«عطوى» فِلم جديد للمُخرج الشاب عبدالعزيز الشلاحي، الحائز جائزة أفضل مُخرج مرتين، واحدة في مهرجان الأفلام السعودية بالدمام لعام 2016م، وأخرى من مهرجان الشباب للأفلام بجدة في العام نفسه. وعلى الرغم من قصر مدَّته التي تبلغ ربع ساعة فقط، يثير فِلم «عطوى» أسئلة كثيرة حول التوهُّم بفعل الثقافة خلال التطلع إلى الواقع، والخوف من الغريب المجهول، وأيضاً الرغبة في خوض المغامرات وتبوُّء مكانة البطولة.
تنطلق قصة الفِلم بشقيقين، صبي وفتاة، يُدعيان فيصل والجوهرة، يعيشان في مزرعة مع جدّهما (يؤدي دوره الممثل القدير علي المدفع)، ويصنعان دمية بحجم رجل وشكله، ليَلهُوَا بها. وذات يوم، يصحبهما الجدُّ في مشوار إلى قرية عطوى، بسيارته (البيك أب) ذات الحوض، ويأخذان الدمية معهما.. ولإكمال اللهو واللعب (أو هكذا يمكننا أن نخمِّن ونستنتج)، قرَّرا أن يتركا الدمية على قارعة الطريق، ووضعا بقربها حقيبة حديديَّة فارغة.
وفيما يشبه البداية الثانية أو المتكرِّرة، الممهِّدة للدخول في عمق القصة، ثمة شابٌ يعمل في وزارة الصحة، وأمامه مهمَّة عمل ينبغي القيام بها في مركز «عطوى» الصحي، فيقود سيارته على طريق صحراوي طويل من الرياض إلى قرية «عطوى»، وبينما هو في الطريق، يسلِّي نفسه بالتواصل مع أصدقائه عبر «السناب شات»، يلمح رجلاً مسناً ودميماً يقف على قارعة الطريق، فيتوقف، ويعود بالسيارة إلى الخلف، ويترجَّل منها ليعرض على المسن توصيله إلى وجهته.
التوهم الأول: خطورة الغريب
يصعد الرجل العجوز الدميم إلى السيارة ويضع حقيبته في الصندوق الخلفي، وبعد قليلٍ يتوقف الشاب لقضاء حاجته، وعندما يعود إلى السيارة لا يجد الرجل الدميم. وبعد طول انتظار، يتوجَّه إلى صندوق السيارة ليجد الحقيبة مملوءة بالأوراق النقدية وفيها مسدس.. يرتبك، ويجد نفسه في مخفر الشرطة، حيث يجري معه الضابط تحقيقاً حول مصدر الحقيبة.. وعندما يصعقه الضابط بالعصا الكهربائية يستيقظ، ونعرف أنه كان يتوهم خلال الثواني التي توقَّف فيها وبدأ يرجع بسيارته إلى الخلف.
التوهم الثاني: مجرد فعل خير
تعود بنا الكاميرا إلى الرجل المسن، والشاب يرجع بالسيارة نحو الخلف، وكأن الموقف بدأ من جديد.. يصعد الرجل، ويوصِّله الشاب إلى قرية عطوى ويستقبله أحفاده. ولكننا نفطن إلى أن ذلك لم يحدث أيضاً، وإنما هو وَهْمٌ آخر عاشه الشاب في تلك الثواني بين توقُّف السيارة والعودة إلى الخلف.
انفراج العقدة
ونعود مجدَّداً إلى مشهد توقف الشاب ونزوله من سيارته، ليجد أن الشخص الواقف على الطريق إنما هو مجرد دمية وبجانبها حقيبة خاوية.. ينفجر الشاب بالضحك، وينتهي الفِلم بلقطة أخيرة: فيصل يسأل الجوهرة، بنلقاها؟.. أي هل سنجد الدمية؟
بين هذه القصص الثلاث نتلمَّس الخوف بأشكالٍ عدة: الخوف من مفاجآت الطريق، والخوف من اختراق القانون، والخوف من الجن أو العفاريت في الخلاء أو من المرأة العجوز التي سُمِّيت القرية باسمها، وكذلك الخوف من وحشة الليل – رغم أن الأحداث تدور في رابعة النهار، لكن التوهُّم جعلها ليلاً – إذ تشكِّل تلك المخاوف البُعد النفسي للبطل، التي تكوَّنت في رحم الثقافة الشعبية، وأصبحت تسكن الوجدان الشعبي وتؤثر فيه، رغم تطور الحياة وتقنيات الانتقال والتواصل الحديثة التي تظهر في الفِلم.
النوع: فِلم طريق
يحيلنا هذا الفِلم إلى ما يسمى اصطلاحاً «سينما الطريق»، حيث يمكننا أن نصنِّفه بانتمائه إلى هذا النوع من الأفلام التي ظهرت في السينما الأمريكية وامتدت إلى السينما المصرية وغيرها من صناعات الأفلام في العالم. فأفلام الطريق يكون مسرحها الطريق، كما يكون حدثها الرئيس على الطريق أيضاً، وهكذا تدور جل مشاهد فِلم عطوى. إذ يبدأ الفِلم فعلاً بعد مشهدين قصيرين في مزرعة، ثم ينطلق السرد إلى الطريق ويستمر عليه، وينتهي فيه أيضاً. ولربما يدفع ذلك بالمشاهد إلى الرغبة في بلوغ الهدف، أو قد يحيله إلى التماهي مع قصة الفِلم البسيطة التي كتبها الشلاحي بنفسه، ورسم السيناريو لها عادل ساري ببراعة تأسر المشاهدين في الطريق مع بطله الممثل الشاب خالد الصقر في أول ظهور له حاز عليه جائزة أفضل ممثل في مهرجان الشباب للأفلام.
ولتأكيد التأثر بسينما الطريق على سردية الفِلم، نجد أن الفني الموسيقي عبدالله العبرة أدخل شيئاً من موسيقى الريف «الكاونتري»، باعتبارها الموسيقى الشعبية المرتبطة بالثقافة الريفية في الولايات المتحدة، والمعتمدة على آلتي الهارمونيكا والغيتار والإيقاع السريع. ولم يكتف العبرة بتوظيف هذا النوع من الموسيقى فقط، بل استعان بمؤثرات صوتية تذكِّر بمغامرات الصحراء في أفلام الغرب الحديثة، لتحدث تأثيراً سمعياً ينحو إلى الإثارة والغموض. ويتكامل هذا التأثير السمعي مع أداء فريق التصوير الذي تألَّف من أحمد خليل وعمر الأحمد وباسم مصباح. فقد أجاد هؤلاء إدارة كاميراتهم، خصوصاً في اللقطات البعيدة (البانورامية) ومناسبتها مع القريبة (زوم إن)، في تنقل بصري، عزَّز جودته المونتاج المتقن على أيدي شريف الحلو وأسامة أبا الخيل.
- جائزة أفضل مخرج في مهرجان الأفلام السعودية بالدمام 2016.. وجائزة أفضل مخرج في مهرجان الشباب للأفلام بجدة 2016..
- فاز الممثل في الفِلم خالد الصقر بجائزة أفضل ممثل في مهرجان الشباب للأفلام..
يمكن للبعض أن يقول إن الاختصار قد أخلَّ ببعض تفاصيل الحبكة، ما جعل فهم بعض التفاصيل فيها صعباً، مثل التساؤل: لماذا أخذ الطفلان الدمية معهما؟ ولماذا تركاها على قارعة الطريق؟ وما قصة السيارة البيضاء التي تظهر مرة محمولة على شاحنة نقل، ومرة في آخر الفِلم وقد توقفت للرجل الدمية؟.
ولكن، وللإنصاف، لا بد من التأكيد على أن الفِلم الذي عُرض أيضاً في مهرجاني كان وبرلين خلال العام الجاري، يتمتع بحبكة مشغولة بقدر ملحوظ من التشويق الذي يغذِّيه شيء من الرعب الخفيف، أو التوتر، وقد جاء مكتملاً في بنائه الدرامي، ومقنعاً في سرده الفني، ولا يعيبه أبداً قصر دقائق عرضه.