الإجابة السريعة هي أنه كان سيتحتم علينا الانتظار عدة آلاف من السنين لتظهر لنا الجبال ثانية. فالجبال ما هي إلا نتيجة طبيعية لحركة الصفائح التكتونية. إذ فيما تعمل عوامل التعرية على إزالة الجبال شيئاً فشيئاً، تتولى حركة الصفائح تجديدها باستمرار. والحقيقة هي أن أعمار أقدم الجبال على وجه الأرض لا يقارن بعمر الأرض المديد أبداً.
لكن لنفترض أن القوى المؤثِّرة على حركة الصفائح التكتونية لم تكن موجـودة. وإحــدى هذه القوى هي الجاذبية، ولكن من دون جاذبيـة فلن تكون هناك أرض من الأساس. ويمكننا أن نتغاضى عن الجاذبية، لنركِّز على قوة أخرى هي الحمل الحراري لوشاح الأرض.
لتوضيح الفكرة هنا، نشير إلى أن وشاح الأرض هي الطبقة الجيولوجية التي تقع تحت القشرة الأرضية، وهي عبارة عن معادن سائلة (هي مصدر الحمم البركانية بالمناسبة). ولهذه الطبقة حركة تشابه حركة تيارات المحيطات. فعندما يبرد المعدن السائل تقل كثافته نسبيا فيتجه نحو سطح الأرض وعندما يلامس سطح الأرض من الأسفل يتصلب السائل وتزداد كثافته، فيغرق مجدداً نحو مركز الأرض. المحصلة العامة لهذه الحركة هي تحرك الصفائح التكتونية وتصادمها أو تباعدها. والتصــادم يؤدي إلى نشوء سلاسل شاهقة كجبال الهيمالايا والتباعد بين الصفيحتين العربية والأفريقيــة أدى لنشوء جبال تهامة.
لكن ماذا لو لم يكن هناك حمل حراري للوشاح ولم تكن هناك حركات تكتونية؟ ستكون هناك عدة نتائج رئيسة. أولها بطبيعة تسلسل الأفكار عدم وجود الجبال. وفي الواقع، إن قارة أستراليا هي كتلة من اليابسة خامدة جيولوجياً. ويندر فيها تجدّد الجبال منذ ملايين السنين. وبالتالي لا تتجدَّد التربة فيها عن طريق عوامل التعرية ولا عن طريق الرماد البركاني الذي يحتوي على معادن مفيدة للنباتات. ونتيجة لذلك فإن تربة أستراليا ليست حيويــة ولا تصلــح في عمومها للزراعة وتضاريس القارة شبه صحراوية في أغلبها.
نتيجة أخرى هي اضطراب دورة ثاني أكسيد الكربون الجيولوجية. فالنشاط الجيولوجي عامل مهم في تثبيت ثاني أكسيد الكربون في باطن الأرض من خلال تفاعله مع الأحجار الجيرية، وعن طريق تكوين الكيروجينات الموجودة في الوقود الأحفوري. وهذه الدورة بطيئة جداً بطبيعة الحال، ولكنها ذات أهمية كبرى في توازن ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
وبطريقة ما، فإن عدم وجود الجبال سينهي وجود الحياة كما نعرفها على هذا الكوكب. وإن بقيت الحياة موجودة، فالثقافة البشربة ستكون مغايرة تماماً عما نعرفه. فحركة المعادن الذائبة في الوشاح يولد حقلاً مغناطيسياً أرضياً، وبدونه لاستحال اختراع البوصلة مثلاً . كما أن عدم وجود جبال سيحدُّ كثيراً من عمليات التنقيب عن المعادن لأن التنقيب سيكون حتماً بالحفر عمودياً في باطن الأرض بأدوات تحتاج إلى نفس المعادن الموجودة في باطن الأرض، والترحال والتنقيب كانا على الدوام عاملين مهمين في تطور الحضارة البشرية.