أكثر من رسالة

اللعب‭ ‬وأهميته‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬الطفل

كثيراً‭ ‬ما‭ ‬يستهجن‭ ‬الأهل‭ ‬الوقت‭ ‬الطويل‭ ‬الذي‭ ‬يمضيه‭ ‬أبناؤهم‭ ‬في‭ ‬اللعب‭ ‬المتواصل،‭ ‬ويفوتهم‭ ‬أن‭ ‬اللعب‭ ‬حاجة‭ ‬ضرورية‭ ‬وصحية‭ ‬للطفل،‭ ‬يجب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إشباعها‭ ‬لتحقيق‭ ‬النمو‭ ‬وإطلاق‭ ‬تكوّن‭ ‬الشخصية،‭ ‬واكتساب‭ ‬المعارف‭ ‬من‭ ‬الاستكشاف‭.‬
فالألعاب‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬أتراباً‭ ‬متقاربي‭ ‬الأعمار‭ ‬والقوى‭ ‬البدنية‭ ‬والكفاءة‭ ‬الذهنية،‭ ‬هي‭ ‬ذات‭ ‬أثر‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬روح‭ ‬الجماعة‭ ‬عند‭ ‬الصغار.. ‬وهي‭ ‬تُبرز‭ ‬فيهم‭ ‬صفات‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬القيادة،‭ ‬وتدعو‭ ‬مواهبهم‭ ‬الجماعية‭ ‬إلى‭ ‬التفتح‭ ‬والازدهار،‭ ‬وتُهذِّب‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬الانفراد‭ ‬بالنمو‭. ‬
إن‭ ‬السبب‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الكبار‭ ‬لا‭ ‬يقدِّرون‭ ‬أهمية‭ ‬اللعب‭ ‬عند‭ ‬الأولاد،‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يكلِّفون‭ ‬أنفسهم‭ ‬عناء‭ ‬مشاهدة‭ ‬الصغار‭ ‬وهم‭ ‬منهمكون‭ ‬في‭ ‬لعبهم. ‬ولما‭ ‬كانوا‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ ‬قد‭ ‬نسوا‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يوماً‭ ‬يلعبون،‭ ‬كما‭ ‬نسوا‭ ‬في‭ ‬كبرهم‭ ‬أهمية‭ ‬اللعب‭ ‬كعامل‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬التسرية‭ ‬والترويح‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬فإنهم‭ ‬يتعامون‭ ‬عن‭ ‬المزايا‭ ‬الصحية‭ ‬والتربوية‭ ‬والخلقية‭ ‬التي‭ ‬يُكسبها‭ ‬اللعب‭ ‬للأطفال. ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬رجال‭ ‬التربية: “‬إن‭ ‬إغفال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكبار‭ ‬أمر‭ ‬اللعب‭ ‬يطفئ‭ ‬شعلة‭ ‬كفايتهم،‭ ‬ويحد‭ ‬من‭ ‬ازدهار‭ ‬نشاطهم‭ ‬وطاقتهم،‭ ‬ويدمِّر‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭ ‬حب‭ ‬عملهم‭ ‬تدميراً”.‬
إن‭ ‬اللعب‭ ‬هو‭ ‬الفرصة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬يستطيع‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يتصرَّف‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الممنوعات‭ ‬والأوامر‭ ‬والتنبيهات‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬أبواه،‭ ‬ويهيء‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬أحداثاً‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬حدثت‭ ‬له،‭ ‬ولم‭ ‬تحدث،‭ ‬فتخيلها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اللعب. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬يقول‭ ‬فرويد: “‬إن‭ ‬الطفل‭ ‬يندفع‭ ‬في‭ ‬اللعب‭ ‬نتيجة‭ ‬شعوره‭ ‬بالنقص. ‬فانعدام‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬طبيباً‭ ‬أو‭ ‬سائقاً‭ ‬بشكل‭ ‬فعلي،‭ ‬يدفعه‭ ‬إلى‭ ‬القيام‭ ‬بهذا‭ ‬الدور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللعب،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الخيالية‭ ‬احتيال‭ ‬الطفل‭ ‬على‭ ‬أهوائه‭ ‬ورغباته‭.‬
وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬الدراسات‭ ‬الميدانية‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬اللعب‭ ‬يشكل‭ ‬جانباً‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬نشاطاتهم‭ ‬المدرسية،‭ ‬قد‭ ‬تفوقوا‭ ‬على‭ ‬أطفال‭ ‬آخرين‭ ‬لم‭ ‬يوظَّف‭ ‬اللعب‭ ‬في‭ ‬تربيتهم‭ ‬ولم‭ ‬يُعطَ‭ ‬الأهمية‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬برنامجهم‭ ‬المدرسي. ‬ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬هذا‭ ‬التفوق: ‬نمو‭ ‬مهارة‭ ‬جمع‭ ‬الأشياء‭ ‬وإعدادها‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬بوساطتها‭ ‬عما‭ ‬يجيش‭ ‬في‭ ‬صدورهم‭ ‬وعقولهم‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬وأفكار. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬قد‭ ‬تفوقوا‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬بوساطة‭ ‬الرسم‭ ‬الحر‭ ‬واللغة. ‬إذ‭ ‬أثبتوا‭ ‬مقدرة‭ ‬لغوية‭ ‬متغيّرة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تأليف‭ ‬الجُمل‭ ‬المفيدة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تنظيم‭ ‬الأجوبة.. ‬كما‭ ‬أبدى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬تفوقاً‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬واكتساب‭ ‬السلوك‭ ‬الناضج‭.‬
إن‭ ‬اللعب‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬النشاط‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬يُمارَس‭ ‬لذاته،‭ ‬وليس‭ ‬لتحقيق‭ ‬أي‭ ‬هدف‭ ‬علمي. ‬وجميع‭ ‬الأطفال‭ ‬يقومون‭ ‬به. ‬وثمة‭ ‬أشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الألعاب: ‬فهناك‭ ‬الألعاب‭ ‬الحركية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والتمثيلية‭ ‬والتركيبية‭ ‬وغيرها،‭ ‬وتتضافر‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الألعاب‭ ‬مع‭ ‬غيرها‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬شخصية‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬خلال‭:‬
– ‬
تنمية‭ ‬جسمانية‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الألعاب‭ ‬الحركية‭.‬
– ‬
تنمية‭ ‬الحواس‭ ‬وتدريبها‭ ‬على‭ ‬الإدراك‭ ‬والتعقل‭.‬
– ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬الابتكار‭ ‬والإبداع‭.‬
– ‬تعزيز‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬المستقل‭.‬
– ‬تقدير‭ ‬الجهود‭ ‬المطلوبة‭ ‬للنجاح‭ ‬في‭ ‬المنافسة‭.‬
فلنترك‭ ‬أطفالنا‭ ‬يلعبون‭.‬

ريم‭ ‬حسن‭ ‬سباهي
دمشق،‭ ‬سوريا

في‭ ‬وقت‭ ‬الفراغ‭..‬

وقت‭ ‬الفراغ‭ ‬هو‭ ‬أحب‭ ‬الأوقات‭ ‬إلى‭ ‬الجميع.. ‬إنه‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تشغله‭ ‬الأعمال‭ ‬أو‭ ‬الارتباطات‭ ‬والالتزامات‭ ‬على‭ ‬أنواعها. ‬فبماذا‭ ‬نعبئ‭ ‬وقت‭ ‬الفراغ‭ ‬هذا؟
ثمة‭ ‬اختلاف‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تعاملنا‭ ‬مع‭ ‬أوقات‭ ‬الفراغ‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية،‭ ‬وتعامل‭ ‬الغربيين‭ ‬معه‭.‬
فما‭ ‬أن‭ ‬تدق‭ ‬الساعة‭ ‬معلنة‭ ‬بدء‭ ‬وقت‭ ‬فراغ،‭ ‬حتى‭ ‬ترى‭ ‬شبابنا،‭ ‬قادة‭ ‬المستقبل‭ ‬ومعيار‭ ‬تقدم‭ ‬الأمم‭ ‬قد‭ ‬اتجهوا‭ ‬إلى‭ ‬أسهل‭ ‬الاحتمالات‭ ‬لتعبئة‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬نظرهم “‬للترويح‭ ‬والترفيه” ‬أو‭ “‬للا‭ ‬شيء”. ‬فهذا‭ ‬ينغمس‭ ‬في‭ ‬النوم‭ ‬حتى‭ ‬ساعة‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬النهار،‭ ‬لأنه‭ ‬أطال‭ ‬السهر‭ ‬حتى‭ ‬الفجر‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬فراغ‭ ‬آخر،‭ ‬وذاك‭ ‬في‭ ‬التجوال‭ ‬بسيارته‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬هدى‭ ‬لأن‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬محدد‭ ‬يقصده،‭ ‬وثالث‭ ‬يفتش‭ ‬عمن‭ ‬عنده‭ ‬وقت‭ ‬فراغ‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أصدقائه،‭ ‬علّه‭ ‬يشاركه‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬الفراغ‭..‬
لقد‭ ‬ألِفنا‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬عن‭ ‬شبابنا‭ ‬وأوقات‭ ‬فراغهم،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تثير‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬أية‭ ‬ردة‭ ‬فعل،‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬حقٌ‭ ‬من‭ ‬حقوقهم‭ ‬المكتسبة. ‬ولكن‭ ‬سلبية‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬تقفز‭ ‬أمام‭ ‬العين‭ ‬عندما‭ ‬نرى‭ ‬كيفية‭ ‬تعامل‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬أوقات‭ ‬فراغهم. ‬فمعظمهم‭ ‬يضع‭ ‬برامج‭ ‬لملء‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭. ‬وهذا‭ ‬يحدد‭ ‬النشاطات‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬سيزورها‭ ‬من‭ ‬معارض‭ ‬ومتاحف‭ ‬وندوات،‭ ‬وذاك‭ ‬ينخرط‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬تطوعي‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬التمريض‭ ‬وتنظيف‭ ‬حديقة‭ ‬عامة.. ‬وثالث‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬مهارة‭ ‬جديدة‭ ‬يتعلمها‭ ‬ولو‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الهواية‭.‬
إننا‭ ‬لا‭ ‬نُطلق‭ ‬هنا‭ ‬حكماً‭ ‬عاماً. ‬فالاستثناءات‭ ‬كثيرة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك. ‬ولكن‭ ‬الصورة‭ ‬الإجمالية‭ ‬لهذين‭ ‬النهجين‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أوقات‭ ‬الفراغ‭ ‬تستحق‭ ‬التوقف‭ ‬أمامها‭ ‬والغوص‭ ‬في‭ ‬دراستها‭ ‬وتحليلها‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭.‬

هند‭ ‬إبراهيم‭ ‬القحطاني
جامعة‭ ‬الدمام

أضف تعليق

التعليقات