ملف العدد

الفضة

  • shutterstock_83881006
  • silver-bullion
  • silverware
  • the-silver-goblet
  • TSBPD041
  • TSPD519
  • tumblr_kr9011nWtk1qa6ibno1_400 copyddd
  • Duaflex IV
  • 1oz_A-MarkSilver_multi
  • 17
  • 100-ounce-silver-bar
  • 1921peacedollar
  • 1381923
  • AAAAC-ctAcwAAAAAADHkMQ
  • Archduchess_Maria_Theresa_of_Austria_Holy_Roman_Empress_consort_1759_hires
  • artist1
  • artist2
  • artist3
  • artist4
  • Billionaire Hunt Brothers Being Sworn In
  • d_85
  • d_234
  • DSCN0798
  • DSCN8000-1
  • DSCN8305
  • dutch-silver-tea-pot-antique-eagle-spout
  • image.axd
  • kalf66
  • Orange tree in bronze vase, Versailles
  • Pieter Claesz5
  • Rigaud Louis_XIV_of_France

منذ أن اكتشفت قبل أكثر من خمسة آلاف سنة وحتى اليوم، التحمت صورة الفضة بصورة الذهب، وسلكا سوية الدروب التاريخية التي عزَّزت مكانتهما في تاريخ الإنسانية ووجدانها، ورسَّخت صورتهما كتعبير عن الجمال والمكانة الاجتماعية، وكحد فاصل بين الفقر والثراء.

ولكن رغم بهاء بياضها اللماع وقيمتها الكبيرة، لم تتمكن الفضة من تجاوز مكانة الذهب، فبقيت في ظله، مكتفية بالمرتبة الثانية في كل شيء تقريباً، ولكنها لم تبتعد عنه يوماً، فحضرت حيثما حضر الذهب سواء أكان ذلك في المناجم تحت سطح الأرض، أم على ألسنة الناس في الحِكَمْ والأمثال الشعبية وصولاً إلى عالم المال والاقتصاد.

في هذا الملف، يلتفت عبود عطية إلى هذا الشقيق الأصغر للذهب وصديقه اللصيق، ومكانته التي تعاظمت في العصر الحديث. فلربما كنا اليوم ولأول مرة أمام عالم تحتل فيه الفضة المرتبة الأولى في أمر ما.

اتفق الاقتصاديون في العصر الحديث على تحديد المعادن الثمينة المتداولة بأربعة: البلاتين والذهب والبالاديوم والفضة. وهذا ما نراه على شاشات التلفزيون التي تعرض أسعار العملات والمعادن الثمينة، وحيث تحتل الفضة المرتبة الرابعة بين هذه المعادن لأنها الأرخص ثمناً. ولكن للتاريخ كلمة أخرى. فهيهات أن يحظى معدنان ثمينان مثل البلاتين والبالاديوم، بالمكانة التي حظيت بها الفضة في تاريخ الثقافات والحضارات.

فالبلاتين لم يُكتشف إلا في القرن السادس عشر، والبالاديوم في القرن التاسع عشر. والتاريخ، كما هو الوجدان الإنساني لا يكترث كثيراً لثمن الشيء ولا لأهمية تطبيقاته الصناعية، وبالتالي فهو لا يعترف إلا بمعدنين ثمينين: الذهب والفضة.. الذهب ثم الفضة.

الفضة أرخص ثمناً من الذهب بفارق كبير، وهي متوافرة في الطبيعة كما في الأسواق بكميات أكثر بكثير، أما الفارق في المواصفات ما بينها وبين الذهب وإن كان يبقى في غير صالحها، فهو ليس كبيراً جداً، وبإضافة ما تقدم إلى بعضه نجد الفضة تشق طريقها في العصر الحديث إلى أن تصبح ذات استخدامات أكبر بكثير من استخدامات الذهب، بحيث صار حضورها في حياتنا اليومية (ولو بأشكال خجولة غالباً غير مرئية) هو ما يصوغ نمط هذه الحياة ونوعيتها الجديدة. إذ نجد الفضة أينما كان في حولنا بدءاً من حشوات الأسنان في أفواهنا وصولاً إلى الأقمار الصناعية مروراً بمعظم الأدوات الكهربائية والإلكترونيات وزجاج المباني وحتى الملبس والمأكل والدواء..

تاريخ الفضة

تُعد منطقة الأناضول في تركيا مهد الفضة منذ الألف الرابع قبل الميلاد. وهي التي أمدت الحضارات القديمة التي قامت حول بحر إيجة وشرقي المتوسط باحتياجاتها من هذا المعدن على مدى أكثر من ألفي سنة. وبعدما كان الإنتاج في بداياته مقتصراً على جمع ما يُعثر عليه من فضة خالصة أو شبه خالصة في المجاري النهرية، طوَّر سكان خلقيدونية (في تركيا حالياً) في بدايات الألف الثالث قبل الميلاد وسائل فصل الفضة عن الرصاص في الخامات التي يختلط فيها هذان المعدنان، الأمر الذي فتح أبواب الاستخراج من المناجم.

حوالي العام 1200 قبل الميلاد، أصبحت مناجم لوريوم قرب أثينا المنتج الأول للفضة، وبعد ذلك بنحو أربعمائة سنة، راجت تجارة هذا المعدن ما بين الجزر اليونانية وشمال إفريقيا، خاصة مصر الفرعونية إضافة إلى الساحل الفينيقي، الأمر الذي وفر منه ما يكفي لاستخدامه في صناعات ومجالات جديدة غير الحلي والأدوات التزيينية والطبابة، ألا وهو سك العملات منه واعتباره مقياساً لقيمة السلع والخدمات.

ظلَّت اليونان المنتج الأكبر للفضة لمدة ألف سنة تقريباً انتهت في حدود القرن الرابع قبل الميلاد، ولكن القرطاجيين عوَّضوا عن شح المناجم اليونانية باستثمار المناجم الإسبانية التي تزعمَّت إنتاج الفضة لمدة ألف عام، حتى كان الفتح العربي للأندلس.

من العصر الوسيط حتى القرن التاسع عشر

أبدى العرب شغفاً بالفضة أدى إلى تعاظم احتياجاتهم من هذا المعدن لصناعة الحلي وأدوات الزينة، بحيث لم تعد المناجم الإسبانية كافية لتلبية الطلب، فبدأ التنقيب عنها في كافة أنحاء أوروبا، واكتشفت بالفعل مناجم أصبحت شهيرة عالمياً فيما بعد، في كل من ألمانيا والنمسا ومناطق متفرقة من أوروبا الشرقية.

ليس من المؤكد أن الإنتاج في العصر الوسيط فاق بشكل ملحوظ سقف المليون ونصف المليون أونصة سنوياً التي كانت تنتجها سابقاً مناجم لوريوم اليونانية، وعلى الرغم من أن الإنتاج الإسباني ساد طوال الألفية الأولى بعد الميلاد، فإنه لم يخل بالتوازن بين العرض والطلب الذي ظل قائماً بفعل شح مناجم اليونان وبحر إيجة والأناضول.

وشكَّل اكتشاف الإسبان للعالم الجديد منعطفاً كبيراً في تاريخ الفضة. فبعد القرن الأول على استكشافهم القارة الجديدة، والذي اكتفوا خلاله بنهب كنوز السكان الأصليين (وخاصة حضارتي الأزتيك والإنكا)، وشحنها إلى إسبانيا حيث كانت تُصهر ليعاد سكها كنقد أو صياغتها كحلي وأدوات زينة، بدأ هؤلاء باستخراج الفضة من المكسيك في مطلع القرن السادس عشر، وبعد ذلك من بوليفيا والبيرو، ليسلك بذلك إنتاج الفضة منعطفاً تاريخياً بسبب غزارته، تماماً كما تعاظم إنتاج الذهب في العالم بعد اكتشافه في كاليفورنيا وجنوب إفريقيا.

فما بين مطلع القرن السادس عشر ومطلع القرن الثامن عشر، كانت المكسيك والبيرو وبوليفيا مصدر %85 من إنتاج الفضة في العالم. وحتى اليوم لا تزال هذه الدول في طليعة منتجي الفضة في العالم.

أدى تدفق هذا المعدن الأبيض اللماع بوفرة على أوروبا إلى ازدهار صناعته بشكل أدوات تزيينية وتطور صناعة أدوات الطعام وفق مدارس فنية مختلفة ما بين فرنسا وإنجلترا وإسبانيا وروسيا وإيطاليا وألمانيا.. حتى صار من مستلزمات عهد كل ملك من الملوك أن تصاغ الأدوات التزيينية هذه وفق أسلوب فني جديد ومختلف وخاص يُحمَّل اسم الملك.. وبلغ استهلاك الفضة ذروة البذخ خلال القرن السابع عشر، حتى أن الملك لويس الرابع عشر مثلاً عندما بنى قصر فرساي، زرع أشجار البرتقال في حديقة القصر ضمن أحواض من الفضة الخالصة المزخرفة، ولكن الأزمة الاقتصادية التي عصفت لاحقاً على عهد خليفته لويس الخامس عشر، دفعت بالمسؤولين عن الخزينة إلى صهر هذه الأحواض وسكها على شكل قطع نقدية.

من القرن التاسع عشر
وحتى اليوم

بعد العام 1850م، زادت دول عديدة من إنتاجها، وخاصة الولايات المتحدة التي اكتشفت مقرَّات ضخمة من الفضة في «كومستوك لود» في ولاية نيفادا، فتزعمت الإنتاج العالمي لنحو نصف قرن.

وبحلول سبعينيات القرن التاسع عشر، كان إجمالي الإنتاج العالمي من الفضة قد ارتفع من 40 إلى 80 مليون أونصة سنوياً. وخلال العقدين الأولين من القرن العشرين، اكتشفت الفضة في أستراليا وأمريكا الوسطى وإفريقيا وأماكن متفرقة من أوروبا، الأمر الذي أوصل الإنتاج إلى 190 مليون أونصة سنوياً. ولكن تطورات عديدة كانت قد بدأت بالاختمار آنذاك لابتلاع هذه الوفرة في الإنتاج.

فخلال الحرب العالمية الثانية تعرضت الفضة إلى ضغوط أنزلتها عملياً إلى ما دون مستوى المعادن الصناعية، بسبب النقص الحاد في هذه الأخيرة، الناجم عن زخم غير مسبوق في التصنيع الحربي. فمن المذهل أن نعرف أن الفضة حلَّت في سنوات الحرب الأخيرة محل النحاس في صناعات عديدة، خاصة الموصلات الكهربائية بسبب نقص النحاس. واحتاجت الصناعات الحربية إلى كميات من الفضة دفع الحكومة الأمريكية إلى فتح أبواب خزائنها لتلبية الطلب من مخزونها الذي كان يغطي الأوراق النقدية من الفئات الصغيرة.

كما استخدمت الفضة ضمن الخليط المعدني الذي سكت منه قطعة «الخمس سنتات» الأمريكية لتوفير معدن النيكل لاستخدامات أخرى! فكان ذلك إيذاناً ببدء عصر جديد بدأ بعد الحرب العالمية الثانية، يتميز بنهمه الكبير في استهلاك الفضة لغايات صناعية حيثما كان استخدامها مجدياً اقتصادياً، أو حيثما لا يمكن لمعدن آخر أن يحل محل الفضة. ولأن الصناعات والتقنيات الحديثة لم تكتفِ بابتلاع الإنتاج العالمي الضخم، بل راحت تستهلك من المخزون القديم والمتداول بشكل نقد، تعززت قيمة الفضة كمعدن ثمين، وباستمرار، فبدأت العملات الفضية تتمتع بقيمة فعلية تتجاوز قيمتها الاسمية، الأمر الذي حدا بحكومات العالم إلى سحبها من التداول وسك نقود من النيكل والنحاس محلها.

وشهد تاريخ الفضة في سبعينيات القرن الماضي فصلاً لا سابق له في التاريخ. عندما حاول الأخوان الأمريكيان نيلسون ووليم هانت احتكار كل فضة العالم.

فبسبب الأوضاع السياسية المضطربة آنذاك، اعتقد الأخوان هانت أن الفضة يمكنها أن تكون ملجأ آمناً للادخار وأن ثمنها آنذاك كان أقل من قيمتها الحقيقية، فراحا يشتريان كميات هائلة من الفضة بحيث إنهما امتلكا في أواسط السبعينيات نحو %10 من المخزون العالمي. ليرتفع بذلك ثمن الأونصة من دولارين إلى 35 دولاراً خلال العام 1979م.

أدى ذلك إلى رواج القناعة بأن ثمن الفضة سيستمر في الارتفاع، فأقبل على شرائها مضاربون آخرون، كما راح الأخوان هانت يستدينان من البنوك لشراء المزيد من الفضة حتى وصل ثمن الأونصة إلى 50 دولاراً في بداية العام 1980م. وبدلاً من أن تواصل الأسعار ارتفاعها حتى 200 و300 دولار كما كانت تقول التوقعات، بدأت الأسعار تتذبذب ثم تتراجع. فطالبت المصارف الدائنة الأخوين هانت بمستحقاتها، ولما عجزا عن تسديد دفعة قيمتها مائة مليون دولار، حاولا إصدار عملة ورقية عالمية مغطاة بالفضة.. الأمر الذي أثار مزيداً من القلق وربط مصير الفضة بمدى استقرار وضع الأخوين هانت.

في أواخر شهر مارس من العام 1980م، انهارت أسعار الفضة تماماً، واضطرت حكومة الولايات المتحدة إلى دعم المصارف الدائنة للأخوين هانت، بسبب وصول العديد منها إلى حد الإفلاس، كما سنَّت أيضاً قوانين جديدة لضبط مشاريع الاحتكار المماثلة.

وبسبب تعاظم أهمية الفضة لصناعات عديدة كما سنرى لاحقاً، أصبحت سلعة استراتيجية، أدرجتها بورصات العالم ضمن المعادن الثمينة بحيث يمكن لكل المعنيين بالفضة من منتجين وصناعيين ومستهلكين ومستثمرين، أن يتابعوا تقلبات أسعارها من يوم إلى يوم، ومن لحظة إلى لحظة بعد تطور وسائل الاتصال التي نعرفها اليوم، إذ يمكننا أن نتصور أهمية هذا الشأن على الاقتصاد العالمي ككل عندما نشير إلى أن استهلاك الفضة خلال العام الماضي بلغ نحو ملياراً وأربعين مليوناً أونصة، وأن معدل ثمن الأونصة بلغ نحو 35 دولاراً بعدما كان أربعة دولارات ونصف الدولار قبل سنوات عشر.

مواصفاتها

الفضة معدن ذو لون رمادي فاتح جداً حتى يلامس البياض، يتميز بلمعانه السطحي القوي جداً، إلى درجة أنه في حال صقل هذا السطح جيداً ليصبح بملمس زجاجي، يختفي اللون تقريباً، إذ تعكس الفضة أكثر من %90 من الضوء الساقط عليها لتصبح شبيهة بالمرآة.

والواقع أن لون الفضة هو من البهاء إلى درجة أنه حمل اسم المعدن. واللون الفضي، وإن كان كثيرون يستخدمونه في الحديث عن كل رمادي لمَّاع، هو فريد من نوعه. إذ يمكن للعين الحساسة أن تميز الفضة (إذا كانت غير مطلية بأي معدن آخر مثل البلاتين أو الروديوم)، عن أي معدن فلزي آخر مهما كان صقله جيداً مثل البلاتين والبلاديوم وحتى الحديد والكروم وغير ذلك من المعادن ذات اللون الرمادي اللماع.

وكما هو حال كل المعادن الثمينة (وحتى الفلزية الصناعية منها)، تتكون الفضة من عنصر كيميائي واحد، ورمزه هو «Ag» المأخوذ من اسم هذا المعدن باللاتينية «Argentum»، ورقمه الذري هو 47. وكما هو حال كل المعادن ذات الرقم الذري الذي يفوق ذاك الذي للحديد، يعتقد العلماء أن الفضة تشكلت بتشكل الغبار الذري الذي تشكلت منه المجموعة الشمسية، ومن ثم تجمعت مع باقي العناصر خلال تشكل الأرض، وراحت ذراتها تتجمع في كتل صغيرة متفاوتة الأحجام هنا وهناك.

أن تكون الفضة قد احتلت تاريخياً المكانة الثانية بعد الذهب في كل شيء تقريباً، فإن هذا لا يحرمها تماماً من استخدام «أفعل التفضيل» في الحديث عنها.

فالفضة هي أخف المعادن الثمينة الأربعة وزناً، إذ يبلغ ثقلها النوعي 10.49، كما أنها رغم ليونتها وصلابتها السطحية الضعيفة، فإنها عندما تكون نقية هي أصلب بقليل من الذهب.

ومن بين كل المعادن الفلزية، تتمتع الفضة بأكبر قدرة على النقل الحراري. ومن بين كل العناصر الكيميائية هي الموصل الأفضل للكهرباء، حتى أنها أفضل من النحاس في هذا المجال، ولكنها لا تحل محله بسبب ارتفاع ثمنها، إلا في الأجهزة والأدوات الصغيرة الحجم، حيث يمكن تبرير التكلفة بالعائد الأفضل.

تبلغ حرارة ذوبان الفضة 961.78 درجة مئوية تقريباً، وحرارة غليانها 2162 درجة. وهي غير قابلة للتفاعل مع الهواء والماء. فبماذا يمكن تفسير تكدر لونها بطبقة سطحية سوداء كما يلاحظ كل من يملكن شيئاً مصنوعاً من الفضة؟

إن ظاهرة «اسوداد الفضة» هي ظاهرة حديثة تعود إلى تلوث الهواء، وخاصة في المدن، منذ بداية العصر الصناعي، إذ إن هذا الاسوداد هو نتيجة تفاعل بطيء ولوقت طويل إما مع الأوزون، النادر جداً على مستوى سطح الأرض، وبالتالي يمكن تبرئته من هذا الأثر السلبي، وإما مع كبريتيد الهيدروجين الناجم عن عدد كبير من الصناعات، وهو المسؤول الحقيقي عن خلق هذه المستجدة. ولكن الطبقة السوداء المتشكلة على سطح الفضة (وهي كبريتيد الفضة) قابلة للإزالة بسهولة من خلال مسحها بحمض الهيدروكلوريدريك المخفف.

ومن أشهر المواصفات الكيميائية للفضة هي قابليتها للذوبان في حامض النيتريك لإنتاج نيترات الفضة، التي هي عبارة عن بلَّورات صغيرة وشفافة حساسة جداً تجاه الضوء، وتستخدم كمادة أولية لإنتاج عشرات المشتقات المستخدمة في صناعات مختلفة.

والفضة الخالصة طرية جداً، ويظهر ذلك من خلال الخدوش التي تظهر على السبائك المباعة في الأسواق، وإذا كانت غير مغلفة بما يحميها من الاصطدامات. ولهذا، تُخلط الفضة بمقادير قليلة من معادن فلزية أخرى، كي تتمتع بالصلابة الكافية التي تجعل صياغتها واستخدام مصوغاتها أمراً ممكناً. وتختلف نسب المعادن المضافة إلى الفضة وفق طبيعة استخدامها، فهي في حدها الأدنى في الحلي والأدوات التزيينية، وتصل إلى حدها الأقصى في العملات الفضية التي يجب أن تتمتع بصلابة سطحية قوية نظراً لطبيعة استخداماتها اليومية.يمكننا أن نتصور أهمية هذا الشأن على الاقتصاد العالمي ككل عندما نشير إلى أن استهلاك الفضة خلال العام الماضي بلغ نحو ملياراً وأربعين مليون أونصة، وأن معدل ثمن الأونصة بلغ نحو 35 دولاراً بعدما كان أربعة دولارات ونصف الدولار قبل عشر سنوات.

ثمن الأونصة
وميزان العرض والطلب

خلال سنوات عشر، وتحديداً ما بين العامين 2002 و2011م ارتفع استهلاك العالم السنوي من الفضة من 868.3 مليون أونصة إلى 1,074,7 مليون أونصة، وذلك على الرغم من انحسار استهلاك هذا المعدن الثمين في بعض الصناعات، إما بسبب ارتفاع ثمنه بحيث قلَّت جدوى استخدامه في بعض المجالات مثل الآنية الفضية وحتى الحلي، وإما لأن التطور التكنولوجي أغنى عن استخدام كميات هائلة من الفضة مثل التصوير الفوتوغرافي. وفيما يأتي جدول بتبدل العرض والطلب وتوازنهما خلال السنوات العشر الماضية، بملايين الأونصات:

2002
2011
العرض
إنتاجالمناجم
591.5
761.6
مبيعاتحكومية
59.2
11.5
إعادةتدويرالفضةالقديمة
197.3
256.7
مختلف
17.4
10.7
إجماليالعرض
868.3
1040.6
الطلب
التطبيقاتالصناعية
355.3
486.5
التصويرالفوتوغرافي
204.3
66.1
الحلي
168.9
158.9
الآنيةالفضية
83.5
46.0
النقودوالميدالياتالتذكارية
31.6
118.2
اكتنازوأمورمختلفة
24.8
164
إجماليالطلب
868.3
1040.6
ولكي تكون قراءة هذه التبدلات ممكنة، فلا بد من أخذ ارتفاع ثمن أونصة الفضة بعين الاعتبار. فخلال السنوات العشر الماضية كان معدل ثمن الأونصة بالدولار الأمريكي على الوجه الآتي:

2002
2003
2004
2005
2006
4.95
4.87
6.85
2.31
11.54

2007
2008
2009
2010
2011
13.38
14.98
14.67
20.19
35.11

هذا الارتفاع المستمر في ثمن الأونصة دفع إلى زيادة الإنتاج بشكل ملحوظ، إذ إن مقرَّات فضة عديدة لم تكن سابقاً مجدية اقتصادياً صارت اليوم كذلك. ولأن أثمان الآنية الفضية والحلي ارتفعت بشكل كبير، قلَّ الطلب عليها. وفي المقابل نرى أن سك النقود والميداليات واكتناز سبائك الفضة ارتفعا بشكل كبير، وكأن الفضة تلحق بالذهب كملجأ آمن للمدخرات ومجالاً للاستثمار.

وعلى الرغم من أن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم بدءاً من العام 2009م قد لجمت قليلاً استهلاك الفضة في الصناعة، فقد زاد هذا الاستهلاك نحو 130 مليون أونصة.

وبعدما وصلت المبيعات الحكومية في العام 2003م إلى أكثر من 88 مليون أونصة تدنت إلى 11.5 مليون أونصة، إما لعجز عن بيع المزيد، وإما ضناً بما تملك الحكومات من فضة تتسع مجالات الحاجة إليها باستمرار.

سعر الفضة إلى أين؟

هذا هو السؤال الذي يطرحه اليوم كل من هو معني بشراء سلعة من الفضة أو الاستثمار في هذا المعدن، وصولاً إلى الصناعيين في العالم بأسره.

تحليلات الاقتصاديين تذهب كلها تقريباً إلى توقع استمرار ارتفاع ثمن الفضة خلال السنوات المقبلة. أما الاختلاف فهو في تقدير قيمة هذا الارتفاع.

يذكِّر كثيرون أن الرقم القياسي الذي وصله ثمن الأونصة عام 1980م والذي بلغ خمسين دولاراً تقريباً، يساوي باحتساب التضخم أكثر من 150 دولاراً اليوم. أي إن ارتفاع ثمن الأونصة إلى هذا المستوى لن يكون معجزة غير مسبوقة.

إلى ذلك، يضيف آخرون أن نسبة ثمن الفضة إلى الذهب كانت 1 على 12 لعقود طويلة خلال القرن العشرين، ولم تختل هذه النسبة إلا في سنوات الاضطراب الأخيرة لتتدنى إلى نحو 1 على 50. وأي تصحيح في أوضاع مستقرة يعني رفع قيمة الأونصة إلى ما نحو 150 دولاراً، لأن تخفيض قيمة الذهب بالنسبة المطلوبة أصبحت شبه مستحيلة.

وبين هذا وذاك، وكلاهما يتوقع ارتفاعات معقولة أو حتى مدهشة على المدى الطويل، هناك من يذهب في توقعاته إلى حدود لا تجرؤ على تبنيها. ويمكن للمهتم أن يطلع عليها من خلال مئات المواقع الإلكترونية المتخصصة.

استخداماتها

1 – في الحلي والأدوات التزيينية
الفضة ليست ذهب الفقراء
منذ اكتشافها وحتى اليوم، لم تغب الفضة عن صناعة الحلي والأدوات التزيينية التي لا تعد ولا تُحصى في أنماطها وأشكالها الفنية التي كانت تتبدل باستمرار من حضارة إلى أخرى ومن عصر إلى آخر.

ولأن الفضة كانت دائماً أرخص ثمناً بشكل ملحوظ من الذهب، فقد سمح ذلك باستخدامها في صناعة الحلي الموجهة إلى شرائح اجتماعية أكبر من شريحة القادرين على اقتناء الذهب، وأيضاً في صناعة أدوات تزيينية ضخمة بتكلفة تقل كثيراً عن تكلفة صناعتها من ذهب، من دون أن يعني ذلك أن الفضة هي ذهب الفقراء. وذلك لسببين:

أولاً:
إن أرقى دور الجواهر في العالم تصنِّع حليها من الفضة وترصِّع بعضها بأحجار كريمة جداً وثمينة جداً لائقة بهذا المعدن النبيل. ويمكن لأثمان الحلي الفضية في هذه الدور أن تتجاوز بعدة أضعاف ثمن وزنها ذهباً.

ثانياً:
بخلاف ما يعتقده البعض أن الحلي الفضية موجهة أساساً إلى غير القادرين على شراء الذهب، فإن الطبقة الوسطى هي عادة الأقل ميلاً إلى اقتناء الحلي الفضية. وذلك لأن قيمة التصنيع (أي تكلفة اليد العاملة) في الحلية الفضية تتراوح ما بين 5 و15 ضعفاً قيمة المعدن بحد ذاته، في حين أنها في الذهب نحو %10 من قيمة المعدن.

وبالتالي، فإن الحلي الفضية لا تشكِّل مجالاً لتوظيف المدخرات، لأنها في حال إعادة طرحها للبيع بعد الاستعمال، ستباع بجزء صغير جداً من قيمة شرائها، بخلاف الذهب الذي لا يخسر إلا نسبة مئوية محدودة من قيمته عند الشراء. وبالتالي يمكن القول إن الحلي الفضية هي في الواقع موجهة إلى شريحتين اجتماعيتين بعيدتين طبقياً عن بعضهما: الفقراء الذين لا يستطيعون شراء الذهب، والأثرياء الذين لا يهمهم في الحلية سوى بهاء لونها وجمالها بغض النظر عن تكلفة تصنيعها، أو احتمالات الربح والخسارة عند البيع. وتشمل المصوغات من الحلي الفضية الرائجة في يومنا هذا، الخواتم والأساور والعقود والأقراط وأزرار قمصان الرجال وسلاسل العنق والمعصم. أي كل أنواع الحلي التي تصاغ أيضاً من الذهب من دون أي استثناء، بخلاف ما هو عليه حال الآنية الفضية.

فقد أزاحت الفضة الذهب عن صناعة الآنية التزيينية، بسبب صورة البذخ المعيب (حتى لكبار أثرياء العالم) في حال استخدموا آنية من ذهب. والواقع أنه باستثناء حفنة من ملوك العالم القديم لا نعرف حضوراً قوياً للآنية الذهبية في ثقافات العالم. أما الآنية الفضية فقد كانت حاضرة دائماً على موائد الملوك وعلية القوم في معظم المجتمعات، ووصلنا الكثر منها من الحضارات القديمة، وبلغت أوج ازدهارها في أوروبا ما بين عصر النهضة والقرن التاسع عشر. أما في القرن العشرين، وإن لم تنقرض الآنية المصاغة من الفضة الخالصة، فإن القسم الأكبر من الفضة المستهلكة لصناعة الآنية والتي بلغت نحو 46 مليون أونصة (عام 2011م)، تذهب إلى طلاء الآنية النحاسية بالفضة لتجميلها ورفع قيمتها.

وتشمل لائحة الأواني والأدوات التزيينية المصنوعة من الفضة: أدوات الطعام، والأطباق، والأكواب، والمزهريات، وإطار الصور، والعلب، والأقلام، وعلاَّقات المفاتيح، وغير ذلك..

ومن أشهر مراكز إنتاج الحلي الفضية التقليدية التي لا تزال قائمة في البلاد العربية، لا بد من ذكر اليمن، حيث اشتهر الصاغة بصناعة حلي ذات طابع مميز وخاص بغرب الجزيرة العربية، وباستمرارية طويلة جداً في تقليد الطرز القديمة، وتشمل العقود والأساور والخلاخل والخواتم والأحزمة. كما تشتهر منطقة نجران في السعودية بإضافة صناعة الخناجر والسيوف من الفضة إلى صناعة الحلي العربية التقليدية.

أما أسواق الفضة من حلي وأدوات تزيينية فهي موجودة في كل مدينة من البلاد العربية والعالم. ومن أشهرها عندنا سوق خان الخليلي في القاهرة، وسوق الحميدية في دمشق.

أما صناعة أدوات الطعام، وإن كانت قائمة في معظم دول العالم، فإن فرنسا وبريطانيا لا تزالان تحتكران أعرق الأسماء في هذا المجال. ولا تزال منتجات بعض الماركات فيهما باهظة الثمن جداً، حتى بعد أن أصبحت في القسم الأكبر منها من النحاس المطلي بالفضة، وليس من الفضة الخالصة.

2 – استخداماتها الصناعية والعلمية
التصوير الفوتوغرافي:
طوال القرن العشرين، كان قطاع التصوير الفوتوغرافي المستهلك الأكبر للفضة في تطبيقاتها الصناعية، من خلال استخدام نيترات الفضة في صناعة الأفلام. ففي العام 1998م، ابتلع هذا القطاع وحده %30.98 من إجمالي استهلاك العالم من الفضة. ولكن اكتشاف تقنية التصوير الرقمي التي تستغني عن الأفلام، راح يخفض استخدام الفضة في هذا القطاع باستمرار، وخلال عشر سنوات فقط ما بين العام 2002 و2011م، تدنَّى استهلاك الفضة في هذا القطاع من 204.3 مليون أونصة إلى 66.1 مليون فقط. ولكن صناعة الأفلام لم تنقرض تماماً، أولاً لأن هناك هواة مستمرون في طلبها واستخدامها، كما أن أجهزة التصوير الطبي بواسطة أشعة إكس أو الطنين المغناطيسي ما زالت بحاجة إلى الأفلام التقليدية نظراً لدقتها، وجدواها الاقتصادية.

التقنيات الحديثة:
بسبب قدرتها على نقل الحرارة والكهرباء أفضل من أي معدن آخر، تستعمل الفضة كموصلات في معظم الأدوات الإلكترونية والكهربائية، حيث يمكن تبرير كلفتها بالعائد الأفضل. فنجدها في كل الأدوات الإلكترونية تقريباً بدءاً من التلفزيون والهاتف الخليوي والأقراص المدمجة، وصولاً إلى القابس الكهربائي المنزلي وجهاز الميكروويف.. إضافة إلى البطاريات الصغيرة المستخدمة في سماعات الأذن وبعض ساعات اليد الثمينة، لأن البطاريات المصنوعة من أوكسيد الفضة تعمِّر أطول بكثير من غيرها، ولأن عائدها من الطاقة مقارنة بوزنها يبقى الأفضل حتى الآن في مجال صناعة البطاريات.

وفي مجال الطاقة الشمسية التي يزداد الاعتماد عليها في العالم يوماً بعد يوم، فإن نحو %90 من خلايا السيليكون التي تحوِّل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية تحتوي على معجون الفضة. ومن المتوقع أن تستهلك هذه الصناعة وحدها نحو 100 مليون أونصة بحلول العام 2015م.

صناعة الزجاج العاكس:
وبسبب قدرة الفضة على عكس الضوء، لا يقتصر استخدامها على صناعة المرايا الفاخرة التقليدية، بل دخلت في العصر الحديث على صناعة زجاج نوافذ المباني (ناطحات السحاب بشكل خاص). وعلى الرغم من أن كمية الفضة المستخدمة لصناعة نافذة عاكسة للضوء هي قليلة جداً إذ لا يزيد سمكها على 10 إلى 15 نانومتراً، فإن إجمالي ما تستهلكه صناعة الزجاج العاكس للضوء في العالم وصل إلى نحو 100 طن سنوياً من الفضة.

في المفاعلات النووية:
وبسبب قابلية الفضة لامتصاص النترونات، تستخدم الفضة لصناعة قضبان ضبط الانصهار في بعض أنواع المفاعلات النووية، بعد إضافة نحو %15 من الإنديوم و%5 من الكاديوم على %80 من الفضة الخالصة.

الطب:
تتمتع الفضة بخاصية تجعلها سامة بالنسبة إلى بعض أنواع الجراثيم والفيروسات والفطريات، كما هو حال بعض المعادن الثقيلة مثل الرصاص أو الزئبق، ولكن من دون السميَّة العالية بالنسبة للإنسان التي تحملها هذه المعادن.

وعُرف هذا الأمر عن الفضة منذ ما قبل الميلاد. فقد كتب هيبوقراطوس، أبو الطب، أن الفضة تشفي من بعض الأمراض، وأن الفينيقيين يحفظون الماء والسوائل القابلة للفساد في قوارير من فضة لحمايتها من ذلك. وحتى القرن العشرين، فقد كان الناس في بداياته يضعون قطعة نقد من فضة ضمن قوارير الحليب لإطالة مدة صلاحيته للاستهلاك. وقد أكد الطب الحديث هذه الخصائص للفضة، بعدما اكتشف أن إيونات الفضة تشكل جزيئات تلتحم بعناصر أخرى تحتاجها الجراثيم للتنفس مثل الجزيئات المحتوية على الكبريت والنيتروجين والأكسجين. وعندما تلتحم الفضة بهذه الجزيئات تجعلها غير صالحة لأن تتنفسها الجراثيم فتموت.

استخدمت مركبات الفضة خلال الحرب العالمية الأولى لمعالجة الالتهابات الناجمة عن الحروق والجروح بفاعلية. ومن ثم حلَّ محل محلول نيترات الفضة. مرهم «سولفاديازين الفضة» الذي ظل حتى تسعينيات القرن الماضي الدواء الأول والأساسي المعتمد كمضاد حيوي ومضاد للجراثيم في معالجة الحروق، إلى أن أضيفت مركبات أخرى إلى «السولفاديازين» عززت فاعليته وتكاثرت مشتقات هذا المرهم الشهير.

وفي السنوات الخمس الأخيرة، تعزز الاهتمام بالفضة في هذا المجال، فدخل هذا المعدن على صناعة مضادات التعرق، ومراهم الحلاقة للرجال وغير ذلك، كما أُنزلت إلى الأسواق في العام 2002م أكواب من زجاج يقول صانعها إنها مضادة للجراثيم بسبب احتوائها على طبقة رقيقة من الفضة. كما شهد العام نفسه تصنيع أنابيب للتنفس الصناعي مكسوة من الداخل بالفضة الخالصة، للقضاء على الجراثيم التي تعلق عليها خلال استخدام المرضى لها.

في الملابس:
واستفادت صناعة الملابس من قدرة الفضة على القضاء على الجراثيم، فأدخلتها على صناعة الجوارب والأحذية لتقليل انبعاث الروائح الناجمة عن التعرق، واحتمالات الإصابة بالفطريات، ويتم استخدام الفضة في هذه الصناعة إما من خلال وضع الجزيئات النانوية من الفضة داخل المادة التي ستنسج منها الخيوط، وإما بطلاء الحيوط بالفضة. وتختلف نسبة خسارة الملابس للفضة باختلاف التقنيات المعتمدة في تصنيعها.

في الكيمياء:
تلعب الفضة دوراً كبيراً كمحفِّز على الأكسدة في التفاعل الكيميائي. وعلى سبيل المثال، فهي المحفِّز الوحيد المعروف حتى الآن الذي يسمح يإنتاج الفورمالدهايد من الميثانول والهواء.

في الطعام:
وتستخدم الفضة في الطعام بكميات قليلة، وفي غالبية الأحيان للزينة. والسكاكر المحشوة باللوز المغلَّفة بالفضة هي أكثرها رواجاً. وفي الهند تغلَّف بعض الأطعمة برقائق دقيقة جداً من الفضة الخالصة تسمَّى فارك vark لتزيينها وتؤكل معها.

وبعض المجالات الأخرى:
ومن المجالات التي لا يمكننا أن ننتهي من تعدادها وتستخدم فيها الفضة، نذكر على سبيل إعطاء فكرة عن مداها وتنوعها: صناعة حشوات الأسنان (بخلط مسحوق الفضة بالزئبق)، حماية الأقمار الصناعية من الأشعة الكونية، النظارات الشمسية، بعض الآلات الموسيقية الفاخرة وبشكل خاص آلات النفخ، وغير ذلك.

أشهر العملات الفضية

من أشهر العملات الفضية في التاريخ الدراخما اليونانية ومضاعفاتها، خاصة وأن الإسكندر المقدوني كان خلال فتوحاته يجمع العملات الفضية والذهبية من البلدان التي يخضعها ويعيد سكها وعليها صورته. وهناك الدرهم العربي في العصر الوسيط (الشقيق الأصغر للدينار الذهبي)، والدولار الأمريكي خلال القرن التاسع عشر، والبيزوس المكسيكي الذي عاش حتى أواسط القرن العشرين.

أما أشهر عملة فضية على الإطلاق فهي التالر النمساوي ذو الحكاية التي تستحق أن تُروى طالما أن حكايته صدرت في كتاب كامل.

سُكَّ التالر النمساوي للمرة الأولى عام 1741م، أي بعد سنة واحدة على تولي الإمبراطورة ماريا تريزا عرش النمسا. وبعدما أعلنته الإمبراطورة نقداً تجارياً عالمياً، راح يروج في بلدان عديدة. ثم راح يُسك في أماكن أخرى خارج النمسا، وهي على التوالي: برمنغهام في بريطانيا، بومباي، بروكسل، لندن، باريس، روما، وأوتريخت، إضافة إلى إصدارات المناطق التي كان يحكمها آل هابسبورغ في ميلانو وبراغ وغيرهما. فتحول التالر إلى نقد دولي متداول ومقبول من الصين شرقاً وحتى بريطانيا غرباً مروراً بنجد والحجاز وعمان ودول شرق إفريقيا. وكثيراً ما كان يُدمغ التالر بدمغة خاصة للإشارة إلى منطقة تداوله. والقطع المدموغة «نجد» و»الحجاز» تعتبر من أغلاها ثمناً اليوم عند الهواة.

يبلغ إجمالي ما تم سكه من التالر النمساوي ما بين العام 1751 والعام 2000م نحو 389 مليون قطعة. ويعود هذا الرواج إلى حسن شكل هذه القطعة النقدية، وإلى ثبات مقدار الفضة فيها. أما الإصدار الأصلي الذي راج إنتاجه في العالم، فهو إصدار عام 1780م، وهو التاريخ نفسه الذي تحمله كل الإصدارات حتى تلك التي تمت في القرن العشرين.

يبلغ قطر التالر 39.5 ملم، وسمكه 2.5 ملم، ويزن 28.06 غرام، ويحتوي على 23.38 غرام من الفضة الخالصة أي ما نسبته 833 بالألف، والباقي أي 166 بالألف من النحاس.

في العام 1961م، بدأت حكومة النمسا مساعي دبلوماسية لدى كافة الدول لإقناع الحكومات المنتجة للتالر بالتوقف عن ذلك. وكانت بريطانيا آخر المستجيبين لذلك عام 1961م. ليُصبح سك التالر حكراً على حكومة النمسا، التي تُصدر منه سنوياً كميات قليلة للهواة فقط لا غير.

ذكر الفضة
في القرآن الكريم

ورد ذكر الفضة في القرآن الكريم ست مرات في أربع سور، ومن ضمنها ذكرت الآنية الفضية في آيتين متتاليتين من سورة «الإنسان»: «ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا ….. قوارير من فضة قدَّروها تقديرا» (الآيتان 15 و16).

ورد ذكر الفضة أيضاً كجزء من متاع الدنيا وزينتها: «زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب» (سورة
آل عمران، الآية 14). وهذه الآية هي واحدة من آيتين ورد فيهما ذكر الفضة بعد الذهب.

ففي الآية الثانية نجد تحذيراً من اكتناز الذهب والفضة كغاية بحد ذاتهما، بدلاً من استخدامهما في عمل الخير: « يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم» (سورة التوبة، الآية 34).

أما الآية التي يتطلب تفسيرها علماً كبيراً فهي قوله تعالى: «ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون» (سورة الزخرف، الآية 33).

فلماذا سقف من فضة لبيوت الكافرين؟
ورد في تفسير هذه الآية: «أي لولا أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكافر في سعة من الرزق ويصيروا أمة واحدة، لخصصنا هذه الدنيا بالكفار، وجعلنا لهم القصور الشاهقة المزخرفة بأنواع الزينة والنقوش، سقفها من الفضة الخالصة».

عيارات الفضة

من أشهر عيارات الفضة المستخدمة في صناعة الحلي والأدوات التزيينية، ما يُعرف باسم «فضة سترلنغ» (Sterling Silver)، وهو خليط من 925 جزءاً من الفضة و75 جزءاً من النحاس في الألف. وفي الولايات المتحدة، تحدد القوانين هذه النسبة من الفضة الخالصة في أي شيء كحد أدنى ضروري لتسويق شيء ما على أنه «فضة».

ومن عيارات الفضة الأخرى ما يعرف باسم «فضة بريطانيا» التي تضم 958 جزءاً في الألف من الفضة الخالصة، وتستخدم في صناعة أدوات الطعام بشكل خاص.

ولكن هذه العيارات المحتسبة بدقة هي حديثة العهد نسبياً. فقد خرجت ثقافات عديدة عن التقيد بها، وخاصة في الماضي وحيثما اعتمد الصاغة على العملات كمصدر رئيس للفضة اللازمة لصناعة الحلي. وهذا ما يفسِّر تدني نسب الفضة الخالصة في بعض الحلي التي اشتهرت اليمن في صياغتها خلال القرنين الماضيين. إذ إن معظمها مصاغ من عملات معدنية ذات مستوى من الفضة يتراوح بين 80 و85 في المائة. الأمر نفسه ينطبق على بعض منتجات المصانع الأوروبية من الأدوات التزيينية التي تحتوي على مقادير ضئيلة ومحدودة من الفضة، قد تصل إلى أقل من 50 في المائة، الأمر الذي يتطلب طلاء المنتج بالفضة الخالصة لزيادة بهاء لونه ولمعانه.

تجدر الإشارة إلى أن الأعمال المصاغة من الفضة الخالصة التي لا تحمل «دمغة» تشير إلى عيارها هي قليلة جداً في الأسواق. فدمغ العيار على القطعة الفضية هو ضمان حقيقتها والتلاعب به يوازي في معظم قوانين معظم دول العالم، تزوير النقد.

الدول العشرون الأولى في إنتاج الفضة في عام 2011م بملايين الأونصات
1 – المكسيك 152.8
2 – البيرو 109.8
3 – الصين 103.9
4 – أستراليا 55.2
5 – تشيلي 42.1
6 – بولندا 40.8
7 – روسيا 40.0
8 – بوليفيا 39.0
9 – الولايات المتحدة 36.0
10 – الأرجنتين 22.6
11 – كندا 19.1
12 – كازاخستان 17.6
13 – الهند 11.0
14 – تركيا 9.4
15 – السويد 9.1
16 – غواتيمالا 8.8
17 – المغرب 7.3
18 – إندونيسيا 6.0
19 – إيران 3.5
20 – بابواغينيا الجديدة 3.0

(المصدر: «معهد الفضة» الأمريكي)

الفضة نقداً

من جملة ما يميِّز نمط عيشنا اليوم عن الذين سبقونا هو خروج الفضة من جيوبنا خروجاً نهائياً، بعد أن بقيت فيها على مدى خمسة وعشرين قرناً.

فقد ظهرت أول قطعة نقد معدنية في ليديا قرابة العام 700 قبل الميلاد، وكانت مصنوعة من الإلكتروم (وهو الاسم الذي يطلق على خليط الذهب والفضة). وعندما فرض الذهب نفسه مادة أولى لسك النقود ومقياساً لقيمة السلع والخدمات، لم يتمكن بمفرده من تأدية المهمة الموكولة إليه بسبب ارتفاع قيمته التي تُعقِّد تبادله مقابل سلع رخيصة أو خدمات صغيرة، فظهرت الفضة (الأقل قيمة نسبياً) كمادة للنقد.

ظهرت أولى العملات الفضية في الحضارة اليونانية قرابة العام 550 قبل الميلاد. وخلال قرن ونصف القرن من الزمن، كانت قد انتشرت في كل العالم المتحضر آنذاك ما بين الهند واليونان مروراً ببلاد فارس وآسيا الوسطى والبلاد العربية وشمال إفريقيا. وأصبحت العملات الفضية شبيهة بالذهبية على صعيد المكانة التي تحتلها ضمن اقتصادات الدول، وكمعالم حضارية وثقافية في كل المدنيات التي قامت من الصين شرقاً حتى غرب أوروبا، حتى أن اسم الفضة في بعض اللغات أصبح يشير إلى النقد بشكل عام أياً كان شكله. كما هو الحال في الفرنسية، حيث كلمة «Argent» تعني «المال» بشكل عام.

لم يكن للنقد الفضي أي شريك آخر غير الذهبي طوال أربعة وعشرين قرناً تقريباً، أي حتى القرن التايع عشر حين بدأت العملات الورقية بالظهور كشريك ثالث، كان على الفضة والذهب أن يتعايشا معه نحو قرن من الزمن. وظل الكثير من العملات الورقية كالدولار الأمريكي مغطَّى بالفضة مثلها مثل الذهب.

وشهد القرن العشرون منذ بداياته طلباً متزايداً على الفضة لغايات صناعية، انعكس تقلبات كبيرة في أسعارها، مما أدى إلى سحب العملات المسكوكة منها من التداول بشكل تدريجي، حتى اختفت تماماً بحلول نهاية القرن العشرين. وبات استخدامها في هذا المجال يقتصر على سك العملات التذكارية والميداليات المرغوبة من الهواة، والتي تباع بأسعار تفوق إلى حد بعيد قيمتها الإسمية. فالولايات المتحدة على سبيل المثال تصدر سنوياً قطعة نقدية من الفضة الخالصة تزن أونصة كاملة، وقيمتها الاسمية دولار واحد، ولكنها تباع فور إصدارها بمبلغ يزيد %40 على أقل تقدير عن قيمة ما تحتويه من فضة، وكأن قيمتها الاسمية لا تعني شيئاً.

وبسبب ليونة الفضة، فقد حوت كل العملات الفضية نسباً من المعادن الأخرى كالنحاس والكروم أعلى من النسب التي تدخل على الفضة المصاغة بشكل حلي، وذلك لتمكينها من الصمود خلال التداول. وتتراوح هذه النسب ما بين 10 و%20. وهناك عملات كثيرة حملت في زخرفتها الرقم الذي يشير إلى نسبة محتواها من الفضة بالألف.

..في الشعر
صلة القُربى مع القمر

في البحث على المواقع الإلكترونية عن ذكر الفضة في الشعر العربي طالعنا عدد لا يُحصى من القصائد القديمة والحديثة، وبالفصحى كما بالعامية. أما ذكر الفضة في الآداب الغربية فهو مجموع على موقع واحد يتضمن 89 صفحة من الشعر باللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية.. وخلال تصفحنا لبعض هذه القصائد، أدهشتنا صلة القربى التي نسجها الشعراء ما بين الفضة والقمر. ومن أجمل الأبيات في هذا المجال ما ورد في قصيدة لابن المعتز كتبها في عيد الفطر ويصف فيها هلال شوال بقوله:
«أهلاً بفطر قد أناف هلالُه
فالآن أعدُ على الصحاب وبكّرِ
وانظر إليه كزورق من فضةٍ
قد أثقلته حمولةٌ من عنبر»

فالزورق ذو الحمولة الثقيلة يغوص بحيث لا يبقى منه إلا قوس أبيض فوق سطح الماء.. أبيض مثل الفضة.

وفي قصيدة لشاعر هندي يُدعى سوبود بانداي نقرأ:
«بقعة القمر الفضي
فوق البحيرة البعيدة
تبقى ثابتة خلال الليل.
الولد الجالس على حافة الزورق
يغمس قدمه في الماء
ليمزق الفضة والوحدة…».

ومن قصيدة لشاعر أمريكي يدعى دايفيد هاريس نقرأ:
«بمزاج مضيء
نطير بأجنحة من فضة
حول القمر الأزرق
لنشعل النجوم المتساقطة
بشمعة الأمل..
بأجنحتنا المصاغة من الفضة
التي تلمع تحت الشمس
فيما نحلِّق في كون باسك
نتطلع إلى الأشياء الباردة تحتنا،
ونلامسها بلهب لطيف..».

وعند عملاق الشعر الإسباني لوركا احتلت الفضة مكانتها كثيمة رئيسة في شعره جعلت محمود درويش في مقالة كتبها في اليوم السابع يصف لوركا بأنه «شاعر الفضة والقمر والموت».

وفي عودة إلى الشعر العربي، نشير إلى أن الشعراء العرب استخدموا الفضة للتعبير عن أمور قد لاتمت إلى بعضها بصلة واضحة.

ففي معرض رده على الذين اتهموه بالاقتباس، أكثر مما يجب، عن فن الغزل عند عمر بن أبي ربيعة، كتب نزار قباني:
«إني لم أرث حبيباتي
عن عمر بن أبي ربيعة
ولا عن سواه من الشعراء الغزليين
فأنا أعجن نسائي بيدي كفطائر العسل
وأسكبهن في مختبري كدنانير الفضة».

ومع العلم أن الدنانير لم تكن يوماً من الفضة بل من الذهب، فقد اختار الشاعر الفضة لبياض لونها الأقرب إلى بياض البشرة الجميلة.

ونجد تشبيه البشرة البيضاء بالفضة في الشعر العامي أيضاً. إذ نقرأ في قصيدة للشاعر طلال الرشيد وعنوانها «سنا الفضة»:
«يا سنا الفضة ويا جيد المهات
يا شذى نبت الخزامى في وطاها
كيف أباصف زين كاملة الصفات؟
كيف أباصف في حروفي منتهاها؟».

وعند محمد البغدادي يطالعنا ذكر الفضة في الحديث عن «تراتبية» المعادن ليس أكثر:
«أيها الطالب فخراً في النسب
إنما الناس لأم وأب
هل تراهم خلقوا من فضة
أو حديد أو نحاس أو ذهب».

والشاعر عبدالكريم عبدالرحيم، جمع قصائد مختلفة في مجموعة حمَّلها العنوان: «فضة الروح».

وأخيراً، وليس آخراً، نتوقف أمام أبيات قرأناها هي أقرب إلى الألعوبة اللغوية منها إلى الشعر، وتقول:
«رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهبُ
ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا
رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضة
ومن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة».

في الفن التشكيلي
تروي أكثر مما هو متوقع

للوهلة الأولى، تبدو آنية الفضة التي ظهرت في أعمال عدد من كبار أساتذة فن الرسم من مختلف العصور، وكأنها ذات قيمة تزيينية فقط لا تقول شيئاً، خاصة وأننا غالباً ما نراها في اللوحات المجموعة تحت اسم «طبيعة صامتة». ولكننا عندما نتمعن في الأشكال التي اتخذتها الفضة عند كبار الرسامين، لوجدناها تتحدث وتروي الكثير من التحولات الاجتماعية، ولربما بلغ حديثها أحياناً حد الثرثرة بصوت خافت.

الثراء الهولندي
فلو أخذنا لوحات الطبيعة الصامتة التي رسمها الأستاذ الهولندي بيتر كلايتز في النصف الأول من القرن السادس عشر لوجدنا أن آنية الطعام والشراب التي رسمها كانت من معدن الإيتان البسيط الخالي تقريباً من الزخارف والأناقة. ولكن بعده بحوالي نصف قرن ظهرت آنية الطعام عند أستاذ هولندي آخر هو فيلام كالف، مصنوعة من الفضة المزخرفة بأناقة بالغة. وهذان الرسامان ليسا الوحيدين في ذلك، بل كانت أعمالهما معبًّرة تماماً عن أعمال معاصري كل منهما. فما الذي جرى خلال تلك الفترة من الزمن ويشي به هذا الظهور القوي للفضة المشغولة بأناقة كبيرة؟ ما حصل هو تراخي قبضة المطهريين والبروتستانت في الإمساك بالحياة الاجتماعية وتقييدها بمقاييس التقشف الشديد، كما أن النشاط التجاري البحري الهولندي بلغ أوج ازدهاره في تلك الفترة، مما أدى إلى ازدهار اقتصادي كبير في البلاد. ومن لا يقرأ هذه التحولات عند وقوفه أمام هاتين اللوحتين يكون قد أهمل أمراً أساسياً فيهما.

وفي القرن الثامن عشر، عندما كان الرسام الفرنسي فرانسوا بوشيه سيد الحياة الفنية لقربه من العائلة المالكة وعيشه بجوارها في فرساي، كان مواطنه جان – باتيست – سيميون شاردان هو الرسام المفضل عند المثقفين والبرجوازيين المقيمين في العاصمة باريس. وتعود شهرة شاردان إلى لوحات الطبيعة الصامتة الكثيرة التي رسمها وعبَّر فيها عن جماليات بسيطة مستمدة من الحياة اليومية للطبقة المتوسطة أو المتوسطة العليا.. وفي الكثير من هذه اللوحات، التي رسمها شاردان، نرى كوباً بسيطاً من الفضة خالٍ من الزخارف، كرر رسمه مرات ومرات وسط أشياء كانت تختلف حوله من لوحة إلى أخرى، وكأن الرسام وجد في هذا الكوب المصنوع من معدن ثمين وجميل، والخالي من الزخارف والبهرجة ما يعبِّر عن القيم الجمالية والاجتماعية للشريحة التي تحتضنه، والمؤلفة من مثقفين وبرجوازيين يحبون الأشياء الجيدة، ولكن بتعقل.

أما في عصرنا، وبعد انتصار مذهب «الفن للفن»، نجد الرسامة الأمريكية جاين إيلناي تبني شهرتها على رسم لوحات تمثل آنية من الفضة من دون أي شيء آخر حولها، وذات خطاب فني يقتصر فقط على إبراز جمال لمعان الفضة وما تعكسه من ألوان وخطوط منوعة، وكأنها مرايا اتخذت أشكال ملاعق وأكواب وأدوات طعام مختلفة.

الرصاصة الفضة

في تصريح شهير أدلت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس تعليقاً على أداء الحكومة الأمريكية في مواجهة الإرهاب قالت: «لا توجد رصاصة فضة لردع الإرهاب». فكان ذلك أشهر استعمال علني لتعبير «رصاصة الفضة» بمعناه المجازي، رغم شيوعه في عالم الأدب والخيال الشعبي، ورغم حداثة عهده أيضاً.

يعود تاريخ «رصاصة الفضة» إلى القرن الثامن عشر في فرنسا، وتحديداً إلى ما حصل بين عامي 1764 و1767م، عندما ظهر قطيع صغير من الحيوانات البرية المفترسة غير المعروفة سابقاً، وراحت تهاجم الناس وتفترسهم في مساحة قدِّرت بنحو 90 * 80 كلم، في منطقة جيفودان في وسط البلاد. ويحصي المؤرخون أن عدد هجمات هذه الحيوانات بلغ 210 هجمات، نجم عنها مقتل 113 شخصاً وجرح 49 آخرين.

ورغم كثرة حملات الصيد التي شارك فيها نبلاء وأمراء من الأسرة المالكة، لم يتمكن أحد من القضاء على هذه الحيوانات التي وصفت بأنها تشبه الذئاب الضخمة جداً، المميزة بأنيابها الأطول من أنياب الذئاب، وبطول أذيالها أيضاً ولونها البني المائل إلى الإحمرار ورائحتها الكريهة. (يرجح العلماء أنها كانت تزاوج ما بين ذئب ونوع من الكلاب الهجينة). في عام 1765م، تم اصطياد ذئب عملاق، يُعد المؤرخون أنه كان الأول من هذه الحيوانات الذي يتم قتله. ولكن الهجمات لم تنته إلا عندما قام صياد محلي يدعى جان شاستيل في العام 1767م بقتل حيوان تنطبق عليه كل الصفات كما رواها شهود العيون الذين نجوا من بعض الهجمات. فاعتبر عمله عملاً بطولياً، راحت تنسج حوله حكايات كثيرة، ومن بينها أنه صبَّ رصاصات من فضة لقتل الوحش الذي لم تقتله الرصاصات العادية المصنوعة من القصدير والرصاص.

ولكن المدهش هو أن الزعم بأن شاستيل استخدم رصاصة من فضة لم تظهر مدوَّنة (على الأقل) إلا بعد العام 1935م على أيدي الروائيين الذين كتبوا حول هذه الحادثة التاريخية. وبسرعة مدهشة تلقف الوجدان الشعبي والخيال الأدبي صورة «الرصاصة الفضة» ليجعل منها سلاحاً فاعلاً حيث تفشل كل الأسلحة الأخرى.

ففي الروايات الخرافية حول مصاصي الدماء والسحرة الذين لا يمكن قتلهم لا بالمسدس ولا بالسيف ولا بالنار، تظهر «الرصاصة الفضة» السلاح القاتل الوحيد، كما هو الحال في رواية «الشقيقان» للأخوين غريم. وكما هو الحال أيضاً في الوجدان الشعبي في بلغاريا الذي يقول إن أحد أبطال انتفاضة وطنية ويدعى ديلبو كان لا يقهر بالسلاح العادي، حتى قُتل برصاصة من فضة. ثم راج لاحقاً على ألسنة الجميع للتعبير عن وسيلة فعالة وسريعة في مواجهة أية مشكلة يستعصي حلها بالطرق التقليدية.

الطبق والملعقة
ليس من المعروف في أية ثقافة ظهر التعبير «على طبق من فضة» للإشارة إلى سهولة الحصول على شيء معين. فعلى الرغم من أن روايات تاريخية قديمة وكثيرة تحدثت عن تقديم أشياء على أطباق من فضة خلال حوادث معينة، فإن ما من واحد منها يحمل المعنى الذي يحمله هذا التعبير اليوم والرائج في كل لغات العالم.

الأمر نفسه ينطبق على تعبير آخر هو «ملعقة الفضة» التي تستخدم في كل الثقافات للإشارة إلى الذي ولد ثرياً «وفي فمه ملعقة فضة». والبحث على شبكة الإنترنت يؤكد أن هذه التعابير المجازية مستخدمة بالمعنى نفسه في الثقافات العربية والإنجليزية والفرنسية والإسكندنافية والهندية.

ولا يفوتنا هنا تعبير ثالث قد يكون خاصاً بثقافتنا العربية، لأننا لم نجد له استعمالاً في لغات أخرى، وهو «يد من ذهب ويد من فضة» للإشارة إلى الإنسان الذي يعمل وينجح وينتج.

أضف تعليق

التعليقات

khalid

hi
good

محمد حمران

بسم اللة الرحمن الرحيم
في البداية ارجو من المجلة التاكد من تاريخ صناعة الفظة حيث تن اليمن هي من الدول السباقة في هذا امجال والتي تاريخها الى ما قبل 5000 قبل الميلاد