يُعدُّ العالم البريطاني مايكل فاراداي أحد أعلام عصر النهضة العلمية. وتدين له حضارتنا المعاصرة بعديد من الأفكار والابتكارات في مجال الفيزياء والكيمياء وعلاقتهما بالكهرباء، ولعل أحدها وأهمها هو اختراع أول محرك كهربائي. وبكلام آخر؛ فقد توصلت أبحاث فاراداي في الكهرومغناطيسية والميكانيكا إلى ابتكار جهاز يسعه تحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة حركية. وبفضل ذلك، تمكنت البشرية من الانتقال من مرحلة المحرك البخاري الذي ابتكره جيمس واط عام 1781م، إلى محرك آخر أصغر وأكثر فعالية. والمحركات الكهربائية هي اليوم جزء أساسي من كافة منتجاتنا من ألعاب الأطفال إلى آليات المصانع.
وبفضل إسهامات فاراداي المتنوِّعة، تم اعتماد اسمه محوّراً (الفاراد) من وحدات النظام الدولي، ليعبِّر عن قدرة جسم ما على خزن شحنة كهربائية. وعلمياً، يمثل الفاراد سعة مكثف كهربائي بين مستويين البُعد بينهما 1 متر، وفرق الجهد بين طرفيه 1 فولت، أو هو السعة الكهربائية لموصل إذا أعطي شحنة مقدارها 1 كولوم وتغيَّر جهده بمقدار 1 فولت. ومن باب التذكير، فقد تم استعراض سِيَر كل هؤلاء الأعلام: واط وكولوم وفولتا في هذه الزاوية في أعداد سابقة، ما يؤكد على أن العلم تراكمي وليس وليد فكر منعزل، بل هو بنيان يشد بعضه بعضاً.
ولد فاراداي في جنوب لندن عام 1791م في أسرة فقيرة. واشتغل الفتى مايكل مساعداً في معمل لتجليد الكتب، فأتاح له ذلك الاطلاع على عدد كبير من المخطوطات العلمية التي وجد في نفسه ميلاً إليها. ومع الزمن، وجد نفسه يحضر دروس العلماء الكبار ومنهم الكيميائي الشهير همفري دايفي. وقام فاراداي بجمع تلك المحاضرات، مدوّناً عليها ملاحظاته ثم أهداها في مجلَّد أنيق لدايفي الذي استشعر اهتمامه بالعلوم، فعينه مساعداً شخصياً له واصطحبه في أسفاره. هكذا تمكَّن فاراداي الشاب من الاطلاع على صميم الحوار العلمي في أوروبا، وما لبث أن عُيّن مساعداً في المعهد الملكي.
في عشرينيات القرن الثامن عشر، نشر فاراداي أبحاثه في الحركة الناتجة عن التيار الكهرومغناطيسي، وبعدها اشتغل على الحثِّ الكهرومغناطيسي، وهو أساس عمل المولدات والمحولات الكهربائية، ومنها طوَّر ابتكاره للدينامو.
ينسب إلى فاراداي كذلك ابتكاره للشَبك العازل للتيار الخارجي المعروف بـ «قفص فاراداي»، الذي صار اليوم أساساً لمعدات السلامة وتعدّت تطبيقاته إلى أجهزة الرنين المغناطيسي والموصلات والكابلات المصنّعة اليوم.
حظي فاراداي خلال حياته بشعبية كبيرة، وجعله أسلوبه في تبسيط العلوم نجماً جماهيرياً. وتدرَّج في العلم حتى صار أستاذاً للكيمياء في الأكاديمية الملكية العسكرية. وحين توفي عام 1867م تم تكريمه بلوح حمل اسمه ووُضع في كنيسة (وستمنستر) إلى جوار قبر إسحاق نيوتن. وتم اعتماد اسمه رسمياً كوحدة معيارية للسعة الكهربية عام 1881م.