قصة مبتكر
قصة ابتكار
ملحمة اسمها آل بيكار
مغلفات السكر الصغيرة
الكل يعلم عن ملاحم العائلات المالكة في التاريخ، أو عن سلالات توارثت العمل المصرفي أو غير ذلك، لكن لم نشهد عائلة بمفردها من قبل تحتكر مقداراً من الشهرة في عالم الاستكشاف والعلوم، مثل عائلة بيكار السويسرية، التي جعلت الاختراع والاستكشاف مهنة ثلاثة أجيال متعاقبة. يختصر الكاتب جاك لاكاريير هذه الملحمة بقوله: «إن هؤلاء الثلاثة يجسدون أشد مراتب الطموح الإنساني جموحاَ». فقد وصلوا إلى أقصى أعالي جو الكرة الأرضية في بالون، وغطسوا إلى أعمق ما أمكن للبشر أن يغطسوا في المحيطات.وأفلحوا في تحويل أغرب أحلامهم وأحلام البشر، إلى حقيقة». بدأت ملحمة آل بيكار، بالجد أوجست بيكار، وهو فيزيائي سويسري اكتشف أشياءً عديدة، منها معدن اليورانيوم 237. وفي سنة 1931م بلغ في الجو ارتفاع 15781 متراً، بواسطة بالون نفخه بالهليوم، فسجّل رقماً قياسياً لأعلى ارتفاع بلغه بشر في الجو حينذاك. وتمكن بهذا من أن يرى بأم العين أن الكرة الأرضية كرة مستديرة فعلاً، ولم يكن أحد قد سبقه إلى ذلك. وفي سنة 1945م، صنع غواصة أعماق، أشبه بكرة حديد، فيها قمرة يمكن لشخص أن يجلس فيها، وكوى زجاج تمكنه من مشاهدة الأعماق وما فيها. وقد غطس هو وابنه جاك في غواصته الثالثة، واسمها «تريِستا» إلى عمق 3150 متراً، وهو أعمق ما بلغه بشر حتى ذلك الحين. وتابع جاك فيما بعد عمل والده، بالغطس في البحار لاستكشافها، وفي 23 يناير 1960م، غطس مع الملازم البحار الأمريكي دون والش بالغواصة «تريستا»، إلى أعمق ما بلغه بشر حتى ذلك التاريخ، أي 10916 متراً تحت سطح البحر. ثم مضى يطور غواصات أخرى لأغراض البحث والإنقاذ والترفيه. لكن الملحمة العائلية لم تنته عنده. فالحفيد برتراند بيكار ورث تقاليد الجيلين السابقين، بشجاعة ورؤى وتميز مدهش. فهو طبيب نفس، لكنه اشتهر بأعماله في عالم الطيران. فعلى متن «برايتلنج أوربتر 3»، صار أول إنسان يطير حول الأرض بلا توقف في بالون مملوء بالغاز. إذ أقلع في أول مارس 1999م، من شاتو دوكس، في سويسرا، ودار حول العالم، وهبط في 21 مارس، في مصر. أما مشروعه الأخير فلا يقل شجاعة عن هذا. فهو يتعاون مع جامعة بوليتكنيك الاتحادية في لوزان، في بناء طائرة «إمبلس»، أول طائرة تعمل بالطاقة الشمسية فقط، وينوي الطيران بها حول العالم بلا توقف، من دون أن يستخدم أي مصدر آخر للطاقة. وينخرط آل بيكار أيضاً، في أعمال خيرية، فقد أسس برتراند جمعية «نسائم الأمل»، التي تعمل لرعاية الأولاد المهملين والفقراء والمرضى. وهو أيضاً سفير أممي جوال للنوايا الحسنة.
قصة بعد قصة ومرة بعد مرة يثبت التاريخ أن الفكرة زئبقية متمردة لا تخضع إلا لمن أحسن ترويضها. وفكرة «مغلفات السكر» هي قصة أخرى من هذه القصص. كان بنجامين ايزنستاد، الشاب المولود في ديسمبر من العام 1906م، يعمل في كافتيريا صغيرة في أحد أزقة بروكلين في نيويورك. الشاب المتململ ضاق ذرعاً بمهمة تعبئة أواني السكر (السكريات) على طاولات الكافتيريا كل يوم، لكنه وضع ضيقه جانباً ومضى في عمله، حتى إذا أفلست الكافتيريا انتقل إلى مصنع صغير لتغليف عبوات الشاي. وفي المصنع، فكر ايزنستاد في أن يستفيد من الآلة التي تقوم بتغليف عبوات الشاي في التخلص من همه القديم بتعبئة السكريات، وذلك عبر تغليف السكر بدلاً من الشاي. أتى بكيس من السكر، وفكر ما هي الكمية التي ينبغي عليه أن يدرجها في كل عبوة، وأتت له الفكرة طائعة: مقدار ملعقة شاي واحدة من السكر. وبالفعل، نجحت الفكرة من المحاولات الأولى. إذ حمل نماذجاً من عبواته وطاف بها على مديري شركات إنتاج السكر الكبرى، فلاقت الفكرة قبولاً سريعاً وتم تطبيقها مباشرة. إلا أن ايزنستاد في عجلته نسي أمراً جوهرياً، فلم يسجل براءة اختراع لفكرته، وبالتالي ضاعت حقوقه ولم يأخذ من أرباح الفكرة شيئاً يذكر. لم يتوقف بنجامين ايزنستاد عند هذا كثيراً، فسرعان ما أتى في العام 1957م بخلطة جديدة للسكرين، المحلي الصناعي الذي كان قبل صيغة ايزنستاد يستخدم بصيغة قطرات سائلة أو على شكل أقراص يصعب تذويبها في السوائل والأطعمة. وأنشأ لتسويق هذا الابتكار شركة لاقت نجاحاً كبيراً في هذا المجال. ورغم أن ايزنستاد قصد بالخلطة الجديدة مطاعم المستشفيات والمؤسسات الصحية، إلا أنه أدرك عندما هلت تباشير نجاحها مدى فائدتها للمستهلك العادي الذي يرغب في تقليل استخدامه للسكر الطبيعي لمرض ما أو لاتباعه نظاماً لإنقاص الوزن. وتبع هذا النجاح نجاح آخر، عندما قدَّم ايزنستاد صلصة الصويا بنفس فكرة عبوات السكر. وبعد هذا النجاح، اختير كرئيس مجلس الإدارة لإحدى شركات البحث والتطوير في بروكلين حتى وفاته في أبريل عام 1996م. ماذا عن عبوات السكر؟ لاتزال اليوم تحتل مكاناً عزيزاً على طاولات المقاهي والمطاعم بدلاً من السكريات القديمة، لأسباب تتعلق بنظافة استخدامها وجرعتها المحدودة بأربعة جرامات في غالبية دول العالم، والتي تساوي 15 سعرة حرارية في العبوة الواحدة، أما في بعض الدول مثل بولندا مثلاً، فإن العبوة الواحدة من مغلفات السكر تحوي من 5 إلى 15 جراماً من السكر.