ذات يوم وفي ساعة دهمتني فيها سلطة الكتابة، وإذا بكلمة «حال» تحشر نفسها بين سطوري وتسبب لي قلقًا، إذ ليس معي المنجد ولا أي قاموس آخر، واحترت كيف وعلى أي نحو أكتبها.. أأقول «هذا الحال» أم «هذه الحال».
وفجأة تذكرت أن إزائي في المكتب المجاور، وكنا في وزارة الثقافة، شاعرًا كبيرًا. فذهبت إليه أستنجد به، لم يجبني شاعرنا الكبير وإنما قطب لي جبينه وهو يرمقني بنظرة أحسست بها استنكاره لسؤالي، وهو يتلو عليَّ صدر بيت المتنبي:
«عيد بأية حال عدت يا عيد»، وهو بذلك يقصد أن «حال» هي مؤنث لأنها مسبوقة بكلمة «أيّة» المؤنثة.
ظل بيت المتنبي هذا يشغلني حتى بعد أن عرفت بعد عودتي إلى البيت أن كلمة «الحال» التي تعني «صفة الشيء وهيأته وكيفيته، تؤنث وتذكر»، وعلى أثر ذلك تنبهت إلى أن الكثيرين من المثقفين، لا سيما الأدباء منهم، قد دأبوا على استخدام عبارة «على أية حال» هكذا، يستخدمونها عند الوقف في أثناء حديثهم وبكثرة، وكأنها لازمة لا بد منها مع الحرص على إضافة تاء التأنيث على «أيّ».
بينما لا يجوز هذا، ولا بد أنهم وضعوا نصب أعينهم بيت المتنبي «عيد بأية حال».
فهل كان المتنبي، أبو الطيب، طيب الله ثراه، يجهل أن «أيّ» لا تدخل عليها تاء التأنيث؟ كما أنها لا تؤنث سواء لحقها مؤنث أو مذكر، وأن المتنبي اضطر إلى إضافة التاء ليستقيم بيته الشعري، لأن للشعر أحكامه، ولأنه، رحمه الله، لم يكن يكتب قصيدة نثر، بل كتب شعره كله على إيقاع الخليل.
وكان يجوز للشعراء ما لا يجوز لغيرهم في تلك العصور، الحذف أو الإضافة، بل حتى الخروج عن قواعد النحو أحيانًا. وبإمكان المهتمين بهذا أن يرجعوا إلى «شرح ابن عقيل» «لألفية ابن مالك» ليجدوا الأمثلة لذلك كثيرة.
إن كان المتنبي مرجعًا، وهو أهل لأن يكون كذلك، فالقرآن الكريم هو المرجع الأول في الفصاحة اللغوية.
إن «أيّ» وردت في القرآن الكريم 46 مرة في ست وأربعين آية، إحدى عشرة آية منها فقط مضافة إلى مذكر، أما الباقيات فكلها مضافة إلى مؤنث. ومع ذلك بقيت «أيّ» هي هي.
وأورد بعض الأمثلة:
• }وما تدري نفس بأيّ أرضٍ تموت{ من سورة لقمان، و«الأرض» مؤنث.
• }ويريكم آياته فأيَّ آيات الله تنكرون{ من سورة غافر، وآيات جمع «آية» وهي مؤنث.
• }في أيّ صورة ما شاء ركبك{ من سورة الأنفطار، و«صورة» مؤنث.
• }فبأيّ آلاء ربكما تكذبان{ من سورة الرحمن، وآلاء مؤنث.
• }وخلق الجان من مارج من نار، فبأي آلاء ربكما تكذبان{ من سورة الرحمن.
• }رب المشرقين ورب المغربين، فبأي آلاء ربكما تكذبان{. وتتكرر على هذا النحو في سورة الرحمن وحدها «31» مرة.
ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمة أن زميل الحرف الصديق عبدالرحمن مجيد الربيعي، أهداني، مؤخرًا، آخر إصداراته، وهي عبارة عن مذكرات وسيرة ذاتية، وقد صدر الكتاب عن دار الآداب في بيروت وعنوان الغلاف:
«أيّةُ حياة هي»؟!
سهيلة داود سليمان
كاتبة عراقية