للمرايا في حياتي قصص كثيرة، تبدأ من أول مرآة فضية تعلق على صدر الجدار أهدتها إليَّ عمتي وهي قادمة من تركيا، إلى آخر مرآة صغيرة باريسية من إحدى الصديقات التي خيرتني بين مرآة بصور معالم ومرآة بصورة ميلان روج «الطاحونة الحمراء» فاخترت الثانية بجرأة.
بين المرآة التركية الأولى التي طلبت مني عمتي، بناءً على نصيحة البائع التركي الذي اشترتها منه، أقلبها قبل أن يقبل الليل كي لا تظهر على سطحها الأرواح الشريرة، والثانية التي أخجل من إخراجها من حقيبتي في حضرة من لا أعرفهم حق المعرفة، بين المرآتين حكاياتي مع المرايا.
منذ زمن أظنه بعيدًا، لأني فقدت تفاصيل الحكاية، قرأت في إحدى الصحف أنَّ العِلم في المستقبل سيتطفل على المرايا بأن يكون بمقدور المرء مشاهدة كل مَنْ مروا أمام المرآة في أزمنة مختلفة، فاحتفظت بوجوههم وتعبيراتهم وهم يواجهون المرآة، فاستنتجتُ أنه من الرائع أن يحتفظ المرء بمرايا قديمة، فلربما استطاعوا في المستقبل إعادة صور من مروا أمام المرايا. كان الخبر، بالنسبة لي، مثيراً، فبدأت أجمع المرايا، ولا أفرط في مرآة امتلكتها ومرَّ على سطحها وجهي، أو وجوه صديقاتي أو أقرباء لم ينسهم الموت!
أصبحت أسرتي تسميني بجامعة المرايا، و مع هذه الهواية أصبحت أفهم في المرايا وأنواعها، وزخرفتها، فأميِّز بين المرايا غالية الثمن والرخيصة، فليس كل مرآة تعكس الصورة تشبه المرآة الأخرى.
فالزئبق والزجاج اللذان هما أساس المرايا، ربما يختلفان من مرآة لأخرى في نوع الزجاج وكمية الزئبق، حتى عندما أذهب في رحلات سياحية فإني أفتش عن المرايا وقصورها، وكأني أبحث عن وجه السلطان العثماني محمد الخامس عندما زرت قصر المرايا المعروف باسم إيفليكا فاك في مدينة كاسيمباسا التركية، أو وجه ماري أنطوانيت عندما أتجول في قاعة المرايا في قصر فرساي. عرفت لماذا كانت وظيفة المرآة في الأفلام الهوليوودية مختلفة عن وظيفتها في مسلسلاتنا العربية. ففي الأفلام الأجنبية تدعونا إلى الحذر من المرآة، فربما كان انعاكسها خادعاً، وربما كانت الحقيقة في المرآة أكثر صدقاً منها في الواقع، بينما المرايا في مسلسلاتنا العربية ينتهي المشهد بتحطيمها والدم الأحمر يسيل من يد البطل الذي يعاني صراعات داخلية.
المرآة في هوليوود لها عمق نفسي وبعد روحاني، وكأنَّ المشاهد يغوص في أعماق الزئبق الذي لا يستطيع أن يقبض عليه، كذلك الأجساد والأرواح التي تمرُّ أمامها، تقابلها مرآة أخرى لا تعدو كونها زجاجًا شفافًا ساذجًا سريعاً ما يتهاوى في قصص مسلسلاتنا العربية.
نورة الدوسري
قاصة سعودية