طاقة واقتصاد

محطات المحروقات

  • 24b (0167al00068p)
  • Service Station Attendants Fueling Car and Washing Windows
  • Man Filling Car with Gas
  • <Shell Spirit and Motor Oils> Poster by Rene Vincent
  • Woman paying at a gas station
  • ESSO SERVICE STATION, ILLUSTRATIONS
  • Cars, mostly from France, queue for petrol in a German service station in Kehl near the German-Frenc..
  • 29 (desertstorm2)
  • Abandoned Gas Station
  • 30a (DSC_0010)
  • USA - Business - 2008 North American International Auto Show
  • Gas station attendant filling up America
  • Digital Display on Gas Pump
  • 1950s Family In Convertible Car Gas Station Attendant Check Tire
  • Red Antique Gasoline Pump

عمرها من عمر السيارة، وحكاية تطورها كذلك. إذ تكاد محطات المحروقات أن تشكِّل النصف الآخر من السيارة، أية سيارة. وأكثر من ذلك، أصبحت محطات الوقود منشآت مستقلة (ظاهرياً على الأقل) عن كل ما يحيط بها، فتراها في شوارع المدن كما تراها مزروعة بشكل مبعثر على جنبات الطرق في الصحاري والبراري والغابات حيث لا يوجد أي أثر عمراني في الجوار.
بهاء الرملي تعرض المسيرة التي اجتازتها محطات بيع المحروقات منذ نشأتها قبل قرن وحتى اليوم، وكيف أصبحت في معظم دول العالم أقرب إلى أن تكون مجمعات تجارية متكاملة الخدمات. أما الدكتور عبدالله عيتاني، فيتناول الموضوع نفسه على مستوى المملكة.

قرن من التطور التقني والهندسي
وتفنن في تنويع الخدمات
مع اختراع السيارة، ظهرت الحاجة إلى وسيلة سريعة وآمنة ونظيفة لتعبئة الوقود في الخزانات، بدل سكبه يدوياً وبطريقة تقليدية مع الحاجة إلى مراقبة المستوى الذي بلغه فيها بالعين ومن دون آلة قياس.. وفي عام 1905م، بدأ عصر جديد في مجال تعبئة الوقود، بإنشاء خزان كبير يملأ بالبنزين ويربط في قاعدته خرطوم مزوَّد بمقبض للضخ بطريقة يدوية، وفي أعلاه علبة مرقَّمة لقياس الكمية المعبأة. كان ذلك أول شكل بدائي لمضخة محروقات، وكانت هذه الوسيلة تزداد رواجاً كلما ازداد عدد السيارات.

بحلول عام 1910م، ارتفعت مبيعات السيارات بنسبة 4500 في المئة عن العام الذي سبقه، وارتفع معها الطلب على البنزين بنسبة مماثلة تقريباً. ولملاقاة هذا الواقع، وبسرعة، جهَّزت شركات بيع المحروقات أماكن جديدة لبيع البنزين على الطرق، لاسيما وأن التنقل لمسافات طويلة بات أيسر مع تطور صناعة قطع الغيار للسيارات، وخصوصاً الإطارات والأدوات اللازمة لاستبدالها. وبسرعة أيضاً، تطوَّر قطاع بيع المحروقات وكثرت المشاريع الخاصة، فراحت المحطات تنتشر مثل الفطر على جوانب الطرق. وبدأ أصحاب محال خدمات السيارت، وكذلك المخازن وشركات بيع المأكولات ومحال البيع بالمفرق ومحال تأجير العربات وغيرهم، يضعون أمام محالهم مضخات لبيع البنزين، إذ رأوا فيها مجالاً سهلاً لتطوير أعمالهم وزيادة مداخيلهم.

استوجب هذا التطور إدخال تحسينات على آلية ضخ البنزين بما يوفر المزيد من الأمان لمستخدميها ويجعلها أيضاً سهلة الاستعمال وسهلة الإصلاح. وسرعان ما أدخلت أيضاً تعديلات إضافية على شكل المضخات ونوعية المواد المستعملة في صنعها، فباتت مضخات عصرية تؤمِّن لسائقي السيارات الأمان والنظافة والفلترة والصدقية في قياس كمية البنزين.

في منتصف العشرينيات، كانت محطات بيع البنزين تنتشر عشوائياً على الطرق، وكثرت الاعتراضات عليها لما بدأت تسببه من أزمة سير، كما باتت مصدر إزعاج وضجيج، ما حمل المسؤولين في عدد كبير من المدن الأمريكية على وضع مخططات تحدِّد مواقع بناء محطات بيع الوقود. وأعطيت المؤسسات التي تتعاطى أشغالاً مرتبطة بها مهلة محددة للتأقلم مع التنظيم الجديد.

أما خارج المدن، فحتى منتصف العشرينيات، كانت أولى ما سميت محطات بيع البنزين تبدو فقيرة، وكانت تقام في مناطق غير مأهولة على مقربة من أماكن يبيت فيها السائقون ليلتهم لمتابعة الطريق صباح اليوم التالي. وكانت هذه المحطات تبنى بمواد رخيصة الثمن ومتدنية النوعية وبأشكال بشعة، وغالباً ما كانت توضع المضخات في أكواخ فقيرة أو تخصص لها أجزاء في المحال المنتشرة على الطرق.

فقبل عام 1920م، لم ير أحد من مالكي 15 ألف محطة بيع محروقات في الولايات المتحدة الأمريكية ضرورة لإنفاق المال على الاستثمار في مكان يزوِّد السيارات بالبنزين ويأوي عدداً من السائقين أو يستعمل لتخزين المحروقات تحت الأرض. وبقيت الحال على ما هي عليه، وبقي هذا القطاع يرزح تحت سمعة سيئة كمصدر إزعاج وتلوث، إلى أن استوعب مالكو معظم شركات توزيع المحروقات الحاجة إلى اعتماد بناء موحَّد الشكل للمحطات، واتفقوا على إدخال تعديلات جوهرية عليها. وتلازم تطوير الشكل مع تحسين مستوى خدمة الزبائن ونوعية المواد المباعة في عدد من الولايات والمدن. وكانت شركة «شل» السباقة في اكتشاف أهمية البيع في محطات تعتمد في بنائها معايير موحدة، وعملت في هذا الاتجاه، إلى أن اعتمدت 200 محطة من بين 1841 محطة كانت تزودها بالبنزين، أبنية موحدة الشكل لجهة هندستها وألوانها، وتجهيزات موحدة الشكل والمواصفات، ولباساً موحداً لعمالها وسياسة موحدة في التعاطي مع الزبائن. وتمكنت هذه الشركة الموحدة الشكل والمضمون من أن تستحوذ على أكثر من 40 في المئة من 1922 نقطة بيع بنزين في نطاقها.

وفيما شكا سكان المدن من الزحام والضجيج والتلوث الذي كانت تحدثه محطات بيع الوقود، بدا سكان الأرياف، وإن كانوا يعارضون الانتشار السريع لهذه المحطات في مناطقهم، منجذبين إلى ممارسة الأعمال بما فيها بناء محطات البنزين. وقد وضعوا على تلك المحطات إشارات ويافطات بارزة تروِّج لبضائع منوعة لا علاقة لها بما يمكن أن يباع في محطات البنزين.

ومع نشأة ما عرف بحركة جمالية المدينة، بدأت شركات المحروقات إنشاء محطات مصممة بشكل هندسي. ومن هذه الشركات، شركة أتلانتيك ريفايننق «Atlantic Refining» التي بنت عدداً كبيراً من المحطات، وزودت كلاً منها بعدد غير قليل من المضخات، كل واحدة منها موضوعة في كشك صغير، فكانت بذلك من أوائل الشركات التي تجاوبت مع الانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى هذا القطاع.

تطور تقني وهم بيئي
في الواقع، ومنذ أواخر العشرينيات كان الموضوع الفني والجمالي في بناء المضخات قد تخطى اهتمام الشركات ليصير هماً عاماً. فنُظمت مسابقات مع جوائز لأفضل تصميم لمحطة بنزين، وبدأ تخصيص هذه المنشآت بمداخل خاصة جذابة وعملية للسائقين. ومع الوقت، ومع توالي المسابقات، بات لكل شركة تصميمها الهندسي الخاص وألوانها الخاصة وشعارها، وتبارت كلها في وضع أجمل التصاميم مرفقة بنُزُل صغير لإيواء السائقين. ووصل التفنن الهندسي إلى حد لم يعد من الممكن تمييز بعض محطات المحروقات عن أي بناء فخم إلا من خلال المضخة المركزة أمامها ورمز كل محطة أو شعارها. وباتت الشركات تبحث عن منازل مبنية على طراز مميز على جوانب الطرق لتشتريها وتحولها إلى فنادق صغيرة ومحطات لبيع المحروقات.

ومع التطور الكبير في شكل المحطات ووظيفتها وتنامي الحس الجمالي والبيئي في هذا القطاع، لم تعد المضخات التقليدية البدائية تلبي المعايير الجديدة المطلوبة، كما أنها لم تعد تلبي متطلبات الزبائن الذين كانوا يريدون التأكد من نوعية المحروقات التي توضع في سياراتهم. وكان أول التعديلات نزولاً عند هذه الرغبات، ذلك الذي أدخل على مضخة قلبرت آند باركر تي – 8 «Gilbert&Barker T – 8» التي صممت عام 1912م، بأن أضيف إليها مؤشر عداد بمقاييس ثابتة، ومزود بميناء يمكّن الزبائن من قراءة العداد. اعتبرت هذه المضخة فتحاً في مجال بيع المحروقات كون العلنية في قراءة العداد أكسبتها شفافية وصدقية وثقة الجمهور. وكان استثمار هذه الميزات واضحاً في اللوحات الإعلانية التي كانت تقول «الوقود المرئي».

وسرعان ما انتشرت هذه المضخات التي لم تكن تتطلب استثمارات كبيرة، وانخرطت في إنتاجها وتسويقها شركات كبرى عدة. لكن تبيَّن مع الوقت أنها لا تلبي كل متطلبات السائقين لاقتصار قدرتها القصوى على الضخ بخمسة غالونات، ولجهة عدم كفاية العداد في إتاحة قراءة سهلة وواضحة، بالإضافة إلى إمكان تعرضه للغش والخطأ. كانت هذه أسباباً كافية لإقرار إدخال تعديلات أساسية عليه، ومنها إضافات تسهّل قراءته ليلاً وتجعله أكثر وضوحاً في النهار.

الخدمة الذاتية.. ثورة في عالم المحطات
ولئن كان إدخال تحسينات وإضافات على المضخات قد بقي عملية مستمرة ومتطورة وفقاً لمتطلبات العصر، فإن ازدياد متطلبات الزبائن دفع أيضاً في اتجاه إدخال المزيد من التحسينات على المحطات، تمثلت بإضافة خدمات جديدة لا علاقة لها بعملها كمزود بالوقود، بل الهدف منها هو إرضاؤهم وجذبهم أكثر، لا سيما مع ازدياد المنافسة في قطاع دائم التطوروالتوسع. وكان من هذه الخدمات مسح الزجاج والمرايا ونفخ الإطارات وصيانتها وتبديلها. وكانت لكل محطة تابعة لشركة محروقات أو تتعامل معها من خلال عقد، شعارات تشير إلى تميزها في الخدمة والنوعية والاستقبال الجيد والتعامل مع الزبون وكأنه صديق. ثم بدأت مرحلة تنظيف السيارات.

ومع مطلع الثلاثينيات كان نمط جديد من الحياة الاقتصادية ينبثق في المدن المتاخمة للطرق السريعة استناداً إلى ما كانت تقدِّمه محطات بيع المحروقات من خدمات، فقد تحولت هذه المحطات في أحيان كثيرة إلى استراحات فيها دورات مياه وتأمين مستلزمات الراحة لبعض الوقت للمسافرين. وانتشرت في تلك الفترة أيضاً ظاهرة بيع منتجات خاصة بالسيارات في محطات بيع البنزين، مثل زيوت المحركات وزيوت الفرامل وخدمة فحص الزيوت وتغييرها وفحص المياه. وكان بعض المحطات يروِّج لحسومات أو هدايا مع كميات معينة من البنزين، إلى درجة قيل إنه لقاء تعبئة خزان الوقود ببضع سانتات، كان يمكن الحصول على الكثير من الخدمات الجيدة والضرورية مجاناً. ومع ما طرأ عليها من تطور لجهة الشكل والخدمات، باتت زيارة محطات بيع الوقود التي تقدِّم كل هذا الترف، تُعد وفق التقاليد الاجتماعية لتلك الفترة، رحلة بحد ذاتها.

في الواقع، بدأت ظاهرة محطات بيع الوقود بالانتشار السريع بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت المنافسة على أشدها بين شركات المحطات، وكان الجميع يسعى إلى تحسين شروط البيع لجذب المزيد من الزبائن وزيادة الأرباح. وبحلول عام 1933م كان عدد المحطات التي تتعاطى الخدمات والبيع بالمفرق في الولايات المتحدة الأمريكية تخطى الـ 170 ألفاً، وباتت المحطة استراحة حقيقية. وكان تعاطي فريق العمل المدرب مع الزبائن يوحي لهم بمزيد من الثقة بالخدمات التي يحصلون عليها. وكانت الشركات الكبرى بدأت تطرح للبيع في هذه المحطات مانع تجمد المياه في مبرد السيارة لا سيما في المناطق الباردة، وزيوتاً معبأة في زجاجات، وكانت تلصق عليها أوراق تتضمن معلومات عن المادة التي تحتويها: مكوناتها، معدل لزوجتها واسم الماركة. وكان بعض الماركات يحفر اسمه أو شعاره على القناني.

لم يحل تطور الخدمات والإقبال الكثيف على المحطات دون تواصل البحوث بهدف تطوير المضخات، وبالفعل توصلت هذه البحوث في نهاية العشرينيات إلى استبدال المضخة ذات العداد الظاهر بأخرى أطلق عليها اسم «كلوك-فايس» (Clock –face)، وهي عبارة عن عداد مستدير يمكن من خلاله ضخ البنزين بسرعة أكبر أياً تكن الكمية.

في عام 1929م أدى الانهيار الاقتصادي إلى تراجع سوق المحروقات تبعاً لتراجع حركة النقل، وتراجع حجم المبيعات بمعدل تراجع البورصات وأسواق المال، فكانت النتيجة تكدس كميات كبيرة من المحروقات في شركات التكرير والتوزيع وكذلك في المحطات، ما حمل الأخيرة على البحث عن منتجات إضافية تبيعها، فوجدت ضالتها في إكسسوارات السيارات من الزيوت والبطاريات والإطارات والرافعات مع تقديم كل الخدمات المرتبطة بها من تغيير الإطارات ونفخها وصيانتها وتغيير الزيوت وإجراء بعض أعمال الصيانة السريعة على السيارات في المحطات. وكانت المحطات بدأت تختبر هذا النوع من الخدمات والمبيعات منذ مطلع العشرينيات فحققت فيها نجاحاً كبيراً طوال مرحلة الثلاثينيات وحتى منتصف الأربعينيات، وكان ذلك نقطة تحول في مسيرة محطات البنزين.

من محطة عادية إلى متجر عصري
من الشركات الرائدة في مجال تطوير عمل المحطات بعد الأزمة، مجموعة «تكساكو» النفطية التي كانت تملك أكثر من 40 ألف محطة بنزين. فقد تبيَّن لها أن حاجتها إلى الأبنية التي تملكها بدأت تتضاءل، وبات عليها إيجاد سبل أفضل لاستثمارها، فخطر لها تجميع كل الأعمال المرتبطة بهذه المحطات في مكان واحد. وأوكلت إلى المهندس الصناعي ولتر تيغ، مهمة تطوير محطات جديدة تُعد نموذجاً لما يجب أن تكون عليه محطات بيع المحروقات، ووضع تصميم جديد لمحطة خدمات.

راعى تيغ في عدد من مشاريع التصاميم ضرورة أن تحتوي المحطة على دورات مياه مريحة ومكتب ومساحات واسعة لمنطقة عرض المنتجات التي تبيعها وإضاءة جيدة. وشدَّد على أن تكون لمحطات الشركة صورتها المميزة من حيث الألوان وتصميم الديكور الخارجي، فتبدو عصرية شكلاً ومضموناً، كما أكد ضرورة وجود مدخل ومخرج خاص بالسيارات مريح للسائقين. كان ذلك عام 1937م. وبحلول عام 1940م، كانت شركة تكساكو تملك أكثر من 500 محطة مبنية وفقاً لمواصفات تيغ، ومزوَّدة بأحدث المضخات. مع هذه المحطات تغيرت الصورة النمطية للمحطات التي كانت تُعد مصدر إزعاج وتشويه للمحيط، لتصير جديرة بأن تحتل جوانب الطرق كأعمال هندسية فنية وأماكن مميزة للخدمات والبيع بالمفرق.

وسرعان ما باتت محطات تكساكو مثالاً لباقي الشركات التي سارعت إلى اقتباس أسلوبها العملي في تصميم المحطات، إنما بأسلوب هندسي خاص بها. في تلك الفترة، واستكمالاً لما تم إنجازه على صعيد وظيفة المحطات، كان لا بد من تطوير المضخات أيضاً، انطلاقاً من هذا الهاجس، توصلت شركة «فيدر روت» إلى اختراع المحطة الحاسوب. معها، لم يعد على الزبون قراءة عداد البنزين واحتساب المبلغ المتوجب عليه استناداً إلى الكمية المعبأة، بل إلقاء نظرة سريعة على أرقام يظهرها الكمبيوتر عن المبلغ المتوجب بعد انتهاء التعبئة. مع هذه المضخة بدأ عصر جديد في توزيع المحروقات، كونها أتاحت إمكان تلافي الغش والخطأ البشري، ومعها أيضاً بدأ التفنن في شكل المضخة التي باتت تتناسق غالباً مع تصميم المحطات التي تستعملها.

إلا أن التحول الكبير التالي في مفهوم محطة البنزين بدأ نهاية الأربيعنيات مع مضخات يتمتع معها الزبون بإمكانية تعبئة سيارته بنفسه، وبكمية البنزين التي يريدها. وشهدت أولى المحطات التي اعتمدت هذا الأسلوب زحمة خانقة، وكانت السيارات تمتد صفوفاً طويلة أمام عدد من المضخات، كان يصل أحياناً إلى العشرين في المحطة الواحدة.

أسهمت الخدمة الذاتية في خفض كلفة المحطة من خلال خفض عدد العمال، كما خفضت الكلفة على الزبون الذي لم يعد مضطراً لدفع إكراميات. ولمزيد من الأمان، منع التدخين في هذه المحطات، وزُودت بنظام مراقبة لرصد المخالفين، كما جُهِّزت بأنظمة إطفاء.

ومع هذه المحطات، بدأ العمل على مدار الساعة في قطاع بيع البنزين، وباتت مبيعاتها تفوق بما بين خمسة وعشرة أضعاف مبيعات المحطات التقليدية التي رأت فيها تهديداً حقيقياً لمصالحها، لا سيما وأنها لم تكن تريد تغيير طريقة عملها. ومع احتدام الصراع بين أسلوبي عمل مختلفين، ونظراً إلى النتائج الباهرة التي حققتها محطات الخدمة الذاتية على صعيد حجم المبيعات، حظيت بمساندة خفية من شركات النفط، فيما تكتلت ضدها أكثر من 250 ألف محطة تقليدية.

لم تعد محطات البنزين في تلك الحقبة مجرد مكان توضع فيه عدادات لضخ البنزين، وصندوق لجمع الأموال، بل باتت لوحة إعلانية ضخمة ومتكاملة في حد ذاتها. ومنذ مطلع الخمسينيات اتخذت هذه المحطات حجماً كبيراً في مجال الأعمال، وشهد هذا القطاع تهافتاً لافتاً للعمل فيه ومنافسة شرسة. فسادته الفوضى ما أدى إلى إخضاعه مرة جديدة لحملة تحسين وتطوير. وتفننت الشركات في إبراز شعاراتها وعلاماتها التجارية لجذب الزبائن عن بعد. وعلى غرار حركة تجميل المدينة في الثلاثينيات، انطلقت في الستينيات حركة مماثلة، إنما أكثر تنظيماً، انخرطت فيها السلطات الرسمية في سياق تصنيف المناطق ومنع انتشار المحطات في البعض منها، أو تحديد مواصفات وشروط تمنع الإساءة إلى المحيط والبيئة. وانخرطت الشركات في عملية تجميل لمحطاتها، وكانت «شل» السباقة في هذا المجال، تبعتها شركة «تكساكو» وباقي الشركات في ابتكار تصاميم تلبي المتطلبات الحكومية الجديدة في مجال تحسين صورة المحطات. ومع بداية السبعينيات كانت كل المحطات ارتدت حلة بيئية تجعلها متناسقة مع محيطها، وكثير منها بدا وكأنه مزارع ريفية في ضواحي المدن.

مجال دائم التطور عصي على الأزمات
استمر السباق بين الشركات على تحسين صورة محطاتها وتحسين خدماتها، بالإضافة إلى التنوع والتجديد والابتكار. وكان معظم المحطات بدأ يبيع الديزل والبنزين معاً تلبية للطلب المتنامي على الديزل كوقود أقل كلفة من البنزين. أما عدد محطات الخدمات فما زال يزداد في كل أنحاء العالم بما فيها الدول العربية التي تتبع التطورات العالمية في مجال تحديث خدماتها.

وقد باتت محطات الخدمات في العالم ترتدي شكلاً مختلفاً منذ أكثر من عقدين، ولم تعد خدماتها تقتصر على بيع المشتقات النفطية وتلك المتعلقة مباشرة بالسيارات، بل باتت نقاط بيع متكاملة تشمل تقديم المأكولات السريعة والمرطبات، وتشمل حتى مطاعم منوعة. وكلما لاحظ أصحاب المحطات أن تنوع الخدمات وتنوع البضائع المباعة يشكل عامل جذب للزبائن، كلما تفننوا في عرض المزيد، إلى أن باتت هذه المحطات تشكل محالاً تجارية حقيقية تعرض تقريباً كل ما يمكن شراؤه من محل تجاري عادي أو سوبرماركت.

ويكفي مثالاً على ذلك عرض ما أحرزته شبكة المحطات هذه في سويسرا عام 2007م، إذ ارتفعت مبياعتها بنسبة 2 في المئة عن عام 2006م وزادت معدل المساحة المخصصة للمحال فيها من 50 متراً مربعاً إلى 68,2 متراً مربعاً في الفترة إياها. ولوحظ أيضاً أن 69 في المئة من مبيعات المحروقات سجلت في محطات مجهزة بمحال تجارية، وأن هذا النوع من المحطات يمثل 35 في المئة من شبكة محطات المحروقات. وبدأت هذه المحطات تقدِّم عروضاً وتنزيلات على ما تعرضه من بضائع كما تفعل المحال التجارية العادية، بالإضافة إلى ما كانت تقدِّمه من عروض لتأمين سيارة بديلة من سيارة معطلة وخدمة نقل السيارة المعطلة إلى مرآب التصليح، وغير ذلك من الخدمات لقاء تعبئة حد أدنى من اللترات.

مسيرة يربو عمرها على القرن ما زالت تتطور وتستنبط أفكاراً مُجدِّدة لمجال يبدو أن أفقه غير محدود.

حتى الماضي القريب، كان البعض يطلق على محطات الوقود في المملكة تسمية «الشيشة»، ويمكن أن تعود هذه التسمية لتشابه المضخة المستخدمة في عملية البيع مع «الشيشة» بخرطومها. أما اليوم، وإلى جانب التسمية الشائعة «المحطة»، هناك من يعتمد على لسانه اسم الشركة التي تدير المحطة. إذ شهد قطاع محطات الوقود المنتشرة في كافة أرجاء المملكة تطوراً ونمواً وتعدداً في الخدمات، مما صار يعطي لاسم المحطة بعداً يتجاوز معناه المباشر.

يصل عدد محطات الوقود بالمملكة حالياً إلى حوالي 7 الآف محطة موزعة وفق المخططات الهيكيلية المعتمدة للمدن والقرى وعلى الطرق الإقليمية. وتوفر هذه المحطات يومياً كميات من الوقود للمركبات المتنوعة تقدر بنحو 61 مليون ليتر بنزين (أوكتان 91 و 95) لحوالي 5 ملايين سيارة من كافة الأنواع، و27 مليون ليتر ديزل (حوالي 170 ألف برميل) لحوالي 2 مليون شاحنة وحافلة.

وتنتشر محطات الوقود على جانبي الطرق الرئيسة والفرعية في مدن وقرى المملكة، وتتنافس لتقديم الخدمة للسيارات والحافلات والشاحنات التجارية والعربات. ويتم حالياً وضع خطة متدرجة ومتكاملة لتحسين وضع وأداء محطات الوقود ومراكز الخدمة على الطرق الإقليمية، مما يعكس الصورة الحضارية والسياحية للمملكة بصورة تتناسب مع شبكات الطرق المتميزة التي تم إنشاؤها.

عناصر محطات الوقود
مع مرور الزمن تطورت وتنوعت وتعددت الخدمات التي توفرها محطات الوقود للمستهلكين شأنها في ذلك شأن ما بلغته المحطات المماثلة أينما كان في العالم. وبصورة عامة تتضمن هذه المحطات المنتشرة في أنحاء المملكة عدداً من العناصر التالية:
• الإدارة
• مصلى أو مسجد ملحق بالمحطة
• صراف
• محل لبيع بعض إكسسوارات السيارات
• الخدمات. دورات مياه ،….
• كفتيريا أو ركن للبيع (ميني ماركت)
• محل لبيع عبوات وزيوت بترولية
• مستودع لقطع الغيار
• خزانات المحروقات
• ورشة صيانة سريعة
• مواقف سيارات
• إسعافات أولية

الشروط المطلوبة لترخيص محطات الوقود
تختص البلديات بالتنسيق مع الأمانات والدفاع المدني في إصدار تراخيص البناء والترميم والضوابط العمرانية وتحديد مواقعها على الطرق والإشراف على محطات الوقود في أنحاء المملكة، في حين تقوم شركات متخصصة في تشغيل أو صيانة أو إنشاء مثل تلك المحطات. وينبغي مراعاة الشـروط التالية عند إقامة محطات وقود داخل المدن:
• 
يراعى إقامة المحطات بعيداً بقدر الإمكان عن المصانع والمدارس وقصور الأفراح والمستشفيات، بحيث يفصل موقع المحطة عن هذه المنشآت شارع فرعي لا يقل عرضه عن 20 متراً.
• 
ألا تقل أقرب مسافة بين محطة وقود وأخرى عن 500 متر في نفس الاتجاه، على الشارع الواحد أو في الاتجاه المقابل.
• 
ألا تقل أقرب مسافة بين محطة الوقود وبين المحلات التي يستخدم فيها مصادر اللهب مثل المطابخ أو المخابز أو المقاهى عن 30 متراً.
• 
يجب أن تقع محطة الوقود على شارعين زاوية أحدهما تجارى، ولا يقل عرض الشارع الرئيس التجاري المطلة عليه واجهة المحطة الرئيسة عن 30 متراً.

وبالرغم من أن محطات الوقود تُعد شريان الحياة لحركة النقل والمواصلات البرية من سيارات وحافلات باصات وشاحنات ودرَّاجات نارية فإنها وفي الوقت نفسه تُعد من أخطر أوجه النشاط التي يتعامل معها المجتمع ما لم يتم تطبيق شروط السلامة لتجنب مخاطر الحرائق والانفجارات، واعتماد الطرق السليمة للتخلص من الزيوت والمواد البترولية المستهلكة، وتنظيم مداخل ومخارج المحطات بالطرق النظامية واتخاذ الاحتياطات البيئية والفنية اللازمة لمنع تسرب الوقود من الخزانات تحت الأرض.

تزويد المحطات بالوقود
تمتلك المملكة ممثلة بأرامكو السعودية أربع مصافي بترول لتغطية حاجات الأسواق المحلية في أنحاء المملكة الممتدة من الخليج العربي إلى البحر الأحمر، وهي مصافي رأس تنورة والرياض وجدة وينبع. وقد قامت الشركة مؤخراً بتحديث مرافق البنزين في هذه المصافي للتمكن من إنتاج نوعين من البنزين. كما تمتلك الشركة حصصاً في ثلاث مصافي مشتركة في المملكة، وتدير أرامكو السعودية عشرين مركزاً لتوزيع الوقود بكافة أنواعه منتشرة في جميع مناطق المملكة. وتتم تغطية حاجات كل منطقة للوقود من خلال شبكة ضخمة لتزويد العملاء بالمنتجات. وتتابع مراكز توزيع الوقود أي نقص أو زيادة في الاستهلاك، وتعمل كخلية نحل وفق آليات تقنية متقدِّمة لتسهيل وصول المنتجات البترولية للمستهلك.

وبدورها تقوم محطات الوقود الصغيرة أو الكبيرة بملء خزاناتها الأرضية من وقود البنزين بنوعيه ممتاز 91 (لون أخضر) وممتاز 95 (لون أحمر)، بالإضافة إلى وقود الديزل بواسطة شاحنات صهاريج كبيرة تنقل المشتقات البترولية من أقرب مركز لتوزيع الوقود.

وقد قامت المحطات بطلاء المضخات باللون المطابق للبنزين الذي تضخه ليتمكن المستهلك من رؤية لون المنتج وتمييز نوعه. وتجدر الإشارة إلى أن الطلب على البنزين يستحوذ على حوالي 15 في المئة من إجمالي الاستهلاك المحلي للمشتقات البترولية في المملكة كما أن المملكة تتبنى برنامجاً طموحاً لتحسين مواصفات وجودة البنزين والديزل وتقليل محتوى الكبريت والعطريات، في إطار السعي إلى الارتقاء بهذا القطاع المفتوح دائماً على التطور.

خدمات يمكنها أن تكون أفضل
عندما تطورت محطات الوقود في العالم من مجرد نقاط لبيع المحروقات إلى ما يشبه المجمعات المتكاملة، فإنها لم تفرض شيئاً على المستهلكين، ولكنها كانت تستجيب إلى احتياجات المسافرين، التي تزداد أهمية على الطرقات الطويلة في الأماكن المقفرة، وخاصة في البلدان الكبيرة بمساحتها الجغرافية كما هو الحال في المملكة. ومن يلقي نظرة خاطفة على محطات الوقود المنتشرة على جنبات الطرق السريعة ما بين المدن الكبرى في المملكة، يلاحظ فوراً أنها تحولت إلى مجمعات تقدم عدداً كبيراً من الخدمات، بموازاة توزيع الوقود على السيارات، كما هو وارد في المقال.

ولكن النظرة المدققة تقول شيئاً إضافياً..
إن كان لا أحد يتذمر من خدمة توزيع الوقود، فالملاحظ أن معظم الخدمات الأخرى تشكل في معظم الأحيان وفي معظم المحطات موضع تذمر، من قبل الذين يرتادونها.

أول الجوانب المثيرة للتذمر هو في مستوى النظافة الذي يتدنى في المقاهي والمطاعم التابعة لبعض المحطات، وأيضاً نوعية بعض الأطعمة، وكأن هذه المطاعم تفلتت من كل أشكال الرقابة عليها. الأمر نفسه ينطبق على نزل الاستراحة (فنادق صغيرة مكونة من عدد محدود من الغرف)، وكأن المسافر المتعب مضطر اضطراراً للقبول بها. وهناك قضية أخطر مما تقدم، خاصة على الصعيد البيئي، تتمثل في ما أثير حول سلامة خزانات الوقود تحت الأرض واحتمالات تسرب المشتقات النفطية إلى باطن الأرض والمياه الجوفية.

فبشكل عام، ولأن الحالة العامة لهذه المحطات-المجمعات لم تعد مرضية للمواطنين ولا تعطي الصورة اللائقة بمواقع تشكل محطات مهمة من محطات السفر والسياحة، تعمل الهيئة العامة للسياحة والآثار حالياً على تطوير مشروع يقضي بالنهضة بمحطات الوقود من وضعها الحالي، وفرض مقاييس قابلة للتطبيق بشكل مرحلي، تؤدي إلى الارتقاء بخدمات هذه المحطات بحيث تصبح لائقة بالمسافرين الذين غالباً ما يكونوا بحاجة إلى ما يتجاوز تعبئة السيارات بالوقود.

أضف تعليق

التعليقات