عندما نتطلع اليوم إلى المنجزات التقنية التي كانت مصدر اعتزاز قبل عشر أو عشرين سنة، كثيراً ما ترتسم على وجوهنا ابتسامة تخفي شيئاً من التهكم على بساطة تلك المنجزات مقارنة بما تطورت إليه اليوم.
ومما لا شك فيه أن ابتسامة «التهكم» نفسها سترتسم على وجه من سيتذكر بعد عشرين سنة اللابتوب الحالي، والهاتف الخليوي الحالي، وحتى الأقمار الصناعية الحالية. ولكن هذه ليست المسألة.
المسألة أن المستقبل سيحمل نقداً قاسياً للدور البالغ الخطورة الذي لعبته التجارة والمصالح التجارية على حساب التطوير والبيئة على حد سواء. وربما سيُصار إلى وصف زمننا بأنه مرحلة الفوضى التكنولوجية.
ولنأخذ على سبيل المثال جهاز التلفزيون، ولنسأل: لماذا لا يتم دمج أجهزة الفيديو فيه بدلاً من بيعها منفصلة؟ التكنولوجيا اللازمة لذلك موجودة، ومع ذلك، تصر المصانع على بيعنا الجهازين منفصلين بدلاً من جهاز واحد. الأمر الذي يستهلك مواد أولية أكثر، ويزيد عدد الأجهزة الكهربائية في البيوت، وأيضاً كمية أسلاك الوصل اللازمة لذلك.
وهناك مثل ثانٍ أشارت إليه «القافلة» سابقاً في البحث الذي نشرته حول «البطارية»، وهو أن لكل هاتف خليوي طرازاً خاصاً من البطاريات لا يمكن استخدامه في طراز آخر. الأمر الذي يؤدي إلى ربط مصير جهاز الهاتف بالبطارية، بحيث يتم التخلص من الاثنين عندما يتعثر أداء أحدهما. لا بل يمكننا أن نسأل عن الدافع إلى تغيير طرز الهواتف الخليوية سنوياً، علماً بأن مواصفاتها التقنية، وحتى الجمالية الشكلية، لا تختلف كثيراً عن بعضها. ولماذا يتباهى منتجوها الكبار بإنزال عدد كبير من الطرز «المختلفة» سنوياً إلى الأسواق ضمن إنتاج الشركة الواحدة، وهم يتوقعون منا أن نشعر بالغبطة لهذه الوفرة في تعدد الاختيارات أمامنا.
لقد حصلت عمليات دمج تقنيات مختلفة في أجهزة موحدة. ولكن إلقاء نظرة عليها يؤكد أنها غالباً ما كانت تتم تحت ضغط المنفعة التجارية، وفي إطار المنافسة، مثل الراديو الذي دمج بجهاز تشغيل أشرطة الكاسيت، ومن ثم مع مشغِّل أقراص الفيديو والأسطوانات المضغوطة. فصار الجهاز الواحد يؤدي أربعة وظائف بدلاً من واحدة.
ولكن، حتى الآن، يبدو أن الحسابات التجارية لا تزال تقول إن بيع جهاز تلفزيون مستقل عن جهاز استقبال الإرسال وعن جهاز الفيديو لا يزال يدر أرباحاً أكثر من الدمج، ولو كان ذلك على حساب المستهلك واستنفاد المواد الأولية والموارد الطبيعية اللازمة لذلك.
الأمور ستتغير ولا شك. ربما سيحدث ذلك تحت ضغط من المستهلك على المنتجين، أو من خلال قوانين تضبط نوعيات الإنتاج. ولكن الأغلب هو أن يحصل ذلك في يوم من الأيام تحت ضغط المنافسة التجارية. ويكفي لذلك أن تقوم شركة واحدة مصنِّعة للتلفزيونات بدمج الأجهزة السمعية والبصرية الأخرى فيه، أو أن تقوم، على سبيل المثال أيضاً، شركة منتجة للهواتف الخليوية بتوحيد بطاريات أجهزتها لتتميز بذلك عن غيرها من الشركات التي لن تلبث أن تحذو حذوها.
إنها مسألة وقت، ومسألة حسابات تجارية فقط.