنطوي عليه من جمال يحثنا على التفاؤل والأمل. فكل شيءٍ يبدأ من الصباح، حيث لا أجمل من أن نصافح ضوء الشمس، ونعانق أيام الحياة بحب ودفء. فنحن نولد في صباح كل يوم، عندما نستيقظ لنستأنف تلك الرحلة الإنسانية المهيبة من الركض وراء تفاصيل الحياة.
فهل تعرف ماذا يقول لك الروسي حين يخاطبك صباحاً بقوله “دوبراَيه أوترا”، أو القبطي حين يقول “نانيه أطؤوي”، أو الصيني بلغة الماندرين “نيهاو”، أو التركي بقوله “جونايدن”، أو الإنجليزي بلغة أقرب “غود مورنينغ”؟ إنهم جميعاً ينطقون بتحية ذات معنى واحد وهو “صباح الخير”.
وبالفرنسية يقولون “بونجور”، وهي تحية تتسع أكثر لتستوعب إلى جانب صباح الخير القول “نهارك سعيد”، أو “يوماً طيباً” ولكنها لا تقال إلا صباحاً. ومثلها في الألمانية “جوتين تاج”، وفي الفارسية تداخل مع العربية في جناس ناقص من خلال شكل الحروف حيث يُقال “صبح بخير”. أما في العربية، فثمة تفعيلات عديدة من ثنائية الصباح والخير، ومن أكثرها تداولاً اليوم “صبَّحكم اللهُ بالخير”، وبالأمس “عِمْ صباحاً”، أما “صبّحه الله بخير” فدعاء.
ولتلك التحية تأثيرها النفسي والوجداني العميق. لذلك غالباً ما تصحبها ابتسامة تخترق الحواجز، وتقصّر المسافات بين الناس.
الصباح صنو الإبداع، فكما هو في السرد ملهمٌ، كذلك يفعل في الشعر عبر التاريخ، فحضر في الشعر العربي عبر العصور.
وهذه التحية هي الأكثر شيوعاً بين مجتمعات العالم، على اختلاف ثقافاتها ولغاتها. وهذا ما استوقف الكاتب الراحل يوسف إدريس في كتاب “بصراحة غير مطلقة”، حيث وجد مشكلة كبيرة في كلمة “صباح الخير”، واستغرقه النظر فيها ليلة بطولها. إذ لفت انتباهه تشابه المعنى اللغوي لها في أكثر من لغة ومن بينها الإنجليزية، ما جعله يتساءل: “كيف لهذه التحية أن تتشابه بين الإنجليز في شمال الأرض مع العرب في جنوبها؟ والأدهى تشابهها في جميع اللغات، وبالتالي كيف يقول الناس الكلمات نفسها بذات المعاني لبعضهم بصورة يومية؟”. فهذه التحية كانت موجودة عند المجتمعات الراقية والبدائية على السواء، عند الفراعنة كما هي عند الهنود الحمر. فهي لا تتعلق إذاً بأيّ نمط ثابت، عدا انفعال النفس الإنسانية واستجابتها الفطرية للتقارب والتواصل، والإحساس بالآخر في فترة من النهار تتسم بالتفاؤل بالخير عند الجميع.
مداه الزمني بين الفجر والظهر
بين الفجر والصباح تماس وتماهٍ دلالي، غير أن هناك فارقاَ يسير في المعنى والمقصود. فالفجر يُعد في بعض الأحيان بداية شفق الصباح، وأحياناً فترة الشفق، وأحياناً أخرى وقت شروق الشمس. وهو أول ضوء تتـم رؤيتـه من الصباح، ولحظة انكشاف ظلمة الليل عن ضوء الصباح، كما أنه حُمرة الشمس في سواد الليل. والفعل أفجر بمعنى دخل في الفجر، وانفجر الصُبحُ، وتفجّر وانفجر عنه الليل.
للاستيقاظ باكراً أهميته الخاصة بالنسبة لصحة الإنسان، وحمايته من عدد من الأمراض. فالذين ينامون ويستيقظون باكراً أقل عُرضة للاكتئاب بنسبة %35 بناءً على جيناتهم.
وللعرب فجران، أحدهما مستطيل، وهو الكاذب، ويسمى “ذنب السرحان”. وهو مستطيل لبياضه الذي يبدو في السماء طولاً ويعقبه ظلام. وثانيهما الفجر المستطير، وهو الذي ينتشر في الأفق.
وفي الواقع لا يوجد فجر واحد، وإنما هو على ثلاثة أنواع، يتم تحديدها حسب كمية ضوء الشمس الموجودة في السماء، وكذلك من خلال زاوية مركز الشمس (بالدرجات تحت الأفق) خلال فترة الصباح.
وأول تلك الأنواع هو الفجر الفلكي، وفيه لا تكون السماء مظلمة بالكامل. ويحدث ذلك عندما تكون الشمس بزاوية 18 درجة تحت خط الأفق. وثانـي الأنواع هو الفجر البحري، الذي يبدأ عندما يكون هناك ما يكفي من الإضاءة للبحّارة لتمييز الأفق في البحر، غير أن السماء تكون مظلمة، والشمس عند زاوية 12 درجة تحت الأفق صباحاً.
أما النوع الثالث فهو الفجر المدني، ويبدأ عندما يكون هناك ما يكفي من الضوء لمعظم الكائنات، بحيث يمكن تمييزها، وتستطيع أن تبدأ بعض أنشطتها. ويحدث هذا الفجر عندما تكون الشمس عند زاوية 6 درجات تحت الأفق في الصباح.
ولوقت الفجر كثير من الفوائد التي تتعلق بالصحة العامة. فهو بحسب العلماء الوقت المناسب للتفكير والإبداع وصفاء الذهن. وقد توصّل علماء بريطانيون إلى ابتكار جهاز يحاكي أجواء وقت الفجر، أسهم في تقليل الإحساس بالكآبة التي ترتبط بفقدان الشمس خلال فصل الشتاء.
الصباح في القرآن الكريم
ورد الصباح في أكثر من ثلاثين آية في القرآن الكريم، وذلك بصورة صريحة ومباشرة وبجميع الاشتقاقات والدلالات التي ترتبط به. وكان لهذا الوقت حضوره اللافت كوقت مخصوصٍ بالعبادة، حتى إن الله تعالى أقسم بالصبح لعظم مكانته بين أجزاء الزمن، وكذلك الفجر الذي اختصه بسورة كاملة، و6 مرات ورد فيها في جميع سور القرآن الكريم.
والمواضع التي أقسم فيها الله تعالى بأجزاء الزمن، رغم أنه لم ترد كلمتا الزمن أو الزمان مطلقاً في القرآن الكريم، فالقسم بالصبح ورد مرتين في قوله تعالى:
﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴾ (سورة المدثر، الآية 34)، وفي قوله تعالى:
﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ (سورة التكوير، الآية 18)، فيما وردت كلمة الصباح مرة واحدة في قوله تعالى:
﴿فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ﴾ (سورة الصافات، الآية 177).
وتعـدَّدت الآيــات التي وردت فيها كلمــة الصُبـح من دون القسم، كما في قوله تعالى:
﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ (سورة هود، الآية 81).
وفي غير موضع يأتي الصباح بكثير من الدلالات والمعاني التي تختلف باختلاف المعنى المقصود، الذي غالباً ما يرتبط بتركيز السور المكية على العقيدة فيما يتعلَّق بالاستدلال على وجود الخالق الأوحد، وبديع حكمته في الكون، مع حضور واضح للبلاغة اللغوية في الآيات، كما في كلمــة الإصبـاح أيضاً في قوله تعالى:
﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (سورة الأنعام، الآية 96).
ومن الاشتقاقــات الأخرى التي وردت في القـرآن الكريـم، كلمة صبحــاً في قوله تعالى:
﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً﴾ (سورة العاديات، الآية 3).
وأيضاً مصباح في عدة مواضع، منها قول الله تعالى:
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (سورة النور، الآية 35)، وقوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾ (سورة الملك، الآية 5).
ولعل استخدام الفعل أصبح هو الأكثر في حالة الإفراد والجمع لبيان الحال التي صار إليها أو صاروا إليها المخاطَبون أو المعنيون بالخطاب القرآني، وعلى تلازم فعل “أصبح” و”أصبحوا” بعديد من المعاني الدالة على الحال، مثل: نادمين، خاسرين، كافرين، ظاهرين، فارغاً، خائفاً، إخواناً، غوراً، هشيماً، كالصريم، صعيداً، مخضرة، من النادمين، الخاسرين، أصبح يقلّب، أصبحوا يقولون، أصبحوا لا يرى، كما في قوله تعالى:
﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ (سورة الأحقاف، الآية 25).
نائمون ويقظون وفق ساعة بيولوجية
فيما تهب معظم الكائنات الحية من سُباتها الليلي إلى الحياة وحراكها، يجد بعض الناس صعوبة في الاستيقاظ باكراً، وهذا ما يطرح سؤالاً مهماً حول ما إذا كنا سنكون في أفضل حالاتنا في الصباح الباكر أم في وقت متأخرٍ من الليل؟. وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نستطلع ما يقوله علم الجينات، حيث توصَّل باحثون إلى وجود صلة بين تفضيل الناس للصباح أو المساء وجين متحوّر كامن.
وفي الواقع، يشارك هذا الجين في تنظيم الساعـة الداخليـة للجسـم، أو ما نسميه “الساعة البيولوجية”. وهو يأتي على شكلين: طويل وقصير. فالأشخاص الذين لديهم تفضيل شديد للصباح الباكر من المرجح أن يكون لديهم نسخة من الجين الطويل.
وفي المقابل، فإن أولئك الذين لديهم تفضيل شديد للأمسيات، يكونون أكثر عُرضة لسيطرة الجين الأقصر. لذا، يبدو من الواضح أن تفضيل الصباح أو المساء هو سمة سلوكية معقَّدة. فمع دراسة أشخاص ممن يعانون من “متلازمة مرحلة النوم المتأخرة عائلياً”، وجد العلماء أن السبب يرجع إلى تحوّر أيضاً في الجين نفسه لكن بشكل مختلف عن السابق. بينما تم العثور على تحوّر في جينات أخرى لأشخاص لديهم عادات متباينة في النوم سواء باكراً أو في وقت متأخر. والخلاصة أن السلوك في اليقظة أو النوم المتأخر له أساس وراثي.
غير أن الثابت في الاتجاهات البحثية والعلمية، أن للاستيقاظ باكراً أهميته الخاصة بالنسبة لصحة الإنسان، وحمايته من عدد من الأمراض. ففي دراسة لباحثين من جامعة “إكسيتر” البريطانية، تبيّن أن الذين ينامون ويستيقظون باكراً أقل عُرضة للمعاناة من الاكتئاب بنسبة %35 بناءً على جيناتهم. وقدّم ذلك أحد أقوى الأدلة على أن الذين يسهرون طوال الليل، معرَّضون بشكل أكبر لمشكلات صحية ذهنية.
رغم الاختلافات المستجدّة حول أهمية إفطار الصباح، يبقى تناول وجبة متوازنة هو الطريقة الأمثل لانطلاقة يومية نشطة.
وعلى الرغم من مزايا عديدة للصباح فيما يتعلق باليقظة والصحة، إلا أن دراسة أخرى لباحثين من جامعة هارفارد الأمريكية توصَّلت إلى أن ساعات الصباح الباكر، وخلال آخر مراحل النوم هي أخطر وقت تحدث فيه الأزمة القلبية، بما فيها الذبحة الصدرية، والموت المفاجئ وغيرها من أمراض القلب. والتفسير العلمي لذلك هو أنه عند الاستيقاظ من النوم، تميل الصفائح الدموية إلى الالتصاق بجدران الأوعية الدموية من الداخل، لأن المادة المذيبة للمواد المتجلطة في جسم الإنسان تكون في حالة شبه سبات خلال ساعات الصباح الأولى، وهذا ما قد يؤدي إلى تكوين الجلطات التي قد تسد الشريان التاجي أو الأوعية الدموية المؤدية إليه.
إفطار الصباح
يمثّل إفطار الصباح إحدى العادات البشرية الثابتة لدى غالب مجتمعات العالم. ويبدو أن لذلك تأثيراته الصحية المباشرة على طاقة الإنسان وأداء واجباته اليومية بحيوية ونشاط. وكانت العرب تسمّي ما يؤكل ويُشرب عند الصباح “الصَبوح”، وعند المساء “غَبُوق”.
وتختلف مكوّنات الفطور الصباحي باختلاف المجتمعات. ففي بعضها يقتصر على مشروب ساخن مثل الحليب أو القهوة أو الشاي. والواقع أن شرب القهوة صباحاً يكاد أن يكون طقساً عالمياً. وقد سبق للقافلة أن نشرت ملفاً خاصاً عن القهوة والشاي في عددها لشهري يوليو وأغسطس 2003م. ومما جاء فيه أنه عند تناول أي مشروب يحتوي على الكافيين مثل القهوة أو الشاي فإن هذه المادة تنتقل فوراً إلى الدم الذي يوزعها على كافة أنحاء الجسم. ويبلغ معدل الكافيين ذروته في الدم بعد مدة تتراوح ما بين 30 و60 دقيقة على تناول المشروب. وبعد 12 ساعة، يكون الجسم قد استهلك كل الكافيين وتخلّص منه. والمعروف أن استهلاك كمية قليلة من الكافيين يؤدي إلى زيادة ننشاط الجهاز العصبي، مع ما يستتبع ذلك من شعور بالحيوية والقوة وتنشيط الذاكرة، وطرد للخمول والنعاس، وتسكين بعض أنواع الصداع.
تم إنتاج عديد من الأفلام والمسلسلات في السينما والتلفزيونات العالمية والعربية ذات صلة بالصباح سواء في العنوان أو المضمون الذي يدل عليه الصباح ومقتبسة في معظمها عن الأدب المكتوب.
وتؤكد الاستطلاعات أن تسعة أعشار سكان العالم معتادون على استهلاك الكافيين صباحاً، فنسبتهم في أمريكا تصل إلى 85 في المئة من البالغين، وترتفع هذه النسبة في أوروبا الشمالية لتصل إلى 92 في المئة في فنلندا والسويد.
وفي بعض المجتمعات الأخرى، يتساوى الفطور الصباحي في قيمته الغذائية مع وجبة الغذاء أو العشاء، ليشمل الحبوب واللحوم والخضار المطبوخة.
يمكن لأي إنسان.
أن يستشعر الفارق في طاقته عند تناوله الإفطار من عدمه، وهذا ما أكده عدد من خبراء الصحة في روسيا بتوصلهم إلى أن تناول تفاحة طازجة كل صباح يُعدُّ وسيلة فعّالة وصحية تساعد على الاستيقاظ وتنشيط البدن.
ولكن الفطور الصباحي يبدو على مستوى الفوائد المرجوة منه مسألة أكثر تعقيداً من أن تحظى بإجماع الباحثين. فمن الدراسات العلمية ما ربط بينه والصحة العامة في ما يتعلق بتحسين الذاكرة، وتركيز الذهن، وخفض مستوى الكولسترول، وتقليل خطر السُّمْنة، والسكري، وأمراض القلب. غير أنه رغم ترجيح فوائده لمرضى السكري تحديداً.
السفر في الصباح
لا توجد قاعدة تؤكد على أنّ السفر في الصباح الباكر أفضل من السفر في الليل أو في منتصف النهار مثلاً، لكنّ الثابت أنّ ما يُحدد ذلك هو قطع مسافة السفر بسهولة وراحة أكثر، وما اعتاد عليه الإنسان.
قديماً، كان السفر في الليل يتيح قطع مسافة السفر بسهولة خاصة في الصيف. وكانت العرب تقول: “عند الصباح يحمد قوم السرى”، والمعنى أنّ الذين يسيرون في الليل، يحمدون سيرهم عند الصباح؛ لأنهم قطعوا مسافة ليست بالقصيرة، لم يروا خلالها معالم الأرض فينشغلوا بها وبحسابها. إلا أنّ المعروف أن الرحيل (أو بدء السفر) كان في البكور، وكانت بعثات الجيوش وقوافل التجار تنطلق عادة في الصباح.
أما اليوم، فمن الواضح أنّ الصباح لا يزال محتفظاً بحق السفر، وخصوصاً مع وسائل النقل الحديثة، والتي تُحقق إلى جانب سهولة السفر ورفاهيته أموراً عديدة منها: الاستمتاع بأجواء الصباح الباكر، وتفادي الازدحام، والشعور بالاسترخاء والاستجمام، والوصول إلى الوجهة الأخرى في وقت مبكر من اليوم، مما يُساعد على إنجاز الأعمال، أو حتى الاستمتاع بالسفر، هذا إذا كان السفر بالطائرة، أو القطار. ويؤكد خبراء السفر أنّ الرحلات الجوية الصباحية تنطوي على كثير من الإيجابيات؛ نظراً لأنها تلتزم بجدولها الزمني ونادراً ما تتخلف عنه، كما تكون الاضطرابات الجوية في أقل مستوياتها، فضلاً عن أن الرحلات المبكرة تتميز بتوفر المقاعد، وانخفاض أسعار تذاكرها.
أما السفر بالسيارة، فيفضِّله الناس عادة السفر في أي وقت من الصباح بعد أخذ قسط كافٍ من النوم، وتناول الإفطار، لأنّ السيارة مكيفة، والرؤية في النهار تكون أفضل مع متعة المشاهدة، والإنسان يكون في حالة نشاط وحيوية، ومحاطاً بعدد كبير من الناس على الطرقات، ويصل إلى وجهته مبكراً.
لكنّ استطلاع بعض الآراء أفاد بأن الغالبية ترى أن الوقت الأفضل للسفر هو الصباح لأسباب عديدة، وبعضهم أشار إلى أن وسيلة السفر، وموسمه (شتاءً أو صيفاً)، والغرض منه (هل هو للعمل أم للسياحة)، والاستعداد النفسي والشخصي والعائلي، من الأمور التي تساعد على تحديد الوقت الأنسب للسفر، حتى أن أحدهم عبّر تعبيراً جميلاً بقوله: “في الصباح الباكر، أشعر أنني أقبض على يومي متلبساً بكل ساعاته الثمينة”.
أما الذين اتجهوا لإعطاء الأفضلية للسفر ليلاً أو مساءً، فقد كانت أسبابهم تدور حول أنهم يفضلون ذلك بعد أن يكونوا قد أنجزوا مهامهم والتزاماتهم تجاه عملهم أو أسرهم، أو أنهم ممن يفضلون السهر، وهذا يساعدهم على قطع مسافة السفر في هدوء الليل، وقلة الزحام على الطرق، والشعور بأن الوقت يمضي من دون إحساس بتعب السفر، أو مشاهدة معالم الطريق.
صباح الأدباء والسرد الأدبي
للصباح وصفاء الذهن فيه قبل أن تعكِّره الحركة النهارية مكانة مهمة عند الأدباء. فإضافة إلى استلهامه موضوعاً أو مسرحاً لحدث في العمل الأدبي، فإن كتّاباً كثيرين كانوا يرون في الصباح الوقت الأفضل للإبداع.
الأمريكي أرنست همنغواي كان يكتب كل صباح مع ظهور أول الضوء، عند السادسة صباحاً تقريباً، وربما استمر حتى الظهر. ومثله المكسيكي كارلوس فوينتس الذي يصف نفسه بأنه كاتب صباحي، إذ كان يكتب بانتظام بدءاً من الثامنة والنصف صباحاً، ويواصل ذلك حتى الثانية عشرة والنصف ظهراً.
وكذلك يفضّل الروائي الأمريكي هنري ميلر الكتابة في الصباح، ويستمر فيها لما يتراوح بين الساعتين أو الثلاث ساعات مع كل صباحٍ جديد. وعلى غرار هؤلاء، نجد ممن يرون أن الصباح هو الوقت الإبداعي الأفضل للكتابة الأرجنتيني بورخيس، والفرنسي ميلان كونديرا، والأمريكي بول أوستر، والأمريكية سوزان سونتاج، والإيطالي أمبرتو إيكو، والتركي أورهان باموق، وكلهم من ألمع الأسماء في عالم الأدب، فبعضهم حصل على جائزة نوبل في الأداب.
وهناك عديد من الروايات التي حملت الصباح في عناوينها، وكان موضوعاً لأحداثها أوجزءاً منها. ففي الأدب العربي، أنتج الروائي الراحل نجيب محفوظ روايتين احتل الصباح عنوانيهما، أولهما “صباح الورد” وهي مجموعة مكوّنة من ثلاثة أجزاء: أم أحمد، صباح الورد، أسعد الله مساءك. وهي شبيهة إلى حدّ كبير بروايته الثانية التي تُصنف ضمن الأدب الملحمي، وهي رواية “حديث الصباح والمساء”، التي تم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني بالاسم نفسه.
وفي الأدب العالمي، ظهرت رواية بعنوان يبدو غريباً في عام 1954م، للروائية الفرنسية فرانسواز ساغان، وهي رواية “صباح الخير.. أيها الحزن”، وقد كتبتها وهي يافعة وأثارت بها جدلاً كبيراً، وجعلت منها اسماً مهماً في الأدب الروائي بل أسطورة أدبية فرنسية. وفيما وصفها ناشر روايتها بـ”الوحشة الصغيرة الساحرة”، وصفت هي هذا العمل بأنه “فضيحة عالمية”، وقالت في مقدِّمته: “أتردَّد في إطـلاق الاسم الجميـل والخطير لـلحزن.. الضمير هو إحساس كامل، وأناني إلى حد يعتريني الخجـل منه، بينما يبدو الحـــزن بالنسبـة لي جديراً بالتكريم. لم أكن أعرف الحزن. ولكن فقط الضمير والندم، وفي أحيان نادرة، الحب”.
ومن حزن ساغان، ينتقل الصباح إلى الكاتبة الدومينيكانية جين ريز، التي كتبت بمزاجها العنيف والمتقلّب رواية “صباح الخير منتصف الليل” التي احتشدت بكثير من البؤس والكآبة والإحباط. ورغم أجواء الحداثة السردية في النص، إلا أن البطلة ساشا قدَّمت كثيراً من الأفكار التي تدور في حياة البائسين والمحبطين. وذلك جزء من الواقع غفل عنه، أو تغافل النُّقاد عنه وهم يشرّحون هذا النص بقسوة شديدة.
ومن بين الروايات العالمية التي لاقت رواجاً لافتاً أيضاً رواية “سماء حمراء في الصباح” للروائية النيوزلندية إليزابيث ليرد التي تنحو إلى مسار يتعلق بذوي الاحتياجات الخاصة. وكذلك “صباح غائم” التي أبدعها الروائي الروسي ألكسي تولستوي، وهي جزء من ثلاثية عمله “درب الآلام” التي تضم: “الشقيقتان”، “العام الثامن عشر”، و”صباح غائم”، وظل يكتبها طوال عشرين عاماً متناولاً المأساة التي خلفتها الحرب على بلاده.
ومن بين الروايات العربية اللافتة بقيمتها الإبداعية، رواية “صباحات جنين” للروائية الفلسطينية سوزان أبو الهوى، التي نشرت في عام 2014م، وتمت ترجمتها إلى 26 لغة. وكذلك رواية أنور حامد “يافا تعد قهوة الصباح” التي صدرت عام 2012م، وتدور أحداثها السردية في أربعينيات القرن العشرين. وللكاتب المصري عبد الوهاب مطاوع رواية “أعط الصباح فرصة” وهي مجموعة صور أدبية تدعو إلى النظر للحياة بعين التفاؤل.
ولا يمكن مغادرة سرد الصباح من دون المرور بالفيلسوف الهندي أوشو مؤلف كتاب “صباح الخير: تأملات في الصباح يوماً بعد يوم” الذي يعرض فيه أحاديثه مع أصدقائه ومحبيه، ليظل أثره باقياً في جميع أنحاء العالم.
من غنّى صباحاً ومن غنّى للصباح
ليس هناك أكثر من الصباح للتحليق مع الفيلسوف الهندي أوشو في عالم الجمال والنغم. فتلك الطيور تصدح بأجمل ألحانها صباحاً لتبعث في النفس كثيراً من الكوامن الجميلة التي تفيض إشراقاً وبهجةً. ولنا أن نعلم أن علماء الطبيعة يقدّرون عدد الطيور المغردة بحوالي 9600 نوع، تغرّد جميعها في كل أنحاء العالم وبيئاته بدءاً من الساعة الرابعة صباحاً.
في ذلك الوقت الباكر، يصفو الصوت وتقل الضوضاء وكثافة الهواء، فتمتع الطيور نفسها بالتغريد قبل أن تمتعنا به. ويعزو علماء الأحياء غناء الطيور في هذا التوقيت إلى تأكيد سيادتها على أراضيها والمناطق الخاصة بها. كما أن الطيور المهاجرة تغرّد في هذا الوقت، إيذاناً بوصولها إلى منطقة استقرارها. ومن أشهر تلك الطيور: البلبل والشحرور والروبن، والقلاع والسمنة الأمريكي (عصفور أبو الحناء)، والنمنمة.
أما في مجال الغناء، فقد كان للصباح نصيبه. وفي العالم العربي كان سيد درويش أشهر من غنَّى للصباح، ومن أعماله في هذا المجال أغنيتان لا تزالان تتكرران على أسماعنا منذ نحو قرن، وهما:
“طلعت يا محلى نورها شمس الشموسة”، وأغنية ثانية تقول:
“الحلوة دي قامت تعجن في البدرية
والديك بينده كوكو كوكو في الفجرية
يللا بنا على باب الله يا صنايعية
يسعد صباحك صباح الخير يا سطى عطية
طلع النهار فتّاح يا عليم
والجيب ما فيش ولا ملليم..
وفي مصر أيضاً، اشتهرت أغنية محمد قنديل “يا حلو صبّح”، من كلمات مرسي جميــل عزيز وألحان محمد الموجي، وهي من أغانـي فِلْم “شاطئ الأســرار” الذي صـدر عام 1958م، من بطولة عمر الشريــف وماجــدة وإخراج عاطف سالم، وفيها يغني:
يا حلو صبّح .. يا حلو طل
يا حلو صبّح .. نهارنا فل
من قد إيه وأنا بستناك
وعيني ع الباب والشباك
عشان أقول لك واترجاك يا حلو
يا حلو يا .. يا حلو صبّح
ومن السعودية، غنى محمد عبده “يا نسيم الصباح”، حيث مطلعها:
يا نسيم الصَّباح سلِّم على باهي الخد
نبهه من منامه
قلَّه إنِّي على وعده بحبُّه مقيَّد
حتَّى يوم القيامه
ومن السودان برزت أغنية “مسو نوركم”،
وهي من كلمات الشاعر سيد عبدالعزيز،
ويقول مطلعها:
مسو نوركم شوفوا المن جبينه صباح
والصباح إن لاح لا فايدة في المصباح
وله كذلك أغنية “صباح النور”:
صباح النور عليك يا زهور صباحك يوم يُقاس بدهور
ويمكن لقائمة الذين غنوا للصباح أو تغنوا به عربياً وعالمياً، أن تطول إلى ما لا نهاية. ولكن لا بد من الإشارة سريعاً إلى أغنية “صباح الخير” الأمريكية التي صدرت في عام 1939م، كتبها الشاعر الغنائي آرثر فريد لفِلْم يحمل العنوان نفسه “صباح الخير”. أما الأغنية التي فاقتها شهرة ورواجاً وكانت بالاسم نفسه، فقد كانت أغنية ناسيو براون التي صدرت أيضاً في فلم سينمائي وفي العام نفسه.
الضوء الأفضل لإبراز الجمال
يعرف المصورون الفوتوغرافيون أن أفضل وقت لالتقاط صورة خارجية هو إما في الصباح الباكر وإما قبيل الغروب. لأن ضوء الشمس عندما تكون منخفضة يولّد ظلالاً واضحة ويضيء الجوانب المعرَّضة له بقوة، فتظهر الصورة ذات أعماق مختلفة شديدة الوضوح. أما عندما ترتفع الشمس في قبة السماء، فإن الظلال تصبح عامودية، ومن شبه المستحيل التقاط صورة جميلة لمنظر طبيعي آنذاك.
هذا القانون الفني التشكيلي ليس من اكتشافات المصوِّرين الفوتوغرافيين، بل هم أخذوه عن الرسَّامين الذين سبقوهم إليه بنحو خمسة قرون. إذ إن كل اللوحات الزيتية التي تمثل مناظر طبيعية أو أحداثاً تاريخية جرّت في الخارج، رُسمت كما تبدو الطبيعة إما في الصباح الباكر، وإما عند المغيب.
ففي لوحته “شـرفـة على شاطـئ سينـت آدريـس” صوّر رائد المدرسة الانطباعية الفرنسي كلود مونيه انطباعه ذات صباح صيفي دافئ، ثم بعد خمسة أعوام أبدع بريشته لوحته “انطباع شمس مشرقة” التي تكمن قيمتها في رسم الضوء عند شروق الشمس وأعطت اسمها للتيار الانطباعي ككل. هذا التيار الذي جال فنَّانوه من رينوار إلى سيسلي وديغاس وسيزان على مختلف المناطق في فرنسا، يرسمون تبدل الضوء في المكان الواحد بمرور الوقت، ودائماً بالانطلاق من ضوء الصباح.
ولكن منذ ما قبل الانطباعية كان الصباح حاضراً في صياغة شخصية كثير من أبرز الأعمال الفنية المعروفة عالمياً. ففي نظر الروائي الفرنسي مارسيل بروست، فإن أجمل لوحة رآها هي لوحة الفنان الهولندي يوهان فيرمير “منظر لديـليفت”، وقد رسمها صباح يوم بارد فيه مزيج من غيوم تتلاشى عقب ليلة مطيرة، وقد سقطت أشعة الشمس على الماء والشاطئ.
كما أن الفنَّان الإيطالي كاناليتو الذي كان شبه متخصص في رسم قنوات المياه في مدينة البندقية ومرفئها، جاءت معظم لوحاته توثيقاً دقيقاً لما كانت عليه هذه المناظر إما صباحاً وإما مساءً. وهي من اللوحات القليلة التي كانت وراء ظهور الانطباعية بعدها بنحو قرنين من الزمن.
كما أبرز الفنان البريطاني جون ويليام ووترهاوس، الصباح في لوحته “سيدة جزيرة شالوت” التي تحكي في سردها البصري أسطورة عن سيدة بها لعنة كانت تعيش منعزلة في جزيرة قاصية، ثم غادرتها في صباح خريفي، غير أنها توفيت. فجسّد ووترهاوس حكايتها في تلك اللوحة.
وفي غرفة زينتها الصباحية، تظهر الفنانة الروسية زينـيدا سيريبريكوفا في لوحتها “صورة ذاتية”. فيما يبحر بنا الهولندي البيرت كاب عبر لوحته “نهر ماس عند بلدة دوردريخت” لنرى ضوء الصباح الباكر يلامس المباني البعيدة، وإلى جانبها الميناء وأشرعة المراكب تعلوها الغيوم.
ومن بين اللوحات الشهيرة أيضاً لوحات “ضوء الصباح”، للفنان الأمريكي جيفري لارسون، التي يقدِّم فيها رؤية فائقة الجمال والحساسية والإبداع للصباح وشروق الشمس.
ومن الشعراء من يحبه ومنهم من يخشاه
الصباح صنو الإبداع، فكما هو في السرد ملهمٌ، كذلك يفعل في الشعر عبر التاريخ، فحضر في الشعر العربي عبر العصور، ومنها قول شاعر العصر العثماني حمد بن قاسم بن زاكور الفاسي، صاحب ديوان “الروض الأريض” في قصيدته العمودية من بحر الموشح:
عللاني فلقد جاء الصباح
بسلاف الرَّاح
وامزجاها بلمى غيدٍ صِباح
واملَآ الأقداح
واسقياني فلقد غنَّى وصاح
طائر الإصباح
أما ابن مليك الحموي فيقول مستقبلاً الصباح:
هزم الصباحُ طلائع الظلماء
وأتاك تحت عصابةٍ بيضاء
ويتجلّى عشق ابن سناء الملك للصباح حتى يدخل به إلى أنسنة تجعل منه محبوبة يتغزّل فيها حين يقول:
عانقني حتى الصباحِ الصباح
وقلت من بُرَحِ الهوى لا بَرَاحْ
ولم يزل خدّي على خدِّه
وهذه عادته في الملاح
ويمضي زمان الشعر بالصباح حتى نصل إلى التونسي أبي القاسم الشابي، وهو يخاطب حبيبته:
عذبة أنت كالطفولة كالأحـلام
كاللحنِ كالصباح الجديد
كالسماء الضحوك كالليلة
القمراء كالوردِ كابتسامِ الوليد
وفي نصٍّ آخر يشدو بقوله:
قدَّس اللَّه ذكره مِن صباح ساحر
في ظلال غابٍ جميل
كان فيه النَّسيم يرقص سكراناً
على الورد والنَّبات البليل
ومن الشعراء أيضاً خص الدكتور غازي القصيبي الصباح في قصيدته “كلمات من ملحمة الوجد”:
وهذا الصباح
نهضت فلاحظت أن السماء أرق
لأني أحبك
إن الورود أشد احمراراً
لأني أحبك
إن الغيوم ترش الرذاذ
لأني أحبك
قلت: صباحك نور وورد وغيم
وحب
فيما لا يتخلف العاشق نزار قباني عن المرور على الصباح كما في نصّه:
إذا مر يوم ولم أتذكر به أن أقول: صباحك سكر
ورحت أخط كطفلٍ صغيرٍ كلاماً غريباً على وجه دفتر
فلا تضجري مِن ذهولي وصمتي ولا تحسبي أن شيئاً تغيّر
فحين أنا لا أقول: أحب.. فمعناه أني أحبك أكثر
ويطل الصباح في شعر الفلسطيني محمود درويش في نصه:
سأمدح هذا الصباح الجديد سأنسى الليالي كل الليالي
وأمشي إلى وردة الجار أخطف منها طريقتها في الفرح
ومن عادى الصباح
غير أن لبعض الشعراء ممن وجدوا في الليل والسهر حاضنة لعواطفهـم موقفاً مغايراً من الصباح يصل إلى حدّ كراهيته واستعدائه، لدوره في إفساد متعة النوم أو الوصال مع الحبيب. ومن هؤلاء نجد على سبيل المثال لسان الدين ابن الخطيب في العصر الأندلسي، الذي يقول في موشحه الشهير “جادك الغيث”:
حين لذّ النومُ شيئاً أو كما
هجم الصبحُ هجومَ الحرسِ
غارت الشهبُ بنا أو ربما
أثرت فينا عيون النرجسِ
ويمكننا أن نجد في العصر الحديث الموقف المعادي للصباح نفسه ولسبب مشابه، عند الشاعر المصري إبراهيم ناجي الذي يقول في قصيدته “الأطلال” التي غنتها أم كلثوم:
يقظةٌ طاحت بأحلام الكرى
وتولى الليلُ والليلُ صديق
وإذا النور نذيرٌ طالعٌ
وإذا الفجر مطلٌ كالحريق
صباح شهرزاد
لعل أشهر الصباحات التي سارت بها الركبان ذكراً هو صباح شهرزاد، آخر جواري شهريار الملك في حكايات ألف ليلة وليلة. وهذا الاسم علم مؤنث فارسي، يعني: الأميرة أو بنت البلد. وهو من الأسماء المركَّبة: “شهر: المدينة”، و”زاد: الابنة”.
وحسبما تم ذكره عن هذه الجارية، فقد تمتعت بفطنة وذكاء وقدرة فائقة على السرد والحكي، فظلت تحكي قصة كل ليلة لملكها إلى أن يأتي الصباح، فتقول الحكايات: “وأدركت شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح”. وهي حكايات وصل عددها إلى الألف، ومن هنا جاء اسمها “ألف ليلة وليلة”.
ولم تمر هذه الحكايات في التاريخ الأدبي والفني من دون أن يكون أثرها الكبير والمباشر في كثير من الأعمال في مختلف المجالات الفنية والإبداعية. فقدتم إنتاج كثيرٍ من الأعمال الدرامية المقتبسة عنها للسينما والتلفزيون. فيما كتب الأديب الراحل طه حسين رواية “أحلام شهرزاد” مستعرضاً جماليات البلاغة والتفرّد الأدبي في السرد الذي لازم هذه الحكايات.
وحتى على الصعيد العالمي، كان لهذه الحكايات تأثيرها في صناعة أحد أشهر المتتابعات السيمفونية، وهي سيمفونية شهرزاد، التي ألّفها الروسي نيكولاي ريمسكي كورساكوف في عام 1888م، واستوحى إيقاعاتها التي تتكوَّن من أربع حركات، من حكايات ألف ليلة وليلة، وأصبحت أشهر أعماله.
مجلة “صباح الخير”
برزت في الصحافة العربية خلال القرن الماضي مجلة “صباح الخير” المصرية، وهي مجلة أسبوعية، صدر أول أعدادها في 17 يناير 1956م عن مؤسسة روز اليوسف، رغم أن مالكتها السيدة فاطمة اليوسف أعلنت عنها في خطاب لمدير قلم المطبوعات في 17 أبريل 1951م.
وفي افتتاحية العدد الأول من المجلة كتبت اليوسف: يسألني الناس لماذا اخترت اسم “صباح الخير”، وأقول: إنه اسم أتفاءل به.. لقد خلقت بطبيعتي أحب الصباح وأكره الغروب.. فمهما كانت الظروف، أشعر دائماً مع كل صباح بأنني قوية.. مبتهجة.. مشرقة.
ولم تكن “صباح الخير” المصرية هي المجلة الأولى بهذا الاسم، وإنما سبقتها أخرى أمريكية، كانت مجلة فكاهية سياسية، بدأ إصدارها في مايو 1919م على يد إليس أو. جونز، وهو محرر سابق في مجلة “لايف”، ورسام الكاريكاتير آرت يونج. غير أنها مع ارتفاع تكاليف نشرها توقفت في أكتوبر 1921م.
الصباح لغوياً
يمنح ثراء اللغة العربية الصباحَ حيوية واسعة في المعنى والاشتقاق. فالصبح في المعاجم اللغوية هو الفجر أو أول النهار، الفترة التي تسبق أو تلي مباشرة شروق الشمس. ويُجمع على أصباح (بفتح الهمزة)، والفعل أصبح بمعنى دخل فيه، ودنا وقت دخوله في الصباح، وأيضاً: صار، وظهر وبان. وقولك: “تُصبح على خير”، أي أدعو لك بليلةٍ سعيدةٍ. ومثله، صبّحه الله بخير: دعاء له، وصبّحته: سلمت عليه بذلك الدعاء.
وأَصبح على وزن “أَفعل” من “صَبحَ، يَصبَحُ”، جعل نفسه “تَصبَحُ”، أي ترى وتبصر ما حولها، أو تستيقظ وتنتبه من رقادها.
والصُّباح هو شعلة القنديل، فيما الإصباح (بكسر الهمـزة) مصدر أصبح، بمعنى الصُبح. وإصباح الشَعر ما خالط بياضه حمرة. يقول المعرّي في اللزومية السادسة:
يأتي على الخلق إصباحٌ وإمساءٌ
وكلّنا لصروف الدهر نسّاء
ويأتي الصباحُ على وزن “فـَعال” اسم فعل مبالغة من “صَبحَ، يَصبَحُ”، والمقصود الرؤية والإبصار بعد تحوّل الظلام إلى ضياء. فيما يأتي الصُبح على وزن “فـُعل” اسم فعل من “صَبحَ، يَصبَحُ”، اسم زمان منه، وهو وقت الرؤية والإبصار بعد تحوّل الظلام إلى ضياء.
يقول النحوي الزجاج محمد بن الليث: إن الصُبح والصباح والأصباح واحد، وهو أول النهار. ويشير اللغويون إلى أن اللفظ ينتمي إلى مجموعة ألفاظ “الوعي واليقظة ضد الغفلة والنوم”، وهي: (فَاقَ، يَفِيقُ)، (صَبحَ، يَصبَحُ)، (يَقِظَ، يَيقَظُ –يَقُظَ، يَيقُظُ)، (هَجدَ، يَهجُدُ)، (سَمَرَ، يَسمُرُ)، (سَهِرَ، يَسهَرُ). وقد سُمّي الصباح صبحاً لحمرته، كما سُمّي المصباح مصباحاً لحمرته.
ديك الصباح
للديك ساعته البيولوجية الخاصة به مثل الإنسان. لذلك نجده منتظماً في صياحه عند الصباح الباكر من كل يوم جديد، وأثبتت ذلك دراسة أجراها باحثان من جامعة ناغويا اليابانية أنه إذا تم وضع ديك في بيئة مضاءة طوال الوقت، فإنه مع بدء تباشير الصباح سيمارس عادته وسلوكه في الصياح.
ولم يتوقف البحث عن دراسة سلوك الديك الصباحي، والتزامه الثابت بالصياح في وقت دقيق إلى حدٍّ كبيرٍ، بل اتجهت إلى دلالات الصياح التي تختلف باختلاف شعوب الأرض، حيث يقول عالم الإنسانيات الأمريكى رالف لينتون في كتابه “شجرة الحضارة”: “كان القرويون من سكان جنوب شرق آسيا يربُّون الدجاج لإخافة الأشباح والأرواح الشريرة”.
وكان للديك نصيبه من الحضور في النصوص الأدبية، فقد ذكره الشاعر الضرير بشار بن برد ممتدحاً الجارية رباب:
ربابة ربة البيت
تصبُّ الخلّ في الزيت
لها عشر دجاجاتٍ
وديكٌ حسن الصوت
وفي كل سينما فِلْم بعنوان “صباح الخير”
ترتبط الأعمال السينمائية والتلفزيونية بما يتم إنجازه روائياً أو قصصياً، لما يوفِّره ذلك من قاعدة للحبكة وكتابة سيناريو متميّز. ولذا، تم إنتاج عديد من الأفلام والمسلسلات في السينما والتلفزيونات العالمية والعربية ذات صلة بالصباح سواء في العنوان أو المضمون الذي يدل عليه الصباح ومقتبسة في معظمها عن الأدب المكتوب، واللافت فيها تكرار التحية “صباح الخير” عنواناً لها، رغم تنوُّع موضوعاتها.
من أوائل الأفلام التي تم إنتاجها عربياً في هذا الجانب فِلْم “صباح الخير” الذي تم عرضه في عام 1947م، وكتب قصته وأخرجه حسين فوزي، وأدّت فيه الراحلة صباح دور البطولة، وغنّت فيه أغنيتها “صباح الخير على لبنان” التي كتبها حسن توفيق ولحنها محمد فوزي، ضمن مجموعة من أغاني الفِلْم.
وتناولت السينما العالمية كذلك الصباح في موضوعاتها وعناوينها. وكان أول الأفلام باسم “صباح الخير” تم إنتاجه في روسيا في عام 1955م، أعقبه فِلْم ياباني في عام 1959م، وأيضاً تم إنتاج فِلْم رسوم متحركة ياباني قصير بعنوان “صباح الخير” في عام 2008م.
وتم إنتاج الفِلْم البريطاني “ليلة السبت وصباح الأحد” في عام 1960م، ويُعد أحد أفضل أفلام سلسلة “شبان غاضبون” التي أنتجتها بريطانيا في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي. واستند الفِلْم إلى الرواية الأولى للروائي آلان سيليتو التي أصدرها في عام 1958م، وكتب السيناريو له أيضاً، وأدّى دور البطولة فيه ألبرت فيني.
وبالعودة إلى السينما العربية، فقد تم إنتاج المسلسل الدرامي المصري “حديث الصباح والمساء” في عام 2001م. ويستند هذا المسلسل إلى رواية للأديب الراحل نجيب محفوظ بالاسم نفسه، ويتناول تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي، وكتب المعالجة الدرامية والسيناريو والحوار له السيناريست محسن زايد، وأخرجه أحمد صقر، فيما أدّى دور البطولة فيه عدد من نجوم الدراما المصرية، منهم ليلى علوي، وعبلة كامل، ودلال عبد العزيز، وخالد النبوي، وغيرهم.
..وللصباح إعلامه الخاص
وتأخذ وسائل الإعلام المرئي والمسموع خصوصية الفترة الصباحية بكثير من الجدية، حتى ليمكن أن يكون حال هذه الوسائل الإعلامية في الصباح مختلفاً تماماً عما هو بعد الظهر أو مساءً.
فمعظم تلفزيونات العالم قدَّمت أو لا تزال تقدِّم برامج حوارية خفيفة نسبياً بعنوان “صباح الخير”، يتبعه اسم بلد التلفزيون: صباح الخير أميركا، صباح الخير روسيا، صباح الخير نيوزيلندة.. ويبث التلفزيون السعودي عبر القناة الأولى برنامجه الصباحي (قهوة الصباح) على الهواء مباشرة، ومثله في غالب الفضائيات العربية.
واللافت في البرامج الصباحية أنها تتوجه بالدرجة الأولى إلى الأطفال الذين هم دون سن الذهاب إلى المدرسة من رسوم متحركة وأغنيات، وإلى ربات البيوت بحوارات حول قضايا اجتماعية. ومما أثمر عنه هذا التوجه هو ظهور نوعية من المسلسلات العاطفية والاجتماعية الطويلة، التي صارت تُعرف باسم “الأوبرا الصابونية”. لأن هذه المسلسلات كانت تتوجه إلى النساء صباحاً، وهو الوقت الذي تتوجه إليهن بشكل خاص الإعلانات التلفزيونية، وأكثرها كان حول أنواع مختلفة من الصابون وأدوات التنظيف.
قالوا في الصباح
“لا تترك هذا الصباح، لا تتركه يمر من غير أن تلقي نظرة على قلبك، فالذين نسوا قلوبهم في الصباحات، نسوا شمسهم التي لا تغيب“.
جلال الدين الرومي
“الصباح هو أفضل أوقات النهار عندي، كأنما كل شيء يبدأ نابضاً من جديد، ويبدأ الحزن يعتريني مع الظهيرة، وحين تنزل الشمس أكرهها، أعيش بالمشاعر نفسها يوماً بعد يوم“.
هاروكي موراكامي
“أنا لا أؤمـن بالظروف، فالناس الذين يتقدَّمون في هذه الحياة هم أولئك الذين يستيقظون في الصباح للبحث عن الظروف التي يريدونها“.
جورج برنارد شو
“ألّا تنام ليلاً يعني أن تدرك كل لحظة أنك لست طبيعياً، ولذلك انتظر بفارغ الصبر مجيء الصباح والنهار، حيث يكون من حقي ألاَّ أنام“.
أنطون تشيخوف
“حينما تستيقظ في الصباح تأمل كم غالية هي هبة الحياة، فتتنفس وتفكر وتستمتع وتحب“.
الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس
“لم أعرف شخصاً أصبح ذا شأن يتمدَّد في فراشه حتى وقت متأخر من الصباح“.
الكاتب الإرلندي جوناثان سويفت
“الصباح رائع ..عيبه الوحيـد أنه يأتي في وقت غير مناسب من اليوم“.
الكاتب الأمريكي غلين كوك
اترك تعليقاً