وقود الطائرات.. إنه طاقة التحليق والنقل السريع. كيف هو؟ ما هي الخصائص والصفات التي يتمتع بها دون غيره؟ ما هي أنواعه؟ وأين يتم تخزينة في الطائرة؟
كمٌّ من الأسئلة التي يُشرع بابها حب المعرفة المسكونون بها. ربما، تطرأ هذه الأسئلة المتخصصة على البال وأنت مُحلق في الطائرة على ارتفاع آلاف الأقدام.. لكن هناك، حتماً، ستكون الإجابة شحيحة إلاّ في حضور شخص متخصص في هذا المجال، يحلق بجوارك ويمنحك من وقته ليسرد عليك إجابات تُرضي فضولك. أمجد قاسم يمنحك وأنت تتصفح القافلة على الأرض أو في السماء هذه الفرصة من خلال بحث شامل عن وقود الطائرات.

عند نقل الوقود من المصافي إلى المطارات، تتم مراقبته بدقة لتفادي حدوث أي خلل أو تلوث لضمان سلامة الطائرات المحلقة في الجو

بعض أنواع الوقود العسكري يتم تصنيعه على متن تلك الحاملات العسكرية العملاقة لضمان الأمان والسلامة

يعد النفط في الوقت الراهن، أهم مصدر من مصادر الطاقة في العالم، والمحرك الفاعل لعجلة التقدم والتطور الصناعي في العصر الحديث، هذا إلى جانب كون النفط مادة خام رئيسة لعدد كبير من الصناعات الكيميائية التي أنتجت مواد كثيرة غيرت وبشكل جذري نمط حياة الإنسان في العصر الراهن.
وللاستفادة من النفط كمصدر للطاقة، تتم معالجته كيميائياً وفيزيائياً من خلال عدد كبير من عمليات الفصل والتشذيب والتكسير، ومن أهم تلك العمليات، تقطير النفط على مراحل عدة، والتي تؤدي في النهاية إلى إنتاج عدد كبير من المشتقات النفطية، كالجازولين والكيروسين والديزل وزيوت التشحيم والإسفلت وغيرها من المواد المهمة التي يتم استعمالها في عدد كبير من مناحي حياتنا اليومية، كوقود للسيارات والحافلات والقاطرات والسفن والطائرات، أو لتشغيل المحركات الثقيلة والضخمة في المصانع ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وغيرها من القطاعات الإنتاجية.
وتشير دراسات معهد البترول الأمريكي API إلى أن هناك أكثر من ألفي منتج يمكن الحصول عليها من النفط بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذه المنتجات يمكن تصنيفها ضمن ثماني عشرة مجموعة كما هو مبين في الجدول التالي:
ويتميز كل نوع من أنواع الوقود الأحفوري بعدد من الخصائص والمميزات التي تؤهله للاستخدام لتشغيل أنواع محددة من المحركات ذات الأداء الإنتاجي المحدد. فوقود السيارات يختلف في خصائصه عن وقود السفن أو القاطرات، وكذلك الأمر بالنسبة لوقود الطائرات على اختلاف أنواعها، يختلف في خصائصه عن بقية أنواع الوقود.

ويمكن القول إن وقود الطائرات الذي يسمى Aviation gasoline وقد يسمى أحياناً Aviation Turbine Kerosene Fuel , ATK، أو وقود المحركات النفاثة Jet fuel والمستخدم وقوداً للطائرات المدنية أو العسكرية، يتميز عن بقية أنواع الوقود بنقاوة عالية، وبعدد من الصفات المهمة، كانخفاض درجة التجمد واللزوجة وغيرهما من الصفات التي تؤهله لتشغيل محركات الطائرات ضمن ظروف بيئية ومناخية تختلف تماماً عن الظروف الموجودة على سطح الأرض.

الصفات والمميزات
يتكون هذا النوع من الوقود أساساً من الكيروسين، الذي يمكن أن يحتوي على نسبة من الجازولين أو النافثا، وبعض أنواع وقود الطائرات يتكون أصلاً من مركبات النافثا.

ونظراً للظروف الخاصة التي تعمل فيها الطائرات، كتحليقها في طبقات الجو العليا التي تتسم بانخفاض درجة الحرارة والضغط فيها، كان لا بد أن يلبي هذا الوقود عدداً من الشروط الفيزيائية والكيميائية، كقدرته العالية على السريان داخل المحركات والفلاتر والمضخات والبخاخات، وأن يكون مدى غليانه بين (550oF – 350 oF)، وأن يتميز بكفاءة الاحتراق أي احتراق ثابت في المحرك مع الحصول على أكبر قدر من الطاقة الحرارية، وسهولة اشتعال الوقود في كافة الظروف المناخية، سواء الحارة أو الباردة، مع توفر عنصر السلامة، وأن يكون احتراقه نظيفاً وذا نقطة دخان مرتفعة، وأن تكون درجة تجمده بين (-40 oF – -58 oF). أما البخار الناتج عنه فيجب أن يكون قليلاً في أثناء تعرضه للحرارة العالية، هذا ويشكل تكون بخار للوقود، خطراً حقيقياً على سلامة الطائرات، ويوليها مصممو الطائرات اهتماماً خاصاً، حيث يتم تزويد تلك الخزانات بصمامات أمان، وحماية وتدعيم خزانات الوقود بعوارض خاصة لزيادة قوتها ومتانتها، كما قد يتم رفع قيمة الضغط داخل تلك الخزانات لمنع غليانها في أثناء تحليق الطائرة في مناطق ضغط منخفضة، ولتقليل كمية البخار الناتجة عن الوقود.

كذلك ينبغي أن يتمتع وقود الطائرات بلزوجة كافية لتزيد من كفاءة دفع الوقود داخل الأجزاء الميكانيكية للطائرة ولتزييت المضخات والبخاخات، كما يراعى أن يكون هذا النوع من الوقود آمناً من الناحية الصحية، وأن لا يلحق الضرر بالطواقم الفنية الموكلة لها نقله وتزويد الطائرات به.

ويبين الجدول التالي إحدى مواصفات وقود الطائرات ATK

المواصفة الحدود المسموح بها
الكثافة بمقياس API 40
نقطة الوميض 41 درجة سلسيوس الحد الأدنى
نقطة الغليان النهائية 275 درجة سلسيوس
نسبة الكبريت 30 جزء بالمليون
قيمة التفحم Char Value 10 ملغم / كغم الحد الأعلى
نقطة الإدخان 25 ملم الحد الأدنى
نقطة الانجماد 50 درجة سلسيوس الحد الأعلى

أنواع وقود الطائرات
شهدت صناعة وقود الطائرات، تطوراً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك في ظل تزايد حركة النقل الجوي، حيث تدل إحصاءات منظمات الطيران إلى وجود أكثر من 100 ألف طائرة في العالم، سواء كانت نفاثة أو توربينية بمروحة، وهذه الطائرات تعمل على نقل المسافرين والبضائع حول العالم خلال وقت قصير نسبياً، ففي كل ثانية تقلع أو تهبط طائرة أو أكثر في أحد مطارات العالم، وهي تستهلك ما بين %3 إلى %4 من مجمل الوقود الأحفوري الذي يتم استهلاكه يومياً، هذا إلى جانب عدد كبير من الطائرات العسكرية وطائرات الإنقاذ والإخلاء في حالات الكوارث.

وهذه الطائرات تختلف وبشكل كبير في تجهيزاتها الميكانيكية وأنواع محركاتها وظروفها التشغيلية، مما يستلزم توافر أنواع محددة من الوقود المناسب لتشغيلها وتحليقها في الأجواء.

ويخضع وقود الطائرات إلى دراسة دقيقة من قبل الشركات المصنعة للطائرات، كما تشرف عليه منظمات وهيئات دولية عدة، تحدد مواصفاته بدقة لضمان إنتاجه في كافة أنحاء العالم وفق أسس محددة.

وفي الواقع فإن وقود الطائرات يخضع لعدد كبير من المواصفات، كمواصفة منظمة الطيران العالمية «آياتا»، والمواصفة البريطانية، والمواصفة الأمريكية. وتعد تلك المواصفات المرجعية الدقيقة التي يتم بها التمييز بين أنواع وقود الطائرات المختلفة، سواء كانت طائرات مدنية أو عسكرية، أو كانت طائرات نفاثة أو مروحية، أو غيرها من الطائرات الكبيرة الحجم أو الصغيرة.

ويوجد عدد من أنواع الوقود المخصصة للطائرات المدنية، من أهمها وقود JET-A.. وهذا الوقود مخصص للطائرات النفاثة. فمنذ عام 1950م تم اعتماده في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتميز بأن نقطة تجمده تبلغ -40 درجة سلسيوس، ونقطة وميضه مرتفعه 38 درجة سلسيوس، ودرجة حرارة اشتعاله الذاتية 210 درجات سلسيوس، والكثافة النوعية له من 0.775 إلى 0.83. أما سعره فأقل من سعر وقود JET-A1 الذي يشبه وقود JET-A إلى حد كبير، ويختلف عنه في أن درجة تجمده تبلغ -47 درجة سلسيوس وكثافته تبلغ 0.8075 كجم/ لتر.

أما النوع الآخر من وقود الطائرات المدنية، فيعرف باسم JET-B الذي يكثر استعماله في المناطق الباردة، ويحتوي على نسبة أكبر من النافثا الخفيفة، لذلك يكون سريع الاشتعال وأكثر خطورة من وقودJET-A، ودرجة تجمده تبلغ -50 درجة سلسيوس.

ويعود الاختلاف بين أنواع الوقود السابقة، إلى تفاوت نسب المركبات الكيميائية الداخلة في تركيبه، وأيضاً، تفاوت نسب ونوع المضافات الكيميائية التي تتم إضافتها للوقود لتحسين أدائه، كمضادات الأكسدة، ومضادات التجمد والتثلج، ومثبطات التآكل، ومبددات الكهرباء الساكنة، والمبيدات البيولوجية التي تتم إضافتها للوقود للقضاء على المستعمرات البكتيرية التي يمكن أن تنمو في الوقود وفي خزانات الطائرات وصهاريج النقل والتوزيع.

أما الوقود المخصص للطائرات العسكرية، فيشبه في بعض خصائصه الأنواع السابقة من الوقود، لكنه يختلف في الإضافات الكيميائية، وفي نسب بعض المركبات الداخلة في تركيبه، وقد استخدمت لتصنيف الوقود العسكري الأحرف JP.

فوقود JP-8 يشبه وقود JET-A1، ووقود JP-4 يشبه وقود JET-B، لكن توجد اختلافات طفيفة، حيث إن وقود JP-8 والمخصص للطائرات التوربينية مع إضافة مواد خاصة مانعة للتجمد ومواد أخرى لتقليل التآكل في المحركات، وهذا النوع من الوقود يرمز له الناتو بالرمز f-f34. أما عند إضافة مواد تعزز الثبات الحراري للوقود، فيرمز له jp-8+100، أما وقود JP-4 فيستخدم في الطائرات الحربية النفاثة وتبلغ كثافته النوعية 0.76.

أما الوقود العسكري المعروف باسم jp-5، فيعد من أشهر وأهم أنواع الوقود المستخدم في الطائرات الحربية التي تهبط وتقلع عن حاملات الطائرات، وقد تم تصنيعه لضمان السلامة والأمان على متن تلك الحاملات العملاقة. فدرجة وميضه عالية وتبلغ في حدها الأدنى 60 درجة سلسيوس، مما يقلل كثيراً من الأبخرة الناجمة عنه، ويعرف الناتو هذا النوع من الوقود بالرمز F-44كما توجد أنواع أخرى من الوقود العسكري، كوقود JP-6 ووقود JP-7 وغيرها من الأنواع التي يتم إنتاجها لتشغيل أنواع محددة من الطائرات الحربية، والطائرات التي تخترق حاجز الصوت ويكون لها في العادة درجة وميض مرتفعة.

أما الطائرات الصغيرة وطائرات الهليكوبتر ذات المحركات المكبسية Piston engine فيستخدم لتشغيلها وقود يدعى AVGAS وهو عبارة عن غازولين. ومن أشهر أنواع هذا الوقود AVGAS 80، AVGAS 100، AVGAS 115. وقد تم مؤخراً إدخال تعديلات جوهرية على تركيب هذا النوع من الوقود، حيث منعت إضافة مادة رابع ايثيل الرصاص (Tetra – ethyl lead (TEL الملوثة للبيئة إليه، والتي تعمل على رفع رقم الأوكتان وتحسن احتراقه.

وقود الطائرات ونظام فحصه وتتبعه
يتم تخزين الوقود على متن الطائرة في الجناحين والذيل داخل عدد من المخازن محكمة الصنع، والتي تتم مراقبتها آلياً، وأيضاً، يتم التحكم فيها من قبل الطيار ومساعده والمسؤولين عن صيانة الطائرة. كما يخضع نظام التزود بوقود الطائرات ونقله وتوزيعه، إلى شروط وقيود دقيقة، بدءاً من مصافي تكرير النفط، حيث يتم فحصه بشكل دقيق للتأكد التام من مطابقته للمواصفات المنصوص عليها من قبل الشركات المصنعة للمحركات.

وعند نقله من المصافي إلى المطارات، تتم مراقبته بدقة لتفادي حدوث أي خلل أو تلوث للوقود، كما يتم تزويد الطائرات بالوقود، من قبل فرق متخصصة، تقوم بفحصه مرة أخرى وأخذ عينات من الوقود ومراقبة جودته لضمان سلامة الطائرات المحلقة في الجو.

إن التأكد التام من اتباع كافة إجراءات السلامة عند التعامل مع وقود الطائرات، ومراقبة صلاحية الوقود الموجود على متن الطائرة ومدى قدرته على تشغيل محركات الطائرة بكفاءة عالية، كفيل بتفادي حدوث كوارث جوية قد تودي، لا قدّر الله، بحياة المئات من الركاب والمسافرين.