بيَّنت اتجاهات رأس المال البشري العالمي 2018م، تحولاً جذرياً يواجه قادة الأعمال بالبزوغ السريع لما يسمى “المؤسسة الاجتماعية”. ويعكس هذا التحوُّل الأهمية المتزايدة لرأس المال الاجتماعي في إعادة تشكيل مؤسسات القطاعين الخاص والعام وعلاقاتها مع أصحاب المصلحة، والتأثير في النجاح أو الفشل. فقد شهدنا تغيّرات زلزالية في القوى العاملة ومكان العمل والتقنيات المستخدمة في الأعمال. ولم يعد تقييم المؤسسات يتم على الأسس التقليدية فقط مثل مقاييس المحاسبة المالية، أو حتى جودة المنتجات أو الخدمات؛ بل على أساس علاقاتها مع موظفيها وعملائها ومجتمعاتها ككل، ومدى تحوُّلها من مؤسسات تجارية أو حكومية بحتة إلى مؤسسات اجتماعية.
أحدث تراجع تكاليف التجارة العالمية وتطوُّر التقنية المتقدِّمة ونمو الابتكارات تحوُّلاً عميقاً في أساليب الإنتاج والتجارة الدولية. فلم تعد عملية الإنتاج مجمَّعة في موطن واحد، بل توزعت مختلف مراحلها على مواطن متفرقة حول العالم.
يحقِّق رأس المال الاجتماعي اكتشافاً جديداً ينافس رأس المال المادي في القيمة. فقد صنّف %65 من الرؤساء التنفيذيين “النمو الشامل inclusive growth” ضمن أفضل ثلاث استراتيجيات جللة (أكثر من ثلاث مرَّات من نسبة “قيمة المساهم”). وبيَّنت المسوح، أن الاهتمام بالمعايير البشرية يفوق الاهتمام بمعايير الاستعداد المادي للمؤسسات، الرسم (1). ويلاحظ أن هذه المعايير الأكثر أهمية تتمحور حول رأس المال البشري غير الملموس، مثل:
• رفاه العاملين.
• الانتماء إلى المؤسسة.
• إدارة المعرفة.
• آداب المهنة.
• مستقبل القوى العاملة التالية Post Generational Workforce.
• تطوُّر دور الموارد البشرية.
• إعادة تأهيل المهارات البشرية.
• حوكمة استراتيجيات القوى العاملة.
• تعويضات القوى العاملة.
فقد بات على المؤسسات الناجحة أن تضع في بؤرة اهتماماتها وجهات نظر العملاء والعاملين، من خلال الحفاظ على علاقات إيجابية معهم، وكذلك مع المجتمعات المحلية والجمعيات الأهلية والمؤسسات الحكومية وأصحاب المصلحة الآخرين. فهذا أمر بالغ الأهمية للحفاظ على سمعة المؤسسة؛ ولجذب العاملين الأَكْفَاء والاحتفاظ بهم؛ ولتعزيز الولاء بين العملاء. ويلاحظ تحوُّل مؤسسات كثيرة إلى سيمفونية “شبكة الفِرَق” كنموذج تشغيلي بهدف تحقيق تعاون أكبر. وانضم إلى هذا التحوُّل تحوُّل آخر متنامٍ من تركيز المؤسسات على البيئة الداخلية إلى التركيز على البيئة الخارجية.
وبالتالي، فالمؤسسة الاجتماعية لها مهام تجمع بين النمو والمكسب الاقتصادي مع احترام ومساندة البيئة حولها وشبكة أصحاب المصلحة في الوقت نفسه، وهذا يشمل مسؤوليتها
نحو المواطن داخل المؤسسة وخارجها، والتعاون على كل المستويات ضمن نموذج
يهتم بالبشر (كبشر وليس كأشياء) وكرأس
مال “غير ملموس” يندمج في التقنية.
تغلغل الأصول غير الملموسة في سلاسل القيمة العالمية
في القرن الحادي والعشرين، أحدث تراجع تكاليف التجارة العالمية وتطوُّر التقنية المتقدِّمة ونمو الابتكارات تحوُّلاً عميقاً في أساليب الإنتاج والتجارة الدولية. فلم تَعُد عملية الإنتاج مجمَّعة في موطن واحد، بل توزَّعت مختلف مراحلها على مواطن متفرِّقة حول العالم. وبرزت سلاسل توريد دولية معقَّدة (سلاسل القيمة العالمية) تقوم من خلالها شركات بالبحوث والتطوير، وأخرى تصنّع الأجزاء وتشحنها عبر أنحاء العالم لتجميعها في موطن آخر، ثم توزيع المنتج النهائي.
وتزامن صعود سلاسل القيمة العالمية مع تزايد أهمية الأصول غير الملموسة في الاقتصاد والإدارة. وتسارع نمو استثمارات التقنيات المتقدِّمة والتصاميم والعلامة التجارية، بوتيرة تجاوزت الاستثمارات الملموسة. وتؤثِّر الأصول غير الملموسة في سلاسل القيمة العالمية بطريقتين:
- تستلزم سلاسل التوريد العالمية نقل معارف التقنية والأعمال من مكان إلى آخر، وتخضع المعارف إلى أشكال متنوِّعة من الملكية الفكرية المسجلة (مثل البراءات والتصاميم الصناعية)، والملكية الفكرية غير المسجلة (مثل حقوق المؤلفين والأسرار التجارية).
- تحدِّد التقنية والتصاميم والعلامة التجارية مدى النجاح في السوق، وتؤثر على القيمة المضافة.
ويقتضي تحديد مصدر توليد القيمة في سلاسل القيمة العالمية تحليل مقدار الدخل المتأتي مما يستخدم في إنتاجها من الأعمال والأصول الملموسة وغير الملموسة. وفي تقدير حصص الدخل المتأتية من عوامل الإنتاج الثلاثة (العمالة، ورأس المال الملموس، وغير الملموس) لجميع منتجات التصنيع، فإن رأس المال غير الملموس يستحوذ على حصة من القيمة المضافة إلى جميع المنتجات المصنعة والمباعة في العالم أكبر من حصة نقيضه الملموس.
فقد بلغ متوسط حصة الأصول غير الملموسة (ومن بينها الملكية الفكرية والتقنية والتوسيم) %30.4 من الدخل الناجم عن عوامل الإنتاج الثلاثة خلال الفترة 2000م – 2014م، أي قرابة ضعفي حصة الأصول الملموسة (الآلات والمباني والمخازن والمركبات) والعمالة (أجور وتعويضات العاملين)، ومما يثير الاهتمام أن هذه الحصة ارتفعت من %27.8 في عام 2000م إلى %31.9 في عام 2007م، لكنها استقرت بعدها. وإجمالاً، ارتفع الدخل المتأتي من الأصول غير الملموسة في 19 قطاع تصنيع بنسبة %75 في الفترة نفسها، وبلغ 5.9 تريليون دولار عام 2014م. وقد يفسَّر ارتفاع حصة الأصول غير الملموسة باستفادة شركات التصنيع العالمية من تزايد فرص ترحيل الأنشطة التي تتطلب أيادي عاملة كثيفة إلى الاقتصادات ذات الأجور المتدنية.
وللأصول غير الملموسة أهمية في توليد القيمة في إنتاج سلسلة القيمة العالمية. لكن يبقى السؤال عما يمثله تحديداً الدخل المنسوب إلى الأصول غير الملموسة؟ يمكن لهذا الدخل أن يكون نتيجة جميع الإيرادات التي تتجاوز الإيرادات الناتجة من رأس المال الملموس والسوق. ويشمل ذلك إيرادات سمعة المؤسسة وصورتها، والتفوق التقني وجاذبية التصاميم المحمية التي تميز منتجات شركة عن الآخرين، كما يشمل ذلك أيضاً الخبرة المؤسسية والإدارية. فمثلاً، ارتفعت حصة “آبل” من أرباح صناعة الهواتف الذكية إلى %92 من بين 8 شركات منافسة، وهذا النجاح مبني على الأصول غير الملموسة، حيث %35 من جميع براءات الاختراع تتعلق بالهواتف الذكية.
ويمكن التمييز بين نوعين من الأصول غير الملموسة:
الأصول المعرفية: تشمل التقنية والتصاميم والخبرات المؤسسية واللوجستية والإدارية وما يرتبط بها. ومن الخصائص المشتركة بين هذه الفئة من الأصول أن لا منافسة في ما بينها، وخلافاً للأصول الملموسة لا ترتبط بموطن بعينه. فمثلاً قد تُجرى أعمال البحوث والتطوير الخاصة بسيارة في موطن، ثم يوزع المنتج بعد تطويره على مجموعة واسعة من المواطن. وبينت حصص إيرادات المنتجات المصنّعة حسب أنواع الأصول أن النوع غير الملموس يفوق حصص النوع الملموس (الرسم 2). ويعرض الرسم (3) الناتج العالمي بمليارات الدولارات لمجموعات المنتج مرتبة بحسب حجم إنتاجها العالمي. ويلاحظ أن حصة الأصول غير الملموسة مرتفعة بشكل لافت (بل قد تتجاوز ضعفي حصة الأصول الملموسة) في المنتجات الصيدلانية والكيميائية والبترولية. ولكن هذه الحصة مرتفعة نسبياً في المنتجات الغذائية والحواسيب والإلكترونيات والبصريات. ومن حيث الإيرادات، تمثل المنتجات الغذائية والسيارات والمنسوجات زهاء %50 من مجموع الدخل الذي ولده رأس المال غير الملموس.
إدارة الأصول المعرفية
من أجل جني إيرادات من الاستثمارات في الابتكار، يجب على الشركات أن تكون قادرة على الاحتفاظ بأصولها المعرفية. ويُحبذ أن تستأثر بجميع المكاسب التي تؤتيها هذه الأصول من دون تسربها كمعارف إلى المنافسين.
• إدارة أصول السُّمعة
تتألَّف أصول السُّمعة من حسن النية التي يبديها المستهلكون إزاء علامة شركة ما. ويعزى ذلك جزئياً إلى الرضا المستمد من عمليات شراء سابقة للعلامة، وفي جزء آخر إلى الصورة المرتبطة بمختلف العلامات التجارية (الهواتف الذكية كمثال). وتتنافس أصول السُّمعة في ما بينها بحكم طبيعتها: فلا تكون للعلامة التجارية قيمة سُمعة إلا إذا ارتبطت بمنتج وحيد أو شركة وحيدة. وعلى الرغم من أنه يمكن أحياناً للعلامات التجارية أن تكتسب سُمعة دولية، فإنها عادة لا تتدفق بسلاسة عبر الحدود.
وعلى غرار الأصول المعرفية، يمكن لأصول السمعة أن تسهم إسهامات مهمة في انتظام سلاسل القيمة العالمية. وتنطوي الاستعانة بمصادر خارجية في تصنيع قطع الإنتاج على احتمال فقدان القدرة على مراقبة جودة القطع. فقد تتعرَّض الشركة الرئيسة لمخاطر تهدِّد سمعتها، بسبب مُدخلات معيبة أو ضعيفة الأداء بعد بيع المنتجات في السوق. وبالمثل، قد تتأثر تصورات المستهلكين عن الشركة الرئيسة بأسلوب تعامل مورديها مع عمالهم وحمايتهم للبيئة. ويقتضي التعامل مع هذه الاعتبارات اللجوء إلى الاندماج الرأسي المباشر، أو على الأقل توسيع نطاق تدخل الشركات الرئيسة في العمليات التجارية لمورديها.
• اللحاق بركب التصنيع والتنمية الصناعية
تزامن بزوغ سلاسل القيمة العالمية مع تسارع التنمية الصناعية في بعض الاقتصادات ذات الدخل المنخفض والمتوسط، واندماج هذه الاقتصادات في الاقتصاد العالمي. فبرزت الصين في طليعة هذا التحوُّل، بفضل اقتصادها الذي يوصف غالباً بأنه “مصنع العالم”. غير أن عدداً من الاقتصادات الأخرى في آسيا وأوروبا الشرقية وأجزاءً أخرى من العالم شهدت بدورها تنمية صناعية عظيمة الأثر من خلال المشاركة في سلاسل القيمة العالمية. فهل كانت المشاركة في سلسلة القيمة العالمية هي ما حفّز التنمية الصناعية ولولاها ما كانت لتتحقق؟ أم أنه اتّفق أن اجتمعت للاقتصادات الناجحة الشروط اللازمة لتحقيق التنمية الصناعية التي حفّزت مشاركة هذه الاقتصادات في سلاسل القيمة العالمية؟
بلغ متوسط حصة الأصول غير الملموسة في العالم (ومن بينها الملكية الفكرية والتقنية والتوسيم) %30.4 من الدخل الناجم عن عوامل الإنتاج الثلاثة خلال الفترة 2000م – 2014م.
مفهوم الأصول “غير الملموسة”
يمكن تعريف الأصول غير الملموسة بأنها:
• كل ما ليس له تجسيد مادي ولا مالي، أو كل ما هو غير مرئي
• مزيج “وراثي” (genetic) من التعليم والخبرات والمواقف والأعمال الفكرية
• المعرفة التي يمكن تحويلها إلى قيمة
• التفكير، الملكية الفكرية، البحوث والتطوير
• الابتكار والتنظيم، التصاميم، الموارد البشرية
• الأصول القائمة على المعرفة
• العوامل التنظيمية، المواقف السلوكية، العلاقات، البنية التحتية الرقمية
• مرادفات: أصول فكرية، أصول معرفية، رؤوس مال فكرية، أصول غير مادية
ويمكن النظر إلى الأصول “غير الملموسة” كمجموع أنواع ثلاثة: (رأس المال البشري) + (رأس مال العلاقات) + (رأس المال التنظيمي)؛ أو أنها مجموع ما يعرفه الموظفون ويمنح المؤسسة ميزة تنافسية على الآخرين. وقدرة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD وصف ثلاثة أنواع من الأصول غير الملموسة، (الجدول 1).
ويستند رأس المال البشري إلى التعليم الرسمي والخبرات العملية للموظفين، أما رأس المال التنظيمي فيقوم على العمليات التي تقوم بها المؤسسة ونظم المعرفة. ويرتكز رأس مال العلاقات على مستوى التعاون بين أفراد المؤسسة وبين المؤسسة وعملائها وشركائها الخارجيين.
لماذا الأصول “غير الملموسة”؟
بشكل عام، تُعدُّ الاستثمارات في الأشياء غير الملموسة أمراً حيوياً بطريقتين: كعامل إنتاج و(أو) كمحرك ابتكار. وبالتالي، فإن الإنفاق على الأشياء غير الملموسة له تأثير مباشر على مستوى الإنتاجية على المدى القصير (إجمالي القيمة المضافة) وتأثير غير مباشر على النمو (على المدى الطويل) من خلال تراكم رأس المال ومجمل عوامل الإنتاج. وأصبحت الأصول غير الملموسة أداة رئيسة في قدرة المؤسسات والقطاع العام على المنافسة وأساسية لرفع الإنتاجية والنمو الاقتصادي. فلم تَعُد الأعمال تعتمد على الأصول المادية الملموسة فقط كما كان في عصر الثورة الصناعية الأولى (1700م)؛ فقد سبقتها في الأهمية الأصول “غير الملموسة” في عصر الثورة الصناعية الرابعة الحالي.
ارتفعت حصة “آبل” من أرباح صناعة الهواتف الذكية إلى %92 من بين 8 شركات منافسة، وهذا النجاح مبني على الأصول غير الملموسة، حيث %35 من جميع براءات الاختراع تتعلَّق بالهواتف الذكية.
وخلافاً للأصول المادية الرأسمالية، فإن الأصول غير الملموسة لا تتناقص بالاستعمال، بل تزداد. وأصبح الاستثمار في الأصول الفكرية أداة فعّالة للتنمية والنمو؛ والتحوُّل الرقمي والرقمنة يحتاجان إلى أصول غير ملموسة على مستوى عالٍ.
ويستمد الاستثمار في الأصول غير الملموسة أهميته من خلال التحوُّل الرقمي و”رقمنة” أي شيء وكل شيء في العالم، بما فيها التجارة الرقمية مثلاً. فأنت كمشترٍ من المواقع الإلكترونية (مثل “أمازون”) لا يمكنك التأكد من جودة السلعة المذكورة في الموقع، بينما يمكنك الوثوق في علامة معينة، فتشتري منها مباشرة من دون خوف على مستوى الجودة. فأنت تعرفها بسبب تأثير السمعة والجودة التي التصقت بهذه العلامة التجارية.
وهنا تأتي أهمية الأصول غير المادية في العالم الرقمي.
وتؤكد النتائج أن تأثير التنمية المالية على إنتاجية العمل ليست موحَّدة عبر القطاعات، وتختلف باختلاف بيئات المؤسسات الخاصة بكل بلد والخصائص الخاصة بكل قطاع، مثل: كثافة الأصول غير الملموسة، والهيكل المالي، والاعتماد المالي الخارجي.
وتلعب الأصول غير الملموسة دوراً مهماً في نجاح الشركات والمؤسسات في تحقيق غاياتها، بل يمكن أن تَفيض آثاراً جانبية على قطاعات أخرى من الاقتصاد. والواقع أن هذه الآثار الجانبية من الاستثمار في الأصول غير الملموسة موجودة على كل المستويات، مثل: الجدارة الاقتصادية، ورأس المال البشري بمقدار كبير، وغالباً ما تتجاوز آثارها المباشرة. فمثلاً، تشير دراسات تجريبية في كندا إلى أن الاستثمار في الأصول غير الملموسة عنصر مهم في نمو إجمالي إنتاجية العمالة، حيث بلغ إسهام رأس المال غير المادي في المتوسط 26.2 نقطة مئوية في إجمالي نمو إنتاجية العمالة، في حين أسهم رأس المال المادي %17.9 نقطة مئوية، وأسهم تكوين القوى العاملة %8.7 نقطة مئوية، (الرسم 4). وأسهم الابتكار أكثر من جميع فئات رأس المال غير المادي، تليها الكفايات الاقتصادية والمعلومات المحوسبة. وكان هناك اتجاه مشابه في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا.
وتشير الدلائل إلى نمو أسرع في الاستثمار في الأصول غير الملموسة منه في الأصول الملموسة في الولايات المتحدة واليابان وبعض البلاد الأوروبية. ففي المملكة المتحدة، يقدَّر ارتفاع الاستثمار في الأصول غير الملموسة بأكثر من الضعف كحصة من إجمالي القيمة المضافة لقطاع السوق (بين1970 و2004م). وتقدّر الدراسات الحديثة الاستثمار السنوي في الأصول غير الملموسة في الولايات المتحدة بين 800 بليون دولار إلى 1 تريليون دولار، مع مخزون غير ملموس تصل قيمته إلى 5 تريليونات دولار. وتم احتساب رأس المال غير الملموس (الذي لم يتم قياسه سابقاً) بنحو %18 من النمو في “الإنتاجية متعدِّدة العوامل” في الولايات المتحدة بين منتصف التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ويقدَّر البنك الدولي الشكل الغالب للثروة في جميع أنحاء العالم هو رأس المال غير المادي. ففي المملكة المتحدة، يمكن أن يعزى نصف مبيعات التصدير تقريباً (من الفائزين بجائزة “كوينز Queens ” للتصدير) مباشرة إلى الاستثمار في التصميمات (2004م). وتنحو الدول المتقدِّمة إلى تكثيف استثماراتها في الأصول غير الملموسة، وتتراوح هذه الاستثمارات بين حوالي %5 و%13 من إجمالي الناتج المحلي، الرسم (5).
وارتفع النمو في “مجمل إنتاجية عوامل الإنتاج” (Total Factor Productivity) مع ارتفاع الاستثمار في الأصول “غير الملموسة. وهذا ما دفع اقتصادات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الاستثمار في تنمية الأصول غير الملموسة أكثر من الاستثمارات في الأصول الملموسة. وارتفعت الاستثمار في الأصول غير الملموسة في الولايات المتحدة أكثر من مرتين في عام 2014م بالنسبة إلى ما كانت عليه في عام 1995م، بينما ارتفعت استثمارات الأصول الملموسة حوالي 1.6 مرة فقط.
لقد تحوَّلت الميزة التنافسية بين المؤسسات من الاستناد إلى الحجم والقوة المادية إلى الأصول “غير الملموسة”، وأضحت المؤسسة “مجتمعاً اجتماعياً”. وتعتمد الإنتاجية على القدرات التفاضلية في الهياكل الشخصية والتنظيمية والمهارات الشخصية والمستوى التنظيمي كمستودع معرفي. والاستثمارات في الأصول “غير الملموسة” أمر حيوي، ليس كعامل لرفع الإنتاجية فقط بل كمحرك للابتكار أيضاً. وظهر أن إسهام الكفايات الاقتصادية (خاصة التدريب المهني والإعلان والتسويق) له أهمية في نمو الإنتاجية تليها مساهمة الملكية الفكرية المبتكرة . وتلعب البحوث والتطوير دوراً بارزاً، خصوصاً في الاقتصاد المعرفي. فهناك ارتباط وثيق بين البحوث والتطوير وبين مستوى النمو، ويُقّدر صندوق النقد الدولي أن دمج نتائج البحوث والتطوير بالكامل في الأعمال سيؤدي إلى رفع الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات بنسبة %5 على المدى الطويل، وعالمياً قد يصل إلى %8 بسبب آثار الإفاضات الدولية (الآثار الفائضة الدولية).
المراجع
Deloitte.com
Wipo.int
Wsj.com
Weforum.org
Semanticscholar.org
Oecd.org
Ec.europa.eu
Researchgate.net
اترك تعليقاً