باستبعاد الأعمال الفنية التي تمثّل جوانب من الطبيعة من دون ربط واضح بفصل الربيع، يمكن القول إن الفنانين الصينيين كانوا روّادًا في التوقّف أمام تجليات هذا الفصل من السنة على الطبيعة. فكان الربيع موضوعًا بارزًا في الفن الصيني منذ فترة طويلة، وخاصة في مجال الرسم بالحبر، وهو الشكل الفني الفريد، الذي يتميز باستخدام ظلال مختلفة من الحبر الأسود والغسل الدقيق. ومن بين الأعمال الشهيرة تاريخيًا التي تجسّد موضوع الربيع لوحة “الربيع المبكر” لجو شي (1072م)، والتي تظهر مجموعة من السحب في يوم ربيعي مبكر، وهي تُغلِّف المناظر الطبيعية بعيد خروجها من الشتاء، وهي لوحة مليئة بإمكانات الحياة والتجدّد.

أمَّا في أوروبا، فمنذ عصور النهضة الأوروبية وحتى الفنون الحديثة، كان الربيع موضوعًا متجددًا للفنانين الذين يسعون إلى تجسيد جماله ورمزيته. ومن أقدم التمثيلات للربيع في الفن التشكيلي لوحة “الربيع” أو “بريمافيرا” لساندرو بوتيتشيلي (1482م)، وهي لوحة غنية بالمعاني الرمزية؛ إذ تظهر فينوس في وسطها، محاطة بأشكال ترمز إلى جوانب مختلفة من الربيع والحب. وتعمل المساحات الخضراء المورقة والزهور المتفتحة كأنها خلفية لموضوعات الخصوبة والولادة الجديدة، وتجسّد جوهر الربيع بأنها فترة للبدايات الجديدة.
وهناك عمل مهم آخر من العصر نفسه هو لوحة “الربيع” لجوزيبي أركيمبولدو (1573م)، وهي جزء من سلسلته الشهيرة “الفصول الأربعة”؛ إذ تُظهر وجهًا يتكوّن بشكل كامل تقريبًا من الأزهار، مثل الزنبق والورد، وهو ما يعكس جمال الطبيعة في فصل الربيع. ولا يعرض هذا التجسيد البشري حيوية الربيع فحسب، بل يعكس أيضًا الترابط بين الإنسان والطبيعة.
عندما سيطر الربيع على فن الرسم
بالانتقال إلى زمن أقرب إلينا في تاريخ الفن التشكيلي، نتوقف أمام الانطباعيين الذين انشغلوا بالدرجة الأولى بتلاعب الضوء والظل في المكان نفسه والجمال الزائل. ووجدوا الميدان الخصب والواسع في الطبيعة خلال فصل الربيع. حتى ليمكن القول إنه لولا الطبيعة الربيعية، لاختفى معظم التراث الانطباعي، ولا أحد يعرف ما كان سيحلُّ محله.

فقد أبدع كلود مونيه، رائد هذه الحركة، كثيرًا من الأعمال التي تحتفل بالربيع، فصوَّر في لوحته “موسم الربيع” (1872م)، والمعروفة أيضًا باسم “القارئة”، زوجته الأولى كاميل دونسيو وهي تقرأ بين الزهور المتفتحة، وتستمتع بأشعة الشمس الناعمة. وتُثير درجات ألوان الباستيل وضربات الفرشاة الدقيقة شعورًا بالهدوء والفرح المرتبطين بأوقات ما بعد الظهيرة الربيعية المريحة.
وبالمثل، تُجسّد لوحة “باقة الربيع” لبيير أوغست رينوار (1866م)، جوهر أوائل الربيع بتكوينها الزهري النابض بالحياة. إذ يجعل استخدام الرسَّام للضوء والظل الزهورَ تنبض بالحياة، كما أن تركيزه على التفاصيل يسمح لكل من ينظر إليها بتقدير نضارة أزهار الربيع وجمالها.
من جهة أخرى، يحمل الربيع أيضًا معاني رمزية عميقة في الفن فعلى سبيل المثال، رُسِمت لوحة “زهر اللوز” لفينسنت فان جوخ (1890م)، للاحتفال بميلاد ابن أخيه؛ إذ صوَّر فيها شجرة لوز مزهرة لترمز إلى الحياة الجديدة والأمل بأزهارها البيضاء الرقيقة المتناقضة وبسماء زرقاء صافية. ويعكس الارتباط العاطفي لفان جوخ بهذه اللوحة كيف يمكن للربيع أن يمثل المعالم الشخصية والموضوعات العالمية للولادة والتجديد.
اترك تعليقاً