طاقة واقتصاد

عودة نفط العراق.. في ميزان الأسعار

هل سيتمكن العراق من زيادة طاقته الإنتاجية بسرعة وإلى أي حد؟ وهل سينسحب من أوبك أم لا؟ وإذا حصل، فأي أثر سيتركه هذا الانسحاب على سوق النفط وأسعاره؟ أسئلة تحظى باهتمامات المتابعين للشؤون النفطية. الباحث المتخصص في شؤون الطاقة، الدكتور أنس الحجي* يستكشف للقافلة آفاق التطورات المرتقبة لصناعة النفط في العراق وسقفها المحتمل، ويعرض وجهة نظره الشخصية، حيال هذا الموضوع..

قامت روسيا منذ الصيف الماضي بمعارضة أي حرب مع العراق, كما هددت باستخدام حق الفيتو في الأمم المتحدة لمنع الولايات المتحدة من اجتياح العراق تحت غطاء دولي. وتم تفسير الموقف الروسي في الصحافة الغربية والعربية بأنه محاولة لحماية العقود التي وقعتها شركات النفط الروسية مع العراق. ولكن الواقع أن روسيا لم تكن مهتمة كثيراً بعقودها النفطية في العراق لأنها محمية من قبل القانون الدولي من جهة, ولأنها أيقنت أن الشركات الروسية ستشارك في تطوير صناعة النفط العراقية على كل الحالات لأن صناعة النفط العراقية تتطلب كمية ضخمة من رأس المال والخبرات التي لا يمكن للشركات الأمريكية منفردة أن توفرها. أضف إلى ذلك أن الأجواء السياسية والعوامل التاريخية تتطلب مشاركة روسية, خاصة أن للشركات الروسية أسبقية في الوجود في العراق ولديها معلومات فنية وتقنية عن الحقول العراقية لا تملكها الشركات الأمريكية في الوقت الحالي.

إذا كان قلق روسيا بشأن عقودها النفطية مع العراق أقل بكثير مما أشاعته وسائل الإعلام, لماذا كل هذا القلق الروسي من الاجتياح الأمريكي للعراق وسيطرة الشركات العالمية على النفط العراقي؟ إن سر معارضة الحكومة الروسية للولايات المتحدة في مجلس الأمن يكمن في زيادة اعتماد روسيا على صادرات النفط الروسي وخوفها من انخفاض أسعار النفط في المستقبل إذا قامت شركات النفط العالمية بتطوير الحقول العراقية. و هناك العديد من الوثائق التي تدل على أن أغلب الحوار الأمريكي-الروسي فيما يتعلق بالهجوم على العراق لم يكن يتعلق بالعقود الروسية وإنما بمستقبل أسعار النفط. وهناك إشاعات قوية بأن الولايات المتحدة تعهدت لروسيا بألاَّ تنخفض أسعار النفط عن 21 دولاراً للبرميل خلال السنوات القادمة, وهو السعر الذي اعتمدته الميزانية الروسية خلال العامين القادمين. وخوف الروس الشديد من انخفاض أسعار النفط، يعود إلى تخوفهم من انهيار الاقتصاد الروسي الذي نما نمواً كبيراً خلال السنوات الماضية بسبب انتعاش صناعة النفط الروسية وارتفاع أسعار النفط في الفترة نفسها. ويبدو أن القيادة الروسية تحاول ألا تكرر ما حدث في الماضي حيث أسهم انخفاض أسعار النفط في انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان, وسقوط الاتحاد السوفيتي, وخسارة دولة الشيشان التي لم تتمكن روسيا من السيطرة عليها إلا بعد ارتفاع أسعار النفط في عام 2000م, وانهيار الاقتصاد الروسي في بداية عام 1999م.

إذا كان هذا موقف روسيا, فما هو موقف الدول العربية التي تعتمد أكثر من روسيا على صادرات النفط؟ إذا كان التخوف الروسي صحيحاً فإن الدول العربية, والخليجية منها بشكل خاص, ستكون في مأزق مالي كبير خلال السنوات القادمة. ولكن, هل المخاوف الروسية في محلها؟ وهل سيتمكن العراق من زيادة طاقته الإنتاجية بشكل سريع وكبير؟ وحتى لو تم ذلك, هل سيؤدي إلى انهيار أسعار النفط كما يتوقع البعض؟

هل سيتمكن العراق
من زيادة إنتاجه بسرعة؟
لن يتمكن العراق من زيادة إنتاجه بسرعة, ولن يتمكن من زيادة طاقته الإنتاجية إلى 6 أو 8 ملايين برميل يومياً خلال السنوات السبع القادمة كما يثير البعض. فالعراق لن يتمكن على المدى القصير من زيادة إنتاجه إلى مستويات ما قبل الاجتياح أو إلى مستويات ما قبل غزو الكويت (حوالي 3.5 مليون برميل يومياً) للأسباب الأربعة التالية:

-1 تشير البيانات التاريخية إلى انخفاض إنتاج كل الدول النفطية بعد كل تغيير في قيادتها السياسية. فقد انخفض إنتاج إيران بعد ثورة مصدق في الخمسينات, كما انخفض بعد الثورة الإيرانية في عام 1979م. كذلك انخفض إنتاج روسيا ونيجيريا وإندونيسيا والإكوادور وليبيا بعد تغير القيادة السياسية, كما انخفض إنتاج العراق بعد كل تغير سياسي منذ الخمسينيات, وانخفض الإنتاج بعد مجيء صدام حسين للسلطة في عام 1979م. وبالنظر إلى هذه الحالات نجد أن أغلب هذه الدول استغرقت من سنة ونصف إلى سنتين للعودة إلى الطاقة الإنتاجية التي كانت عليها قبل التغيير السياسي. لذلك فإنه من المتوقع أن يحتاج العراق إلى سنة ونصف على الأقل حتى يعود الإنتاج إلى المستويات التي كان عليها قبل الاجتياح الأمريكي- البريطاني للعراق. وهناك من يرى أن الوصول إلى مستويات ما قبل الاجتياح والاستمرار فيها يتطلب فترة أطول لأن التغير الذي حصل في الدول الأخرى لم يؤد إلى تدمير الطاقة الإنتاجية, ولم تعاني هذه الدول من مقاطعة اقتصادية لمدة 12 سنة كما هي الحال في العراق, ولم تتدمر بنيتها التحتية بالشكل الذي يعاني منه العراق الآن, ولم تحتل من قبل قوى أجنبية.

-2 إن إنتاج النفط العراقي خلال السنوات العشر الماضية تم بناء على قرار سياسي وليس بناء على قرار فني من قبل الخبراء والمهندسين, الأمر الذي أدى إلى تدمير جزء من الحقول والآبار العراقية. لذلك فإن البعض يرى أن مستوى الطاقة الإنتاجية الذي كان سائداً قبل الاجتياح لا يمكن الوصول إليه الآن والاستمرار فيه لعدم وجود إمكانيات فنية تمكن من إنتاجه بتكلفة منخفضة من دون تبديد لموارد العراق النفطية. وتشير تقارير متخصصة إلى أن القرار السياسي بزيادة الإنتاج بدون أي اعتبار للعوامل الفنية أدى إلى انسياب المياه بكميات كبيرة إلى المكامن النفطية مما أدى إلى خسارة مئات الآلاف من براميل النفط. وهذا يعني أن تكلفة الإنتاج لم تكن تكاليف الاستخراج وعدم القدرة على تعويض النفط المستخرج فقط, وإنما شملت الكميات التي تمت خسارتها للأبد بسبب عدم القدرة على شفط الماء من المكامن.

-3 من الممكن أن يزيد العراق إنتاجه ليتجاوز مليوني برميل يومياً ولكن لفترة قصيرة فقط؛ فالبنية التحتية اللازمة لإنتاج وتخزين ونقل النفط لا تدعم استمرار العراق في ضخ 3 ملايين برميل يومياً خلال الشهور القادمة.

-4 إن أية زيادة في إنتاج العراق تحتاج إلى تطوير الحقول العراقية, وهذا يتطلب أموالاً ضخمة, وحكومة ممثلة للشعب العراقي, واستقراراً سياسياً, وهو أمر لا يمكن أن يتحقق خلال فترة قصيرة من الزمن.

أما على المدى الطويل فإن العراق لن يتمكن من زيادة طاقته الإنتاجية إلى 8 ملايين برميل يومياً كما يقول البعض، للأسباب التالية:

إنهاء الاحتلال الأمريكي/البريطاني ووجود حكومة شرعية واستقرار سياسي, وهو أمر لا يبدو أنه سيتحقق في المستقبل القريب بناء على ما نراه الآن من تطورات.
انعدام قدرة العراق على تمويل توسيع طاقته الإنتاجية: فقيام العراق بزيادة طاقته الإنتاجية إلى 8 ملايين برميل يومياً يتطلب عشرات المليارات من الدولارات, ليس لتطوير الحقول النفطية فحسب, وإنما لبناء وتطوير البنية التحتية القادرة على تسويق ونقل هذه الكميات. ونظراً لعدم توافر أموال كافية لدى الحكومات العراقية المستقبلية فإن هناك طريقتين لتمويل هذه المشاريع:

أولاً: الاستدانة من بيوت المال العالمية والدول الأخرى. إلا أن العراق لن يتمكن من زيادة طاقته الإنتاجية عن طريق الاستدانة لأسباب عديدة أهمها:

لن تقدم بيوت التمويل العالمية وغيرها أي قروض إلا لحكومة شرعية تمثل الشعب العراقي ومعترف بها عالمياً, وهو أمر لن يتحقق إلا بعد فترة من الزمن.
حتى لو توافرت حكومة شرعية فإن بيوت التمويل العالمية وغيرها لن تقوم بتقديم أي قروض لأن العراق حالياً أكبر بلد مديون في العالم ولا يمكنه الوفاء بأي ديون إضافية أو دفع الفوائد المترتبة عليها. إن هناك شروطاً معينة يجب توافرها في العراق حتى تتمكن بيوت المال من إقراضه وهذه الشروط لا تتوافر حالياً.
حتى إذا رغبت بعض البنوك في تقديم القروض لحكومة شرعية فإنها ستطلب ضمانات لذلك. وعادة ما تقوم البنوك بتقديم قروض للدول النفطية مقابل صادراتها النفطية, ولكن النفط العراقي مرهون لأجيال قادمة بسبب الديون القديمة والتعويضات التي يجب أن يدفعها نتيجة غزو الكويت. لذلك فإنه لا يمكن حتى رهن النفط العراقي مقابل هذه الديون.
حتى إذا رغبت بعض بيوت التمويل والبنوك في تقديم القروض لحكومة شرعية فإنها قد تضع شروطاً مجحفة تتضمن أسعار فائدة عالية بسبب ارتفاع نسبة المخاطرة, وهو أمر لا يمكن لحكومة عراقية «ديموقراطية» قبوله. وهذا يعني أنه حتى لو وُجد البنك الذي يرغب في تمويل العراق فإن الحكومة سترفض شروط هذا البنك.

ثانياً: السماح للشركات الأجنبية بالاستثمار في حقول النفط وتملكها جزئياً أو كلياً. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة تلاقي قبولاً لدى الأمريكيين والقادة العراقيين الذين كانوا في المنفى إلا أنها, إن تحققت, فإنها لن تتحقق إلا بعد وقت طويل؛ الأمر الذي لن يُمكن العراق من زيادة طاقته الإنتاجية بالشكل الذي أثارته وسائل الإعلام. إن استثمار الشركات الأجنبية في حقول النفط العراقية, إن تم, فإنه سيتم بعد سنوات من الآن للأسباب التالية:

إن شركات النفط العالمية لن تستثمر في العراق إلا بعد توافر شروط عديدة أهمها الاستقرار السياسي, ونشوء حكومة شرعية وقوية, ووجود مناخ سياسي واقتصادي ملائم للاستثمارات الأجنبية. وهذه الأمور يتطلب تحقيقها وقتاً طويلاً.
عدم توافر البنية التحتية: وإذا افترضنا أنه تم حل مشكلة التمويل بشكل سريع فإن المشكلة ستكمن في أنه يجب إعادة بناء البنية التحتية للعراق بشكل عام, والبنية التحتية لصناعة النفط بشكل خاص. وتشير التجارب التاريخية لكل من إيران والعراق والكويت أن الأمر يحتاج إلى عدة سنوات.
الحاجة إلى اتفاقيات مع الدول المجاورة: بما أن العراق أرض شبه مغلقة لها فتحة صغيرة جداً على الخليج العربي فإنه مضطر إلى تسويق نفطه عبر الأنابيب، ولا يمكنه ضخ ثمانية ملايين برميل يومياً من دون بناء أنابيب جديدة تمر عبر الدول المجاورة أو بعضها, وهو أمر مكلف من حيث المال والوقت. ولا يتوقع أن تتم الأمور بسرعة وبسهولة؛ حيث أن المباحثات مع الدول المجاورة قد تستغرق عدة سنوات. وعلينا ألاَّ ننسى أيضاً أن هذه الدول لن توقع عقوداً إلا مع حكومة عراقية شرعية بحيث تستمد العقود شرعيتها من الشعب العراقي وليس من الاحتلال الأمريكي الذي يمكن أن يزول في أي وقت. لذلك لا يمكن للعراق أن يرفع طاقته الإنتاجية إلى ثمانية أو حتى ستة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2010م.
الحاجة إلى تقرير مصير العقود النفطية: ستشهد الشهور القادمة صراعاً كبيراً بين عدة دول حول عقود النفط التي وقعتها حكومة الرئيس المخلوع صدام حسين منذ عام 1991م. ومن المتوقع أن يتم حل أكثر هذه الخلافات خارج المحاكم الدولية. إلا أن احتمال لجوء الروس والفرنسيين إلى المحاكم الدولية كبير, الأمر الذي سيؤدي إلى عدم قدرة الحكومة العراقية على تطوير الحقول المتنازع عليها لعدة سنوات. لذلك فإن هناك شكّاً في قدرة أية حكومة عراقية جديدة على رفع إنتاج العراق إلى ثمانية ملايين برميل يومياً خلال السنوات القادمة.
المفاوضات مع الشركات الأجنبية تتطلب بعض الوقت: بما أن الحكومة العراقية بحاجة لرأس المال الأجنبي لتطوير الحقول العراقية فإنها ستقوم إما بمشاركة هذه الشركات أو التعاقد معها للقيام بالخدمات اللازمة بناء على عائد معين. ولكن تجارب استثمار الشركات الأجنبية في الشرق الأوسط تدل على أن المفاوضات مع الشركات العالمية تأخذ وقتاً طويلاً, الأمر الذي سيمنع العراق من تطوير طاقته الإنتاجية بسرعة. فقد بدأت المفاوضات بين الشركات العالمية والسعودية والكويت منذ عام 1998م ولم يتم توقيع أي عقد حتى الآن. أما في إيران وفنزويلا فإن المفاوضات استمرت أقل من ذلك, ولكنها استغرقت وقتاً أيضاً.
الحاجة إلى اتفاقيات مُرضية ضمن الفدرالية العراقية لتقسيم عوائد النفط: لا نعرف حتى الآن ماهية وشكل الحكومة العراقية المستقبلية. فإذا كانت هذه الحكومة فدرالية, فإنه على الأطراف العراقية المختلفة أن تتفق على كيفية توزيع العوائد النفطية, وهو أمر قد يستغرق بعض الوقت. وحتى إذا تم التوصل إلى اتفاق, فإن الاتفاق شيء وكيفية التطبيق على أرض الواقع شيء آخر, الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من القلاقل السياسية في المستقبل.
الحاجة إلى اتفاق مع الكويت: إن إحدى المشكلات التي ستواجه أية حكومة عراقية في المستقبل هي كيفية التعامل مع الحقول المشتركة (حقل الرتقة في الكويت هو امتداد لحقل الرميلة في العراق) مع الكويت والتي كانت سبباً مباشراً لغزو الكويت في عام 1990م. إن تطوير هذه الحقول يتطلب اتفاقاً مع الكويت، إما عن طريق اتفاق مماثل للمنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية, أو عن طريق أي اتفاق آخر يضمن تعظيم الربح للبلدين من هذه الحقول. ويتوقع أن تستغرق المفاوضات, لأسباب سياسية وفنية, وقتاً طويلاً من الزمن, الأمر الذي سيؤخر تطوير هذه الحقول, رغم أنها ستكون منتجة في البلدين طيلة تلك الفترة.

إذا, سيحتاج العراق إلى فترة طويلة من الزمن كي يطور طاقته الإنتاجية لتصل إلى ثمانية ملايين برميل يومياً. فهو يحتاج إلى فترة من الزمن لتأسيس حكومة شرعية, وفترة لتقرير كيفية توزيع الإيرادات النفطية ضمن المناطق العراقية المختلفة, وفترة لإقرار قوانين الاستثمار وتهيئة الوضع الاقتصادي الملائم للاستثمارات الأجنبية, ثم فترة للمفاوضات مع الشركات والدول المجاورة, وفترة للدراسات الفنية, وفترة للإنشاء والتعمير والحفر والتنقيب. كل هذا يمكن أن يتم ضمن جدول زمني معين ولكن يجب ألا يغيب عن القارئ أننا نفترض هنا أن كل الأمور ستتم على ما يرام, وأن العراق لن يبقى تحت الاحتلال لفترة طويلة, وأن الأمن والسلام سيستتب بمجرد قيام حكومة شرعية. إن تجاوز أي من الافتراضات السابقة يعني أن العراق لن يتمكن من زيادة طاقته الإنتاجية, بل على العكس, فإنه قد يؤدي إلى خفض تدفق النفط العراقي.

هل ستؤدي زيادة الإنتاج في
العراق إلى انخفاض أسعار النفط؟
ركزت وسائل الإعلام خلال الشهور الماضية على دور العراق «الحر» في تخفيض أسعار النفط في المستقبل. وكانت أسعار النفط قد ارتفعت في الآونة الأخيرة بسبب انتشار هذا الاعتقاد حتى ضمن المتعاملين في أسواق النفط العالمية. فقد قام أصحاب المصافي وغيرهم باستخدام ما تبقى لديهم من مخزون النفط فخفضوا مشترياتهم على أمل شراء النفط بأسعار أقل مع عودة الصادرات العراقية, وهذا هو أحد الأسباب الرئيسة لانخفاض المخزون في الدول المستهلكة. ولكن تأخر عودة الصادرات العراقية وانخفاض المخزون إلى مستويات حرجة أجبر البعض على الشراء, الأمر الذي أسهم في رفع أسعار النفط.

وبشكل عام فإن المعوقات التي سيواجهها العراق لزيادة إنتاج نفطه كثيرة, الأمر الذي سيمنع أسعار النفط من الانخفاض إلى مستويات لا ترغبها دول أوبك. وهناك من يعتقد أن عودة النفط العراقي للأسواق العالمية ستؤدي إلى انخفاض أسعار النفط خلال الشهور القادمة, وهو أمر صحيح إذا استمرت دول أوبك بتجاوز حصصها الإنتاجية. إن انخفاض أسعار النفط في تلك الفترة لن يكون بسبب زيادة إنتاج النفط العراقي, وإنما بسبب عدم قدرة أوبك على تخفيض الإنتاج والالتزام بالحصص الإنتاجية. لقد استطاعت أوبك التعامل مع تقلب صادرات النفط العراقي منذ عام 1991م ويمكنها التعامل مع النفط العراقي في المستقبل. أضف إلى ذلك أن الفترة الحالية تشهد نوعاً من الركود الاقتصادي بسبب الحرب ومرض سارس, ولكن زيادة النمو الاقتصادي العالمي خلال العامين القادمين ستؤدي إلى زيادة الطلب على النفط بمعدل سنوي لا يقل عن مليون ونصف المليون برميل يومياً, الأمر الذي سيخفف من أثر أية زيادة في الإنتاج العراقي على أسعار النفط.

وعلى الرغم من أن أية زيادة في إنتاج النفط العراقي قد تؤدي إلى الضغط على أسعار النفط, إلا أن المتتبع للوضع في العراق يرى أن الوضع متأزم بشكل قد يؤدي إلى تقلب أسعار النفط وارتفاعها بشكل مفاجئ. فهناك احتمال استمرار القلاقل السياسية, ونشوب حرب أهلية, وتفجير أنابيب النفط والمنشآت النفطية.

وإذا افترضنا أن العراق تمكن بشكل أو بآخر من زيادة طاقته الإنتاجية بشكل كبير خلال السنوات القادمة فإنه لا يتوقع أن يؤدي ذلك إلى انهيار أسعار النفط, بل قد يساعد على استقرارها. ويعود ذلك إلى أن توقعات وكالة الطاقة الدولية ووزارة الطاقة الأمريكية تشير إلى زيادة كبيرة في الطلب على النفط في المستقبل.

وبالنتيجة فإنه يتوقع أن يزيد العراق إنتاجه بسرعة, و لن يتمكن من زيادة إنتاجه إلى 6 أو 8 ملايين برميل يومياً خلال السنوات السبع القادمة. بالإضافة إلى ذلك فإن أثر أية زيادة في إنتاج النفط العراقي على أسعار النفط سيكون ضئيلاً بسبب استيعاب أوبك لزيادة الإنتاج العراقي من جهة, ونمو الطلب على النفط العالمي من جهة أخرى. أما بالنسبة لأوبك فإنه لا يتوقع انسحاب العراق منها. وحتى لو قرر العراق الانسحاب من أوبك فإن ذلك لن يؤثر على أسواق النفط العالمية لأن العراق سينتج الكمية نفسها سواء أكان عضواً في أوبك أم لا.

—————–

كادر

إقرأ للطاقة

المدهش في تاريخ أوبك
بيار ترزيان

يروي المؤلف بيار ترزيان في كتابه «المدهش في تاريخ أوبك» أن ستة صحافيين فقط رأوا أن من المهم تغطية ذلك الاجتماع الذي عقد في سبتمبر 1960م في العاصمة العراقية بغداد لتأسيس منظمة للدول المصدرة للنفط سميت «أوبك». ويضيف أن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية المعروفة بجديتها والتي تناولت الحدث بعد مرور أسبوعين عليه كتبت تقول إنه لا يجب الاهتمام بذلك الاجتماع وذهبت إلى حد الافتراض أنه حتى ولو انضم الاتحاد السوفياتي إلى المنظمة الجديدة يوماً ما، فإنها لن تستمر إلا عاماً أو عامين في أحسن الأحوال.

الكاتب ترزيان الذي يدير مركز «بتروستراتيجي» في باريس والذي يُعنى بدراسة الشؤون النفطية ويصدر مجلة أسبوعية تحمل عنوان الكتاب نفسه، يتعرض في 332 صفحة إلى مسيرة المنظمة التي باتت في عقدها الخامس، متخطية أزمات توقع الكثيرون في أميركا وأوروبا أنها ستقودها إلى الانهيار.

إلا أنها أصبحت أقوى منظمة في العالم، وخاضت العديد من الصراعات السياسية والاقتصادية وخرجت منها سليمة.

ويتضمن الكتاب الصادر عن دار «جون أفريك» في باريس، ونقلته إلى العربية «دار الحداثة» في بيروت، شرحاً وتحليلاً للظروف السياسية التي نشأت خلالها «أوبك»، والصراعات التي قامت حولها، وأدوار الدول المنتمية إليها، مع تركيز واضح على دور المملكة العربية السعودية فيها. كما يتطرق إلى الأدوار والمواقف الأمريكية المختلفة تجاه المنظمة، وكذلك أثر الخلافات العراقية الخليجية عليها.

وبعد أن يتوقف الكتاب مطوّلاً أمام منعطف العام 1973م، في مسار تاريخ المنظمة، يتناول دور النفط في تحرير مستقبل العالم العربي، وما هو مُرتجى من الثروات النفطية لدول المنظمة، وأيضاً لتلك التي هي من خارجها.

أضف تعليق

التعليقات