طاقة واقتصاد

500 نوع يعرف منها المستهلك العادي 6 أو 8 فقط!
عالم زيوت التشحيم

تكاد تنحصر معلومات المستهلك العادي عن زيوت التشحيم في كونها مواد تحتاجها محركات السيارات. وهذا صحيح، فالزيوت مصنَّعة لمحركات وسائل المواصلات من سيارات وعربات. ولكن وسائل النقل هذه لا تكاد تستهلك إلا حوالي ثلاثين في المئة من زيوت التشحيم. والمستهلك الأكبر لهذه السلعة في كل مكان في العالم هو المعدات الصناعية الثقيلة والآليات الضخمة التي تشغّل المصانع.. الزميل خالد الطويلي يستعرض هنا مصادر هذه الزيوت وسبل صناعتها وفوائدها منذ ظهور الحاجة إليها حتى اليوم.

على الرغم من أن الشحوم الحيوانية
لا تدخل في مكوناتها، إلا أن كلمة «التشحيم» تلاحقها أينما ذهبت. وللاسم مرجعية تاريخية، فالتشحيم قديم جداً، فقد كان الفراعنة يمسحون عجلات عربات النقل بالدهون وشحوم الحيوانات لتسهيل عملية دورانها بتقليل احتكاكها وتآكلها، وبالتالي تحسين أدائها وإطالة أعمارها في الخدمة. ويبدو أن الشحوم الحيوانية كانت أفضل المواد المتوافرة لأداء وظيفة «التزييت»، لذلك من المرجح أن اسم زيوت التشحيم جاء منها.

بقي التشحيم ضرورياً للأسباب نفسها تقريباً، ولكن تبدلت مصادره، فقد وجد الناس عبر عصور متلاحقة ضالتهم في خام النفط الذي كان يتدفق إلى السطح من تلقاء نفسه. ثم استطاع الإنسان، بعد ذلك، أن يفكّك مكونات خام النفط ويكرره في القرن التاسع عشر الميلادي، فوجد مواد ضمن مكوناته لها فاعلية عالية في تأدية مهمة التزييت فأطلق عليها اسم «زيوت الأساس» بعد تخصيصها لاستخدامات التشحيم. وفي الثلاثينيات الميلادية من القرن الماضي، تم التوصل إلى الإضافات الكيميائية التي تحسّن أداء زيوت الأساس لتأدية المهام المتعددة التي أصبحت مطلوبة منها.

خلال السبعين سنة التالية لذلك، تطورت هذه الإضافات الكيميائية التي تكسب زيت الأساس خواص جديدة ومفيدة من حيث الجودة واللزوجة، ووصل عدد الأصناف التي تضاف إلى زيوت الأساس إلى ما بين 13 و 15 صنفاً. وأصبحت زيوت التشحيم، بعد الإضافات، مجموعة زيوت أساس مخلوطة بمركبات كيميائية، يختلف المنتج النهائي منها باختلاف نوع الخلطة.

المهام البسيطة التي كان الفراعنة يطلبونها من شحوم الحيوانات لا تزال هي ذاتها المطلوبة من زيوت التشحيم اليوم. وما اختلف هو الوظائف الأخرى التي استحدثت استجابة لطبيعة التطور الذي طرأ على الآلات والمحركات المستخدمة في هذا العصر.

ومع التطورات الصناعية المتتالية، لم تعد مهمة التشحيم منحصرة في حاجات العجلات والآلات البدائية إلى شحوم تمنع أو تقلل الاحتكاك فيها وتشتيت الحرارة الناتجة عن الاحتكاك فحسب؛ بل تعدتها إلى مهام جديدة لتلبية متطلبات دقيقة وحيوية مثل نقل الشوائب وتنقية مواد التلوث الناتجة عن عمليات الاحتراق والتشغيل وحماية المعدات من الصدأ وخفض أصوات الأجزاء المتحركة من المعدات، وبالتالي تنوعت الزيوت المنتجة في مواصفاتها وجودتها طبقاً لتلك الاحتياجات المتعددة.

هذه الوظائف جعلت زيوت التشحيم ضيفاً مستمراً على المختبرات الصناعية، حيث تخضع لاختبارات التأكد من استمرار فاعليتها في أداء عملها في ظروف التشغيل المختلفة. وتقوم الاختبارات الفيزيائية والكيميائية واختبارات الأداء الفعلي بعمليات تقييم متواصل.

الأساس والمواد المضافة
تتكون كل زيوت التشحيم من «زيت الأساس» و«المواد المضافة». أما المواد المضافة فإن لكل منها خاصية ووظيفة، فمنها ما يسمى تقنياً بـ «مخفض لدرجات الانصباب» أي ما يجعل الزيت المنتج يتجمد عند درجات حرارة أكثر انخفاضاً من تلك التي يتجمد عندها من دونه. ومن هذه المواد الكيميائية ما يزيد من لزوجة الزيت. ومنها ما يجعله مقاوماً أفضل للرغوة في الآلات التي تحتويها. ومنها ما يزيد من مقاومته للتأكسد والصدأ. ومنها ما يمنع تآكل المعدات وبرْيها. ومنها ما يشتت الرواسب والأوساخ.

فمن الطبيعي مثلاً أن تحتاج المحركات المعدنية إلى مقاوم للصدأ، وهو ما توفره بعض الإضافات الكيميائية. كذلك فإن آلات تصنيع الأغذية تحتاج إلى مواد كيميائية غير سامة تعمل عمل المنظفات وتقوم بعملها أثناء عملية التشحيم. وهكذا تستحدث كل إضافة كيميائية لزيت الأساس حسب الحاجات لكل آلة أو محرك.

وتنتج شركات صناعة زيوت التشحيم اليوم حوالي 500 منتج مختلف في عبوات مختلفة ومواصفات متنوعة لمهام متعددة تكون في العادة مدونة على العبوات المسوّقة.

ومن أهم زيوت التشحيم، زيوت محركات الاحتراق الداخلي، ومحركات الدورة الثنائية، ومحركات (الجيربوكس) وزيوت الطوربينات وزيوت المكثفات والمبردات وآلات قطع المعادن، والزيوت الصناعية المختلفة بالإضافة إلى الزيوت البحرية وتلك الخاصة بالمعدات والطائرات.

تغيير زيت السيارة
من بين كل زيوت التشحيم يبقى «زيت السيارات» هو الأكثر شعبية. ومعظم أصحاب السيارات يبقون على شيء من التساؤل حول ما إذا كانوا قد اعتمدوا الزيت المناسب في كل مرة يتوجهون إلى إحدى محطات الخدمة لتغيير زيت السيارة.

وقبل أن نتعرف إلى زيت التشحيم الذي يناسب محرك هذه السيارة أو تلك، علينا أن نعرف أولاً ماذا يصنع هذا الزيت داخل المحرك، ولماذا يجب علينا أن نستبدله باستمرار.

لو نظرنا إلى الأجزاء والقطع داخل محرك السيارة بمكبر لوجدنا بعض التلال والأودية الصغيرة جداً فيها، فهي، بكلام آخر، غير مستوية تماماً. ويعمل زيت التشحيم على ملء الفراغات بين هذه التضاريس ليساعد فاعلية المحرك وقوته. ولذلك فإن كمية استهلاك الزيت في المحركات الجديدة أو الموضبة، يكون أكبر حتى يتم ملء هذه الفراغات، ويستمر هذا النوع من الاستهلاك إلى الوقت الذي تصبح فيه قطع المحرك ملساء أكثر، وأقل نتوءاً، ويتمكن الزيت من تكوين حاجز جيد لزج يسمح لحركة القطع المعدنية على بعضها بأن تصبح أكثر سلاسة.

ويلعب زيت التشحيم أدواره المختلفة على مراحل، وهي الآتية:
-1 وقت تشغيل المحرك: يجب أن يكون زيت التشحيم قليل الكثافة إلى درجة تمكنه من الوصول بسرعة إلى أماكن حيوية من المحرك فور تشغيله، إذ أن معظم التآكل في أجزاء المحركات ينتج عند بداية التشغيل.
-2 التزييت ومنع التآكل: بعد تشغيل المحرك، ينتشر الزيت في كافة أرجائه، ومهمته منع تآكل بعض المعدن في بعضه الآخر. وهنا تكمن أهمية كثافة الزيت المناسبة أيضاً. فإذا كانت كثافته أقل من المطلوب؛ زاد الاحتكاك بين الأجزاء المعدنية.
-3 الحماية ضد الصدأ: ينتج عن كل جالون من الوقود يحترق في المحرك، جالوناً أو أكثر من الماء. ومن الواجب أن يتبخر معظم هذا الماء من حارق السيارة، ولكن في الطقس البارد، لا تتبخر المياه بطريقة كافية ويحتجز بعضها داخل المحرك فيسبب الصدأ، ولذلك تضاف المواد الكيميائية إلى زيوت التشحيم لتشكل حماية عازلة للمعدات الحديدية في المحرك من الأكسجين المسبب للصدأ.
-4 المحافظة على نظافة المحرك: لأسباب مختلفة، لا يمكن لمحركات البنزين والديزل أن تحرق كل الوقود بشكل كامل. ولذلك فإن ما لم يحترق تماماً يمر بتفاعلات كيميائية عديدة تُنتج أحياناً الكربون والشوائب التي تبقى داخل المحرك، ومع الماء الناتج عن الاحتراق الذي أشرنا إليه سابقاً، فإن مواد جديدة تنشأ وتترسب هناك وتمنع – أو تعيق – مرور الزيت بانتظام داخل أجزاء المحرك أحياناً ويسبب ذلك تصلب أجزاء مهمة من المحرك والعطل نتيجة عدم مرور الزيت منها. ومن هنا نشأت فكرة الإضافات الكيميائية التي تقوم بمهام تنظيف أجزاء المحرك لتفكيك وتفتيت مثل هذه الترسبات.
-5 منع تسخين المحرك: ويعمل الزيت بطريقة مكملة لنظام التبريد داخل المحرك الذي يقوم بتبريد ستين في المئة من مكونات المحرك، فيما يقوم زيت التشحيم بتبريد الباقي عندما يمر خلاله.

الزيوت في السوق
سمير معتوق نوار مدير الإنتاج في الشركة العربية السعودية لزيوت التشحيم (بترولوب) التي تمتلك أرامكو السعودية نسبة 71% منها مع شركة إكسون موبيل، يقول إن هناك أكثر من 22 علامة تجارية لمنتجات زيوت تشحيم يتم تسويقها في السوق السعودية. فكيف يتصرف أصحاب السيارات أمام تنوّع الخيارات أمامهم؟

معظم السائقين يأخذون بنصيحة الشركة المصنّعة باستخدام الزيت الذي تقترحه عليهم، هذا ما يؤكده صالح عبدالله إمقبالي، عامل في محطة لصيانة السيارات على طريق بقيق – الظهران القديم، «أما الآخرون فيستمعون إلى رأي عامل الصيانة الذي يتعاملون معه»، وفي كل الأحوال فإن الخواص التي تميّز هذا الزيت عن الذي يليه عملية معقدة لها مواصفات تقنية مثل «عامل اللزوجة» و«المعامل الحراري» و«القدرة على الطفو» وغيرها من المواصفات. المهم أن نفهم ما يفعله هذا الزيت داخل المحرك والفروق بين زيت تشحيم وآخر، وبالتالي معرفة الأفضل وأسباب استبداله باستمرار.

فبعض الزيوت مناسب جداً للسيارات التي تُستخدم في مناطق باردة تتجمد المياه فيها. لكن هذه الزيوت نفسها لا تصلح للسيارات التي تسير في مناطق شديدة الحرارة، حتى وإن كانت السيارات من النوع نفسه. إذ تحتاج السيارات في هذه الحالة إلى نوع آخر من الزيوت يناسب البيئة الحارة. وهذا ما تفعله الإضافات الكيميائية إلى زيوت الأساس للوصول إلى زيوت تناسب البيئات المختلفة فتؤدي عملها بشكل أفضل.

ويختلف انتظام الزبائن في تغيير زيوت محركات سياراتهم في الصيف عنه في الشتاء كما يقول إمقبالي: «في الصيف يستبدلونه كل ثلاثة آلاف كيلومتر، ويختلف الأمر في الشتاء ويصل إلى خمسة آلاف كيلومتر. والسبب هو أن للحرارة والغبار في الصيف دوراً أكبر في تلوث الزيت بشكل أسرع. كذلك فإن الزبائن يستبدلون زيت صندوق التروس (الجير) مرة كل ثلاثين إلى أربعين ألف كيلومتر».

الزيت المستعمل إلى أين؟
إن اتساخ الزيت بسبب استخدامه لا يعني بالضرورة أنه لقي حتفه، فالكثير منه بعد ذلك يستخدم كوقود للأفران والسخانات الصناعية الكبيرة، فيما يستمر بعضه في الدوران داخل حلقة مفرغة تعيده في كل مرة إلى نقطة البداية. والاستفادة من الزيت المستخدم ليست فكرة جديدة. فإن «الناريت» في بلاد الشام كان يعني منذ زمن بعيد زيوت التشحيم المستخدمة التي يتم خلطها بنشارة الخشب وتستخدم وقوداً لتشغيل سخانات المياه في الحمامات..!

في الماضي كانت هذه الزيوت المستخدمة تشكل تهديداً بيئياً لأنها تسكب وتتشرب بها الأرض وتنتشر بسببها بقع زيت واسعة خاصة أمام محطات صيانة السيارات. أما اليوم فتوجد بوادر حلول إيجابية تبدأ من إنشاء وسائل لتجميع الزيوت المستخدمة في المصانع ومحطات الخدمة لتبدأ بعد ذلك دورة حياة جديدة بعد أن يتم تحويلها إلى زيوت أساس من جديد، ثم إلى منتج نهائي يتم استخدامه قبل أن يعود إلى الدورة نفسها مجدداً. وهناك تقنيات عديدة تُستخدم حالياً لإعادة تكرير الزيوت المستعملة وإنتاج زيوت أساس مطابقة لتلك التي يتم إنتاجها من مصافي تكرير الزيوت ويمكن استخدامها لإنتاج مختلف أنواع زيوت التشحيم.

لا تشكّل نسبة استهلاك زيوت التشحيم أكثر من واحد على عشرة آلاف من الاستهلاك الإجمالي للنفط الخام في السنة الواحدة، ولكن هذه النسبة شديدة الأهمية على الرغم من ذلك، لأنها تؤكد استمرار وسائل المواصلات والصناعة في عملها بانسياب. وقد أجرى السيد دونالد لوفتوس من إدارة حماية البيئة في أرامكو السعودية دراسة عن الزيوت المستخدمة في المملكة العربية السعودية وناقش فيها نقاط عديدة مهمة، ومن المعلومات التي توصل إليها هي «أن أرامكو السعودية تستخدم أربعة في المئة من كامل الاستخدام المحلي من زيوت التشحيم وتعيد تكريرها واستخدامها بالكامل داخلياً». وأن «ما يتوفر في السوق من زيوت التشحيم المستخدمة يبلغ في أحسن حالاته مليونين ومئتي ألف برميل في السنة وهو ما يقدر بـ ثمانمائة وستين طناً في اليوم الواحد».

غير أن إعادة تصنيع الزيوت المستخدمة لم تصل إلى مستويات مهمة رغم المردود البيئي الجيد إلا في ظروف استثنائية مثل محدودية توفر خام النفط لدى القوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية. فقد اضطرهم ذلك إلى إعادة التكرير والتصنيع بكميات كبيرة كما يقول إيلمار ساندرز، أخصائي الهندسة الذي يعمل مستشاراً للأعمال في إدارة المشاريع المشتركة في أرامكو السعودية، وله خبرة سابقة في إدارة أعمال وتسويق زيوت التشحيم. ويشير ساندرز إلى أن المردود الاقتصادي من عمليات إعادة تدوير الزيوت المستخدمة لا يزال قليل الأهمية، مما يجعل الكمية الكبرى منها تذهب سدى.

أضف تعليق

التعليقات