مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو – يونيو | 2024

السوق

أسواق المال والأسهم

عبدالله العقيبي وفريق التحرير

لأن المال هو عصب حياة أي سوق، كان من الطبيعي أن يكون له سوقه الخاص. ففي كل عاصمة اقتصادية، هناك سوق للاتجار بالعملات، ولشراء حصص في الشركات أو بيعها، ويُعرف مركز هذا السوق باسم “البورصة” التي تتابع أخبارها وسائل الإعلام لحظة بلحظة، لما لها من أهمية في التعبير عن الأوضاع الاقتصادية على أوسع نطاق ممكن.

قد تتبادر في أذهاننا على الفور بورصة “وول ستريت”، التي تأسست عام 1792م، على الرغم من أنها ليست البورصة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ سبقتها بورصة فيلادلفيا، غير أنها البورصة الأشهر والأقوى على الإطلاق في أمريكا وفي العالم كله، وهي علامة بارزة على هيمنة الرأسمالية على العالم الحديث.

وبالعودة إلى تاريخ أسواق المال، نجد أن المصادر تـثبت أن تجار البندقية كانوا أول من بدأ التبادل والاتجار بالأسهم في القرن الرابع عشر الميلادي، حين كان المقرضون يبيعون إصدارات الديون الحكومية للمستثمرين. وعلى ذلك، يُعدُّ تجار البندقية روادًا في هذا المجال، حتى إنهم كانوا يحملون قوائم تحتوي على معلومات حول الإصدارات المختلفة المعروضة للبيع ويجتمعون مع العملاء، مثلما يفعل وسطاء سوق الأسهم اليوم.

وفي القرن السابع عشر، أعطت الحكومات الهولندية والبريطانية والفرنسية مواثيق لشركات تحمل اسم “الهند الشرقية” بأسمائها. وقد نشأت هذه الشركات نتيجة وضع الرحلات التجارية البحرية من الشرق آنذاك، والتي كانت محفوفة بمخاطر القراصنة والطقس وسوء الملاحة. ولتقليل هذه المخاطر، كان صاحب السفينة يبحث عن مستثمر يجهز السفينة وطاقمها مقابل نسبة من العائدات حال نجاح الرحلة.

كانت هذه الشراكات تستمر لرحلة واحدة فقط وتنحلّ بعدها. ثم تنشأ شركة جديدة للرحلة التالية، وفي الوقت نفسه يتوزع المستثمرون المخاطر على مشاريع مختلفة، للحد من احتمالات انتهاء كل منها بكارثة.

ثم كان أن غيّرت “شركات الهند الشرقية” طريقة العمل تلك. فأصدرت أسهمًا تدفع أرباحًا على عائدات جميع الرحلات التي تقوم بها، لتصبح بذلك أولى شركات المساهمة الحديثة، وهو ما سمح لها بالمطالبة بالمزيد مقابل أسهمها وبناء أساطيل أكبر. فقد كان حجم الشركات، بالإضافة إلى مواثيق الملكية التي تحظر المنافسة، يعني أرباحًا ضخمة.

ولأن الأسهم في شركات الهند الشرقية صادرة على الورق، كان بإمكان المستثمرين بيعها لآخرين. ولأنه لم تكن هناك بورصة للأوراق المالية، كان يتعين على المستثمر تعقب وسيط للقيام بالتداول.

كان معظم الوسطاء في بريطانيا يمارسون أعمالهم في المقاهي في جميع أنحاء لندن. وكانت تُكتب إصدارات الديون والأسهم المعروضة للبيع وتُنشر على أبواب المحال التجارية، أو تُرسل بالبريد على شكل رسالة إخبارية. وتمتعت شركات الهند الشرقية بسبب ذلك بميزة تنافسية كبيرة، وهي الاحتكار المدعوم من الحكومة.

ومع مرور الوقت، انتقلت مراكز التداول إلى المدن الرئيسة في أوروبا وبعدها إلى أمريكا الشمالية، حيث نشـأت بورصة نيويورك، التي كانت في البداية تعتمد على تجارة السلع والسندات قبل أن تتطور لتصبح مركزًا رئيسًا لتداول الأسهم.

“الفوركس”

سوق العملات والمعادن الثمينة

يقود الحديث عن البورصة وسوق الأسهم إلى الإشارة إلى سوق المال، الذي يُطلق عليه اسم “الفوركس” (الصرف الأجنبي)، وهو سوق عالمي يجري فيه تداول العملات الأجنبية والمعادن الثمينة بعضها مقابل بعض. ويُعدُّ سوق الفوركس أكبر سوق مالي في العالم من حيث حجم التداول والسيولة، تشارك فيه البنوك المركزية والمؤسسات المالية والشركات الكبرى والمستثمرون من الأفراد.

وتُنفّذ صفقات الفوركس من خلال شبكة إلكترونية عالمية؛ إذ تُحدّد أسعار الصرف بناءً على العرض والطلب، وتتغير أسعار العملات في الوقت الفعلي بناءً على عوامل متعددة، مثل: العرض والطلب والتضخم ومعدلات الفائدة والسياسات الاقتصادية والأحداث الجيوسياسية.

ومن خلال تداول العملات، يمكن للمستثمرين تحقيق الأرباح عن طريق استغلال التقلبات في أسعار الصرف. ومع ذلك، يجب على المتداولين فهم المخاطر المرتبطة بسوق الفوركس، واتخاذ إجراءات مناسبة لإدارة هذه المخاطر.


مقالات ذات صلة

لو شئنا أن نقتصر في تعداد مكوّنات أي مدينة أو بلدة في العالم على مكوّنين اثنين فقط، لقلنا إنهما: المسكن والسوق. فلا حياة لأي منهما من دون الآخر. ولذا، فإن تاريخ السوق، وحتى إن لم يُؤتَ على ذكره بالتفصيل، هو من ضمن تاريخ أي مدينة. وأن يتكوّن السوق بشكل أساس من مجموعة متراصة من المتاجر، […]

لكل سوق في العالم صورة مختلفة في وجدان المتسوق، حتى عند من سمع به ولم يزره سابقًا. بعضها موسوعي لاشتماله على مختلف أنواع السلع، وبعضها يغلب عليه الطابع التاريخي، وبعضها يتعالى على الطبقة الوسطى، وبعضها يتعاطف مع الطبقة التي دونها. وفيما يأتي عينة من هذه الأسواق، من دون الزعم طبعًا أنها مسح شامل لأهم أسواق […]

ظهر المركز التجاري الحديث المعروف عالميًا باسمه الإنجليزي “مول”، في منتصف القرن الماضي، وتحديدًا في عام 1956م، عند افتتاح أول مركز للتسوق في إيدينا بولاية مينيسوتا الأمريكية، من وحي أفكار المهندس المعماري فيكتور جروين، الملقّب بأبي المراكز التجارية، الذي قدم للبشرية أول تصميم معماري يمثّل صورة المول بشكله الذي نعرفه اليوم في كل مدينة من مدن العالم.


0 تعليقات على “أسواق المال والأسهم”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *