الأعاصير التي ضربت خلال العام 2005م سواحل أمريكا واليابان والصين، أثارت اهتماماً عالمياً تجاوز إلى حد بعيد المعنيين بها مباشرة. ويعود هذا الاهتمام في جزء منه إلى التغطية الإعلامية التي قدّمت أخبار الأعاصير على أخبار السياسة والحروب، والأمر مبرر تماماً. فالقوة وكثرة العدد التي ميّزت هذه الأعاصير، ناهيك عن أحجام الكوارث التي تسببت بها باتت تطرح أسئلة جديدة حول ما يحصل على صعيد المناخ في العالم ككل، وأثر الإنسان عليه من خلال سوء تعامله مع الطبيعة. الزميل أمين نجيب يعرض الفرضيات، بعد تناول ما هية الأعاصير وآلياتها.
سواء أكان العالم قد شهد سابقاً ما يشبه بعض الأعاصير المدارية التي شهدها خلال صيف وخريف هذا العام أم لا، فلا شك أن الاهتمام العالمي الذي أثاره الإعصار كاترينا ، ومن ثم ريتا و ويلما ، هو غير مسبوق. وأكثر من ذلك، فلأول مرة يتحول الاهتمام بظاهرة مناخية إلى قلق يتجاوز النتائج المباشرة للكارثة، ليصل إلى حال المناخ ككل وتحولاته، وما إذا كان للإنسان دور في هذه التحولات.
ففي خضم هذه التغطية الإعلامية المباشرة للإعصار كاترينا، طرحت وسائل الإعلام السؤال حول ما إذا كانت كثرة الأعاصير وعنفها هذا العام هي حالة طبيعية لها ما يشبهها في السابق، أم أننا نشهد تحولاً في المناخ العالمي نحو مزيد من القسوة، وما إذا كان ارتفاع حرارة الأرض الذي يحذر منه البيئيون هو السبب.
قبل عرض الأجوبة المتضاربة، يجدر بنا التوقف أمام ما هية الأعاصير بحد ذاتها، خاصة وأن بُعد مناطقها عن البلاد العربية كان يبقيها خارج اهتماماتنا العامة.
ما هو الإعصار؟
هو باختصار كل عاصفة ممطرة تفوق سرعة رياحها 117 كيلومتراً في الساعة. وما دون ذلك فهو عاصفة. والأعاصير المدارية (Tropical Cyclones) هي أنظمة ضخمة من الغيوم الدائرية والرياح والعواصف الرعدية. وتحدث في فصلي الصيف والخريف في المناطق المدارية من المحيطات. وإذا نظرنا إلى الأعاصير التي تحصل في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، لاحظنا أن الرياح تعصف فيها كلها باتجاه معاكس لعقارب الساعة وفي شكل حلزوني نحو النواة، أي إلى الداخل.
وفي وسط الإعصار، تكون هناك بقعة من الفضاء الصافي من دون غيوم ولا تزيد سرعة الرياح فيها عن 25 كلم في الساعة. وهذه البقعة تعرف بـ عين الإعصار ، وعلى حافتها تكمن أعنف رياح الإعصار وأسرعها على الإطلاق. وغالباً ما يتسبب الأمر في التباس على بعض الناس، إذ يلحظون فجأة تحسناً في الطقس، فيعتقدون بأن الإعصار قد مرّ وانتهى، وهم في الواقع في عينه تماماً، إذ فجأة وخلال دقائق معدودة تعود الرياح العاتية والأمطار الغزيرة إلى ضربهم مجدداً وبشكل أعنف من السابق.
وتتشكل الأعاصير وفق آلية محددة يمكننا أن نختصرها على الشكل الآتي: تتسبب التيارات الساخنة في المحيطات بتبخر كميات من مياه المحيطات. ونتيجة الفرق في درجة الحرارة ما بين المياه المتبخرة من جهة وحرارة الرياح السطحية من جهة أخرى، تندفع هذه الأبخرة صعوداً لأن الهواء الدافئ أخف وزناً من الهواء البارد. فتتجمع هذه الأبخرة على شاكلة غيوم تتكثف على ارتفاع معين، وتتولد من حرارة تكثفها طاقة عملاقة. فيتحول النظام إلى ما يشبه المدخنة التي ترفع الهواء من الأرض، لتعود وتطلقه نزولاً على مسافات معينة من العين مما يشكل عواصف قوية حاملة معها الأمطار الغزيرة.
وتوكيداً على دور الفروقات الحرارية ما بين مياه المحيطات والغلاف الجوي في تشكيل الأعاصير، نشير إلى أنه بمحرد وصول إعصار ما إلى اليابسة، تخف قوته بسرعة وتدريجاً ليتحول إلى عاصفة مدارية، ومن ثم إلى غيوم وأمطار متفرقة ويتلاشى.
وعلى مرّ التاريخ، كانت الأعاصير والعواصف جزءاً طبيعياً من دورة المناخ السنوية، وأمراً ضرورياً للحياة. لكنها عندما تشتد وتعنف تصبح خطراً على الحياة والبيئة. وإعصار كاترينا أفضل مثال. إذ بلغت الخسائر التي تسبب بها أكثر من 100 مليار دولار، وشرّد أكثر من نصف مليون نسمة، وكاد أن يلغي مدينة نيو أورليانز من الخريطة بعدما تساءل البعض ما إذا كان التخلي تماماً عن المدينة مجدياً أكثر من ترميمها!
مناطق الأعاصير عالمياً
هناك سبع مناطق في العالم تتشكل فيها الأعاصير المدارية، نوردها هنا على التوالي حسب قوتها وكثرتها النسبية.
1 –
شمال غرب المحيط الهادئ. وتؤثر أعاصير هذه المنطقة على الصين واليابان والفلبين وتايوان. وتشهد هذه البلدان نحو ثلث الأعاصير في العالم وأعنفها.
2 –
شمال شرق المحيط الهادئ. وتضرب أعاصير هذه المنطقة غرب المكسيك وجزر هاواي وشمال أمريكا الوسطى.
3 –
جنوب غرب المحيط الهادئ، وتؤثر على أستراليا.
4 –
شمال المحيط الهندي، وتضرب أعاصيره الهند وبنغلاديش وسريلانكا وميانمار وباكستان. والأعاصير المتشكلة هنا تحصد معظم الضحايا البشرية في العالم، مثلما حصل سنة 1970م، حينما أودى إعصار واحد بحياة 200,000 نسمة.
5 –
جنوب شرق المحيط الهندي، وتؤثر أعاصيره على إندونيسيا وأستراليا.
6 –
جنوب غرب المحيط الهندي، وتتأثر بأعاصير هذه المنطقة، مدغشقر، موزامبيق، موريشيوس. وأعاصير هذه المنطقة هي الأبعد عن الدراسة لعدم توافر المعلومات التاريخية الخاصة بها.
7 –
شمال غرب المحيط الأطلسي. وأعاصير هذه المنطقة حظيت أكثر من غيرها بالدراسة، خاصة وأنها تطال الشواطئ الجنوبية والغربية للولايات المتحدة الأمريكية وخليج المكسيك ودول البحر الكاريبي، ويصل تأثيرها شمالاً حتى السواحل الكندية. ويتراوح عدد هذه الأعاصير سنوياً ما بين إعصار واحد وعشرين. والمعدل هو نحو عشرة أعاصير سنوياً.
توقع الأعاصير: دقيق ومحدود
أصبحت مسألة توقع الأعاصير شأناً بالغ الأهمية في السنوات الأخيرة نظراً لتعاظم الخسائر التي تتسبب بها. وتعتمد مراقبة الأرصاد الجوية لنشوء الأعاصير وحركتها على وسائل عديدة أهمها: الأقمار الصناعية، طائرات الاستطلاع، الرادارات الأرضية، ومراكز المعلومات.
وقد حققت الأرصاد الجوية قفزة كبيرة في هذا المجال. فصارت قادرة على رصد أي إعصار وتوفير المعلومات الدقيقة نسبياً عن سرعته وحركته وموعد وصوله إلى نقطة معينة، وحتى كميات الأمطار وسرعة رياحه في كل نقطة منه. وما النجاح في مواجهة الإعصار ريتا حين أخليت شواطئ تكساس الأمريكية من المواطنين قبيل وصوله، إلا نتيجة لدقة التوقعات العلمية. ولكن، ما عدا ذلك، يبقى كل شيء آخر خارج القدرة العلمية على توقعه. فلا أحد يعرف شيئاً أين ومتى سيتشكل الإعصار التالي، ولا ما إذا كان سيتشكل إعصاراً تالياً على الإطلاق. واللهجة التي يتحدث بها اليوم علماء الأرصاد الجوية خاصة في أمريكا، حول موسم العام الجاري من الأعاصير، تؤكد أنهم فوجئوا بهذا العدد وبهذا العنف، كما فوجئوا بانقلاب كاترينا الذي غيّر مساره عكس ما كانوا يتوقعون.. ومن سلسلة المفاجآت هذه تولدت الأسئلة التي تؤرق بال العالم: هل نحن أمام تحول في المناخ العالمي، أم أن حالة العام الجاري طبيعية ولها ما يشبهها سابقاً.
صراع الأجوبة
هذا السؤال طرحته شبكة سي إن إن الأمريكية عندما كان الإعصار كاترينا لا يزال يعصف بمدينة نيو أورليانز. وتكرر طرحه لاحقاً في عشرات المنتديات الإعلامية والعلمية. وأصبح أكثر إلحاحاً بعد الإعصار ريتا ومن ثم ويلما .. هذا إذا سلمنا جدلاً أن الإعلام الأمريكي يركز على الأعاصير التي تضرب أمريكا أكثر من غيرها. مع العلم أن الشرق الأقصى (اليابان، تايوان، والصين) كان يشهد بدوره تحطيماً للأرقام القياسية السابقة من حيث عدد الأعاصير التي ضربته هذا العام، ولم ينته موسمها حتى ساعة إعداد هذا البحث. ومع ذلك، لا جواب قاطع حتى الآن.
فهناك فريق من العلماء يتوخى الدقة ويكتفي بالإشارة إلى أنه لا يوجد حتى الآن دليل قاطع على وجود صلة بين ارتفاع حرارة الأرض نتيجة الانبعاثات الكربونية، وكثرة الأعاصير. ويدعو هذا الفريق إلى التريث لمدة سنوات عشر أو عشرين للتأكد ما إذا كان موسم الأعاصير لهذا العام حالة استثنائية، أم سيصبح حالة نموذجية.
وهناك من ينفي وجود أية صلة بين ارتفاع حرارة الأرض وعنف الأعاصير حالياً. مذكراً بالأعاصير من الدرجة الخامسة التي ضربت أمريكا سابقاً، وهي ثلاثة مدونة، كان آخرها الإعصار أندرو قبل ثلاث عشرة سنة.
ففي عدد شهر سبتمبر الماضي، كتبت مجلة عبوم (ساينس) الأمريكية المعروفة برصانتها، تقول إن الأعاصير، وبالرغم من قوتها المتعاظمة حالياً أصبحت أقل عدداً مما كانت عليه خلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية. ويستنتج كاتب البحث أن الأعاصير القوية مثل كاترينا هي في ارتفاع، أما عدد الأعاصير فلا مؤشر على تغييره. كان ذلك في شهر سبتمبر. ولكن ماذا يقول الكاتب اليوم، وقد ارتفع العدد إلى شكل غير مسبوق تاريخياً؟
فمقابل كل هؤلاء، هناك اتجاه أقوى إلى إلقاء اللوم على الانحباس الحراري. فتقلص الكتلة الجليدية القطبية، أضعف التيارات البحرية الباردة، ورفع حرارة التيارات الساخنة. والفارق الحراري لجزء من الدرجة الواحدة، يمكنه أن يتسبب بنتائج عملاقة على حالة المناخ العالمي. ويدعم هؤلاء وجهة نظرهم بالإشارة إلى أن الأرصاد الجوية، وأينما كان في العالم، سجلت خلال العام الجاري أسخن شهر سبتمبر خلال التاريخ المدون في سجلاتها.. فهل هناك علاقة؟ أم لا؟
وأخيراً هناك فريق، يرى أن هناك تحولاً بالفعل، ولكنه يرد هذا التحول إلى دورات مناخية وليس إلى عوامل بيئية مثل الانحباس الحراري. ويقول إن الدورة المناخية المتميزة بعنف الأعاصير وكثرتها، ستستمر حتى العام 2010م، لتعود الأمور بعدها إلى ما كانت عليه قبل عقد من الزمن.
فلا جواب حاسم إذن قبل سنوات من المراقبة.
أسماء الأعاصير
تحمل الأعاصير المدارية مسميات مختلفة غير اسم العلم الذي يحمله كل إعصار على حدة. فمتتبعوا الأخبار على التلفزيونات الأجنبية لا بد وأن يكونوا قد لاحظوا استخدام مفردات مثل تايغون و هاريكان و سايكون للإشارة إلى الإعصار.
فالأعاصير التي تهب على شرق آسيا تسمى تايغون (Typhoon) وهي كلمة ذات أصل عربي طوفان . أما الأعاصير التي تهب على أمريكا فتسمى Hurricane ، اعتماداً على الاسم الذي استعمله قديماً هنود البحر الكاريبي للدلالة على أحد آلهتهم الوثنية المختص بالعواصف.. أما كلمة Cyclone فهي مشتقة من أصل يوناني يعني الدائرة. إلى ذلك تسمى هذه الأعاصير في الفلبين باكيو (Bagyo) وفي هايتي: تاينو (Taino) وما إلى ذلك.
من جهة أخرى، اتفق علماء الأرصاد الجوية على تسمية كل إعصار باسم علم مختلف، تلافياً للالتباس، خاصة وأن الإشعار بوجوده وحركته يجب أن يتوزع على آلاف الجهات من بواخر في عرض البحر ومدن ساحلية وموانئ وسلطات رسمية.
وعلى مدى عقود طويلة، كانت الأعاصير تسمى بأسماء النساء فقط لأن هناك اعتقاداً بأن البحارة المعنيين أكثر من غيرهم بها، منقطعون عن النساء، وقد يولون الإعصار اهتماماً أكبر إذا تمت تسميته باسم امرأة(!). وبدءاً من العام 1978م، وتحت ضغط المنظمات النسائية في العالم، صارت الأعاصير تحمل أسماء رجال ونساء على حد سواء.
ويعد خبراء الأرصاد الجوية، قبل بدء موسم الأعاصير، سلسلة من الأسماء مرتبة أبجدياً لكل منطقة أعاصير. وما إن يتشكل أي إعصار في المحيط، حتى يطلق عليه الاسم الأول غير المستعمل على اللائحة، مهما كان مصير هذا الإعصار أو حجم الخطر الذي يحمله. وخلال العام الجاري كان الخبراء قد أعدوا لائحة من 22 اسماً لاعتقادهم أن الأمر سيكون كافياً لتغطية الموسم. وكان ويلما آخر الأسماء، فهب هذا الإعصار، والموسم لم ينته بعد.
التورنادو
يختلف الإعصار القُمعي التورنادو عن الإعصار المداري في جوانب عديدة.. فهو عبارة عن كتلة هوائية صغيرة متحركة حول نفسها في شكل دوّار وعلى تماس مع اليابسة. والإعصار القُمعي قد يكون أعنف من الإعصار المداري. ولكن ولحسن الحظ، فإنه قصير العمر ومحدود في المكان. وغالباً ما تتسبب الأعاصير المدارية بنشوء عدة أعاصير قُمعية في جوارها. ويمكن لسرعة الرياح في هذا النوع أن تصل إلى حدود 400 كلم في الساعة، وتصبح قادرة على رفع شاحنة ضخمة حتى ارتفاع مئة أو مئتي متر في الهواء.