في كل موسم رياضي يبرز الحديث عن الأرقام القياسية كجزء طبيعي من نسيج الرياضة نفسها، حتى أن الهدف من الرياضات المختلفة بات يبدو وكأنه يقتصر على تجاوز ما تم تحقيقه سابقاً.
فإلى متى سيتمكن الرياضيون من تحطيم الأرقام القياسية، ودفع الإنجازات إلى مستويات كانت تبدو مستحيلة سابقاً؟ وديع عبدالنور يجيب عن هذا السؤال من خلال مراجعة تاريخ الأرقام القياسية وتطور صناعة الرياضة والأبطال، مشيراً إلى أن هذه الصناعة باتت تقف أمام خط أحمر على الصعيد الأخلاقي والإنساني.
الأرقام القياسية إلى أين؟ سؤال يتردد دائماً ويأخذنا لبرهة في التأمل والتفكير إلى أكثر من قرن، إلى الألعاب الأولمبية الحديثة الأولى عام 1896م في أثينا، فنستعيد صورة اليوناني سبيريدون لويس في الملعب الأولمبي القديم مجتازاً خط وصول سباق الماراثون (42.195 كلم)، مغموراً بالدهشة مسجلاً 2.58.50 ساعة ومحرّكاً مشاعر الاعتزاز عند مواطنيه.
وقتها لم تكن هناك ميدالية ذهبية تمنح للفائز بل فضية وغصن زيتون إضافة إلى كأس النجاح، فضلاً عن تلقيه عطايا وهبات وحتى عرض زواج.. أما اليوم، فيشترط الأبطال من ذوي الأسماء الرنانة المثقلين بالشهرة الحوافز والجوائز سلفاً! وتقاس قدراتهم على فرض شروطهم، بقدراتهم على تحقيق ما لم يتم تحقيقه سابقاً. فالنجومية هي للأقوى، الأسرع، الأسلس.. لأفعل التفضيل المقرون برقم قياسي.
وإذا كانت ألعاب القوى تستحوذ على أضواء الأرقام القياسية وبريقها عموماً، فإن هذه الجاذبية تشمل السباحة وسباقات السرعة المتعددة ولا سيما في إطار التزحلق على الجليد ورفع الأثقال والدراجات والرماية وصولاً إلى صرعات ورياضات غير مألوفة، غير أن المنطلق واحد والأساس أيضاً.
فقد جاءت البطولات والدورات الدولية على أنواعها ولا سيما الدورات الأولمبية لتحفّز هذه العطاءات. إذ كان لها الدور البارز في تطور النتائج الرياضية والعلوم الموازية لها في مجالات التدريب والأنظمة الغذائية والتجهيزات والألبسة والمرافق وصولاً إلى العناية الطبية، وحتى المنشطات التي هي في سباق دائم مع إجراءات مكافحتها. ودخل في هذا الإطار اختيار الأماكن المناسبة المسهّلة للأهداف منها ملاعب تقع في مناطق مرتفعة عن سطح البحر مثل سيستيير (إيطاليا) أو مسارات ماراثون سريعة في برلين وشيكاغو وأمستردام مثلاً.
ولا شك أن تطور العلوم عموماً انعكس إيجاباً على تطور الجسم البشري وواكب النظرة الاجتماعية – الاستهلاكية، التي وجدت في الرياضة ومنافسات المستوى المتقدم أداة استثمارية للترويج، فكانت أساليب الرعاية والدعم التي تحولت اختصاصاً قائماً بذاته وحقل أعمال مربح، وغيّرت النظرة إلى الرياضي الذي تحوّل من البطل المثالي إلى البطل النجم، رجل الأعمال بفضل الثروات التي يجنيها.
سباق المئة متر مثالاً
قد يكون الفارق بين 9.77 ثانية و10.06 ثانية، ضئيلاً جداً لا يتجاوز رمشة عين. ولكن هذا الفارق الذي يبلغ تحديداً 0.29 من الثانية، تطلب مرور 93 عاماً من الجهود للوصول إليه.
هذا الرقم (9.77 ثانية) هو الوقت الذي سجله الجامايكي أسافا باول العام الماضي في أثينا. ومع ذلك، لم يعتقد أحد أنه سيبقى على قمة الأرقام القياسية لسباق الـ 100 متر إلى الأبد، حتى باعتقاد حامل الرقم الجديد الذي قال: لا أحد يدري السرعة القصوى التي بإمكان أي رجل أن يعدو بها . وقد صدق ظنه، ففي 12 مايو الماضي تمكن البطل الأولمبي الأمريكي جاستين غاتلين، من معادلته في لقاء الدوحة الدولي، وأعلن أنه يستطيع تحطيمه من جديد، وأن الفرصة متاحة أمامه هذا الصيف لكي يحقق هذا الهدف.
وخبراء اللعبة مقتنعون أن رقم باول وغاتلين القياسي سيُحطم، لكن المسألة هي متى وأين وكم سيكون الفارق الزمني؟ وعندما سئل هارولد ابراهام، بعدما عادل الرقم القياسي ليحرز ذهبية الدورة الأولمبية 1924م، إلى متى سيبقى الرقم القياسي يتحطم؟ أجاب قائلاً: سيبقى يتحطم من هذه اللحظة إلى أن تتوقف المسابقة .
ففي عام 1892م، أصبح البريطاني سيسل لي حديث الساعة عندما نجح في دورة ألعاب الكومنولث بتحقيق رقم جديد في سباق 100 متر بلغ 10.7 ثانية، حتى أن الصحف العالمية شككت في أن يتحطم هذا الرقم، لكن منذ ذلك الوقت، قضم من هذا الرقم 0.93 ثانية. وتوقع رئيس قسم الإحصاءات في الإتحاد الإنجليزي لألعاب القوى بيتر ماثيوز تكرار تحطيم الأرقام، وقال: إنها فقط مسألة وقت، وإذا أتيحت الأجواء الملائمة فإن الرقم قد يصل إلى 9.6 ثانية، وإذا نظرنا إلى روتين تحطيم الأرقام خلال السنوات الماضية، فإن الرقم الجديد لا بد من أن يُحطم .
لكن السؤال الأهم هو: متى يتوقف مسلسل التحطيم؟ وهل هناك سرعة قصوى لا يمكن أن يتجاوزها جسم العداء؟ تجيب خبيرة اللياقة البدنية البريطانية كايت أوين: لا ندري ماهية السرعة القصوى لجسم الإنسان عموماً.. الإنسان في كل أنحاء العالم أصبح أكبر حجماً وأقوى وهذا يتصل بطريقة الغذاء واتباع أنظمة صحية أفضل من الماضي… وإذا سُئلنا كم مرة سيستمر تحطيم الأرقام القياسية في ألعاب القوى، فالجواب سيكون: لا أحد يدري. ولكن الحقيقة هي أننا سنستمر في أن نكون أسرع من السابق، والأرقام القياسية ستستمر بالتحطم .
واعترفت أوين بأن لدى الرياضيين حالياً أفضليات كثيرة، مشيرة إلى أن اتباع الأنظمة الغذائية الصحية والتدريبات الصحيحة وتوافر فرق طبية لتقديم النصح والإرشادات تطورت كلها في الآونة الأخيرة، وحتى التكنولوجيا سخّرت لخدمة الرياضيين، والأحذية الرياضية أكثر تطوراً وملاءمة عما كانت عليه قبل 20 أو 30 عاماً .
ويؤكد ماثيوز أن تحطيم الأرقام القياسية وتسجيل أخرى جديدة أمر مؤكد، لأن هناك عوامل كثيرة ستساعد العدَّاء على بلوغ هدفه والتي لم تكن متوافرة لأسلافه. ويوضح: من العوامل المهمة درجات الحرارة عندما يبدأ السباق، وسرعة الرياح ونوع المضمار. فإذا كانت الظروف غير مشجعة فلن يتحطم الرقم القياسي ولكن تحت الظروف الإيجابية والمساعدة وخصوصاً سرعة الرياح فإن العداء سيكون مهيئاً لتسجيل رقم قياسي جديد . وأكمل: سرعة الرياح (متران في الثانية) خلف العداءين مهمة جداً في السباقات القصيرة، فهي تقضم نحو 0.2 ثانية في سباق 100 متر، وعلى سبيل المثال، عندما سجل الأمريكي موريس غرين رقمه القياسي في العام 1999م (9.79 ثانية) فإنه فعل ذلك من دون معاونة الرياح واعتقد أنه كان بإمكانه تسجيل رقم قياسي بنحو 9.65 ثانية لو ساندته الرياح .
وتعود فكرة البحث عن أسرع رجل في العالم للمرة الأولى إلى العام 776 قبل الميلاد، وتحديداً في اليونان، ونجح عدَّاء يدعى كوروبس بالفوز بجائزة ستالديون المخصصة لأسرع عدَّاء، لمسافة 193 متراً. ومنذ ذلك الوقت كان الرياضيون على دراية بأن الجيل التالي سيحطم أرقامهم القياسية لأنه سيكون أقوى وأسرع ولأن المعدات والأجهزة ووسائل التدريب وأنظمة الغذاء ستكون دائمة التطور.
النقلة النوعية: التحليل البيوكيميائي
لعل النقلة النوعية الواضحة تحققت منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي من خلال مراكز مخبرية في كاليفورنيا عرفت بـ CBA ، أو التحليل البيوميكانيكي بواسطة الكمبيوتر، وجاءت بمثابة خطوة علمية مواجهة لمنحى فبركة الأبطال في أوروبا الشرقية، وتحديداً في ألمانيا الشرقية عن طريق الدراسات العضلية والمنشطات.
ويشير إيلي سعادة المحاضر في التدريب والمعتمد من الاتحاد الدولي لألعاب القوى، إلى أن هذه المراكز قامت بتجارب على ثلاثة أنماط من الرياضيين: مجموعة تعتمد المنشطات سبيلاً للتطور، مجموعة تركّز على التمارين التقليدية، ومجموعة أُخضعت لتحاليل البيوميكانيك. فكانت الأخيرة هي التي سجلت أفضل النتائج.
وخلاصة القول، إن الإنسان يعتبر مجموعة مفاصل متحركة، و البيو علم يعتمد على أسس الفيزيائي إسحاق نيوتن المتعلقة بقوة الدفع، وهي الأساس في كل شيء، وتدرّس ضمن مناهج صفوف التربية الرياضية. وفي الألعاب الرياضية عموماً يكون التركيز واضحاً في الحركة على الجذع والأطراف. وعملت هذه المراكز المخبرية على تحديد كل حركة يؤديها الرياضي ومراقبتها من خلال كاميرا فيديو متطورة كانت تلتقط 10 آلاف صورة متسلسلة لجزئيات الحركة (هناك كاميرات حالياً تلتقط 3 ملايين صورة متسلسلة لهذه الجزئيات).
واستندت هذه المراكز في عملها على تقنيات وكالة الفضاء الأمريكية NASA، وصولاً إلى النتيجة المتوخاة أي التوقيت الصحيح لتفاعل الحركة في الأطراف كلها، ما يؤمّن انسجام مفاصل الحركة وتوافقها. وتم قياس القوة التي تولّدها الحركة بواسطة آلات وإجراء حسابات تفضي إلى النتائج المرتقبة التي بإمكان الإنسان أن يحققها.
ولأن القياس الدقيق يجعلنا نكتشف الحركات السلبية أي التي تهدر من قوة الرياضي، وتؤثر بالتالي على النتيجة، يرصد الكمبيوتر زوايا الحركة في المفاصل ومركز الثقل في الجسم لتحديد نقاط الضعف التي تجب معالجتها. فكانت النتائج المحققة رائعة، فمثلاً رامي القرص الأمريكي ماك ويلكنز كان يسجل 66 متراً، واكتشف أن نقطة ضعفه في الركبة التي يثبّتها قبل الارتقاء. وأظهر التصوير اهتزازها بشكل يقلّص من قوة الدفع. فاستخدم مشداً طبياً مثبتاً لتحسين الأداء مع التدريب المبرمج لتفادي الخطأ، والحصيلة الميدانية كانت نجاحه في رمي الثقل إلى مسافة 70.86 متر متخطياً الرقم العالمي (69م).
وأيضاً، لاعب التنس الشهير الأمريكي جيمي كونورز الذي عُرف بإرساله الضعيف جداً والذي لم يكن يتخطى في أفضل الأحوال سرعة 80 كلم في الساعة، في مقابل 220 كلم/س لمواطنه روسكو تانر. والسبب، طبعاً بفضل التصوير الراصد، أن كونورز يقوم لحظة مباشرته الإرسال بقفزة خفيفة في الهواء تفقده شيئاً من توازنه. واستطاع بعد تمرين على تفادي القفزة غير المرئية أن يزيد سرعة إرساله 30 كلم/س. ومثل آخر: رامي الرمح بيل شميث الذي اتضح أنه يؤدّي حركة غير مطلوبة فينخفض حوضه لحظة الرمي، وساهم العلاج في تحسين رقمه إلى 92 متراً متخطياً الرقم العالمي.
وعموماً، أسهم هذا التطور العلمي المخبري في بلورة الحركات التقنية وفعالية الأداء من دون النظر إلى جماليته. وعلى غرار ما اعتمد في ألعاب القوى، وضعت كاميرا في حوض سباحة في شكل أكواريوم زجاج لملاحقة حركات السبّاحين، كما رصدت حركات جذع لاعب الغولف ويديه خلال التسديد.
التكنولوجيا تقيس الحدود
من جهة أخرى، ساعدت هذه التقنية في تحديد الحدود القصوى لقوة الرياضي العضلية في المستقبل المنظور، فأشارت إلى أن تسجيل زمن مقداره 9.6 ثواني في سباق المئة متر يشكّل الحد الذي لا يمكن تجاوزه، فبعده تتمزق عضلات و تدمر عظام. ويُشبّه علماء ما يحصل عندها بمن يُمسّ بتيار كهربائي قوي، وباعتبار أن القوة الزائدة تسرّع إفراز الأسيد لاكتيت بكثافة تحرق العضلات والجهاز العصبي.
وفي هذا الإطار أيضاً، تقف حدود القوة البشرية في الوثب الطويل عند الـ 8.96م، والرقم العالمي حالياً مسجل باسم الأمريكي مايك باول (8.95م) منذ بطولة العالم في طوكيو عام 1991م، علماً بأن أداء مواطنه بوب بيمون الذي سجل 8.90م خلال دورة مكسيكو الأولمبية عام 1968م، يعتبر الأقرب إلى المثالية في هذا المجال. إذ كوّن قوة مقدارها 770 كلغ لحظة الارتقاء، ووصل فيها المفصل الأمامي للحوض إلى حدود التمزّق العضلي.
ومع الأخذ في الاعتبار القامة المثالية وخصوصاً طول الأطراف والقوة العضلية والإعداد الجيد، حددت قدرة الإنسان في الوثب العالي عند ارتفاع 2.70م.
وتؤكد مقارنة علمية بين القدامى والجدد مع مراعاة الظروف والأدوات والتقدم في برامج الإعداد والتدريب، أن الأمريكي الأسطورة جيسي أوينز بطل دورة برلين الأولمبية عام 1936م في الـ 100م (10.02ث)، والذي ركض من دون استخدام مكعب الانطلاق على مضمار ترابي، كان بإمكانه تجاوز إدي هارت الذي حقق أواخر الستينيات من القرن الماضي زمناً مقداره 9.95ث، وذلك بعد الاختبارات على طول عظام مفصله، وتحليل سلسلة صور الحركة.
من البيوميكانيك إلى التعديل الجيني
لقد لعب علم البيوميكانيك دوراً فاعلاً في تطوير النتائج من خلال تصحيح المجهود وضبط الأداء، كما أسهم المختبر الأمريكي بطريقة غير مباشرة في تحسين صناعة الملابس والأحذية الرياضية والأجهزة الطبية وأدوات التدريب المعاونة.
وهكذا منذ أكثر من 20 عاماً برهنت أمثلة ميدانية على أن الأداء المثالي المدروس يمكن بلوغه من دون عوامل كيمياوية، أي منشطات… غير أن هذا التطور التقني التكنولوجي تبلور بعد نحو عقدين من الزمن إلى مرحلة جديدة ثورية خطرة ، بدأت تظهر عامي 2000–2001م، وهي عمليات صناعة الأبطال، وانتقل المجتمع الرياضي عموماً إلى التركيز على كيفية الإفادة من العلوم الطبيعية وتطور جراحة الأعضاء وزرع الجينات، وصولاً إلى حدود الطاقة الفيزيائية عند الإنسان أي فبركة بطل سوبر ، من خلال استئصال الخلايا المصابة المريضة في أي عضو وزراعة عناصر بديلة لها، وكانت البداية في مجال جراحة الغضروف والعضلات.
ولعل التطور المثير والمدهش هو تكثيف الخلايا من خلال إعادة برمجة جينية على غرار ولادة طفل الأنبوب ، مع ملاحظة التخلص من الآثار الوراثية السلبية. وشاعت هذه الوسائل لتنمية القوة العضلية كثيراً في الولايات المتحدة، لكنها في المقابل أداة تؤدي إلى تغيير في نمط الجسم البشري. واستفاد علماء من أبحاث ذرية حيوية بيونيك لإنتاج مفاصل لا تصاب. والضالعون في مجال الرياضة يتذكرون جيداً حارس مرمى منتخب النرويج لكرة القدم توماس ماير الذي شارك في بطولة أوروبا عام 2000م في إيطاليا, وقد زرع له غضروف شبه صناعي بعد تلف الطبيعي.. والبطل العالمي والأولمبي في التزلج الألبي النمساوي هيرمان ماير شاهد حي على هذا العلم الحيوي، إذ ركّبت له مفاصل عدة شبه صناعية بعد حادث السير المروع الذي تعرّض له منذ أعوام، وأبعده عن المنافسة أكثر من موسمين، ثم عاد قوياً لا يُقهر ، وأطلق عليه لقب هيرمينياتور تيمناً بـ ترمينياتور لقب مواطنه السابق أرنولد شوارزنيغر.
ومع بلوغ مرحلة التصنيع للمفاصل والأربطة، استثمر الطب الرياضي علم الاستنساخ، وبوشرت تجارب على إيجاد جينات مثالية، من لاعبين ولاعبات مميزين لصناعة أبطال على الطلب بعضلات ومفاصل قادرة على تجاوز الحد الأقصى، بحيث يصبح تسجيل 9.5 ث في سباق الـ 100م أمراً ممكناً. وهذا طبعاً في العرف المثالي مخالف للقانون البشري والمنافسة الرياضية وحقوق الإنسان. إنه باختصار اغتصاب حق أشارت إليه مؤتمرات رياضية دولية عدة، منها المؤتمر الذي عُقد في ديسمبر 2000م في مدينة العلوم في فرنسا.
يذكر أن نجم منتخب إنجلترا لكرة القدم ديفيد بيكهام تعرّض لإصابة خطرة قبل انطلاق مونديال 2002م، كادت تقضي على آماله بالمشاركة لولا استخدام تقنيات الطب الرياضي الحديثة التي سرّعت فترة تعافيه في ظرف قياسي.
وبفضل الشفاء السريع، بات الرياضيون من المستوى الدولي يخاطرون ويجازفون رافعين شعار لا حدود لطاقتهم، باعتبار أن الخوف من الإصابة لم يعد موجوداً، وحين يعود أحدهم إلى نشاطه الميداني يتمتع بقوة خارقة ثلاث مرات أكثر من الوضع الطبيعي، ما يثير التساؤل هل بقوا بشراً أم باتوا هجيناً من رجال شبه اصطناعيين؟
وفعّلت شركات الأدوية والأدوات الرياضية والرعاة سبونسرز هذه الظاهرة لأنها تهدف إلى نجوم أصحاء أقوياء يحملون أسماءها وتعود عقودهم عليها بالفائدة المرجوة ولا تخسر، بسبب إصاباتهم المفاجئة التي تبعدهم طويلاً عن الملاعب، ما تتوقعه من أرباح من خلال برامج التسويق والترويج.
ويتفرّع هذا الاختصاص إلى حقول عدة منها العضو المعدّل جينياً (OGM) الذي يؤدي إلى نمو سريع للأطفال فيتخرجون أبطالاً في سن صغيرة تتخطى العمر الطبيعي بفارق سنتين أو ثلاث، أي أنهم مثلاً يصلون سن البلوغ في عمر الـ 10 سنوات. كما أدى التقدم في مجال علاج الأنسجة إلى تحقيق نجاحات فائقة في إبدال الأربطة، مع الإفادة القصوى من النتائج المخبرية ومنها تجارب زرع عصب سليم في عمود فقري لفأر مشلول في جامعة ماساشوستس في بوسطن ما سيحقق فتحاً جديداً في الطب الرياضي.
إنها مرحلة اعتماد قطع الغيار في الجسم البشري. غير أن السؤال الملح هو: هل تزول الفروقات الطبيعية بفضل التعديل الجيني أم يبقى للتدريب والبيئة التي ينشأ اللاعب فيها وزن ودور في الاختلاف ؟!
أرقام صامدة حتى الآن
هناك أرقام عالمية لمسابقات معتمدة دولياً لا تزال صامدة منذ أكثر من عقد، من أقدمها رقم البدل في الجري 4 مرات 1500 متر والمسجل باسم فريق ألماني غربي منذ 17/8/1977م (14.38.8د)، وهناك أيضاً رقم البدل 4 مرات 800 متر لفريق بريطاني سجله عام 1982م (7.03.89د).
ويلاحظ رقم المكسيكي أرتورو باريوس في جري الـ 20 ألف متر (56.55.6د) وسباق ضد الساعة (21.101 متر) عام 1991م، وجري الـ 400 متر حواجز للأمريكي كيفن يونغ (46.78ث) 1992م، ورمي القرص للألماني الشرقي يورغن شولت (74.08 متر) 1986م وإطاحة المطرقة للسوفياتي يوري سيديخ (86.74 متر) 1986م، ودفع الجلة للأمريكي راندي بارنز (23.12 متر) 1990م.
وعند السيدات، يلفت الأنظار رقم جري الـ 800 متر للشيكوسلوفاكية يورميلا كراتخفيلوفا (1.53.28د) 1983م، رقم جري الـ 400 متر للألمانية الشرقية ماريتا كوخ (47.60ث) 1985م. وهما رقمان فلكيان عموماً إلى جانب رقمي العداءة الأمريكية الراحلة فلورنس غريفيت جوينر في الـ 100 متر (10.49ث) والـ 200 متر (21.44ث) عام 1988م، ورقم الـ 100 متر حواجز للبلغاربة يوردنكا دونكوفا (12.21) عام 1988م، ورقم السباعية للأمريكية جاكي جوينر كيرسي (7291 نقطة)، ورقم الوثب الطويل للألمانية الشرقية غاليتا تشيسياكوفا (7.52 متر) في العام ذاته. ولا يُنسى رقم الوثب العالي للبلغارية ستيفا كوستادنيوفا، الرئيسة الحالية للجنة الأولمبية البلغارية، (2.09 متر – 1987م).
بين الرجال والسيدات الفارق يتقلّص سريعاً
خلصت دراسة نشرتها مجلة الطبيعة العلمية البريطانية عام 1992م، إلى أن الماراثون هي المسابقة الرياضية التي تستطيع فيها النساء مساواة الرجال في الأرقام والنتائج، وتوقعت أن يحصل ذلك سنة 2055م.
ولعل تحقيق البريطانية باولا رادكليف أفضل زمن قياسي للمسافة من خلال فوزها في ماراثون لندن عام 2003م، مسجلة 2.15.25 ساعة يصب في خانة هذه التوقعات، إذ بدأ الفارق يتقلّص بصورة تصاعدية، ففي غضون نحو 20 عاماً تطوّر رقم السيدات نحو 6 دقائق، بعدما سجلت النرويجية إنغريد كريستنيانسن 2.21.6 ساعة. ويكشف المؤشر انحداراً سريعاً نحو أوقات غير متوقعة وصولاً إلى رقم رادكليف الأخير.
في المقابل، لم يتطور رقم الرجال في السنوات العشر الأخيرة (حتى ذلك الحين) أكثر من دقيقة ونيف، إذ كان بحوزة الأثيوبي دنسيموي عام 1933م (2.6.5 ساعة) والفارق مع رقم كريستنانسن بلغ 14.16 دقيقة وهو حالياً 9.30 دقائق مقارنة بين رقم رادكليف ورقم الرجال الذي سجله الكيني بول ترغات (2.04.55 ساعة) عام 2003م في برلين.
ويعزو الخبراء التطور إلى أساليب التدريب العصرية، واتساع قاعدة المشاركين من مستوى متقدم، وغالبيتهم باتت تفضّل التخصص في هذا المجال من دون المرور في مرحلة سباقات المضمار.
وإذا كانت رادكليف استثناء الآن بين بنات جنسها، فإن العداءات الأفريقيات وتحديداً الأثيوبيات والكينيات قادمات إلى الساحة، لأن خلاصة بحث هورسوث تنطبق تماماً عليهن، فهن ربيبات مناطق ريفية قاسية تعمل فيها المرأة وتكدّ أكثر من الرجل لتأمين ضرورات العيش مثل توافر الماء وحراثة الأرض. وبين العاملات كثيرات مؤهلات لـ فرز أرقام قياسية بعد إعدادهن طبعاً.
على درب الأرقام القياسية
اعتمد التوقيت الميكانيكي (الكهربائي) في دورة لوس أنجلوس الأولمبية عام 1932م، و دحرج الأمريكي إيدي تولان الرقم العالمي لـ 100م من 10.8ث إلى 10.3ث.
ارتدى الألمان ألبسة ثورية في دورة ملبورن 1956م، هي كناية عن بزات منسوجة من مادة البرولاستيك، ما شكل بداية فتح في تصنيع الملابس الرياضية.
استخدم المضمار الترابي (الصلصال) للمرة الأخيرة في دورة طوكيو الأولمبية عام 1964م. وراج استعمال الزانة المصنوعة من الألياف الزجاجية، ما شكّل ثورة في هذه المسابقة الجذابة. علماً بأن الزانات في أوائل القرن كانت من القصب البامبو ثم الفولاذ الخفيف، ومهّد هذا الابتكار بالتالي لأن يصل الأوكراني سيرغي بويكا إلى تجاوز ارتفاع 6.14م عام 1994م. و تطير الروسية يلينا ايسنباييفا إلى 5.01م العام الماضي.
رسخت دورة مكسيكو عام 1997م (على ارتفاع 2250 متراً عن سطح البحر) الحد الأقصى من الاستفادة من الأماكن المرتفعة عن سطح البحر لتعزيز الأرقام القياسية، حيث تقلّ كمية الهواء وتخفّ الأوزان. وسجل بالتالي 34 رقماً عالمياً و38 رقماً أولمبياً بفوارق لافتة. واعتمد التوقيت الإلكتروني رسمياً، وفرش المضمار بمادة الترتان مما أزال أي عائق طبيعي أمام العدائين.
ومنذ 1968م إلى يومنا هذا تسارعت وتيرة الإنجازات والابتكارات الإيجابية والسلبية، وأرقام ألعاب القوى مثال على إنجازات السباحة والدراجات ومنها رقم الإيطالي فرانشيسكو موزير الذي حطّم الرقم العالمي ضد الساعة عام 1984م. ورافقه فريق فني وطبي متكامل وناسبه المكان المرتفع لذلك. وحقق إنجازه على متن دراجة ثورية مصنوعة من مادة الغرافيت (نوع من الكربون).
ودفعت حيثيات التدريب المتطور والعقاقير الموازية أن يرمي الألماني الشرقي أوي طون الرمح أبعد من 104 أمتار، عام 1986م فخشي الاتحاد الدولي أن يأتي يوم يطير فيه الرمح أبعد من الاستاد ويتجاوز المدرجات أو يصيبها.. والحلّ عقلنة المسابقة بتقديم مركز الثقل في الرمح وتصنيع نوعية جديدة عرفت بالرمح المنغرز بدلاً من الطائر، وبعد تعديل في الأنظمة.
غير أن السباق القياسي أوصل الرقم العالمي، بعد إعادة جدولته إلى مسافة 98.48 (التشيخي يان زيلزني 1996م).
في الأعوام السبعة الماضية اتضحت أكثر فأكثر صورة تطور التجهيزات والألبسة المعتمدة ومنها خوذات الدراجين.
ومن محطة مكسيكو 1968م إلى محطة سيدني 2000م ، الدورة الأولمبية ما قبل الأخيرة التي عرفت اللباس الثوري الجديد في السباحة وكأن سباحي الأحواض غطاسون، حيث سُجل 15 رقماً عالمياً تعد هي الأكبر بعد دورة مونتريال 1976م (29 رقماً)، و16 رقماً في رفع الأثقال ورقمان في الدراجات وواحد في الرماية.