طاقة واقتصاد

المناخ هل يعصف بالاقتصاد؟

تمثل مشكلة التغير المناخي تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي، إذ أثارت اهتمام جميع الأوساط الدولية والإقليمية من منظمات وهيئات حكومية وغير حكومية، ومن أجله تعقد العديد من الفعاليات العالمية منها قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ في بالي بإندونيسيا 2007م، وقمة كوبنهاجن 2009م، وذلك للتوصل إلى معاهدة ملزمة قانونياً لتحل محل بروتوكول كيوتو (معاهدة بيئية دولية خرجت للضوء في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية) التي ستنتهي مدته عام 2012م.
د. نوزاد الهيتي، أستاذ الاقتصاد وخبير التعاون الدولي، يبحر في ثنايا تغير المناخ وأثره في الاقتصاد.

شهد عالمنا المعاصر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ازدياد آثار التغير المناخي والذي سببه عمليات طبيعية داخلية، أو قوى خارجية، أو تغيرات في بنية الغلاف الجوي، أو في اتساع رقعة اليابسة، وتمثلت إرهاصات هذا التغير بالأعاصير والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة الناجمة عن انبعاثات الغازات، والتي شكلت تهديداً للمجتمع الدولي وللاقتصاد العالمي برمته.

إن لتغير المناخ جملة من التأثيرات السلبية على الأصعدة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ولكن يبقى التأثير الاقتصادي هو الأهم. وتتمثل الخسائر الاقتصادية الناشئة عن التغيرات المناخية فيما يلي:
• التأثير السلبي المباشر على الناتج والإنتاجية من جراء التغير طويل الأجل في درجات الحرارة، وزيادة حدة أو تعاقب حدوث الظواهر المناخية المتطرفة لاسيما في قطاع الزارعة وصيد الأسماك والسياحة.
• التكاليف الناشئة عن ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة شدة الفيضانات. فحدوث ارتفاع قدره متر واحد من شأنه أن يخفض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10% في العديد من الدول كمصر وموريتانيا وبنغلاديش.
• استمرار التدهور في الأوضاع المالية بسبب تقلص القواعد الضريبية التقليدية، وزيادة الإنفاق الموجه لتخفيف تغير المناخ والتكيف مع مستجداته.
• تكلفة الجهود الرامية إلى تخفيض نسب انبعاث الغازات، بما في ذلك ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة الاستثمار.
• بروز مشكلة في موازين المدفوعات لبعض الدول بسبب انخفاض صادرات السلع والخدمات (المنتجات الزراعية والأسماك والسياحة) وازدياد الحاجة إلى استيراد السلع الغذائية وغيرها من السلع الأساسية.
• الآثار السلبية التي ترتبط بفقدان التنوع البيولوجي والنظم البيئية، وآثار تغير المناخ على صحة الإنسان ونوعية الحياة.

وجدير بالذكر أن التقديرات الاقتصادية لتأثير تغير المناخ تستند إلى دوال الأضرار Damage Functions التي تربط بين الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي وبين ارتفاع درجات الحرارة. وهناك مجموعة متنوعة من التأثيرات المناخية تغطيها تقديرات التكاليف من حيث الناتج المحلي الإجمالي والتي تجسدها دوال الأضرار، وعادة ما يتم تجميع تلك التأثيرات في مجموعتين هما:

مجموعة التأثيرات السوقية
تشمل الآثار على القطاعات الحساسة للتغيرات المناخية كالزراعة والغابات والمصايف والسياحة، والأضرار التي تلحق بالمناطق الساحلية نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر، والتغيرات في نفقات الطاقة (لأغراض التدفئة أو التبريد)، والتغيرات في موارد المياه.

مجموعة التأثيرات غير السوقية
تشمل الآثار على الصحة كانتشار الأمراض المعدية واشتداد نقص المياه والتلوث، والأنشطة الترويحية كالرياضات، والتسلية، ونشاطات الهواء الطلق)، والأنظمة البيئية كفقدان التنوع البيولوجي، والمستوطنات البشرية (لسبب محدد هو أن المدن والتراث الثقافي لا يمكن لهما الهجرة). وفيما يتجاوز درجة الحرارة المبدئية، هناك أثر لمستوى التنمية على الأضرار الناجمة عن تغير المناخ:

أولاً: عادة ما ينطوي انخفاض مستوى التنمية على ارتفاع درجة الاعتماد على القطاعات الحساسة للتغيرات المناخية، وخصوصاً الزراعة.

ثانياً: عادة ما يكون السكان في هذه الدول معرضين بدرجة أكبر إلى تغير المناخ بسبب انخفاض نصيب الفرد من الدخل مقارنة بغيرها من الدول، ومحدودية توافر الخدمات العامة (كالرعاية الصحية)، وانخفاض مستوى تطور الأسواق المالية.

ثالثاً: تؤدي نفس العوامل أيضاً إلى تقييد طاقة التكيف لدى الاقتصاد المعني. وهناك تقديرات للأضرار الناجمة عن تغير المناخ تحدد صراحة التكاليف كدالة لمستوى الدخل. وغالباً ما يكون هناك اقتران بين ارتفاع درجات الحرارة المبدئية وانخفاض مستويات التنمية، ما يؤدي إلى مضاعفة التأثير الضار لتغير المناخ على الاقتصادات النامية.

وتشير دراسات عدة إلى أن تأثير تغير المناخ على مختلف المناطق متشابه في توزيعه، ويتحقق ذلك عن طريق تعديل التأثيرات الإقليمية في ضوء التأثير العالمي في كل دراسة على حدة. فالمناطق التي يرجح أن تشهد أشد الآثار سلباً مقارنة بسواها تشمل إفريقيا، وجنوب شرق آسيا (وخصوصاً الهند)، وأميركا اللاتينية والدول الأوربية الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي(OECD).

وعلى العكس من ذلك، يتوقع أن تعاني الصين وأمريكا الشمالية والدول الآسيوية الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي واقتصادات مرحلة التحول (وخصوصاً روسيا) تأثيرات أقل، بل إنها قد تستفيد، وهو ما يعتمد على المدى الفعلي للاحترار.
ونجد في الهند تفسيراً للتأثير السلبي الكبير، «مخاطر الكارثة»، كالتغير في نمط الأمطار الموسمية، والأضرار التي تلحق بالزراعة، وتدهور الأوضاع الصحية.
وفي إفريقيا نجد أن أهم أثر ورد تقديره في دراسة ordhaus&Boyer هو تدهور الأوضاع الصحية الناجم عن انتشار أمراض المناطق الحارة، غير أن هناك تقديرات أحدث للآثار المرجح وقوعها عن الإمكانات الزراعية ويتوقع أن تكون أضرارها أكبر على الزراعة.

وتتضرر الدول الأوربية الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي ضرراً كبيراً من تأثير مخاطر الكوارث والأضرار التي تلحق بالمناطق الساحلية. وتؤكد التقديرات الفيزيائية لتأثير تغير المناخ أن إفريقيا وآسيا معرضتان بدرجة كبيرة للمخاطر. ففي هاتين المنطقتين، سوف يواجه حوالي مليار نسمة نقصاً في المياه بحلول عام 2080م، وقد يسقط أكثر من 9 ملايين نسمة ضحايا لفيضانات المناطق الساحلية، وقد يزداد انتشار الجوع بين أعداد كبيرة، وربما كانت الدول «الجزرية» في المحيط الهادي الأكثر تعرضاً وبصورة مباشرة من بين الدول الفقيرة، حيث إن مجرد ارتفاع جديد بسيط في مستوى سطح البحر يمكن أن يؤثر تأثيراً هائلاً على بيئة تلك الدول.

يشكل تغير المناخ تهديداً لدول العالم كافة، ولكن الدول النامية هي الأكثر تعرضاً للانعكاسات السلبية لتغير المناخ، فتشير التقديرات إلى أنها ستتحمل نحو 75 – %80 من تكاليف الأضرار التي تنجم عن تغير المناخ. فازدياد درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين عن درجة الحرارة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية– وهو الحد الأدنى الذي من المرجح أن يشهده العالم- يمكن أن يسفر عن إنخفاض دائم للناتج المحلي الإجمالي بنسبة -4 %5 بالنسبة لأفريقيا وجنوب آسيا. فالدول النامية تعتمد بشكل كبير على خدمات المنظومات الإيكولوجية ورأس المال الطبيعي من أجل الإنتاج في قطاعات تتسم بالحساسية تجاه المناخ. ويعيش الكثير من سكانها في مواقع مكشوفة طبيعياً ، وأوضاع اقتصادية خطرة وقدراتها المالية والمؤسسية على التكيف محدودة. ويشير صانعو السياسات في بعض الدول النامية إلى أنه يتم تحويل المزيد من موازناتها التنموية لأغراض التغلب على طوارئ متعلقة بالأحوال الجوية.

وستتأثر الدول التي تتمتع بمستوى دخل مرتفع أيضاً بظاهرة الاحتباس الحراري المعتدل. والواقع أن الأضرار بالنسبة للفرد ستكون أعلى في الدول الغنية لأنها تُشكل نسبة %16 من سكان العالم، ولكنها ستتحمل نسبة -20 %25 من الأضرار العالمية الناجمة عن أثر الاحتباس الحراري، غير أن ثروتها الكبيرة ستجعلها أكثر قدرة على التغلب على ذلك. فتغير المناخ سيسفر عن دمار في كافة الأقاليم والدول- بيد أنه سيزيد الفجوة الكبيرة بين الدول المتقدمة والدول النامية.

وتتفاوت الخسائر الناجمة عن التغير المناخي تبعاً لدرجة التقدم الاقتصادي للدول، فالدول النامية التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على إنتاج الزراعة وصيد الأسماك سوف يكون حجم الـتأثير مضاعفاً، ويقدر فانكهاوزر إجمالي خسائر الدول النامية بحوالي 89.1 مليار دولار سنوياً، أي بنسبة %1.6 من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تتكبد مجموعة دول منظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي (OECD) نحو 180.5 مليار دولار أو ما يعادل %1.3 من إجمالي ناتجها المحلي. ويتوقع أن تبلغ الخسائر الإجمالية للظواهر المناخية العميقة إلى 300مليار دولار سنوياً بحول عام 2050م.

وفي الختام نقول إنه بالرغم من توصل مندوبي 200دولة شاركت في قمة كانكون بالمكسيك عام 2010م إلى نص جديد لمكافحة تغير المناخ يتضمن مجموعة من الآليات من بينها إنشاء صندوق جديد لمساعدة الدول الصغيرة، وضرورة الإبقاء على ارتفاع درجات حرارة الأرض عند درجتين مئويتين، وكذلك وضع أسس آلية تهدف إلى الحد من انحسار الغابات الذي يسهم بما بين 15 إلى %20 من انبعاثات الغازات الدفيئة، غير أننا نرى أن تقليل الآثار الاقتصادية لتغير المناخ يتطلب تبني أسس ومعايير الاقتصاد الأخضر التي تشجع على إيجاد مصادر جديدة ونظيفة للطاقة ذات انبعاثات كربونية منخفضة والاعتماد على أساليب تكنولوجية للحد من انبعاث الكربون في المواصلات وتقنيات أكثر كفاءة لاستخدام الأراضي الزراعية والحد من تعرية التربة وحماية التنوع البيولوجي.

هناك العديد من المعوقات التي تحد من التأثيرات السلبية
للتغيرات المناخية على الاقتصاد، يمكن إيجاز أهمها في الآتي:
ارتفاع تكاليف تعبئة الاستثمارات الضرورية وحفز اتخاذ إجراء من جانب الدول للاستجابة لتغير المناخ يمثل أحد المعوقات الرئيسة التي تحد من التخفيف من آثار التغير المناخي.

-2 يشكل الارتفاع النسبي لتكاليف مشاريع آلية التنمية النظيفة التي تنطوي على استخدام الطاقة المتجددة عائقاً أمام استخدامها بشكل واسع.

-3 يمثل عدم جمع البيانات وتحليلها والتنبؤ بها بصورة صحيحة عائقاً أمام فهم ومعالجة الآثار المناخية، ويشمل ذلك البيانات عن: آثار تغير المناخ على الصعيدين الإقليمي والوطني، وتكاليف التقاعس عن اتخاذ إجراءات على المديين القصير والبعيد، والآثار المترتبة بالنسبة للدول الأقل نمواً والدول الجزرية الصغيرة.

-4 عدم كفاية التمويل المتاح حالياً في إطار آليات التمويل المتعددة الأطراف لدعم تدابير التكيف في الدول الضعيفة.

-5 يؤدي عدم وجود دلائل سوقية واضحة إلى تثبيط همم القطاع الخاص في مجال الاستثمار ، علاوة على ذلك لا يوجد إلحاح في بعض الأنحاء على اتخاذ تدابير قوية للتخفيف والتكيف مما يشكل عائقاً أمام تعزيز مشاركة القطاع الخاص في اتخاذ إجراءات عالمية متضافرة لمعالجة الآثار السلبية للتغير المناخي.

أضف تعليق

التعليقات

فاطمة أحمد آدم

هذا أفادنى كثيرآ