تغنَّى شعراء العالم قديماً وحديثاً بلون السماء في صفائها وتلبّدها. ورمز كثير منهم بصفائها إلى صفو العيش ورقتّه. ولكن، ماذا لو لم تكن السماء زرقاء؟
إذا ما أردنا تخيل السماء بلون مغاير، يجب أن نفهم سبب زرقتها في الأساس. فمن المعروف أن ضوء الشمس الأبيض يحتوي على جميع ألوان الطيف. وليصل إلينا هذا الضوء، يجب أن يخترق الغلاف الجوي. ولأن ذرات الهواء تبدِّد (أو تنشر) الضوء بحسب طوله الموجي، فالموجات القصيرة القريبة من اللون الأزرق في الطيف، تتبدَّد بدرجة أكبر من الموجات الطويلة القربية من اللون الأحمر. وسبب زرقة السماء هو أننا نرى النطاق الأزرق من ضوء الشمس المتبدد من الهواء. وهذا بالضبط ما يحصل للون البحار، فمياه البحر تبدِّد هذه الدرجة من اللون الأزرق أكثر من غيرها. على عكس ما هو شائع لدى البعض من أن زرقة البحر تُعزى إلى انعكاس لون السماء على البحر. وهذا أيضاً ما يفسِّر حمرة السماء وقت الغروب، إذ إن ضوء الشمس يعبر مسافة أطول من الهواء في الغلاف الجوي، مما يسمح للنطاق الأحمر أن يطغى على النطاق الأزرق.
إذاً، لو أردنا تغيير لون السماء يجب علينا تغيير نوعية الغازات الموجودة في الغلاف الجوي، ولأن الحياة تعتمد بشكل مباشر على مكوّنات الغلاف الجوي، ستتغيَّر نوعية الحياة والعمليات الحيوكيميائية، مما يصل بنا إلى الفرضيات المختلفة عن إمكانية الحياة في الكواكب الخارجية التي تحتوي على نوعيات مغايرة من الغازات. فقد يقترح بعضهم مثلاً إمكانية الحياة القائمة على مركَّبات السيلكون بدلاً من الكربون. ولكن من المؤكد أننا لو استيقظنا يوماً ما والسماء خضراء، مثلاً، فإننا سنهرع لشراء أقنعة غازية.
يؤخذ تبدد الضوء بعين الاعتبار فقط عندما تكون المسافة المقطوعة كبيرة بما فيه الكفاية. إلا أن الهواء لا لون له، وما لون السماء إلا خدعة بصرية يقوم بها هواء الغلاف الجوي. وفي الواقع لم تكن السماء توصف بالزرقاء في بعض أشعار القدامى. ولعل أبرزهم الشاعر الإغريقي هوميروس الذي وصف السماء بلون مغاير في إلياذته وأوديسته الشهيرتين. بل إن اللون الأزرق لم يذكر بتاتاً في القصيدتين التاريخيتين. مما دفع كثيراً من اللغويين للبحث عن سبب عدم وجود اللون الأزرق فيها. وأحد التفسيرات الحديثة هو أن تطور اللغة يؤثر على المفردات اللغوية المستخدمة في وصف الألوان. لم يكن اللون الأزرق موجوداً في كثير من اللغات القديمة، كما أن اللون الأزرق غير موجود في بعض اللغات الحية الأقل تطوراً. فمثلاً لم تتطوَّر مفردة اللون الأزرق في اللغة اليابانية إلا بعد الحرب العالمية الثانية. فهل هذا يعني أن اليابانيين لم يكن بمقدرتهم رؤية اللون الأزرق؟ ماذا لو كانوا فعلاً يرون السماء بلون مغاير؟
بطريقة ما، لا يمكننا تخيل كيف ستكون أفكار البشر عن سماء خضراء. فبعد ملايين السنين من تطور البشر وحضاراتهم، كانوا سيتأقلمون ويتغنَّون بخضرة السماء. ولربما تساءلوا عندها: ماذا لو كانت السماء زرقاء؟