قصة مبتكر
قصة ابتكار
إيـرل ديكسون
سـكة الإنتـاج
بالرغم من أن التاريخ لم يحفظ في ذاكرتنا اسمه، إلا أن إيرل ديكسون هو مبتكر أكثر الأدوات شهرةً وفائدة للحوادث العرضية: ضمادة الجروح اللاصقة. ففي عام 1917م، تزوج ديكسون بجوزفين فرانسيس نايت، وسرعان ما أدرك أن عروسه الجديدة كثيرة التعرض لجروح عرضية أثناء عملها في المطبخ. فمع كل وجبة تحضرها له جوزفين، كانت تجد طريقة ما لتجرح أو تخدش أو تحرق أطراف أصابعها. ومهمة البحث عن ضمادة مناسبة لتغطية الجرح أصبحت مهمة مملة، ذلك أن الضمادات الكبيرة التي كانت تستخدمها لعلاج هذه الجروح كبيرة جداً وغير ملائمة. ولهذا، ونتيجة لإحباطه، فكر ديكسون في ابتكار يعالج بسهولة تلك الجروح التي تعاني منها زوجته. ومن هنا، خطر له أن يلصق قطعاً صغيرة من الشاش المعقم في منتصف شريط لاصق، بحيث تستطيع زوجته قص ما تحتاجه من هذا الشريط. وقتها، كان ديكسون يعمل في شركة جونسون آند جونسون كشارٍ للقطن في نيوجرسي. وعندما ذكر الرجل ابتكاره لزميله في العمل، شجعه زميله على عرض هذه الفكرة على إدارة الشركة. في البداية لم ترحب الإدارة كثيراً بالابتكار، ولكن عندما عرض عليها ديكسون كيفية عمل الضمادة، واستخدمها على جسمه بسهولة، تحمست الإدارة وقبلت الابتكار. كانت جونسون آند جونسون في ذلك الحين مصانع ناجحة في تزويد المشافي والجنود بضمادات كبيرة من القطن والشاش. ولكن ولسوء الحظ، لم تلق الضمادات اللاصقة من ابتكار ديكسون رواجاً في السوق. إذ باعت منها الشركة في السنة الأولى ما قيمته 3000 دولار فقط، وربما يعود عدم نجاحها إلى أن النسخة الأولى منها كان عرضها إنشين ونصف وطولها 18 إنشاً. استمر الحال على ما هو عليه حتى قررت جونسون آند جونسون أن تطرح عدداً غير محدود من الضمادات اللاصقة المجانية بين أعضاء الكشافة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. ومن هنا بدأ انتشار ضمادة الجروح اللاصقة. وفي العام 1924م صارت جونسون آند جونسون تنتج أحجاماً مختلفة من الضمادات اللاصقة. وفي عام 1939م أصبحت الضمادة معقمة بالكامل. وتكريماً لإيرل ديكسون، عينته الشركة نائباً للرئيس، وهو منصب بقي فيه حتى تقاعده في العام 1957م. كما بقي عضواً في مجلس أمناء الشركة حتى وفاته في العام 1961م. أما الضمادات التي ابتكرها فقد تم إنتاج مئة مليار قطعة منها حتى الآن وما زالت تنتج.
الإنتاج بالجملة للاستهلاك بالجملة هذا ما كان عليه شعار الصناعي الأمريكي هنري فورد، الذي سعى أكثر من غيره إلى تخفيض أسعار السيارات التي كانت باهظة الثمن في نهاية العقد الأول من القرن العشرين. وقبل فورد، كان المهندس الأمريكي، فريدريك تايلور، قد بحث عن وسيلة تخفيض كلفة تركيب الآليات وبيع أجزائها، ووجد الحل عن طريق تجزئة العملية إلى مجموعة أعمال فردية متتالية. وأثبتت بعض التجارب صحة نظريته لجهة كلفة التجميع والتركيب وافتقار الوقت. غير أن فورد استفاد أيضاً من زيارة قام بها إلى أحد مسالخ شيكاغو حيث كانت السكك المتحركة مستعملة لنقل الذبائح منذ العام 1870م. وفي العام 1913م، طبَّق فورد في مصنعه للسيارات نظريات تايلور وما رآه في المسلخ. فأقام مجموعة من السكك المتحركة التي تمر أمام العمال، ليقوم كل منهم بأداء عمل واحد على صعيد الجمع والتركيب، ويكرره هو نفسه باستمرار بتحرك السكة من أمامه ووصول قطعة جديدة إليه. انخفضت تكلفة إنتاج السيارة، وكذلك سعر مبيعها. وخلال الأربع عشرة سنة التالية (حتى العام 1927م)، أنتجت مصانع فورد 15 مليون سيارة (من طراز T-FORD) كانت كلها سوداء اللون، والاختلافات في هيكلها طفيفة. وتجاوزت أهمية سكة الإنتاج أثرها المباشر لتصبح مادة بحث في علم الاقتصاد والإنتاج. فبالنسبة إلى فورد نفسه، دفْع الراتب للعامل على أساس القطعة يشكِّل المحفز الأكبر على العمل. ولذا راح يستخدم أيدي عاملة غير ماهرة أساساً ويدربها على مهمات بسيطة، معتبراً أن ساعات العمل القصيرة، والرواتب المدفوعة على أساس القطعة هما أساس مبدأ الاستهلاك للجميع ، وعرفت هذه الفلسفة باسم الفوردية . ورغم نجاحها منقطع النظير في ذلك العصر، إلا أنه لم يكتب لسكة الإنتاج بطرازها الفوردي الأول أن تعمر طويلاً. ففي الثلاثينيات بدأ الناس يعون أن الإنتاجية الجيدة مرتبطة بمجمل أجواء العمل، وليس بالرواتب فقط. وأن أداء العمل القصير نفسه وتكراره مراراً ومراراً في اليوم الواحد أمر مرهق. ولذا راحت صناعة التجميع تتجه أكثر فأكثر إلى تقسيم العمل إلى مهمات أكثر تعقيداً يقوم بها عدة عمال مجتمعين. ومع ذلك فقد استمرت سكة الإنتاج موجودة في المصانع، ولكن العمليات أمامها صار ينفذها الرجال الآليون وليس البشر.