زحل ليس الكوكب الوحيد الذي تلتفُّ حوله حلقات. فكل من المشتري وأورانوس ونبتون تحيط بهم الحلقات أيضاً. وأن تحيط الحلقات بكوكب ما لهو أمر مقبول فلكياً ولا يُعدّ استثناء كبيراً. لكن بالنسبة لسكــان الكوكب نفسـه –ونفترض هنا أنه كوكبنا الأرض- فإن وجود الحلقات سيضفي على عالمنا جواً إضافياً من الشاعرية والجمال.
مراحل تكوُّن الحلقات
الحلقات في الواقع ليست إلا بلايين الجسيمات الصغيرة التي تدور حول الكوكب. فعلى سبيل المثال حلقات زحل هي عبارة عن نثار من الجليد. ويعتقد علماء الفلك أن هناك عدة أسباب تؤدي إلى تكوّن حلقات حول أي كوكب. من هذه الأسباب اصطدام جسم فضائي كبير بالكوكب وتناثر حطام الاصطدام في الفضاء على بُعد مناسب. السبب الآخر قد يكون تحطمّ قمر يدور حول الكوكب.
ما يجمع هذين السببين (وغيرهما من الأسباب) هو أن المسافة الفاصلة بين الكوكب والحطام المكوّن للحلقات مناسبة كي تفعل جاذبية الكوكب فعلها بالحطام فتبقيه في مدارها. هذه المسافة معروفة بـ”حدّ روش” نسبة إلى العالم الفرنسي إدوارد روش.
إن ما يُعرف بـ “حدّ روش” في الفلك (Roche limit) هو المسافة التي يتماسك فيها جرم سماوي بفعل جاذبيته، ويتحلل إذا أثرت عليه قوى المد الناشئة عن اقتراب جرم سماوي آخر أقوى جاذبية منه. في داخل حدّ روش يتشوِّه الشكل الكروي للجرم السماوي بسبب شدة تجاذب جزئه المواجه للجرم السماوي الآخر الأكبر والأقوى جاذبية (ما نشهده في ظواهر المد والجزر)، وقد يتفتت فتدور حبيبات المادة في أفلاك حول ذلك الجرم السماوي الآخر.
الأرض وحلقاتها المتخيّلة وعلى سبيل المثال، فإن جاذبية الأرض في وجهها المقابل للقمر أكبر بكثير من جاذبيتها على الوجه الآخر. ولو كان القمر واقعاً بالنسبة للأرض داخل مسافة روش، فإن ذلك الفرق سيكون كبيراً بما يكفي ليطغى على قوة الجاذبية الداخلية للقمر. ما سيؤدي إلى تكسّر القمر. هذا التكسر يتيح للقطع الناتجة التصادم وبالتالي التفتت. وعلى مر ملايين السنين يصل عدد نواتج الاصطدامات إلى بلايين القطع الصغيرة. وبما أن القطع تقع داخل مسافة روش، لا يمكن لها أن تتجمع مرة أخرى لتكوّن القمر ثانية. فتتحوّل إلى حلقات حول الكوكب الأكبر.. الذي هو الأرض.. وفقاً لهذا السيناريو التخيّليّ.
ولو افترضنا أن للأرض حلقات مكوّنة من جليد، مثلما هو الحال مع زحل، فإن تلك الحلقات ستختفي فوراً وستتبخر بفعل أشعة الشمس الأشد سطوعاً على الأرض منها على زحل البعيد. ولو كان للأرض حلقات مكوَّنة من الصخور، كتلك التي يتشكَّل منها القمر، فستعكس ضوء الشمس نحو الفضاء الخارجي. وبما أن جاذبية الأرض أكبر فوق خط الاستواء منها في أي نقطة أخرى. فستدور حلقة الصخور حول كوكب الأرض بموازاة خط الاستواء.
ما الذي سيحدث بعدها؟
هناك عدة تأثيرات مباشرة ستنتج عن وجود الحلقات حول خط الاستواء الأرضي. أولها سقوط ظلّ الحلقات على نصف الأرض الذي يمر بفصل الشتاء كنتيجة لميلان محور الأرض، ما سيؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة بشكل أكبر في المناطق التي تغطيها ظلال الحلقات. وسيؤدي سطوع الحلقات في الليل إلى صعوبة رؤية النجوم المختلفة. النتيجة الأخيرة هي شبه استحالة الانطلاق في الفضاء. إذ سيصعب على مركبات الفضاء والأقمار الصناعية، تفادي الجسيمــات التي ستتنــاثر عشوائياً من داخل الحلقات الصخرية.
يمكننا تخيل نتيجة أخيرة على الثقافات البشرية. ذلك أن الثقافات المختلفة التي تأثرت بالأجرام والظواهر الفلكية وعزا إليها كثير من الخُرافات كانت ستتفاعل بالطبع مع تلك الحلقات وكانت ستظهر لنا خُرافات وأساطير أكثر تنوعاً عبر تاريخ البشرية. ويمكننا إذاً تخيل الكثير من القصص الخرافية التي تحكي أصول هذا الطريق اللامع في السماء.