التوقيع هو إعلان عن تحمل صاحبه مسؤولية الوارد في النص مهما كان نوعه، سواء أكان رسالة شخصية أو عقد عمل أو تقريراً أو غير ذلك. وفي صيغته التقليدية، كان التوقيع يدوياً وسهل الإنجاز.. ولكن هذه الصيغة لم تعد وحيدة، إن لم نقل إنها لم تعد كافية.
فقد فرض التطور المعلوماتي وتكنولوجيا الاتصالات توقيعاً رقمياً لم يعرّف بشكل جيّد في دول العالم حتى الآن، رغم ازدياد الثقافة المعلوماتية ونمو الحكومات الإلكترونية والتبادل التجاري بالوسائط الإلكترونية. وأيضاً رغم أن عمر التوقيع الإلكتروني هو ثلاثون سنة، إذ تم ابتكاره عام 1976م على يد ديفي هيلمان.
يرتبط التوقيع الرقمي ببعض المعايير المتعلقة بالأمن المعلوماتي، ومنها سرية المعلومات التي يجب أن تكون محصورة بين المُرسِل والمُرسَل إليه، وسلامتها من حدوث أي تغيير أو تزوير فيها، وأصالتها من خلال إمكانية التأكد من هوية المرسل أو المستقبل، وقدرة المتعاملين على إجبار الطرف الآخر على الاعتراف بصحة المعلومات المتبادلة.
ومن أهم العمليات المرتبطة بالتوقيع الرقمي هناك التشفير. والتشفير معروف منذ عصور قديمة واستخدم أساساً لغايات عسكرية. أما الآن فقد أصبح عملية معقدة جداً وبالغة السرية وذات ترميز معقد، يتم من خلالها إخفاء هوية البيانات من خلال اتباعها لخوارزمية ما. وهي بلا شك عملية أكثر تعقيداً من عملية الترميز التي هي مجرد تحويل من نظام إلى آخر.
ويصعب كشف عمليات التشفير التي يتم تبنيها عند إحداث التوقيع الرقمي، الذي هو ختم رقمي مشفر خاص بالشخص، يتم وضعه من قبل هيئات مخولة بإعطائه، تخضع كل من يطلبه إلى شروط محددة تُنظم من خلال ما يعرف بـ (Public Key Infrastructure (PKI. ويتم لهذه الغاية إنشاء مفتاحين، مفتاح خاص معروف من قبل صاحب التوقيع ليوقع على الوثائق، ومفتاح عام يستخدمه المستلم للتأكد من صحة الوثائق. ومن خلال هذا التوقيع المعتمد على المفتاحين المذكورين -اللذين يقومان بدور القفل والمفتاح- يتم تأمين التعامل بين الأطراف بحرية وسرية عاليتين.
ومع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في تبادل الوثائق وخاصة التجارية والمالية منها، تزداد الحاجة إلى وضع الخطط المتقنة الضامنة لسلامة هذه المبادلات. ولهذا، فقد جرت في بعض الدول إعادة تحليل المعايير المعمول بها من أجل التأقلم مع هذه المتغيرات، وتطوير القوانين المتعلقة بالتوقيع الرقمي، فحاز هذا الشكل من التوقيع على رضا الكثير من الحكومات وقبولها له، وطبق في بعض الدول، فيما لا تزال تدرس دول أخرى إمكانات تطبيقه. ومهما يكن من أمر، فلا بد من أن يشهد التوقيع الرقمي في زمن قريب اعتماداً على صعيد العالم بأسره. شأنه في ذلك شأن معظم التطورات التكنولوجية التي اعتمدت بسرعة في بعض الأماكن، وببطء في أماكن أخرى، مما أدى إلى ظهور الفجوات ما بين السبّاقين واللاحقين.