يُحكى في الأساطير الإغريقية أن أرخميدس طوَّع ضوء الشمس لحماية سواحل مدينة سرقوسة الإغريقية، إذ ابتكر منظومة من مرايا ضخمة مثبتة على طول الساحل، وموجَّهة بزوايا تعكس ضوء الشمس، وتعمل على تركيزه نحو سفن الأعداء ليحرقها.
فإذا كانت الشمس قادرة على حرق سفينة كما في الأسطورة، أو على حرق ورقة باستخدام المُكبِّر كما كنَّا نفعل في الصفوف التعليمية الأولى. فلنا أن نتخيَّل ما يمكن فعله، بعدما أصبحنا نتحكَّم في الضوء وإخوته في طيف الأشعة الكهرومغناطيسية.
فهل نحن على موعد مع مسدسات وسيوف ومقذوفات من الليزر، كما نرى في الخيال العلمي؟

أسلحة الليزر
فكَّر الإنسان كثيراً في توجيه حزم ليزريّة نحو العدو، حتى أصبحت من الأسلحة المفضَّلة لدى مبدعي الخيال العلمي. ويُحكى أن أول من ابتدع هذه الفكرة هو كاتب الخيال العلمي ه. ج. ويلز في رواية “حرب العوالم” في عام 1898م. وكان السلاح الذي وصفه في كتابه يطلق حزمة من الضوء وَسَمَها بالشعاع الحراري، وكأنه نظر إلى المستقبل ورأى الليزر قبل أن يصبح حقيقة بستين سنة.

وها قد مضت ستون سنة أخرى على اختراع الليزر، فلماذا لا نرى حتى الآن مسدسات من الليزر تصحب قوات الأمن والجيش كما في الروايات والأفلام؟.

الذرات النائمة
الليزر هو جيش من الفوتونات، أي زخات متقطعة من الضوء، تسير بنسق واحد وفي اتجاه واحد، ولا يصدْها سوى جسم قادر على حرفها عن مسارها أو امتصاص طاقتها. حذارِ، فقد تكون طاقة حارقة.

وقصة الليزر مرتبطة بالذرّة. ففي الطبيعة، تحب الذرّة أن تكون في أدنى وضع من الطاقة، وكأنها إنسان نائم. ونشاطها يرتبط بمكوناتها، ومنها الإلكترونات. فهذه الإلكترونات تعيش في منازل خاصة في الذرّة. فإذا انتقل أحد الإلكترونات من منزله إلى مكان آخر ذي طاقة أعلى، فإن الذرة تستيقظ وتدخل في حالة نشاط. ولكن، كالإنسان المنهك من الجري، ما يلبث الإلكترون أن يعود إلى منزله في أجزاء من الثانية، لتلفظ الذرة الطاقة الزائدة على هيئة فوتون (ضوء) وتعود إلى الخمول.

كيف نصنع الليزر؟
ما اكتشفه أينشتاين في عام 1917م، هو أن الذرّة النشطة – بالمعنى المذكور آنفاً – حين تستقبل فوتوناً من الخارج فإنه يجبر الإلكترون على أن يعود إلى منزله أو إلى مستوى آخر يقلل من طاقة الذرّة، فتلفظ الطاقة الزائدة على هيئة فوتونين اثنين. والمعنى أو الفائدة المستخلصة من هذه الفكرة هو أن الفوتونين الخارجين يكونان توأمين يسيران بالخطى نفسها وفي الاتجاه نفسه. وهذه العملية هي بذرة الليزر الذي تحقق واقعاً بين الأعوام 1950م و1960م.

ولنشرح الأمر بطريقة مختلفة: إذا اجتمع عدد كافٍ من الذرّات النشطة واستقبلت إحداها فوتوناً من الخارج، فإن عملية لفظ الطاقة تتكرّر وتتضاعف سريعاً حتى تنتهي بفيض عارم من الفوتونات المتماثلة: أي الليزر.

لكن تكوين حالة الليزر يعتمد على طبيعة المادة، والظروف الفيزيائية المناسبة، ووجود مصدر طاقة مستمر لتنشيط ذرات المواد المستخدمة. وهذا الجيش الفوتوني يمكن تسخيره في الخير أو في الشر.

سلاح المستقبل
إن تقنيات اليوم لا تسمح بوجود “مسدس ليزر” فعّال وعملي. فالطاقة اللازمة لإخراج الليزر من مسدس أو بندقية، كبيرة جداً ولا يتسع لها المسدس الصغير. وإذا حملت مولداً لهذه الطاقة فإنه سيقصم ظهرك قبل أن تقصم ظهر العدو. وإذا ارتبط سلاحك الثقيل بأسلاك تزوده بالطاقة، فإنها قد تعيق حركتك فتصبح هدفاً سهلاً. ولكننا لن نفاجأ في المستقبل القريب بصناعة مثل هذا السلاح مع تطور تقنيات البطاريات وتخزين الطاقة، والتغلب على المصاعب الناتجة عن خصائص الضوء الفيزيائية.

إن هذا لا يعني عدم وجود استخدامات حربية لليزر. فآخر ما استعرضه سلاح البحرية الأمريكية قبل عامين هو قاذف ليزري يُنصَب في السفن الحربية ليسلط جرعة من الطاقة على هدفه في البحر أو في الجو فيحرقه في ثوانٍ. ولكنها أدوات كبيرة لا يمكن أن يحملها شخص بنفسه.

سيوف الليزر
دعونا نعود إلى عالم الخيال، ماذا عن السيوف الضوئية؟ كالسيف المشهور في روايات “حرب النجوم”؟ هل يمكن أن يكون هناك سيف من ليزر؟

من العجيب أن السيف هو سلاح بدائي في الواقع، ولكن سيف الليزر هو تقنية خيالية التعقيد.. ومن المرجح أن يظل عصياً على الإنسان ليظل حبيس الخيال العلمي إلى الأبد.

فالضوء لا يمكن إيقافه في الهواء، وعليه فلن يستطيع الإنسان أن يصنع سيفاً ليزرياً طوله في حدود المتر. والضوء لا يتفاعل مع نفسه، وهو عديم الكتلة، فلن يصطدم سيفان من ليزر، بل سيخترق أحدهما الآخر.

ولكن سيف الليزر وإن كان مستحيلاً، فإن فكرة “سيف متوهِّج حارق” ليست بالمستحيلة. ولكنها تتطلَّب الدخول إلى نطاق فيزيائي يختلف عن الليزر وهو عالم البلازما. وهي تقنية قد تكون قريبة من مستقبل الإنسان لتستغل في الحرب أو السلم. ولنترك قصة سيف البلازما إلى مبحث آخر.