قضية العدد

العمارة المستقبلية

فن الفراغ والفوضى المهندسة!

  • eisenman
  • GuggenheimBilbao
  • Hotel_Marques_de_Riscal
  • Image-Disney_Concert_Hall_by_Carol_Highsmith_edit
  • mir3x1100
  • MIT_Strata_Center
  • National_Grand_Theatre
  • Sydney_opera_house_side_view
  • ts
  • tumblr_lkzsoiwLbg1qbltjyo1_400
  • Zaha_Hadid_Cultural_Center_Renderings06
  • Medienhafen - Gehrybauten, Rheinturm
  • 2043_1_zaha
  • 300910_Ref_Guggenheim_IMG_jb
  • 20110128_js-bach-zaha-hadid-piotr-anderszewski-01-photo-credit-joel-chester-fildes
  • bukiki-frank-owen-ghery
  • DSCN1201

ربما، غداً تجعلنا متطلبات العصر نلجأ إلى العمارة المستقبلية الشبيهة بالأبنية التي تظهر في أفلام حرب النجوم. هذه المباني الغريبة بدأت تظهر على الأرض معلنة عن وجودها الحقيقي في عالمنا الواقعي، نافية أن تكون مجرد تهيؤات بصرية أو تشكيل ناتج عن برمجيات هندسية. إنها حقيقية وقائمة، لكنها ليست بالظاهرة التي تجعلها معتادة. هي أيقونات تعلن عن نوع جديد من العمارة المستقبلية متناثرة في العالم ومصممة بأسلوب أخاذ. د. فهد السعيد يفتح ملفاً عن العمارة المستقبلية بين من يؤيدها ومن يعارضها ومن يحلم بأن تكون هي السائدة.

فن العمارة التفكيكية مثل قصيدة النثر تحررت من القوالب ووجدت لها مؤيدين كما تصدى لها معارضون

البناء المستقبلي يقوم على استخدام الكتلة المائلة والمستويات المتداخلة في البناء، وذلك في مبنى قائم بذاته لا تحده مبانٍ أخرى
مواد البناء الجديدة ساعدت على إقامة هياكل وأغلفة منحنية وغرائبية من خامات ذات مرونة عالية نسبياً في عالم البناء

هل تحلم بمسكن لا تكبح انسيابيته قوانين هندسية تقيده بشكل جامد! مسكن لا يفرض شكله الخارجي على مجموعاته الفراغية الداخلية وتغيراته المفاجئة في الارتفاع تصميماً معيناً. مسكن حر، منفعل، راقص أحياناً.. أو طائر في أحيان أخرى، يشبه المنطاد أو سفينة فضائية، فراغاته الداخلية غير متوقعة، فمنظره الخارجي لا يشي بما يحتويه من فراغ.. مسكن يفاجئ كل من يدخله لأول مرة، فهو لا يشبه البيوت.. ليست هناك غرفتان وبينهما دورة مياه، ليست هناك صالة ويتوسطها سلم رخامي، ولا مجلس مستطيل أو مربع، ولا نوافذ مرسومة في نصف الجدار وتطل على?الشارع. مسكن متفرد يختلف عن البيوت المكعبة التي تخضع لكَمٍٍّ من القوانين التي لا تستطيع منها فكاكاً. إن كنت تحلم بذلك، فأنت تحلم بمسكن مستقبلي. لا يخضع لقوانين عفا عليه الزمن، فهو حداثي يتبع حركة معمارية جديدة.
في الوقت الراهن ليس باستطاعة العامة أن يمتلكوا مثل هذه المباني المستقبلية التي تعد أيقونات معمارية، ذات قيمة فنية عالية في عالم الإنشاء والهندسة، والتي كانت مع بداية تخطيطاتها الأولية، ونماذجها المعروضة أشبه بحلم مجنون. لا يريد أن يصدقه المهندسون التقليديون، ولا يريدون أن يلتفت إليه الناس. في الوقت الراهن بعد أن شاهدنا هذه المباني تتحقق على أرض الواقع وفي نطاق ضيق بات بإمكاننا أن نحلم، فقط، منتظرين بيوت المستقبل المقامة في الفراغ وعلى جناح الريح!

العمارة المستقبلية وليدة الثمانينيات
فن العمارة شبيه بالكائن الحي يتطور مع تطور الثقافة، ويخضع لمتطلبات العصر. فمثلما نهضت العمارة الحديثة مع بداية القرن العشرين في ألمانيا مع تطور الخرسانة والزجاج، فإنها مع نهاية الثمانينيات الميلادية قفزت قفزات متوالية بأفكار أسطورية ومجنونة، وكان ذلك في أمريكا وأوروبا. فتطور معها أسلوب ومفهوم التصميم المستقبلي وطرق البناء. بدءاً من المشاريع السكنية وانتهاءً بالأيقونات المعمارية من فنادق ومتاحف ومسارح ومراكز تجارية. وبما أن الأيقونات المعمارية تُعد أماكن جذب سياحي فإن الكثيرين بدأوا يلتفتون لهذه النقطة. فبد? البحث عن تلك التصاميم المبهرة التي يتناغم فيها الفن والعمارة، وتتميز بالغرابة.

إن الإيمان بالأفكار الخلاقة هو ما يحتاج إليه المبدعون لتنفيذ أعمالهم، هكذا يقال. لقد بدأ فن العمارة المستقبلية، إن جاز لنا أن نحصر البدايات في ما سجله التاريخ الفني فقط، منذ عام 1988م، وذلك من خلال معرض الفن الحديث الذي أقيم في نيويورك تحت مسمى «عمارة تفكيكية». كان هذا النوع من التصاميم المعمارية يخالف جميع تقاليد العمارة العقلانية. وكانت نماذج المشاريع مجنونة وغير منطقية ولا يمكن أن تُنفذ على أرض الواقع. إذ راهن الكثير من المهندسين والمقاولين على ذلك. لكن ما كان مستحيلاً بالأمس أصبح ممكناً اليوم. لقد كان حضور أعمال مختارة لمهندسين معماريين أمثال فرانك جيري وزها حديد ورم كولهاس، وبيرنارد تشومي وبيتر آيزنمان في متحف الفن الحديث في أواخر الثمانينيات الميلادية إيذاناً بالصفة الشرعية لهذا?الاتجاه الحديث الذي حملته أعمالهم، ما جعلهم يُعدون الآن رواداً لهذا الفن المعماري. يقول أيزنمان أحد رواد العمارة التفكيكية: «إن عمارة التفكيك هي البحث في القبيح عن الجميل، واللامنطقي في المنطقي». باختصار هذه هي العمارة المستقبلية التي بلا شك تُعد عملاً فنياً قائماً بذاته.

فلسفة العمارة التفكيكية
مثل قصيدة النثر الحديثة التي تحررت من القوالب، ووجدت لها مؤيدين، كما تصدى لها معارضون. كذلك العمارة المعاصرة أو المستقبلية والتي تعتمد على المنهج التفكيكي الذي طرح أفكاره الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا في أواخر الستينيات الميلادية، مستبدلاً في منهجه الفلسفي مفردات تدل على البنية والمعمار بمفردة التفكيك. إن العمارة التفكيكية، أو ما نسميه بالمستقبلية اليوم والمعاصرة بعد عام، ذات تصاميم هندسية وفكرية وذات منهج فلسفي. حيث تجمع بين عشوائية المنحنيات وذروة الإتقان. هذا النوع من الأفكار المعمارية لم تجد في بداية ظهور?ا من يؤمن بها، كما أن هذا النوع من العمارة رُفض من قِبل الأنظمة التي لم تؤمن بالأفكار الخلاّقة التي وراءها. بينما وقف كثير من الفنانين والشعراء وكل من يؤمن بالتجديد وبمنهج التفكيكية الأدبي والفلسفي مع هذا الفن المعماري. فالنحات فرانك ستيللا الذي يقوم بعمل منحوتات معمارية يقول: «إن إنشاء المباني التقليدية هو شيء يشبه رسم الطبيعة الميتة». فكما الطبيعة الميتة تشيع الكآبة في النفس كذلك كان ستيللا يرى إقامة مبنى تقليدي لن يتوافق مع روح العصر. هذا ما كان يراه من يسبقون عصرهم. أمثال ستيللا وفيليب جونسون وكل المعم?ريين الذين شاركوا في عام 1988م في معرض الفن الحديث.
إن البناء المستقبلي يقوم على استخدام الكتلة المائلة والمستويات المتداخلة في البناء، وذلك في مبنى قائم بذاته لا تحده مبانٍ أخرى، كل ذلك في محاولة لهز البناء الكلاسيكي بصورة تكشف ضعفه. إن استراتيجية التفكيكية تقوم على إعادة بناء وتركيب وتشريح جميع المفاهيم. لذا فإن هناك من يرى أن هدف العمارة في الأصل هو الاستعراض، وتأتي التفكيكية لتفوز وحدها بهذا الاستعراض اللافت. في الوقت الحالي لا يوجد بناء اقتصادي مع العمارة التفكيكية بالرغم من أنها تدعو إلى التحرر من كل الأعباء إلاّ أن المواد المستخدمة لإقامة هذه المباني?ما زالت تُعد من المواد الأغلى مثل الزجاج، والحديد، وشرائح التيتانيوم الذي يُعد من أرخص المواد الطيعة لتنفيذ أفكار البناء المستقبلي، إلاّ أنه لا يزال غالياً جداً مقارنة بالمواد التقليدية الأخرى. فالتيتانيوم يستحق عن جدارة أن يمثل الغلاف في البناء المستقبلي، وذلك لأن عمره أطول من عمر الذهب والفضة، كما أنه يُعد من أقوى المواد عزلاً للحرارة والصوت. فاختياره غلافاً يعوده لكونه عازلاً مثالياً، ومعدناً طيعاً.

العمارة والاقتصاد
يُعرف أن المشاريع العمرانية الكبرى والعملاقة تُعد مؤشراً حيوياً للنمو الاقتصادي، والتطور الحضاري على حدٍّ سواء. فالنهضة الاقتصادية ومعدلات الإعمار تتناسبان طردياً. إذ إن الاستثمار في القطاع العمراني يُعد من أكبر الاستثمارات ضخاً للأموال. فالمملكة العربية السعودية من عام 2008م إلى حلول عام 2013م ستكون قد ضخت ما قيمته 400 مليار دولار لمشاريع العمران وتطوير البنية التحتية. كما أن العائد الاستثماري على التطوير العقاري يتراوح ما بين 20 إلى 40 بالمئة.. لذا كانت النهضة العمرانية في المملكة وبعض دول الخليج المجاورة مؤشراً اقتصادياً إيجابياً. في ظل هذا التطورات بدأت الأرض تنبت أيقونات معمارية تختلف عمّا سبقها، خصوصاً بعدما تجاوزنا التسعينيات الميلادية، فما كان تنفيذه صعباً لأسباب مادية أو تكنولوجية أصبح اليوم ممكناً. وذلك بفضل التطورالتكنولوجي. إذ أصبح بالإمكان إقامة بناء بطول ميل باتجاه السماء، كذلك اُستحدثت مواد بناء جديدة، تساهم في إقامة هياكل وأغلفة منحنية وغرائبية من خامات تُعد جديدة نسبياً في عالم البناء. لقد انتقلت الهندسة المعمارية من حيز ?لعلمي التطبيقي إلى فضاء الفني الجمالي، وأصبحت الهندسة المعمارية أسلوب حياة، وليست مجرد تشييد مبانٍ. ومع القرن الواحد والعشرين وثورة مشاريع الإعمار وردم البحر لإنشاء الجزر بدأت تظهر هذه المباني التي تخففت من تقليديته، ففراغها يتبع غلافها وغلافها يتبع الاقتصاد.

أرامكو والعمارة المستقبلية
إن الدور الوظيفي الذي تقوم به المباني يختلف من مبنى لآخر، لذا فإن التخطيط يجب أن يراعي الأهداف البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضاً. من هذا المنطلق كانت المشاريع العمرانية العملاقة التي أقامتها أرامكو السعودية نابعة من إيمانها بدورها في المساهمة في بناء مستقبل المملكة من خلال تنمية الموارد البشرية.

لقد أقامت الشركة مشاريع عمرانية عملاقة كجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية الذي اُفتتحت في ثول على شاطئ البحر الأحمر عام 2009م. أما مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية الذي سيفتتح في الرياض عام 2013م سيُعد أيقونة معمارية يُراهن على أنها ستكون المعلم الأبرز في مدينة الرياض، حيث صُمم برؤية مستقبلية بعين المهندسة زها حديد التي كانت ضمن المهندسين الأوائل الذين عرضوا مشاريع خلاّقة تواكب العمارة المستقبلية، وتبلغ تكلفة هذا المشروع من مليارين إلى ثلاثة مليارات دولار.

أما مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي فهو يمثل تحفة معمارية من تحف القرن الواحد والعشرين في مدينة الظهران، في الموقع الجيولوجي التاريخي الذي اكتشف فيه النفط لأول مرة في المملكة بكميات تجارية، وذلك في عام 1938م. لقد صمم هذا التحفة المعمارية بصورة توحي بالحجارة التي تمثل طبقة حامية تحفظ النفط في مكامنه. وسينفذ بمواد بناء جديدة. تجعل من المركز بناءً يليق بمستقبل حافل بالإنجازات. بلغت تكلفة المشروع 300.000.00 مليون دولار، وسينتهي العمل منه في عام 2012م.

إن توالي المنشآت المعمارية التي تقيمها أرامكو السعودية ليس بمستغرب. فلقد كان لها دور بارز في تطوير العمارة في السعودية منذ عام 1945م إذ أدخلت مفاهيم جديدة في العمارة السعودية من خلال إنشاء مدينة الظهران الحديثة، بالإضافة إلى نماذج للمدارس والمستشفيات والمكاتب. إن لأرامكو دوراً في تطوير العمارة المعاصرة، وذلك نابع من إيمانها بالأفكار الجديدة والخلاّقة، بالإضافة إلى إمكاناتها المالية التي تؤهلها لإقامة مشاريع عمرانية تعد أيقونات في عالم البناء والعمارة.

هل يحق لنا أن نحلم ببيوت مستقبلية؟
بالطبع، يحق لنا أن نحلم بالسكن في هذه التركيبات الجديدة. التي تتواكب مع التكنولوجيا الحديثة وتحقق الجمال والراحة. فبمساعدة البرمجيات CAD والحاسب الآلي في التصميم، التي تسمح بتصميم أشكال جديدة وغير عادية. كما ستخفف التقنية بعض الكلفة، وتساهم في سرعة الإنجاز، كما تساعد على إذكاء الأفكار الإبداعية لدى المهندسين. وربما كان أحد تلاميذه زها حديد أو فرانك جيري قادراً في المستقبل القريب على أن يبني لنا مجمعات سكنية تختلف عن البيوت المكعبة بتقليدية فجة. لها من هوية الفرد الشيء الكثير، معبرة عن سيكلوجيته وأحلامه واحتياجاته الدفينة.. ومحققة دوراً وظيفياً جديداً يختلف عن مجرد السكن فقط.. ربما، كان دوراً تهذيبياً، محرضاً للأفكار التي تنساب بانسيابية ال?كان الذي تقطن فيه. هل نشجع هذا البناء الجديد ونقف مع الأفكار الجريئة؟ أم نبحث كما يبحث أعداء النجاح والتجديد عن عثرات في النيات؟!

الإيمان بالأفكار الخلاقة
إن من يكسر القاعدة التقليدية ويؤمن بالأفكار الخلاقة حتى وإن بدأت مجنونة بعض الشيء في عالم العمارة، ويقف داعماً ومسانداً، فلا شك أنه يختصر زمناً بالاتجاه نحو المستقبل. ولعل دار أوبرا سيدني خير دليل على ذلك. فهي مثال للبناء المعاصر الذي سبق عصره، وذلك بفضل محافظ سيدني الذي ساند المهندس الدنماركي جورن اوتزن عام 1974م. حيث قدم الأخير الرسومات الأولية لهذا المشروع وهو موقن بأن هذه التحفة المعمارية لن تظهر على سطح الأرض بالمبلغ الذي رصدته سيدني لمشروعها الفني، إذ كان ما رصدته هو 40 مليون دولار فقط! بل ستكون التكلفة أكثر من ضعف هذا الرقم. كانت المؤامرة الصغيرة بين المحافظ والمهندس الفذ بأن يُكتب في العرض أن قيمة التكلفة 40 مليون دولار، بينما هي في الأصل 100 مليون دولار. وقبل منتصف نهاية المشروع صرف المبلغ دون أن ينتهي البناء.. وتوقف المشروع بين أن يكون أو لا يكون.. لكن جهود المحافظ التي حضت على أن تضخ 60 مليون أخرى لم تفشل.. فقام البناء «أوبرا سيدني» الذي يعد حتى اليوم أجمل مسارح العالم، وأيقونة مدينة سيدني الرائعة.

أضف تعليق

التعليقات