مستوعبات الشحن.. شرايين التجارة العالمية
قلَّما تثير مستوعبات الشحن اهتمامنا لاعتقادنا أن شأنها يخص شركات النقل والعاملين في الموانئ فقط. فيفوتنا أن معظم ما يحيط بنا في حياتنا اليومية من ملابس وأدوات كهربائية ومفروشات وحتى الأغذية، دخل هذه المستوعبات قبل أن يصل إلينا.
فعلى الرغم من أن جذور مستوعبات الشحن تعود إلى أواخر القرن الثامن عشر، فإن شكلها العصري يعود إلى عام 1955م فقط، وهو من ابتكار رجل أعمال يُدعى مالكولم ماكين ومهندس مساعد هو كيث تانتلينجر، اللذين أنتجا أول مستوعب فولاذي يتمتع بالمواصفات القياسية والمتانة والأمان لشحن البضائع وتحميله على متن السفن والشاحنات والقطارات.
وبحلول عام 2005م، بلغ عدد مستوعبات الشحن في العالم نحو 18 مليون مستوعب، ويبلغ عدد رحلاتها نحو 200 مليون رحلة سنوياً، تنقل نحو %90 من السلع المتداولة في التجارة العالمية.
واليوم، تُصنَّع المستوعبات وفق مقاييس موحدة عالمياً (%26 منها يصنع في الصين)، بحيث يسهل على السفن رصها فوق بعضها البعض، كما أن السفن صارت تُصمَّم لكي تنقل أكبر عدد ممكن من هذه المستوعبات ذوات المقاييس المتعارف عليها.
الطريف أنه عند ابتكار المستوعبات الحديثة في الخمسينيات لم يتوقع أحد حقيقة تأثيرها على الاقتصاد العالمي. حتى أن عالِم الاقتصاد بنيامبن شينيتز في جامعة هارفارد، قيَّمها آنذاك على أنها مفيدة لولاية نيويورك لأنها ستسمح بنقل منتجاتها إلى ولايات الجنوب. ولكن هذا العالِم لم يتوقع أن تؤدي هذه المستوعبات دوراً عالمياً في تخفيض كلفة النقل، بحيث تغرق ولاية نيويورك بالسلع المستوردة.
الخيمياء الجديدة
سعى الخيميائيون قديماً إلى تحويل معدن الرصاص إلى ذهب، حتى إن هذا المسعى أصبح أشبه بالتحديد لـ «علمهم» رغم أنه لم يكن الوحيد في اهتماماتهم. وإن كنا نعرف اليوم أن الخيميائيين فشلوا في تحقيق غاياتهم، فيجب أن نعرف أنهم ربما كانوا سينجحون في تحويل الرصاص إلى ما يشبه البلاتينيوم، الأغلى ثمناً من الذهب، فيما لو كانوا يمتلكون جهاز لايزر.
فقد توصل عالم الكيمياء ويلفورد كاستلمان في جامعة بنسلفانيا إلى معالجة جزيء من مادة كاربايد التانغستان بواسطة جهاز لايزر، بحيث أخرج منه إلكتروناً، لتصبح مواصفاته ملائمة لأن يلعب الدور نفسه الذي يلعبه البلاتينيوم «كمحفِّز» في الصناعات المختلفة، وهو الدور الذي جعل %60 من إنتاج العالم من البلاتينيوم يتجه إلى الصناعات (وخاصة صناعة السيارات)، الأمر الذي يجعله أغلى ثمناً من الذهب.
صحيح أن كاربايد التانغستان المعالج باللايزر لا يزال بعيداً عن أن يصبح صالحاً للجواهر، ولكن إنتاجه بالجملة سيؤدي إلى حلوله محل البلاتينيوم، وإلى انخفاض الطلب على هذا الأخير، وبالتالي إلى تدني قيمته السوقية.
حاملة الجراثيم
وناقلة الأمراض
الكل يعلم أن تداول الأوراق النقدية هو تداول لشيء مسته أيدٍ كثيرة بعضها نظيف وبعضها الآخر ليس كذلك. ولكن الدراسات المتفرقة التي أجريت في بلدان عديدة حول نظافة الأوراق النقدية أكدت أن تنقلها بين الأيدي هو أخطر على الصحة العامة مما يعتقده الكثيرون.
كانت البداية في نيجيريا حين جمع الباحثون 250 ورقة نقدية من خمس مدن مختلفة، وبعد إخضاعها للفحص المخبري تبيَّن أن 133 ورقة منها تحمل طفيليات مرضية، وأن 54 ورقة منها تحمل بكتيريا معوية، وهي البكتيريا التي تعيش في الجهاز الهضمي للإنسان وتخرج منه مع البراز. والمدهش أن دراسات أجريت على حدة في كل من الصين وأستراليا وميانمار ومصر وتركيا جاءت بنتائج مشابهة.
وفي أمريكا أيضاً، تم جمع كمية من النقود المعدنية والورقية من أطباء وممرضين وعاملين في مختبرات إحدى مستشفيات نيويورك حيث يفترض أن تطبق أعلى مستويات النظافة والعناية الصحية، فتبيَّن أن أكثرية هذه القطع النقدية تحمل بكتيريا مَرَضية قادرة على الوصول إلى الإنسان.
وما هو أدهى مما تقدَّم، هو أن تلوث الأوراق النقدية لا يقتصر على وصول الجراثيم إليها، بل إنها تشكِّل بيئات صالحة لتكاثر هذه الجراثيم عليها، خاصة بعيد استعمالها. إذ تشكِّل الأخاديد الميكروسكوبية التي تحفر في الأوراق النقدية خلال طبعها ملجأ للجراثيم، كما أن الرطوبة والمواد الدهنية التي تنتقل إلى هذه الأوراق من الأيدي وتعرقها تغذي هذه الطفيليات، التي يمكنها أن تتكاثر بفعل عوامل عديدة أخرى مثل طيِّها أو تكديسها فوق بعضها البعض، وارتفاع معدلات الحرارة في محيطها سواء أكان ذلك بفعل حالة الطقس، أو بسبب وجودها في أماكن دافئة كالجيوب وداخل المحافظ… إلخ، علماً بأن وصول عدد قليل جداً من معظم أنواع هذه الطفيليات إلى داخل جسم الإنسان (عن طريق اليد والفم) يمكنه أن يصيبه بالعدوى. وبالتالي، فإن الأوراق النقدية القديمة هي الأكثر عرضة لأن تكون حاملة للجراثيم، علماً بأنها تبدأ بالتلوث خلال الأسابيع الأولى لتداولها. ومعلوم أن المعدل الوسطي لعمر الأوراق النقدية في العالم هو حوالي 18 شهراً (يتفاوت بين بلد وآخر، حسب جودة الورق وكثرة الاستعمال وقدرة الدولة على تحمل تكاليف طباعة أوراق جديدة).
في مواجهة هذه القضية، ولأنه لا مناص من تداول الأوراق النقدية في حياتنا اليومية، كانت النصيحة الأولى والبديهية هي غسل الأيدي بالماء والصابون بين ملامسة أية ورقة نقدية وتناول الطعام. والبعض يذهب إلى القول بضرورة غسل الأيدي بالماء والصابون بعد ملامسة النقد الورقي حتى من دون تناول الطعام. لأن الأيدي قد تنقل البكتيريا من النقد إلى الوجه أو إلى الشفتين كمحطة ترانزيت في طريقها إلى داخل الجسم.
ويجمع الباحثون في مختلف الدول التي شملتها الدرسات إلى أن أخطر المجالات التي يمكن أن تنتقل فيها الأمراض عن طريق النقد الورقي إلى الإنسان هي محلات التموين والمطاعم الشعبية والمتوسطة، حيث يأكل المستهلك ما اشتراه ودفع ثمنه للتو، أو حيث يتقاضى البائع أو النادل في المقهى والمطعم ثمن الطعام والشراب بنفسه.