من الناحية الاقتصادية، تُعدُّ السباقات قوة كبيرة، تجتذب إليها آلاف المتفرجين والمشاركين، وهو ما يدر إيرادات للمدن المضيفة والشركات والصناعات. فمن مبيعات التذاكر إلى زيادة الحركة التجارية ودعم القطاع الفندقي، تعمل السباقات على تغذية النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل، وتحفيز السياحة، ودعم الاقتصادات المحلية في جميع أنحاء العالم. ولذا، وفيما تتطوّر السباقات وأنظمتها، فإن هذه السباقات تحفّز على التطوير والابتكار والإبداع في ميادين كثيرة.
من ساعات الإيقاف إلى مئات أجزاء الثانية
للدقة في التوقيت أهمية كبرى في عالم السباقات، ولكل جزء من الثانية دور حاسم. ففي اليونان القديمة، حيث كانت تجري الألعاب الأولمبية الأولى قبل نحو 2500 سنة، كان الفوز في السباق يعتمد على تقدير الحكام، ولم يكن احتساب أرقام المتسابقين يُؤخذ في الحسبان، كما أنه لم يكن هناك وسيلة تقنية لتوقيت السباقات على أية حال.
ومع اختراع الساعة، استُخدمت الساعات اليدوية لضبط الوقت في أنواع معينة من السباقات. ومن ثَمَّ، اعتمدت ساعة الإيقاف لتحديد الوقت منذ إقامة الألعاب الأولمبية الحديثة الأولى في عام 1896م. كما استُخدمت في سباقات الخيول وغيرها، ولكن ذلك لم يلغِ التحديات المتمثلة في عدم الدقة والخطأ البشري.
كان الانتقال إلى التوقيت الإلكتروني لحظة فاصلة في تاريخ السباقات الرياضية، ما أدى إلى جعل العملية أكفأ وأكثر وموثوقية، ومهّد الطريق لمزيد من القفزات التكنولوجية. ومع انتشار التكنولوجيا الرقمية في أواخر القرن العشرين، شهدت أجهزة التوقيت اعتمادًا واسع النطاق لأجهزة التوقيت الرقمية، وهو ما أدى إلى دقة غير مسبوقة بفضل تكنولوجيا التوقيت المتقدمة هذه، فأصبح بالإمكان قياس السرعة بجزء من المليون من الثانية، أو ميكروثانية، وهي وحدة زمنية صغيرة جدًا، لا سيَّما إذا ما علمنا أن رمش العين يستغرق من 300 إلى 400 ميكروثانية. ومع ذلك، وبفضل الاختلافات الصغيرة في المسارات والمسابح، مثلًا، لا يمكن توقيت سباقات السباحة والركض إلا لجزء من مائة من الثانية. وفي المقابل، أصبح بالإمكان تحقيق رصد دقيق جدًّا في سباقات الهجن تصل دقته إلى 6 آلاف جزء من الثانية.
ومؤخرًا، مع تطور التكنولوجيا الرقمية، أصبحت أنظمة توقيت السباق متطورة ومتكاملة بشكل متزايد، فأصبحنا نشاهد اليوم مجموعة مختارة من أجهزة ضبط الوقت عالية التقنية بما في ذلك الكاميرات الرقمية عالية السرعة ولوحات اللمس الإلكترونية وأجهزة إرسال الراديو، على سبيل المثال لا الحصر. إضافة إلى ابتكارات عديدة تهدف إلى تعزيز تجربة السباق الشاملة للمشاركين والمتفرجين ومنظمي السباقات الرياضية على حد سواء.
“مضمار السرعة” في القدية
ومن أوجه دور السباق في التحفيز على التطوير، نتوقف أمام أحدث الأمثلة وأقربها إلينا، وهو “مضمار السرعة” الذي يشكِّل أحد المشاريع الريادية التي ستضمها مدينة القدية في المملكة العربية السعودية، والذي أُعْلِن عنه في مارس 2024م.
يهدف هذا المضمار إلى تعزيز مكانة المملكة في عالم رياضة المحركات، وجعلها موطنًا لأبرز السباقات في العالم. إذ من المقرر أن يتضمن مجموعة فريدة من المميزات والتقنيات الحديثة والتجارب الاستثنائية في عالم السيارات. كما أنه سيجسِّد فلسفة “قوة اللعب” التي تُعدُّ بمنزلة العلامة التجارية التي تبنتها القدية في مشاريعها الريادية الأخرى.

والجدير بالذكر أن القيّمين على المشروع قرَّروا الاعتماد على تجارب أهل الخبرة فيما يتعلق بتصميم مضمار السرعة؛ إذ سيشارك فيه كل من سائق “فورمولا 1” السابق النمساوي أليكس فورتز، ومصمم حلبات السباق الشهير الألماني هيرمان تيلك؛ لتقديم نموذج مبتكر للمشاهدين والمتسابقين يرتقي برياضة المحركات إلى آفاق غير مسبوقة.
أمَّا من حيث الشكل، فسيضم المضمار 21 منعطفًا تطل على المناظر الطبيعية الخلابة لمدينة القدية من علو 108 أمتار في كل لفة، وأبرزها منعطف “ذا بليد” الذي يُعدُّ من أهم المناطق على مسار المضمار، وهو عبارة عن زاوية فريدة يوازي ارتفاعها أكثر من 20 طابقًا. كما يتضمن هذا المضمار عدة أقسام، من أبرزها مسار الشوارع ومسار السباق السريع المفتوح، اللذان يندمجان مع المناطق المحيطة بهما ليوفرا للزوار تجربة فريدة تجمع بين الترفيه والرياضة والثقافة معًا. إذ يُستبدل بالمدرجات التقليدية نقاط مشاهدة متعددة، وشرفات تطل على حافة المضمار لتجعل المشاهد في قلب الحدث. كما يحيط بالمضمار عدد من مناطق الفعاليات الأخرى، لتمزج بين متعة رياضة المحركات وحيوية الأنشطة الثقافية والترفيهية، مثل العروض الموسيقية والمتنزه المائي لمدينة القدية.
اترك تعليقاً