مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس – أبريل | 2025

في الفن التشكيلي

لكل فنان ربيعه الخاص


مهى قمر الدين

باستبعاد الأعمال الفنية التي تمثّل جوانب من الطبيعة من دون ربط واضح بفصل الربيع، يمكن القول إن الفنانين الصينيين كانوا روّادًا في التوقّف أمام تجليات هذا الفصل من السنة على الطبيعة. فكان الربيع موضوعًا بارزًا في الفن الصيني منذ فترة طويلة، وخاصة في مجال الرسم بالحبر، وهو الشكل الفني الفريد، الذي يتميز باستخدام ظلال مختلفة من الحبر الأسود والغسل الدقيق. ومن بين الأعمال الشهيرة تاريخيًا التي تجسّد موضوع الربيع لوحة “الربيع المبكر” لجو شي (1072م)، والتي تظهر مجموعة من السحب في يوم ربيعي مبكر، وهي تُغلِّف المناظر الطبيعية بعيد خروجها من الشتاء، وهي لوحة مليئة بإمكانات الحياة والتجدّد.

لوحة “بريمافيرا” لساندرو بوتيتشيلي.

أمَّا في أوروبا، فمنذ عصور النهضة الأوروبية وحتى الفنون الحديثة، كان الربيع موضوعًا متجددًا للفنانين الذين يسعون إلى تجسيد جماله ورمزيته. ومن أقدم التمثيلات للربيع في الفن التشكيلي لوحة “الربيع” أو “بريمافيرا” لساندرو بوتيتشيلي (1482م)، وهي لوحة غنية بالمعاني الرمزية؛ إذ تظهر فينوس في وسطها، محاطة بأشكال ترمز إلى جوانب مختلفة من الربيع والحب. وتعمل المساحات الخضراء المورقة والزهور المتفتحة كأنها خلفية لموضوعات الخصوبة والولادة الجديدة، وتجسّد جوهر الربيع بأنها فترة للبدايات الجديدة.

وهناك عمل مهم آخر من العصر نفسه هو لوحة “الربيع” لجوزيبي أركيمبولدو (1573م)، وهي جزء من سلسلته الشهيرة “الفصول الأربعة”؛ إذ تُظهر وجهًا يتكوّن بشكل كامل تقريبًا من الأزهار، مثل الزنبق والورد، وهو ما يعكس جمال الطبيعة في فصل الربيع. ولا يعرض هذا التجسيد البشري حيوية الربيع فحسب، بل يعكس أيضًا الترابط بين الإنسان والطبيعة.

عندما سيطر الربيع على فن الرسم

بالانتقال إلى زمن أقرب إلينا في تاريخ الفن التشكيلي، نتوقف أمام الانطباعيين الذين انشغلوا بالدرجة الأولى بتلاعب الضوء والظل في المكان نفسه والجمال الزائل. ووجدوا الميدان الخصب والواسع في الطبيعة خلال فصل الربيع. حتى ليمكن القول إنه لولا الطبيعة الربيعية، لاختفى معظم التراث الانطباعي، ولا أحد يعرف ما كان سيحلُّ محله.

لوحة “الربيع المبكر” لجو شي.

فقد أبدع كلود مونيه، رائد هذه الحركة، كثيرًا من الأعمال التي تحتفل بالربيع، فصوَّر في لوحته “موسم الربيع” (1872م)، والمعروفة أيضًا باسم “القارئة”، زوجته الأولى كاميل دونسيو وهي تقرأ بين الزهور المتفتحة، وتستمتع بأشعة الشمس الناعمة. وتُثير درجات ألوان الباستيل وضربات الفرشاة الدقيقة شعورًا بالهدوء والفرح المرتبطين بأوقات ما بعد الظهيرة الربيعية المريحة.

وبالمثل، تُجسّد لوحة “باقة الربيع” لبيير أوغست رينوار (1866م)، جوهر أوائل الربيع بتكوينها الزهري النابض بالحياة. إذ يجعل استخدام الرسَّام للضوء والظل الزهورَ تنبض بالحياة، كما أن تركيزه على التفاصيل يسمح لكل من ينظر إليها بتقدير نضارة أزهار الربيع وجمالها.

من جهة أخرى، يحمل الربيع أيضًا معاني رمزية عميقة في الفن فعلى سبيل المثال، رُسِمت لوحة “زهر اللوز” لفينسنت فان جوخ (1890م)، للاحتفال بميلاد ابن أخيه؛ إذ صوَّر فيها شجرة لوز مزهرة لترمز إلى الحياة الجديدة والأمل بأزهارها البيضاء الرقيقة المتناقضة وبسماء زرقاء صافية. ويعكس الارتباط العاطفي لفان جوخ بهذه اللوحة كيف يمكن للربيع أن يمثل المعالم الشخصية والموضوعات العالمية للولادة والتجديد.


مقالات ذات صلة

الربيع قُل “الربيع”، فتعصف في الذهن صورة الأرض الخضراء المزهرة، والنسيم العليل. ولكن الربيع أكثر من ذلك. فهو “شباب الزمان”، كما قال عنه أحمد أمين. وهو احتفال وتذكير بهيج بأن الحياة دورية ومتجددة باستمرار. كما أن جماله لا ينحصر فقط في الطبيعة المذهلة أو الأصوات المبهجة، ولكن أيضًا في الشعور العميق بالأمل. فعندما نشهد صحوة […]

إذا ما أخذنا درسًا من أسلافنا، فلا ينبغي لنا أن نعدَّ قدوم الربيع أمرًا حتميًا، بل ربَّما علينا إعادة النظر في أفعالنا التي تؤثر في التغيُّر المناخي، وتعطِّل إيقاع المواسم والتناوب الطبيعي للفصول، وذلك لتجنب وقوع ظاهرتين اثنتين باتتا من معالم فصل الربيع في مواقع عديدة من العالم. منذ مدة ليست ببعيدة برز مفهومان حديثان […]

يقول الفيلسوف الأمريكي، رالف والدو إيمرسون، إن “الأرض تضحك في الزهور”. وبالفعل فإن أكثر ما تظهر هذه الضحكة من خلال الزهور المتفتحة في الربيع. ولذلك نجد أن الزهور هي الرموز الأكثر تمثيلًا لهذا الفصل الواعد. فلكل زهرة رمزيتها الفريدة في كل ثقافة على حِدة، وهو ما يُسهم في السَّرد العام للتجدّد في فصل الربيع.  تشمل […]


0 تعليقات على “لكل فنان ربيعه الخاص”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *