تشكِّل الموجات مجالاً واسعاً للبحث، ونجدها في تطبيقات عديدة مثل الاتصال اللاسلكي والميكروويف، وحديثاً التصوير من خلف الجدران الذي كان يعتقد كثير أنه من المستحيلات، إلاَّ أن التطور المذهل في الإلكترونيات والقدرة على معالجة الإشارات بشكل سريع، جعل النظر من خلال الجدران أمراً واقعاً.
وللتصوير من خلال الجدران أهميته في هذا العصر، فهو يستخدم في المجالات العسكرية والمدنية والطبية. فتخيَّل معي أنك تملك قدرة الأشعة السينية لاختراق الحواجز وتستطيع أن ترى ما خلف جدار بيتك مثلاً أو ما بداخل جسم الإنسان!
يمكن تقسيم التطبيقات المتعلقة بالتصوير من خلال الجدران إلى: تطبيقات عسكرية وتطبيقات مدنية. فتشمل التطبيقات العسكرية: الكشف عن الألغام تحت الأرض لعدة أمتار، وتحديد مواقع المعتدين داخل المباني من دون تعريض الأرواح لمزيد من الأخطار. وهناك تطبيقات مهمة في حالة الكوارث: حيث يتم الكشف عن الأشخاص المدفونين تحت الأنقاض أو في حالة نشوب الحريق، فيكفي التغير الناتج عن التنفس أو دقات القلب للكشف عن وجود المحتجزين. كما يمكن أن تسهم هذه التقنية في تحديد مواقع الأنابيب والأسلاك الكهربائية في الجدران، مما يقلل الأخطار والمتاعب المترتبة عن الحفر الخطأ. كما تستخدم للكشف عن وجود المرافق وخطوط الغاز المدفونة تحت الأرض. وهناك عديد من التطبيقات الطبية كمتابعة المرضى من الأطفال وكبار السن، وغير ذلك الكثير.
كيف تعمل هذه التقنيات؟
هناك عدة تقنيات تستخدم للرؤية من خلال الحواجز، كالاعتماد على الأشعة السينية، والحرارية، أو حتى الصوتية، ولكل من هذه التقنيات إيجابيات وسلبيات. فالأشعة السينية المستخدمة في تصوير العظام تستطيع اختراق الجلد وعديد من المواد، إلاَّ أن هذه الأشعة هي مؤينة، أي إنها تغير في وضع الذرة، مما يحد من استخدامها خوفاً من الآثار الصحية المترتبة عليها، وخصوصاً عند تكرار الاستخدام. أما الموجات الكهرومغناطيسية أسلم لأنها أشعة غير مؤينة – رغم الجدل القائم- فهي نفس الموجات المستخدمة في الراديو، والهاتف اللاسلكي، وغيرها من تقنيات الواي فاي.
هناك عدة تقنيات تستخدم للرؤية من خلال الحواجز، كالاعتماد على الأشعة السينية، والحرارية، أو حتى الصوتية، ولكل من هذه التقنيات إيجابيات وسلبيات
وهناك نوعان من موجات الراديو المستخدمة: الأول يقوم بإرسال موجات ذات تردُّد واحد، ثم يقوم بزيادة التردُّد حتى نصل إلى أعلى تردُّد يمكن إطلاقه، أما النوع الآخر فيقوم بإرسال نبضات في زمن قصير جداً. وفي كل مرة يتم إرسال موجة لتحديد موقع هدف ما، يتم حساب الزمن المقضي من انطلاق الإشارات وحتى عودتها. وبما أن الموجة انطلقت وعادت، فقد تم حساب المسافة بين الهوائي والهدف مرتين؛ لذلك يتم قسمة الزمن على اثنين لنحدِّد مكان الهدف، حيث يتم افتراض سرعة الضوء في الفراغ -إلا في حالة معرفتنا بنوع الوسط وسماكته-. ويقع الهدف على دائرة نصف قطرها يمثل المسافة المحسوبة، وباستخدام أكثر من مستقبل، أو بتحريك المستقبل وتكرار القياس يتم تحديد الاتجاه المفترض للهدف الذي يكون في نقطة تقاطع الدوائر المرسومة، وكلما زاد عدد نقاط الاستقبال زادت الدقة في تحديد مكان الهدف.
دور خصائص الجدار
يطلق جهاز الرؤية موجات على الحاجز فبعضها ينعكس وبعضها يُمتص داخل الجدار الحاجز- كأن يتحوَّل إلى طاقة حرارية – وبعض الموجات يمر من خلال الحاجز وهذا ما يهمنا، وهنالك عدة عوامل تحدِّد مدى نفاذية الموجات الكهرومغناطيسية عبر الجدار، مثل: طريقة بنائه، نوع المواد المستخدمة في بنائه، وحالة الجدار كمقدار الرطوبة فيه مثلاً.
فالجدار الذي يحتوي على فراغات أو أشكال معقدة (مثل الطابوق) يسبب ارتدادات داخلية وتشتتاً للإشارات، بينما الجدار المصمت لا تحدث فيه ارتدادات داخلية. وللمادة المكوّنة للجدار بعض الخصائص التي قد تسهـل أو تصعب اختراقه من قبل الموجات. فالمعادن تُعد صعبة الاختراق بالنسبة للموجات، أما المواد الأخرى كالإسفنج فتكون سهلة الاختراق.
أجهزة التصوير الموجودة حالياً
يوجد حالياً عدد من المنتجات التي تستخدم الموجات الكهرومغناطيسية للرؤية من خلال الجدران، ومنها على سبيل المثال:
Walabot: جهاز رخيص الثمن يستخدم للتصوير خلف الجدران، فهو يعمل كملحق للهاتف المحمول، حيث يستفيد من الشاشة، والمعالج لخفض التكلفة الإجمالية، ويستخدم غالباً لرؤية المشكلات والتسربات في الأنابيب والأسلاك. ويمكن للجهاز رؤية ما يقرب من 7سم إلى 10سم من الأنبوب، كما يمكنه الرؤية من خلال الجدران ذات الكثافة الأقل مثل الجدران الجافة.
Prism 200: جهاز خفيف الوزن، يمكن حمله بيد واحدة أو اثنتين، ويستخدم للتصوير خلف الجدران، ويمكن لهذا الجهاز رؤية ما هو على بعد 20 متراً، ويستخدم بطارية تمتد إلى 4 ساعات ونصف الساعة.
كما يتم تركيب بعض الأجهزة في المنازل للكشف عن دخول الغرباء، حتى ولو كانوا في غرف أخرى، غير التي تحتوي على جهاز الإرسال. وتعتمد هذه الأنظمة على توفر هوائيين وجهاز إرسال. ويمكن الاستغناء عن جهاز الإرسال باستخدام أشعة الواي فاي، فعندما تصيب هذه الأشعة هدفاً متحركاً يتغير تردُّدها.
مستقبل هذه التقنية
لا تزال تقنية الرؤية من خلال الجدران كمنتج يستهلك، في مرحلة البداية النسبية. لكنَّ هناك كثيراً من الفوائد والمبررات لتقنية تصوير من خلال الجدران. فلكل اختراع إيجابيات وسلبيات، وقد تحمل هذه التقنية بعضنا على التفكير في كيفية جعل جدار منزله مضاداً للموجات الكهرومغناطيسية! وقد يستعمله البعض للتجسس على خصوصيات البعض، ومن المخاطر أنه سيسهل عمليات السرقة حيث يعرف السارق عدد الأشخاص الموجودين. ولكن الفوائد الطبيـة والأمنيـة، بالإضافة للتطبيقات المدنية تجعل مستقبل هذه التقنية واعداً، كما نتوقَّع أن تزيد دقة الرؤية تدريجياً، فلننتظر ماذا يخبئ لنا المستقبل!
اترك تعليقاً