خلال شهر رمضان المبارك، وما بين الإفطار والسحور بالذات، يحتل التلفزيون في بيوتنا مكانة لا مثيل لها طوال أيام السنة. فالبرامج “الخاصة” بهذا الشهر الفضيل تملأ شاشات الفضائيات من المغرب العربي إلى مشرقه. والسؤال الذي يتبادر كل ما حلّ رمضان هو: إلى أي مدى يمكن القول أن هذه البرامج “الخاصة” هي فعلاً كذلك؟ وما مدى ملاءمتها أو لنقل انسجامها مع خصوصية الشهر الكريم؟
الكاتب المعروف الأستاذ رجاء النقاش يعرض لنا ذكرياته عن ليالي رمضان قبل عصر التلفزيون، ويسجّل رأيه الخاص في نوعية البرامج التلفزيونية التي تقدم في السنوات الأخيرة. بينما يُكمِّل الزميل إبراهيم العريس الصورة باستعراض نقدي لمسيرة البرامج التلفزيونية، وأشهر ما فيها من مسلسلات خلال هذه السنوات.
1
موسم الهجرة إلى التاريخ
رجاء النقّاش
شهر رمضان الكريم شهر له قوة روحية كبيرة، وليس هناك شهر آخر له مثل هذه القوة. وقد يتصور الكثيرون أن وسائل الإعلام الحديثة وعلى رأسها الإذاعة والتلفزيون هي التي أعطت الحيوية لرمضان في لياليه المتواصلة وسهراته الممتعة. وهذا غير صحيح. فالحقيقة أن هذا الشهر الفضيل كان يملك هذه القوة الروحانية الكبيرة، حتى قبل انتشار أجهزة الراديو التي عرفها العرب حوالي سنة 1934م، وهو التاريخ الذي بدأت فيه أول إذاعة عربية وهي إذاعة القاهرة. أما التلفزيون فهو حديث الظهور نسبياً في العالم العربي، فقد ظهر التلفزيون لأول مرة – فيما أعلم – في بغداد سنة 1957م، أو قريباً من هذا التاريخ. أما في مصر وسوريا فقد ظهر التلفزيون سنة 1960م، وتوالى ظهور التلفزيون بعد ذلك في سائر الدول العربية.
قبل الإذاعة والتلفزيون
أذكر أنني وأنا صبي صغير في أربعينيات القرن الماضي – فأنا من مواليد 1934م – كنت أعيش في قريتي الصغيرة “منية سمنود” بمحافظة المنصورة. وكانت قريتنا في ذلك الوقت دون كهرباء ولا مياه نقية، رغم أن القرية تقع على فرع أساسي للنيل هو الفرع المعروف باسم “فرع دمياط”. وكانت القرية، مثل غيرها، تعيش حياة بدائية تماماً، وكان عدد أجهزة الراديو فيها لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة. وكان معظم هذه الأجهزة في بيوت عدد قليل جداً من وجهاء القرية، وكان هناك جهازان في اثنين من المقاهي اللذين يتردد عليهما الناس والموجودين على شاطئ النيل. ولذلك فلم نكن في ذلك الوقت نشعر بأية صلة بيننا وبين هذا الجهاز العجيب وهو جهاز الراديو. وكان على أهل القرية الذين لا يزيد تعدادهم على عشرة آلاف – على أفضل تقدير – أن يبتكروا لأنفسهم وسائل للاستمتاع بالجمال الروحي في شهر رمضان الكريم.
وقد أتيح لي بعد ذلك أن أنتقل إلى القاهرة، وأعيش فيها منذ سنة 1951م حتى الآن، كما أتيح لي أن أرى عواصم عربية وعالمية كبرى، وأن أعرف ألواناً متعددة من المتعة الفنية في مختلف المجالات. ومع ذلك فقد كانت ليالي رمضان في قريتنا الصغيرة متعة تفوق كل متعة، وهذه المتعة القديمة تحتل مكاناً عزيزاً في قلبي، وأكاد أفضلها على أي شيء آخر أحتفظ به في ذاكرتي ووجداني. والسر في ذلك والسحر فيه هو سرّ رمضان وسحره.
كانت ليالي القرية التي تعودَتْ على الظلام منذ الغروب حتى الصباح تغرق في أضواء رائعة بفضل مصابيح بدائية نسميها باسم “الكلوبَّات”. ومنذ أذان المغرب في رمضان وحتى أذان الفجر تبدأ الأنوار بالفيضان على كل شارع، وكل حارة، وكل بيت في القرية، وكان كل “الصنايعيَّة” يجدون المتعة والحماس في الاندفاع إلى العمل طيلة ليالي رمضان، وكان هؤلاء “الصنايعيَّة”، من ترزية إلى صانعي الأحذية والنجارين وغيرهم، يقيمون مهرجاناً بديعاً للعمل النشيط الذي يبدأ بعد الإفطار وحتى موعد السحور.
في هذا المهرجان الريفي الساحر البسيط الذي لا يعتمد على راديو أو تلفزيون كان هناك من يقوم بإحياء ليالي رمضان في المساجد وفي البيوت الكبيرة وفي الميادين المتواضعة للقرية. ومن بين هؤلاء، من يقرأ القرآن الكريم بصوته الجميل. وشرط الصوت الجميل كان ضرورياً لكي يجد القارئ من يستمع إليه ويلتف حوله. والحق أن القرى المصرية كانت مليئة بهذه الأصوات الجميلة التي يعرفها الناس ويطلبون منها متعة الروح بالاستماع إلى تلاوة للقرآن الكريم تملأ النفوس بالسمو وترفع الأذواق الروحانية إلى عنان السماء. وكان هناك متخصصون في الإنشاد الديني بمختلف فروعه وألوانه، من إنشاد الأدعية، إلى إنشاد سيرة الرسول – صلى الله عليه وسلّم -. أما نحن الأطفال في ذلك الوقت البعيد فقد كنّا نجد المجال واسعاً لنا في ليالي رمضان لنغني أغاني جماعية، وننتقل من مكان إلى مكان وفي أيدينا فوانيس بدائية، فكنا أشبه بمجموعات غنائية تعبر عن نفسها في ابتهاج ونشوة. ولم يكن يعنينا كثيراً أن يبتهج الكبار بنا أو يضيقوا بما نحدثه من ضجيج شديد في ليالي رمضان البيضاء.
ذلك بعض ما تحتفظ به الذاكرة حول القوة الروحية التي يحملها شهر رمضان كل عام، والتي كانت تدفع الجميع إلى ابتكار وسائل خاصة بهم للفرح، حتى عندما كنا في الريف لا نملك من الوسائل الحديثة أي شيء.
الآن تغيّرت الدنيا
أما وقد أصبحت وسائل الإعلام الحديثة متاحة للجميع في كل مكان، مهما كان هذا المكان متواضعاً وبعيداً عن المراكز الحضارية الرئيسة، فنحن في عصر الفضاء الذي حقق الأعاجيب، فقد أصبح بإمكان أي مواطن في أقل قرية، وفي أبعد مكان على الأرض، أن يرى بعينيه ما يدور في العالم كله من أحداث عند وقوعها دون تأجيل أو تأخير.
وفي عصر الفضائيات التي سيطرت على حياة الناس الآن، انقلب الاحتفال برمضان الشهر الكريم، لتتنافس فيه هذه الفضائيات في تقديم ما يجذب الناس إليها ويجمعهم حولها.
وعصر الفضائيات بالنسبة لرمضان يخضع لمدرستين… المدرسة الأولى، وهي شائعة جداً، تقول إن ليالي رمضان هي فرصة للتسلية والترفيه والألاعيب الفنية السطحية، أما المدرسة الثانية، وهي تقاوم وتحقق بعض الانتصارات، فإنها تقول إن ليالي رمضان هي فرصة للتفكير وتقليب الأمور والرحلة إلى التاريخ لإحياء لحظات الازدهار والحيوية في تاريخ العرب والمسلمين، وإلقاء الأضواء الجديدة على الشخصيات الكبرى التي صنعت هذا التاريخ بحروف من النور قبل أن تنطفئ هذه الحروف بتأثير الاستعمار والتخلف وما صنعاه بنا من تدمير غير محدود.
المدرسة الأولى في الفضائيات، والتي ترى أن ليالي رمضان هي ليالي للتسلية والترفيه والمبالغة في اللهو… أنا ضدها، وأرى أنها تقرأ رمضان الكريم قراءة خاطئة.
أما المدرسة الثانية التي ترى في شهر رمضان موسماً للهجرة إلى التاريخ والالتقاء بالشخصيات العظيمة والأفكار المؤثرة، فهي المدرسة التي أرى أنها مع رمضان على وفاق وتفاهم وإدراك حقيقي لمغزاه ومعناه. وقد حققت هذه المدرسة الثانية في الفضائيات العربية كثيراً من النتائج الإيجابية، فقدمت إلينا كثيراً من الأشخاص والأحداث التي كانت غير معروفة بتفاصيلها إلا للمتخصصين من بين أوراق الكتب إلى نور الحياة.
وقد شاهدنا على شاشة الفضائيات مسلسلات رائعة عن “هارون الرشيد” و “عمر بن عبدالعزيز” وعن الانتصار في مصر ضد غزو التتار، وعن الإمام “أبي حنيفة النعمان” وعن “القضاء في الإسلام” وعن “قاسم أمين” وغير ذلك من الأحداث الرائعة والشخصيات المؤثرة.
ومن المنتظر أن نرى في رمضان هذا العام مسلسلاً عن “عمرو بن العاص”، وكل المعلومات المتوافرة عن هذا المسلسل الذي يقوم ببطولته الفنان الكبير المعروف نور الشريف تشير إلى أنه سوف يكون مسلسلاً مهماً عن اللحظات التاريخية التي انفتح فيها قلب مصر للعروبة والإسلام. كما أنه يعالج موضوعاً مهماً لنا الآن وهو الفرق بين “الفتح” و”الغزو”، فعمرو بن العاص عندما دخل مصر وهو يحمل راية الإسلام كانت مصر مستعمرة رومانية؛ ولذلك فقد لقي عمرو بن العاص مساعدة كبرى من المصريين أنفسهم، وبعد أن انتصر القائد العربي الإسلامي فإنه لم يفرض على أهل مصر شيئاً وإنما ترك لهم حريتهم وصان كرامتهم؛ فدخلوا العروبة والإسلام مختارين راضين، وبقي من أراد منهم على العقيدة المسيحية دون أن يمسه سوء أو يفرض عليه العرب شيئاً ضد إرادته، ففي الإسلام: “لا إكراه في الدين”.
وفي هذا المسلسل عن “عمرو بن العاص” إثارة لقضية تاريخية كبرى هى “حريق مكتبة الإسكندرية”، والتي يوجه فيها بعض المؤرخين غير المنصفين تهمة جسيمة إلى العرب، حيث يزعم هؤلاء أن عمرو بن العاص هو الذي أحرق مكتبة الإسكندرية بأمر من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ولكن المؤرخين العالميين المنصفين وعلى رأسهم المؤرخ الإنجليزي الكبير “ألفرد بتلر” صاحب الكتاب الموسوعي المهم عن “فتح العرب لمصر” والذي ترجمه إلى العربية ترجمة دقيقة الأستاذ محمد فريد أبو حديد.. هذا المؤرخ الكبير أثبت بالدليل العلمي الذي لا يقبل الشك أن مكتبة الإسكندرية قد احترقت في الحملة التي شنّها يوليوس قيصر على الإسكندرية حوالي سنة 48 قبل الميلاد، عندما كان قيصر يطارد خصمه “بومبي”، واكتمل حريق مكتبة الإسكندرية نهائياً في الحرب التي اشتعلت بين “أوكتافيوس” من جانب و “أنطونيو وكليوبترة” من جانب آخر سنة 31 قبل الميلاد. أي أن مكتبة الإسكندرية قد احترقت تماماً قبل فتح العرب لمصر بحوالي ستمائة سنة، ولم يكن لها وجود عندما دخل العرب مصر. وبذلك يكون العرب أبرياء تماماً من حريق مكتبة الإسكندرية، فلم يحرق العرب كتاباً، ولم يهدموا أثراً من الآثار ولم يفرضوا على غيرهم شيئاً، وإنما كانوا يتعاملون مع الآخرين تعاملاً حضارياً إنسانياً راقياً مستوحى من المبادئ الإسلامية الصحيحة، فقد كان العرب يتحاورون ولا يقتلون. وكانوا يرفعون صوت العقل والضمير والتعامل بالحسنى مع الجميع، وكانوا لا يحملون السلاح إلا في وجه المعتدين الذين يوجهون سيوفهم إلى الصدور العربية.
هذه بعض العطايا والهدايا من شهر رمضان الكريم، وأعود فأكرر أنني مع المدرسة التي تنظر إلى رمضان على أنه موسم للهجرة إلى التاريخ والتعلم من دروسه والتطلع إلى متعة روحية وفكرية عليا لا عبث فيها ولا لهو. فهذه المدرسة وحدها هي التي تليق بهذا الشهر الفضيل وتحقق المتعة والنفع فيما تقدمه إلى الناس، وهي المدرسة التي تجدد الماضي ليدفع إلينا بقوته وعنفوانه فنقف على أقدامنا من جديد، أما مدرسة “الفوازير” و”الكاميرا الخفية” وغير ذلك من البرامج والمسلسلات الترفيهية السطحية، فهي تستغل الفضاء في ما لا يستحق أن يبقى على الأرض. وهي مدرسة لا متعة فيها ولا قيمة، كما أنها لا علاقة لها بالشهر الكريم.
2
بين التاريخي الثابت والاجتماعي المثالي
إبراهيم العريس
منذ سنوات عديدة، ولنقل منذ عقدين من السنين على الأقل، حلَت “القعدة” البيتية خلال شهر رمضان المبارك محل اللقاءات الاجتماعية، وارتياد السينما أو المسارح أو غيرها من أماكن التسلية التي كانت تحلو في رمضان.
صحيح أن الفُرْجَة على التلفزة باتت عادة يومية في كل مكان، وليس في عالمنا العربي وحده، لكن الواقع يقول لنا أن العشيات هي الفترة ذات الحظوة للفرجة. وأن الجمهور لا يبدو مهتماً بالتجمع من حول أجهزة التلفزة، كل عشية بشكل منتظم، إلا في شهر رمضان تقريباً. وهذا ما يتيح – تقنياً على الأقل – إمكانية تقديم حكايات مسلسلة يتعين متابعة الأحداث من خلالها بدأب وإقبال، خلال تلك العشيات الرمضانية وحدها. أما عشيات بقية شهور السنة فقد تنفع فيها، أكثر، برامج الألعاب، ولقاءات الفنانين، والأعمال المستقلة التي قد لا تحتاج إلى متابعات يومية متواصلة. وهذه الحقيقة أدركها مسؤولو التلفزة، وبالتالي منتجو الأعمال التلفزيونية بالتدريج، منذ صار الجهاز الصغير سيد كل بيت، ونجم السهر والحياة الاجتماعية.
حلول عجائبية
إن هذا الواقع الذي تم رصده فيما سبق، هو الشكل الإطاري الخارجي لتلك الظاهرة المتفاقمة: ظاهرة بث المسلسلات الجيدة، أو المرشحة لأن تنال حظوة المتفرجين بشكل حصري في شهر رمضان. وفي هذا النص، لئن كانت حالات السينما شكلت خلال الثلاثة أرباع الأولى من القرن العشرين، مربع التسلية عن الشرائح الوسطى في المجتمع، فيما شكلت حلقات التجمع في الأحياء الفقيرة، مكاناً أثيراً ترتاده شرائح أخرى، فإن التلفزة تكاد تجمع اليوم الشرائح كلها في بوتقة واحدة. غير أن هذا الواقع – وكما سوف نرى – لم يُحدث أي تبديل في فكر البرامج المقدمة، والعقلية التي تقف وراءها. ذلك أن ما يقدم لا يزال محملاً بكمّ لا بأس به من الفكر القديم نفسه، الذي كان يهيمن على أعمال التسلية الموجهة للشرائح المتوسطة، الفكر القائم على التسامح الطبقي، والتحلّق من حول العائلة، والمال كوسيلة للنجاح الاجتماعي، والحلول العجائبية للمشكلات المستعصية، في المجال الاجتماعي، بالإضافة إلى رصد الحوادث التاريخية الكبرى التي يعرفها الجمهور العربي منذ مقاعد صفوف الدراسة الأولى، وحياة بعض الشخصيات الشهيرة، ودائماً ضمن تقديمها كأمثولة وعبرة… وما إلى ذلك.
ومن البيّن أن هذا كله إنما ينبع من فكرة أساسية وبديهية: أن الجمهور العريض إذ يتفرج، هو الذي يؤمن نجاح عمل ما، وبالتالي مبرر تمويله وإنتاجه، وهو الذي باستنكافه قد يتسبب في سقوط العمل. ومن هنا تقوم القاعدة الأولى – الذهبية – على تقديم ما يرضي هذا الجمهور. وهنا تستعاد بالطبع تلك النقاشات الطويلة العريضة التي دارت في الماضي من حول السينما التجارية.
فما الذي يرضي الجمهور؟ ما الذي يجتذبه طالما أن الوضع التلفزيوني تبدل كثيراً خلال السنوات الأخيرة، في العالم وفي عالمنا العربي: إذ بعدما كان لكل بلد محطة رسمية تفرض برامجها على الجمهور، صارت هناك الآن تلك “الثورة الفضائية” و “ثورة الأطباق الملتقطة” و “ثورة الكابل”، التي جعلت في كل بيت مئات المحطات تعرض طوال الوقت مئات البرامج، في منافسة لم يعهد العالم مثيلاً لها من قبل.
من المؤكد أن حرية الاختيار صارت البعد الأول في العلاقة بين المتفرج وجهازه التلفزيوني… خاصة وأن آلة “الريموت كونترول” في يده تمكنه من اتخاذ القرار خلال ثوانٍ، في لعبة “ديمقراطية” لا تزال في حاجة إلى قدر كبير من الدراسة والبحث السوسيولوجي والمرتبط أيضاً بالسيكولوجيا الجماعية. والحال أننا هنا، في انتظار زمن يتخذ فيه مثل هذا البحث طابعاً جدياً ومعمقاً، يمكننا أن نرمي ببعض العلامات ونعثر على بعض المفاتيح. إذ، حين يصبح شهر رمضان للأعمال التلفزيونية، ما كان في الماضي البعيد سوق عكاظ للشعر الجاهلي، ثم مجمعات السينما والمسرح لإبداعات القرون الخالية، بات في الإمكان التوقف عند ما يقدم في رمضان، والانطلاق منه لإيجاد بعض سبل الدراسة.
من السينما إلى التلفزة
وهذا ما يعيدنا إلى سؤال ورديفه: ما الذي يرضي الجمهور؟ وما الذي يحصل عليه هذا الجمهور؟
في الحقيقة أن ما يرضي الجمهور وما يحصل عليه قد لا يكونان على تطابق تام أول الأمر. لكن هذا التطابق سرعان ما نجده متحققاً في لعبة جدلية شديدة الحذق، بحيث أن الجمهور نفسه لن يكون في نهاية الأمر بعيداً جداً عن الاعتقاد بأن ما يحصل عليه هو ما كان يريده أصلاً. إنها لعبة الاستيعاب.
ولكن، لئن كانت لعبة الاستيعاب هذه قد اعتادت أن تتم بالنسبة إلى السينما التجارية الناجحة – وغير المسفّة طبعاً – عن طريق التماهي في عتمة الصالة بين المتفرج ونجوم الفلم، هذا التماهي الذي انتهى به الأمر إلى خلق ما نسميه “الطبيعة الثانية” لدى الجمهور، وإلى خلق نجومية النجوم أنفسهم وتوطيد العلاقة المدهشة التي قامت دائماً بين المتفرج ونجمه المفضل، فإن وصولها إلى هذا المستوى في التلفزة يبدو غير ممكناً، لاختلاف ظروف العرض، وغياب العتمة الراسمة لعلاقة هندسية مباشرة بين عيني المتفرج والشاشة، وما إلى ذلك. هنا، في التلفزة، تصبح العلاقة فرجة حقيقية يتجرد فيها المتفرج من أي التزام بالتماهي مع نجومه، أو مع ما يحدث أمامه. ما يغرِّب لعبة الإيهام بالواقع، خالقاً على الشاشة واقعاً حقيقياً غير وهمي هذه المرة. واقعاً فكرياً أيديولوجياً، قد يتاح التمعن فيه في مناسبة أخرى.
ما يهمنا هنا هو الإشارة إلى الكيفية التي تحوّل فيها رمضان إلى مناسبة تقدم فيها أفضل الأعمال، وتحقق أكبر قدر من الرواج. وما تحقق هنا يدين، طبعاً، للسينما – سلف الدراما التلفزيونية – بالكثير. ذلك أن منتجي الأعمال التلفزيونية، إذ تنبهوا إلى نوعية متفرجي رمضان وظروفهم (نوعية عائلية في ظروف تجمع عائلي)، نهلوا من التراث السينمائي الذي كان في الأصل موجهاً، ولكن فردياً، إلى هذه النوعية نفسها من الجمهور.
ولكن في البداية، لم تكن التلفزة في حاجة إلى نجوم لتقديم هذه الأعمال. في اللعبة التلفزيونية من الواضح أن النص والأجواء تكون لها البطولة. ومن هنا ظلت البرامج الرمضانية الدرامية خاصة، طوال سنوات عديدة، تصنع مع ممثلين غلبت كفاءتهم على نجوميتهم. ولكن الذي حدث بعد ذلك، وما بتنا نلاحظه بوضوح خلال السنوات الأخيرة، هو أن نجوم السينما أنفسهم لحقوا بالموجة واتسعت هذه الظاهرة إلى درجة أن الأنباء الصحفية تفيدنا بأننا سوف نشهد في رمضان لهذا العام “تنافساً حاداً” في مصر على الأقل، بين كبريات النجمات من ليلى علوي إلى نبيلة عبيد ومن نيللي إلى إلهام شاهين (التي لم يفت الصحافة الثناء على عودتها إلى التلفزة بعد غياب)، ناهيك بيسرا، التي كانت نجمة رمضان العام الفائت بمسلسلها “أين قلبي”. وفي الوقت نفسه ها هم النجوم الرجال، بدورهم، يتنافسون، من حسين فهمي إلى نورالشريف مروراً بيحيى الفخراني وفاروق الفيشاوي.
من مصر إلى سورية وبالعكس
لكن المسألة هنا هي أن النجوم هم الذين يشعرون بأنهم في حاجة إلى التلفزة، وليست التلفزة في حاجة إليهم. والمثال الأكثر وضوحاً على ذلك أتى، قبل سنوات، ولا يزال، من سورية. فسنوات التسعين قد شهدت نجاحاً كبيراً للأعمال التلفزيونية السورية. وكان المدهش أن هذه الأعمال، التي اقتبست أول الأمر مناخات الأعمال المصرية قبل أن تستقل بنفسها وتكون لها جمالياتها ومواضيعها الخاصة، نجحت من دون نجوم معروفين، ولربما يقول البعض: خاصة لأنه لم يكن فيها نجوم معروفون. فكان النجاح من دون أطر مهيئة مسبقاً له. كان أصحاب هذا النجاح، في الأصل، كُتَّاب التقطوا اللعبة جيداً، ومخرجون أتى معظمهم من اللغة السينمائية. وهكذا على يد نجدت أنزور، وهيثم حقي، وباسل الخطيب، ومروان البني، في سورية، راحت مسلسلات عديدة تحصد النجاح، إذ أن الجمهور العربي العريض رأى أمامه هنا على الشاشة أعمالاً مختلفة عما كان سبق له أن شاهد: أعمالاً تاريخية فخمة الأجواء محبوكة بشكل جيد، مسلسلات فانتازية غرائبية تنقله إلى سفر فني بعيد، إضافة إلى مسلسلات اجتماعية تحاول، حقاً، أن تطرح العديد من المشكلات الاجتماعية أو ترصد حياة الناس ببساطة.. ومن هنا صارت عناوين مثل “الكواسر” و “الجوارح” و “الموت الآتي إلى الشرق” و “أسرة آل الجلالي” و “خان الحرير”… وغيرها، جزءاً من يوميات الناس. بيد أن الحركة سرعان ما تباطأت إذ بدأت المخيلات تقصّر، وحدث تكرار لأمور مثل الانتصارات التاريخية المدوية، وبهاء الأندلس، والتوغل في العلاقات الاجتماعية نفسها، وحكايات الزواج والطلاق، وإدانة الاستعمار التركي، وتمجيد الحركات الوطنية وما إلى ذلك. إن كل هذا أوصل الدراما السورية الرمضانية، في نهاية الأمر، إلى ما يشبه الطريق المسدود. ولكن في الوقت نفسه كان ذلك النجاح السوري محفزاً حقيقياً للإنتاج التلفزيوني المصري حتى ينهض من كبوته، إذ أن هذا الإنتاج بعدما قدم أفضل ما عنده في الثمانينيات ولا سيما في أعمال من طراز “ليالي الحلمية” و “ثلاثية نجيب محفوظ” و “أحلام الفتى الطائر” وغيرها، مرّ في فترة تأزم طالت بين استنكاف نجوم السينما عن الاهتمام حقاً بالتلفزة، وعجز المخيلات الإبداعية عن تلمس ما هو جديد ومقنع وقادر، بعد، على اجتذاب الجمهور العريض.
هجمة النجوم
لكن هذه الأزمة الاستدارية سرعان ما وجدت حلاً لها، وتحديداً في المكانين اللذين تمثلت فيهما: مشاركة النجوم المعروفين، وابتكار مواضيع بدت جديدة تضخ التلفزة بعناصر جذب أساسية. وفي يقيننا أن هذا كله كان له اسمان تأسيسيان نور الشريف، وأم كلثوم. فنور الشريف حين “غامر” باسمه ومكانته السينمائية ليقوم ببطولة “لن أعيش في جلباب أبي” فتح الطريق واسعاً أمام نجوم السينما لكي يجدوا مكانهم المرموق على شاشة صغيرة لم يكونوا واثقين تماماً من قدرتها على أن تعطيهم فرص العودة بقوة إلى الجمهور في وقت كانت السينما نفسها، التي بنت مجدهم في الماضي البعيد والقريب، تحتضر.. وهكذا تمكن نور الشريف، ومن دون أن يدري ربما، من تبرير حضور الكبار على الشاشة الصغيرة: فمن فاتن حمامة إلى سميرة أحمد، ومن عزت العلايلي إلى حسين فهمي.. صار كل واحد يحلم بأن يكون له “جلبابه” ونجح الأمر تماماً.
نجح إلى درجة أن المواسم المتتالية شهدت من النجوم الكبار اهتماماً تلفزيونياً يفوق، ومن بعيد، اهتماماتهم السينمائية. ولئن كانت نجمة مولعة بالسينما مثل ليلى علوي قد قاومت طويلاً مستنكفة عن قبول العروض التلفزيونية التي انهالت عليها، فإن مقاومتها سرعان ما انهارت لتظهر، منذ ستة أعوام، في مسلسل كل عامين وبشكل منتظم: “التوأم” … ثم “حديث الصباح والمساء” (عن رائعة نجيب محفوظ)، وصولاً إلى “امرأة وثلاثة وجوه” في عامنا هذا. وليلى علوي التي تلعب في مسلسلها الجديد دور سيدة أعمال يسجل لها أنها تختار أعمالها بعناية. أما يسرا، فكان هذا حالها، لكنها في مسلسل العام الفائت “أين قلبي” رضيت – وربما لأن دورها كان أفضل ما في المسلسل – أن تلعب في هذا المسلسل الذي يقوم على قواعد فكرية تبدو مضحكة – ولكن قابلة للرواية للأسف – في بداية الألفية الثالثة: الكرم الحاتمي لرجال الأعمال، الحلول العجائبية المسقطة من فوق للمشاكل الاجتماعية. أما هذا العام فإن يسرا تظهر من جديد، جميلة ومتألقة، في مسلسل “ملك روحي” حيث تلعب دور سيدة أعمال أرستقراطية تحارب الفساد. في أعمال مثل هذه تحاول يسرا طبعاً أن تستعيد نجاحها الكبير “أوان الورد” الذي يمكن القول بأنه كان أفضل مسلسلاتها حتى اليوم.. فهل تفعل؟
منعطف أم كلثوم
طبعاً لا نريد هنا أن نقدم لائحة بما سوف يعرض، من مصر، على القنوات العربية، أرضية أو فضائية خلال رمضان هذا العام؛ لذلك نكتفي بالقول بأن هذا العام يكاد يشبه العام الفائت: نأخذهم أنفسهم ونبدأ من جديد. وهذا ما ينقلنا من حيز النجوم إلى حيز المواضيع. ومباشرة إلى أم كلثوم. فأم كلثوم في المسلسل الذي قُدم عن حياتها من إخراج إنعام محمد علي قبل سنوات، أعادت التلفزة إلى واحدة من الوظائف الأساسية المفترضة لها: التسلية والتوعية والارتفاع بذوق المتفرجين. والحال أن مسلسل أم كلثوم قدّم مساهمة أساسية في استعادة الإنتاج المصري زخمه وقوته، حتى وإن كان في وسع المرء أن يجد مئات المآخذ على هذا العمل… بل يمكن القول بأن المسلسل أعاد حتى الاهتمام بأم كلثوم من جديد، وجعل أبناء الأجيال الجديدة يعيدون اكتشافها، فنانة وسيدة ومطربة واكتشاف جزء كبير وأساسي من تاريخ مصر في القرن العشرين معها. ولقد فتح مسلسل أم كلثوم الباب أمام نوعية جديدة، فإذا بالتلفزة تقدم لاحقاً حياة “قاسم أمين”، وهذا العام حياة “يوسف السباعي” الكاتب الروائي المصري المعروف… واليوم ثمة في الأفق عشرات المشاريع من هذا النوع.
وإذا كان اهتمام التلفزة بحياة الفنانين والأدباء كبيراً وجديداً إلى حد ما، فإن اهتمامها – ولا سيما في رمضان – بحياة أئمة الدين والشخصيات الإسلامية – وغير الإسلامية – التاريخية، ليس جديداً.
واللافت حتى اليوم هو أن مصر تبقى السبَّاقة في مثل هذا النوع من الأعمال. أما سورية، وهي المنافس الرئيس والوحيد لمصر في مجال الإنتاج التلفزيوني، فتبدو كالمراوح مكانه، حتى وإن كان بعض أفضل ما حقق، فنياً، خلال الأعوام الفائتة حمل تواقيع مخرجين سوريين، أو يعملون انطلاقاً من سورية، مثل باسل الخطيب “ذي قار” و “هولاكو” أو نجدت أنزور. علماً بأنه بدءاً من العام الفائت وفي أفق الإنتاجات المعلنة هناك المزيد من التوجه نحو هيمنة الإيديولوجيا المثيرة للسجال، والتي تحاول أن تستخدم التلفزة “سلاحاً في المعركة” وأسطع مثال على هذا مسلسل “فارس بلا جواد” للهزلي المصري محمد صبحي.
أفكار غالبة
مصر وسورية… ولكن أين الآخرون؟
قد يكون من الظلم القول بأن لا شيء لدى الآخرين، ففي لبنان ثمة إنتاج تلفزيوني، وفي العديد من بلدان الخليج وبلدان المغرب العربي ثمة إنتاج أيضاً. لكنه في هذه الحالات كلها محدود، وتغلب عليه المحلية. وربما يحدث لبعضه أن يعرض على تلفزات خارجية. ولكن ليس في رمضان. فرمضان التلفزة يكاد يكون محصوراً بما ذكرنا من أعمال مصرية وسورية. فما هي، أخيراً، باختصار، الأفكار التي تزرعها، عفوياً غالباً ومن دون تخطيط، مثل هذه الأعمال؟
من الصعب تقديم إجابة قاطعة. ولكن من المؤكد أنه لو قيض لعلم الاجتماع أن ينكبّ على ما يقدم من أعمال، رصداً ودراسة، لن يخرج أبداً بنتائج تريح من يتطلع إلى الوضع العربي في الزمن الراهن بشيء من التفاؤل.
ففي مجال المسلسلات التاريخية ثمة قواعد ثابتة: نحن دائماً على حق، تاريخنا دائماً في ازدهار نحن أمة التسامح. نحن دائماً ضحية مؤامرات الغير. تخلفنا، إن وجد، هو من فعل الأعداء المتكالبين علينا. ناهيك بأن ثمة دائماً عصوراً ذهبية نبكي عليها.
وفي مجال الأعمال الاجتماعية المعاصرة: السعادة تأتي من القناعة. البطل دائماً إيجابي. التسلق الطبقي هو الحل. الحلول دائماً عجائبية ولا صراعات هناك إلا بين الخير والشر. والخير هو الذي ينتصر دائماً، أما المرأة فإنها تتراوح ما بين الطيبة المطلقة، والشر المطلق، ولا حل وسط لديها. أما الأبناء فإنهم إلى جحيم إن هم نظروا إلى الخارج وواتتهم طموحات ما. وفي خضم هذا كله، السياسة ممنوعة إلا إذا كانت دعاية مع هذا أو ضد ذاك.
3
وماذا عن التلفزيون السعودي
محمد العصيمي
تقول الأخبار إن مسلسل (طاش ما طاش 11) الذي يعرض في رمضان هذه السنة في التلفزيون السعودي، يتمتع بقوة غير مسبوقة، من حيث إتقان الفكرة والنص وحشد الممثِّلين. ما يعني أن هذا المسلسل سينقذ نفسه من ورطة التكرار التي وقع فيها، في السنوات القليلة الماضية. وما يعني، أيضاً، أن العودة إليه، بعد قرار اعتزاله الشاشة، مبررة بالجودة التي سيكون عليها والتي ينتظرها الجمهور بشوق كبير.
لقد كان مسلسل (طاش ما طاش) ناجحاً في كل سنة، ليس لأنه جيّد دائماً، وإنما لسببين من وجهة نظري: الأول أنه يلتقط مفارقات المجتمع المحلّي ويضعها في قوالب كوميديّة حادّة، تلبّي تطلّعات الإنسان السعودي في نقد الممارسات الخاطئة، سواء أكان مصدر هذه الممارسات عام أم شخصي. والسبب الثاني أن هذا المسلسل، ببساطته وخفة دمّه ورسائله المبطّنة، يكاد يكون المسلسل الخليجي الوحيد، الذي تحشد له إمكانيّات كبيرة، تماثل ما يحشد للمسلسلات المصريّة والسوريّة التي تتزاحم على شاشات تلفزيون رمضان.
وإذا كان مسلسل طاش استثناءً في برامج رمضان في التلفزيون السعودي، فإن هناك بوادر ربما لا ترقى إلى مستوى الاستثناءات، إلا أنها تشكل علامات رمضانيّة سعوديّة تستحق الالتفات والتسجيل، منها على سبيل المثال سعي الممثِّلين، الذين لا يأخذون فرصتهم كاملة في المسلسل الشهير إلى صنع مسلسلاتهم الخاصّة، التي وإن كانت مصبوغةً بألوان الدراما، فإنها تحاول تحت وطأة الانطباع الجماهيري في حق مسلسل طاش، أن تنحو منحىً كوميدياً، ممّا يعرّض ممثليها لمطبّات هم في غنى عنها، حين لا يكون للموقف الكوميدي ما يبرره وإنما يُقحم إقحاماً في النص أو الموقف. وعلى أية حال فإن حسنات هذه المسلسلات، المصنوعة في ظلِّ مسلسل طاش، إفرازها لمجموعة من كتّاب القصة والسيناريو السعوديّين، ومن هؤلاء نساء يبدو أنهن سنة بعد أخرى يُجدن طبخة المسلسل التلفزيوني، خاصة وأنهن ينقلن هموماً حقيقيّة قريبة منهن ومن مفارقات حياتهن في الحركة الشاملة للمجتمع.
في المقابل، وكما على صعيد الكتّاب الجدد للمسلسلات، بات المشاهد للتلفزيون السعودي في رمضان جاهزاً لقياس جودة هذا المسلسل بمقارنته مع الآخر على أساس من تصريحات المخرجين الشباب للصحف، فهناك، كلما حل رمضان، عناوين ثابتة للمخرجَيْن عامر الحمود وعبدالخالق الغانم، الأول على أساس أنه صانع النجوم في المسلسلات الجديدة، والثاني باعتباره صانع مجد مسلسل “طاش ما طاش” في سنواته الأخيرة، بعدما أخرجه عامر الحمود في مهده. وفي هذه التصريحات لعامر وعبدالخالق ومخرجين آخرين، سعوديّين وأردنيّين بالذات، يجد المشاهد سلوى رمضانيّة، تزجي قسماً من نهاره وليله المحتشد بالإنتاج التلفزيوني، المحلّي والعربي.
هذا الاحتشاد ذاته يثير، في اتجاه آخر، رغبات عند بعض السعوديّين للعودة إلى ماضي التلفزيون الرمضاني، بل أحياناً يتم تجاوز التلفزيون إلى الإذاعة والمسلسل الشهير (أم حديجان) الذي كان يكتبه ويمثل جميع شخصيّاته (رجالاً ونساءً وأطفالاً) الموهوب عبدالعزيز الهزّاع. هذا المسلسل الإذاعي الشهير سعودياً لعقود طويلة يرتبط بعلاقة قرابة مع مسلسل طاش التلفزيوني، من حيث التقاط المفارقات الاجتماعيّة الصارخة وتشريحها كوميدياً باللعب على وتر اللهجات المحلية في المملكة وما تضيفه من نكهة محببة لعموم المستمعين أو المشاهدين.
في ماضي التلفزيون الرمضاني أيضاً يتذكّر المشاهدون في المملكة المحدّث الممتع الشيخ علي الطنطاوي، الذي قدّم لسنوات طويلة برنامج (على مائدة الإفطار). فبعد رحيل الشيخ فقد برنامجه حضوره في حياة الناس الرمضانيّة، وفقد الناس استطراداته المتجددة اللذيذة التي تبدأ من حقوق المرأة ولا تنتهي عند الصواريخ العابرة للقارّات، فقد كان ما يميّزه ويجمع الناس حول شاشته أنه يتحدّث عن عشرة مواضيع مثلاً في خمس عشرة دقيقة، ثم تنتهي الحلقة وكل الموضوعات مفتوحة على مصاريعها.
ويبقى في حق التلفزيون السعودي رمضانياً حظه الروحاني العظيم في نقل صور وشعائر رمضان من مكة المكرمة والمدينة المنورة، ابتداءً من صور الإفطار الجماهيرية في الحرمين الشريفين، التي توفر لها إمكانات كبيرة على حساب المحسنين، وانتهاءً بالنقل المباشر للصلوات الخمس وصلاة القيام.
وبالنتيجة فإن التلفزيون السعودي يكون في رمضان في أوج نجاحاته: روحانية مكثفة وحضور للإنتاج التلفزيوني المحلي بأوضح وأوسع صوره.