قضية العدد

ثمار دخول المرأة سوق العمـل
عالمياً ومحلياً

على الرغم من أن المرأة كانت في كل المجتمعات عاملة، لا بل إن بعض الأعمال كانت حكراً عليها، إلا أن خروجها إلى عالم العمل المدفوع الأجر كان من أبرز التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها القرن العشرون.
ومهما تفاوتت مستويات انخراط المرأة في سوق العمل بين بلد وآخر، مثيرة أسئلة وقضايا مستجدة أكثر تفاوتاً بين هذا المجتمع أو ذاك، فإن هناك اعترافاً عالمياً بأهمية الدور الذي باتت المرأة تلعبه على صعيد الاقتصادات الوطنية ونموها، وبوجوب الاستفادة من هذا الدور إلى أقصى حدٍ ممكن.
القافلة تتناول هذه القضية من خلال بحثين: أولهما من إعداد هدى بتروبولوس التي تلخِّص ما آل إليه وضع العمل النسائي في الغرب، حيث يبدو أن مسيرة أكثر من نصف قرن لم تصل به إلى الاستقرار تماماً، إذ لا يزال يواجه قضاياه ومسائله الخاصة. وثانيهما من إعداد صفية الجفري التي تتناول موضوع المرأة السعودية وانخراطها في سوق العمل من جوانبه الاقتصادية والاجتماعية التي تتجلى في مسيرتها الفتية.

ديمومة النقلة إلى سوق العمل
هدى بتروبولوس
يبدو للكثيرين اليوم أن أي مراجعة للتحوّلات في القرن العشرين لا بد أن تقف على متغير أساس حصل في النصف الثاني منه، ألا وهو دخول المرأة معترك سوق العمل بشكل واسع. البيانات الاقتصادية للعقود الثلاثة الأخيرة في الدول الأكثر تطوراً تشير إلى أن النساء شكلن العنصر الغالب في إيجاد الوظائف الجديدة وبالتالي في تشكيل النمو الاقتصادي. وأحدث هذا التحول تغييراً أهم بكثير من التغييرات السابقة التي دخلت على حياة المرأة والأسرة والمجتمع والاقتصاد. ولم يأتِ وحيداً، بل متضافراً مع تطورات تكنولوجية سمحت بتسهيل العمل المنزلي والأسري والحياة بشكل عام، وترافق أيضاً مع معطيات اقتصادية اجتماعية داعمة له. وتشكل وعي جديد كان جزءاً من حركة أوسع بدأت في الستينيات، وبدّلت النظرة إلى النساء وتفعيل قدراتهن وإعطائهن فرصاً متساوية للعمل.

قد يقول قائل لماذا هذه الوقفة حول النساء والعمل؟ فالنساء منذ القدم يعملن داخل المنزل وخارجه. فالزراعة منذ تاريخ نشوئها تعتمد عليهن، والأعمال اليدوية من نسيج وغزل وغيرها كانت من اختصاصهن، ناهيك عن أعمال كثيرة أخرى. وتشير دراسة أوروبية (دراسة عن النساء والعمل والعمالة في أوروبا صادرة عن جامعة فرنسية) إلى أن النساء يسهمن دائماً في الإنتاج الاقتصادي في البلدان الأوروبية. وفي فرنسا، مثلاً، حين وصلت معدلات العمالة النسائية في أوائل التسعينيات إلى %37.9 ناهزت قليلاً نسبتها في عامي 1896 و 1921م عندما وصلت على التوالي إلى 35 و %36.
فماذا تغيّر بالنسبة إلى النساء والعمل منذ منتصف القرن الماضي ليستوجب هذه الوقفة؟

…إلى العمل الدائم
المتغير الأساس حسب ما تشير إليه معظم التحليلات كان تبدل أنماط عمل النساء في الغرب في إطار دخولهن الأوسع إلى سوق العمل. فالتحوّل الاقتصادي دفع النساء إلى العمل على قاعدة دائمة، بعدما كان توظيف النساء يتركز في الإنتاج الريفي والزراعي وفي التجارة الصغيرة والحِرَف، وكانت النساء يعملن في غالب الأحيان في المنزل أو في أشكال من الصعب التمييز فيها بين الإنتاج الاقتصادي والاقتصاد المنزلي. ومنذ النصف الثاني من القرن الماضي حصل تغيير أساس مع دخول النساء في التوظيف المدفوع الأجر الدائم خارج المنزل. قبل ذلك، كان عدد قليل من النساء قد عملن خارج المنزل بعد الزواج وإنجاب أطفال، أي بطريقة مستدامة، وهي القلّة التي كانت الأشد احتياجاً إلى العمل، وتشكَّلت في الولايات المتحدة مثلاً من فئات المهاجرين الجدد أو السود.

وتشير بعض الدراسات إلى أن التوسع والتطور الاقتصاديين ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما رافقهما من ظهور ما يسمى بدولة الرفاه، قد خلق وظائف جديدة في قطاع الإدارة والخدمات تتطلب مستوى أعلى من التعليم. وبدأت نساء الطبقات الوسطى بتوسعة دخولهن إلى حقول هذه الوظائف. ومع حلول السبعينيات باتت النساء من جميع الفئات يمارسن وظائف دائمة، وأصبحن عنصراً يحسب له حساباً ضمن قوة العمل في المجتمعات المتطورة اقتصادياً. وقد عرفت هذه المجتمعات أيضاً في النصف الثاني من القرن الماضي توسعاً كبيراً في حقل الدراسات العليا، الأمر الذي شمل أيضاً النساء اللواتي باتت ثقافتهن المتزايدة مصدر قوة مجتمعية لا يمكن إغفالها.

عمل الأمهات وتفاوت الأرقام
تفيد الإحصاءات أن توسع العمالة النسائية في العقود الأربعة الماضية في الدول الغنية اقتصادياً قد ترافق مع زيادة هذه المعدلات بشكل أساس وبطريقة منتظمة لدى الفئة العمرية ما بين 25 و 49 عاماً، أي الفترة التي يجري فيها إنجاب أطفال ورعايتهم. لا بل أصبحت في أحيانٍ كثيرة معدلات العمالة النسائية لفئة الأعمار هذه أعلى من الفئات الأخرى. ودلالة هذا التغيير أن المزيد من النساء ينخرطن في مهن دائمة لا تقطعها الأمومة، مما أدى إلى تجانس أكبر في أنماط العمالة بين النساء والرجال. إن الأمهات، إذن، هن اللواتي صنعن بشكل أساس الزيادة في عدد السكان العاملين وبالتالي في النمو الاقتصادي . (دراسة عن النساء والعمل والعمالة في أوروبا). هذا في حين تتوجه نسبة مهمة من النساء ممن هن دون 25 عاماً إلى التعليم العالي. إلا أن التفاوت لا يزال ظاهرة أساسية بين البلدان، حيث تتراوح معدلات العمالة بين نسبها الأعلى في البلدان الإسكندنافية (تصل في السويد إلى %78.1)، ونسبها الأدنى في بعض بلدان الجنوب الأوروبي التي تقل عن %50. فيما لا يزال معدل العمالة النسائية الأوروبية بشكل عام أقل منه في الولايات المتحدة.

وتظهر الدراسة أن التبدل المهم يظهر في تغير الأنماط. فبينما كانت ظاهرة العمالة الدائمة في الستينيات موجودة في بلدين أوروبيين فقط -في السويد وفنلندا- وهيمن في الجنوب الأوروبي نمط واحد من معدلات العمالة المنخفضة لمن هن بين 25 و 49 عاماً (حوالي %20)، أصبحت معدلات العمالة، بعد ثلاثة عقود، لمن هن بين 25 و 49 سنة أعلى في جميع البلدان: في اليونان وإسبانيا وإيرلندا (بين 40 و %50)، في النمسا وهولندا وبلجيكا وألمانيا ثلثي النساء، وهو المعدل الأوروبي، في فرنسا والبرتغال وبريطانيا ثلاثة أرباع النساء، وفي الدنمارك وفنلندا والسويد حيث 9 من أصل 10 نساء من فئات الأعمار المذكورة في الوظيفة. أما في الولايات المتحدة فقد ارتفعت معدلات العمالة النسائية فوق سن 16 عاماً من 43 إلى %60 عام 1999م. وزادت معدلات مشاركة من هن بين 25 و 59 عاماً من %47 عام 1975م إلى %73 عام 2000م (نقلاً عن إحصاءات دائرة العمل في الولايات المتحدة لعام 2005م). هذه الأرقام يجب رؤيتها بشيء من الواقعية، حيث تنحدر معدلات العمالة لدى الأمهات، خاصة لمن لديهن أكثر من ولدين أو إذا كان سن الولد صغيراً، بالإضافة إلى أن نسبة مهمة من النساء الأوروبيات يعملن في أعمال جزئية.

الضرورة الاقتصادية في الميزان
إن الوضعية الجديدة للنساء في سوق العمل في هذه البلدان لا تشكف فقط، كما يرى المحللون، عن تبدل النظرة إلى النساء ودورهن، بل هي وبشكل متزايد تلبية لضرورة اقتصادية. فمقولة إن البلدان التي لا تقوم برسملة كاملة لقدرات نصف مجتمعاتها (أي النساء) تهدر مواردها البشرية وتضعف احتمالات تنافسيتها الاقتصادية، ليست مقولة دعائية بل لها موقع في صلب السياسات الاقتصادية والتنموية في المجتمعات الأكثر تطوراً اقتصادياً. فالتطور الاقتصادي حوَّل الإنتاج التقليدي ذا الطابع المنزلي إلى إنتاج موسّع ومتطور تكنولوجياً، وبات يفرض على عمل النساء الخروج من إطاراته التقليدية إلى إطاراته الحديثة في سوق العمل. ودخل العمل المنزلي أيضاً في السوق ولو بشكل جزئي مع دخول التجهيزات المنزلية الحديثة والاستعانة بيد عاملة مساعدة مدفوعة الأجر.

وبسبب الضرورة الاقتصادية، فإن تشجيع النساء في سوق العمل قد خطا خطوات مهمة ضمن السياسات الاقتصادية والتنموية في العقد الأخير. السياسة الأوروبية الموحدة في تركيزها على المنافسة الاقتصادية في مطلع القرن الواحد والعشرين في إطار قمة ليشبونة، وضعت هدفاً أساساً وهو رفع المتوسط الأوروبي لمعدلات العمالة لكي يقترب من المعدلات الأمريكية، وتعزيز مشاركة النساء في مهن علمية تكنولوجية ضمن منظور يؤكد أن الاقتصاد الأوروبي، نتيجة تضاؤل نمو السكان، هو أحوج إلى اليد العاملة النسائية من السابق. وتتشارك في هذا الاهتمام أيضاً الأمم المتحدة، التي خرجت منذ انعقاد المؤتمر العالمي حول النساء في بكين عام 1995م، ببرنامج عمل لضمان انخراط النساء في النشاطات الرئيسة، يدعو إلى تطبيق منظور الجندر على جميع المسالك والمعايير القانونية والاجتماعية، وعلى جميع سياسات التنمية والبحث والتخطيط والترشيد والتطوير والتنفيذ والمراقبة. وحفّز ذلك أكثر من 100 بلد على وضع مبادرات جديدة لتحسين وضع النساء.

إن التناقض بين الواقع الاقتصادي الذي بات يتطلب مشاركة النساء في سوق العمل وبين ثقافة متوارثة حددت دورهن في إطار سلبي وخاضع قد أفرز في العقود الأخيرة في الغرب تحوّلات جديدة في الإدراك والوعي، وفي تبدل النظرة إلى النساء وأدوارهن ضمن تفكير ينحى أكثر فأكثر صوب المساواة. هذا التناقض لم ينته ولو أن العمل خارج المنزل في إطار السوق الاقتصادي أصبح القاعدة بالنسبة للنساء في البلدان الغنية اقتصادياً، أي أن مساواة الجندر لم تتحقق رغم التغيير المهم الذي أدخلته التبدلات على جميع مستويات المجتمع، ورغم أن مساواة النساء قد أصبحت مبدأ مقبولاً على مستوى الرأي العام، وأصبح الانحراف الواضح عنه في المجتمعات الغربية يواجه باعتراضات من أعضاء هذه المجتمعات، خاصة النساء منهم.

ما تغيّر وما لم يتغير
في قياس ما تحقق من تضييق الفجوة بين الجنسين، على مستوى المشاركة الاقتصادية والفرص الاقتصادية والتمكين السياسي والتحصيل العلمي، يعتبر تقرير صادر عن المنبر الاقتصادي العالمي (2005م) أن إزالة كاملة لهذه الفجوة لم تحصل في أي بلد، وأن البلدان التي نجحت أكثر من غيرها في ذلك هي البلدان الإسكندنافية وتحتل السويد المقام الأكثر تقدماً في العالم في هذا الاتجاه، فقد دخلت اليوم النساء في البلدان الغربية، وحتى في البلدان الآسيوية المتطورة، وبأعداد كبيرة إلى سوق العمل، وفي أغلب الأحيان بوتيرة دائمة أو متقطعة جزئياً. لكن هذه المشاركة كانت متفاوتة بين بلد وآخر، ولا تزال معدلات العمالة النسائية في عدد من البلدان الأوروبية الجنوبية، وكذلك اليابان، أقل من %50. ويتركز عمل النساء بصورة أساسية في قطاع الخدمات. لا بل يمكن القول إن توسع قطاع الخدمات في العقود الماضية هو الذي شجّع على دخول النساء بشكل واسع إلى أسواق العمل. وحققت النساء تقدماً مهماً في مهن عالية الأجر، وهذه الفئة من النساء كانت نسبتها أعلى في الولايات المتحدة ولم تكن ممثلة بشكل كبير في أوروبا. احتلت النساء في الولايات المتحدة نصف الوظائف الإدارية والمهنية عام 2000م. بالمقابل، لا تزال أغلبية النساء العاملات يعملن في الوظائف الأقل أجراً في المجتمع، ومنها وظائف غير مضمونة وغير مستقرة. بهذا المعنى تأسس تفاوت أكبر بين النساء العاملات، بحيث شكلت ظاهرة صعود فئات من النساء ذات الاختصاص والتعليم السلم الاجتماعي من أهم التغيرات التي حصلت في الأربعين سنة الماضية. ولم يأت هذا الصعود من دون ثمن في سعي النساء المهنيات إلى الموازنة بين العمل والعائلة ضمن محيط اجتماعي لم يستيقظ بشكل كامل بعد على المتطلبات الجديدة.

وفي العقود الثلاثة الماضية ضاقت الهوة في الأجور بين النساء والرجال، بحيث أصبح متوسط أجور النساء يشكل %80 من أجور الرجال في الولايات المتحدة وحوالي النسبة نفسها في أوروبا. لكن هذه النسب لا تدل بشكل دقيق على واقع أن معدلات مداخيل النساء لا تزال أقل بكثير نظراً لانقطاع النساء من العمل لدواعي الأمومة. وتعود أيضاً الفوارق في معدلات الأجور بين النساء والرجال إلى واقع أن النساء هن أكثر تمثيلاً ضمن فئات الأجور المنخفضة ويتركزن في الهرمية المهنية الأدنى.

لقد أزيلت على المستوى القانوني العوائق للتوظيف المبني على التمييز بين الجنسين ودخلت النساء منذ عام 1970م في ميادين أعمال كانت تعتبر تقليدياً حكراً على الرجال. لكن هذا الدخول ظل محدوداً، ولا يزال عمل النساء يتركز في المهن التقليدية التي عملت فيها المرأة، كالتمريض والتعليم والعمل المكتبي والاهتمام بكبار السن والمعوقين، وهي مهن غالباً ما تتميز بأجور منخفضة. كما أن تقدم النساء في مهن مثل القانون والهندسة والطب يسير ببطء، بما نسبته %14 من المهندسين و %29 من الأطباء والجراحين في الولايات المتحدة. ولا يزال هناك ضمن المهنة الواحدة شرائح للنساء والرجال، وتتركز النساء في الشرائح ذات الأجور الأدنى. وحتى حين تتقارب معدلات العمالة بين النساء والرجال فإن عدداً أقل بكثير من النساء هن في مراكز إدارية. إذ تشكل النساء ما نسبته %13.4 من مجالس إدارة أكبر 500 شركة في الولايات المتحدة (كانت النسبة %9.5 عام 1995م)، وهي تقل عن ذلك في أوروبا (%8 كمعدل وتتفاوت بين بلد وآخر) وفي اليابان (%1). والتقدم في هذا المجال بطيء بالرغم من أن بعض الشركات يسعى إلى سياسة تنويع لتمثيل النساء والأقليات.

التحصيل العلمي لم يحل كل المشكلات
ويعتبر التحصيل العلمي من أهم مقومات تمكين المرأة. وبات التقدم في هذا المجال يسبق التقدم في أمور أخرى، بحيث إن النساء يتخرجن بأعداد متزايدة على الرجال في الولايات المتحدة وأوروبا. وينعكس هذا التحصيل بشكل واضح على عمل النساء. فالنساء اللواتي يحملن شهادات ازدادت نسبتهن في قوة العمل في الولايات المتحدة من %11.2 عام 1970م إلى %32.6 في 2004م، وزاد التفاوت في الأجور بين حاملات الشهادات الجامعية والثانوية. وتعتبر النساء المؤهلات في أوروبا أفضل اندماجاً في سوق العمل من الأقل تأهيلاً. فالنساء ذوات المهارات العالية كنّ، حسب تقرير للمفوضية الأوروبية عام 2001م، أبطال صنع الوظائف الجديدة، إذ أسهمن في صنع %60 من الوظائف بين 1995 و 2000م، خاصة في القطاعات التي تعتمد على التكنولوجيا العالية. لكن المشكلة تكمن في أن النساء يعملن عادة في وظائف أقل من مؤهلاتهن. فعلى سبيل المثال، شكَّلت نسبة خريجات الدكتوراة في أوروبا %43 من المجموع لعام 2004م، لكنهن شغلن ما نسبته %29 من الوظائف في حقول العلوم والهندسة، وعدد قليل منهن عمل على مستوى باحثات، بينما الأغلبية شغلن وظائف تقنية أقل شأناً (حسب تقرير المفوضية الأوروبية)، مما يجيز القول إن النساء يسعين إلى مهن لا تتناسب مع مؤهلاتهن للتوفيق بين المهنة والحياة الخاصة.

بين البيت و البارت تايم
ولا تزال مسؤولية الأولاد تقع على عاتق النساء بشكل عام، ورغم التحسن في مشاركة الرجال في البلدان الغربية إلا أنها لا تزال ثانوية. وما توفره الدولة والمجتمع من مساعدة في مجال الرعاية متفاوت جداً بين البلدان. فمن جهة، يزداد الدعم الحكومي للرعاية في البلدان الإسكندنافية وفرنسا، بينما يقوم بهذا الدعم القطاع الخاص بشكل أساس في إيطاليا وإسبانيا وألمانيا. ويزيد في الولايات المتحدة الاعتماد على العمالة المهاجرة للمساعدة المنزلية. ويتبين أن البلدان التي تتوافر فيها أفضل شروط الدعم العائلي، كالسويد، تتوافر فيها أيضاً أعلى معدلات العمالة النسائية كما وأعلى معدلات الولادة أيضاً.

ولضرورات التوفيق بين المسؤوليات المختلفة، تنتشر ظاهرة العمل الجزئي (بارت تايم) بين النساء في أوروبا، اللواتي يشغلن %80 من مجموع الأعمال الجزئية، وترتفع نسبة النساء اللواتي يعملن في أعمال جزئية بشكل مقلق في بعض البلدان الأوروبية. إذ تختلف الصورة بين بلد أوروبي وآخر: %64 من النساء العاملات في هولندا يقمن بأعمال جزئية، و %45 في بريطانيا و %37 في الدنمارك، و %34 في ألمانيا، وفرنسا %25 وبلجيكا %17 وإيرلندا %19. هذه الظاهرة لا تشغل المجتمع الأمريكي بالدرجة نفسها، حيث %26 من النساء عملن في أعمال جزئية في عام 2004م مقابل %11 من الرجال. ومعظم النساء الأمريكيات يقمن بأعمال جزئية مع اقتراب سن التقاعد، بينما تعمل النساء الأوروبيات في أعمال جزئية في سنوات رعاية الأطفال. والنقاش مستمر حول هذه الظاهرة بين المحبِّذ لها كحالة للتوفيق بين العمل والمنزل، وبين من ينتقدها بشدة باعتبارها تعيد النساء إلى الوراء وتُسائِل شرعية العمالة النسائية، وبين من يرى العمل الجزئي إجراءً مؤقتاً يتيح للنساء تجنب وقف عملهن المهني أثناء الأمومة. إن مشكلة هذه الظاهرة، كما يراها البعض، تكمن في طبيعة العمل الجزئي، الذي غالباً ما يكون في أعمال تفتقد إلى الأمان الوظيفي، وتترتب عليه نتائج يصعب على العاملين التحكم بها. فهم لا يستطيعون أن يناقشوا وضعهم مع أرباب العمل، ويتقاضون أجراً منخفضاً، وتزيد عليهم أعباء العمل، ويفتقدون احتمال الترقي وغيره. هذه الأمور جعلت البعض يصف العمل الجزئي كأحد المصادر الرئيسة للتمييز ضد النساء. (دراسة المرأة والعمل والعمالة في أوروبا).

ختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن ترك سوق العمل يقرر إنابة عن المجتمع، بحيث يكون النجاح في العمل المقياس الأساس لقيمة الفرد ولتحقيق المكانة والثروة، يثير أيضاً تساؤلاً حول ما قد يؤدي إليه ذلك من نشوء ثقافة أكثر أنانية، ما لم يدرك المجتمع أن التحوّل الذي حصل في النقلة النسائية إلى سوق العمل يحتاج إلى احتضانه مجتمعياً لكي تبقى الرعاية من خصاله الرفيعة أيضاً.

المرأة في الاقتصاد السعودي
الضرورات، المعوقات، الإنجازات والآفاق
صفية الجفري
يبلغ عدد النساء في المملكة العربية السعودية نحو نصف عدد السكان (%49.9 تحديداً)، أما إسهام المرأة في سوق العمل السعودي فقد بلغ ما نسبته %10.3 في عام 2004م. وقد وصل هذا الإسهام إلى هذه النسبة بعد جهود تنموية، خاصة في مجال التعليم، إذ لم يكن يتجاوز في العام 1992م %5.4، حسبما جاء في تقرير الأهداف التنموية للألفية الذي أعدته وزارة الاقتصاد والتخطيط بمشاركة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وفي قراءة لهذا الارتفاع، تقول الأستاذة نشوى طاهر، إحدى أول سيدتين انتخبتا في مجلس إدارة الغرفة التجارية في جدة: إن هذا الإسهام، رغم ارتفاع نسبته في السنوات الماضية، إلا أنه يبقى من دون أثر حقيقي في الاقتصاد السعودي. وإن الأثر المرجو كحد أدنى يتحقق بارتفاع هذه النسبة إلى %27 وفقاً لإحصائية كانت قد أعدتها في إطار برنامجها الانتخابي في غرفة تجارة جدة.

فمقابل الارتفاع النسبي لهذه المشاركة، هناك ثلاثة أمور لا بد من الإشارة إليها:
أولاً: تقدم ملحوظ في مجال التعليم (إحصائياً)، إذ سُدَّت الفجوة بين الجنسين في مؤشرات القيد، وذلك في كل مراحل التعليم العام والعالي، وبلغ معدل النمو السنوي لإجمالي قيد البنات في جميع مراحل التعليم نحو %7.1 للفترة الواقعة ما بين العامين 1975 و 2005م، في حين بلغ هذا المعدل عند البنين %5. لا بل إن عدد الطالبات في التعليم العالي -الدبلوم الجامعي والدراسات العليا- قد زاد على الطلاب. وبلغت نسبة الخريجات %56.5 من إجمالي عدد الخريجين، حسبما جاء في خطة التنمية الثامنة (2005 – 2009م).
ثانياً: تكدس قوة العمل النسائية في قطاع التعليم، حيث بلغت نسبة العاملات فيه %82 من مجمل العاملات في كافة القطاعات، حسبما جاء في دراسة أجراها مركز رواج للاستشارات والتدريب ونشرها موقع الإسلام اليوم بتاريخ 18/5/2006م.
ثالثاً: ضعف مخرجات التعليم وعدم مواءمتها لسوق العمل، وتفشي البطالة بين خريجات الجامعات والمعاهد لتصل إلى الثلثين تقريباً، كما جاء في دراسة لأكاديميين سعوديين في مجال الاقتصاد والتعليم ضمن مشروع آفاق لتطوير التعليم الجامعي.

التمركز.. قضية مشتركة مع الذكور
إن قراءة هذه المعطيات مجتمعة تكشف لنا خللاً ظاهراً. إذ إن ارتفاع نسبة الخريجات يكاد يكون معدوم الأثر (إحصائياً)، ليس فقط لجهة انخفاض نسبة المشاركة في سوق العمل، ولكن لمحدودية قطاعات هذه المشاركة من جهة، حيث تتركز في قطاع التعليم كما قدَّمنا، ثم قطاع الصحة والعمل الاجتماعي (%6.1)، والإدارة العامة (%4.4)، وعدم جودة مخرجات التعليم من جهة أخرى، وتركزها في الأقسام النظرية دون التطبيقية. حيث إن خريجات أقسام التربية والتعليم و العلوم الإنسانية يشكلن %88 من مجموع الخريجات.

والجدير بالذكر أن هذه المشكلة ليست خاصة بالإناث. فالصورة لا تختلف مع الذكور رغم الاختلاف في مواضع التمركز. فحصة قطاعات الخدمات هي المهيمنة في استحواذها على النسبة الكبرى من المشتغلين الذكور، مثل الإدارة العامة (%46.82) والتعليم (%14.2).

وتقول الدكتورة بسمة عمير، مديرة مركز السيدة خديجة بنت خويلد لصاحبات الأعمال بجدة، في حديثها إلى القافلة ، إن الغرفة التجارية في جدة وصندوق تنمية الموارد البشرية يحاولان أن يغطيا هذا الخلل بالبرامج التدريبية، الأمر الذي يشكِّل عبئاً إضافياً على الحكومة. فالقطاع الخاص لا يستطيع تعيين المتخرجين حديثاً إناثاً أو ذكوراً لحاجتهم إلى التأهيل من حيث التقنية وسلوكيات العمل وغير ذلك. وإضافة إلى ما تقدم، هناك مشكلات أخرى مثل عدم توافر مواصلات عامة ملائمة بالنسبة إلى الإناث. مما يجعل توفير المواصلات من قبل الموظفة يستنزف الراتب المتدني الذي يدفعه القطاع الخاص.

وتؤكد الدكتورة عمير أن الحل لا يقتصر فقط على إقبال الطالبات على الأقسام التطبيقية، بل في تحسين نوعية التعليم بحيث يصبح قادراً على تنمية مهارات التفكير لدى الطالب ويدربه على حل المشكلات، وعلى التمكن من القراءة الواعية للمعلومات، وكيفية استخراجها.

من مساعي توسعة الفرص والمجالات
شهدت السنوات الأخيرة سلسلة خطوات تمثلت في عدد من القرارات الحكومية الجديدة الهادفة إلى معالجة مواضع الخلل التي أشرنا إليها. ومن هذه الخطوات، على سبيل المثال، انطلاق مشروع آفاق لتطوير التعليم الجامعي، والارتقاء بالكفاءات الوطنية لكي تلائم احتياجات سوق العمل كما ذكر الدكتور خالد السلطان، المشرف على المشروع ومدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.

وفي الإطار نفسه، يبرز قرار مجلس الوزراء رقم 120 بتاريخ 12/4/1425هـ كأحد أهم القرارات في هذا الصدد. إذ يشتمل على تسعة إجراءات لتوسيع فرص ومجالات عمل المرأة السعودية، ومنها الإجراء الذي ما زال يثير الجدل في المجتمع السعودي، والقاضي بقصر بيع المستلزمات النسائية على النساء بضوابط شرعية. ويقول وزير العمل، الدكتور غازي القصيبي، في حديث لجريدة المدينة (22/7/2006م): إن هذا القرار لم يفهم بصورة صحيحة رغم جهود وزارة العمل في إيضاحه وبيان أن تطبيقه هو وفق الضوابط المقررة وبما لا يتعارض مع المثل والقيم والثوابت التي يتمسك بها المجتمع السعودي .

وأضاف الوزير القصيبي إن أهم العقبات هي تغيير نظرة المجتمع إلى عمل المرأة، وأن قرارات قد صدرت عن الحكومة تحدد الاشتراطات والبيئة المناسبة لعمل المرأة، ومنها قرار مجلس القوى العاملة (سابقاً) بشأن مجالات وضوابط عمل المرأة في المملكة. والذي يتلخص في تحديد ثلاثة مجالات رئيسة لعمل المرأة، وهي التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وذلك على سبيل التقرير وليس الحصر. لكون المجالات المذكورة قد طرقتها المرأة فعلاً، وتستوعب في الواقع النسبة الغالبة من النساء العاملات في المملكة .

إلى ذلك، تتضمن خطة التنمية الثامنة تأكيداً على أن الاستثمار يشكِّل أحد المنافذ المهمة نظراً لمحدودية فرص التوظيف للعمالة الوطنية في القطاع الحكومي لتشبعه. ومع تزايد عدد الخريجات السعوديات من مختلف نظم التعليم والتدريب يبدو الاستثمار أحد المخارج أمام المرأة السعودية ومجالاً ملائماً لعدد كبير من السيدات المقتدرات مادياً.

15 مليار ريال.. في انتظار استثماراتهن
يضمن الاستثمار التمتع بكافة ميزات مشاركة المرأة في سوق العمل على صعد إثبات الذات وتحقيق مكانة اجتماعية جيدة، بالإضافة إلى سهولة الجمع بين المشاركة في التنمية والوفاء الأفضل نسبياً بمسؤوليات المرأة المنزلية.

وعمـل المـرأة فـي الاستثمـار قد يضيف إلى الناتج المحلي الإجمالي ما يضيفه أي نوع آخر من مشاركات المرأة في التنميـة، أما الاستثمار فبجانب ما يضخه من أموال في قنوات الاقتصاد المختلفة، فهو يوفر أيضاً فرصاً للعمل تضاف هي الأخرى إلى الناتج المحلي الإجمالي. من هنا، كان اهتمام خطط التنمية الأخيرة بتشجيع مثل هذا النوع من المشاركة وإتاحة الفرصة للمرأة لاستثمار مدخراتها الكبيرة التـي تقدر بنحو 15 مليار ريال مجمدة في البنوك ومعطلة عن استخدامها في الاستثمار.

وقد ازداد إقبال سيدات الأعمال السعوديات في المملكة خلال السنوات القليلة الماضية على الاستثمار في مختلف النشاطات الاقتصادية. وتشير البيانات المتاحة إلى أن عدد السجلات التجارية المملوكة لأسماء نسائية تزيد على 22500 سجل تجاري تمثل نحو %4.7 من عدد المنشآت المسجلة في الغرف التجارية الصناعية في المملكة. وتغطي هذه السجلات أنواعاً متعددة من النشاطات الاقتصادية بما فيها نشاطات كانت حكراً على الرجال في أوقات سابقة كنشاط المقاولات والبناء، كما تشمل أيضاً نشاطات صناعية وزراعية. وفي المدة الأخيرة، أشارت أيضاً بيانات وزارة التجارة والصناعة إلى أنه خلال العام 2004م تم قيد 1565 سجلاً تجارياً نسائياً في نشاطات تجارية متنوعة على مستوى المملكة.

وتمثل هذه السجلات منشآت صغيرة ومتوسطة الحجم، وهي من المشروعات المفضلة كقنوات استثمارية لسيدات الأعمال السعوديات. وتشكِّل النشاطات التجارية الثلاثة الأولى وهي تجارة الجملة والتجزئة، والمواد الغذائية، والملابس الجاهزة والأقمشة، ما يقارب %80 من السجلات التجارية المقيدة.

ولعل صدور قرار مجلس الوزراء (120) الذي يوسِّع مجالات مشاركة المرأة. قد يجعل الإحصاءات التي تأتي من بعده أقرب إلى الدقة إذا ما نجحت الخطط التنموية بالنسبة للمرأة في تحقيق أهدافها.

المشروعات الصغيرة.. إصلاحات راسخة
باتت المشروعات الصغيرة تشكِّل جزءاً مهماً من اقتصاد الدول المتقدمة، إذ تمثل %50.1 من صادرات الولايات المتحدة، و %88 من صادرات اليابان (المؤسسة الدولية للتمويل تقرير 2006م).

وفي السعودية، حيث تشكِّل المشروعات الصغيرة %80 من حجم السوق، بدأت تظهر بالفعل توجهات فاعلة لدعم هذه المشروعات عبر التأهيل والتدريب وحاضنات الأعمال، تشارك فيها مؤسسات الدولة والمجتمع المدني معاً.

فلدى مركز السيدة خديجة بنت خويلد لدعم صاحبات الأعمال، حاضنات أعمال مجهزة تقنياً، ويستقبل المركز طلبات الراغبات بإنشاء مشروعات صغيرة، ويتم تدارس الفكرة معهن، ثم توجيههن إلى مكاتب استشارية متخصصة لعمل دراسات الجدوى بتكلفة منخفضة كثمرة للتعاون بين المركز وهذه المكاتب. وتقدم الغرفة كما تذكر الدكتورة بسمة عمير الدعم لهذه المشروعات. وتتعاون في هذا الإطار مع مؤسسات المجتمع المدني التي تدعم المشروعات الصغيرة، كالبنك الأهلي، وشركة صافولا، وصندوق عبداللطيف جميل.

ويتحدث مدير عام برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع، إبراهيم بن محمد باداود، عن وجود خطة لاستيعاب أكثر من 20 ألف شاب وشابة في برنامج التدريب المنتهي بالتوظيف. ويشير إلى أن %50 من نشاط البرنامج تحوز عليه السيدات، حيث حصلت حتى الآن حوالي 528 سيدة على تمويل من هذا البرنامج، في الوقت الذي يخطط فيه المسؤولون في البرنامج لكي تستفيد منه نحو 10 آلاف سيدة خلال العام المقبل.
ونقرأ في الموقع الإلكتروني لبرامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع قصصاً لنساء سعوديات استثمرن قدراتهن في الأعمال الفنية في مشروعات صغيرة بدعم من البرنامج، بقروض ميسرة بدون فوائد. ويذكر الموقع أن 271 فتاة سعودية قد التحقن بدورات صندوق التأهيل المهني والحرفي منذ بدأ عمله في يوليو 2003م، والتي بلغت حتى الآن 34 دورة في مجالات تمس بشكل مباشر حاجة الفتاة السعودية للعمل المناسب.

المرأة والاقتصاد من الظل إلى النور
هناك مسارات كثيرة لمشاركة المرأة الفاعلة في العملية التنموية. أداء الواجبات الأسرية أحد هذه المسارات، في ظل ثقافة دينية ومجتمعية تعظِّم دور الأمومة، وتفرض على الزوج أن ينفق على زوجته، والعمل المنزلي المدفوع الأجر عن بعد أو عبر المشروعات الصغيرة مسار آخر، والعمل خارج المنزل مسار ثالث، والمشاركة في فعاليات المجتمع المدني مسار رابع.

هناك معوقات كثيرة وارتباك في التعامل مع معطيات اقتصادية جديدة على البلاد كما في تعامل المرأة السعودية مع الأسهم، على سبيل المثال، إذ نجد مشاركة مكثفة للمرأة في سوق الأسهم، وقد جاءت نتائج رصد هذه المشاركة سلبية -وفقاً لدراسة أعدها مركز قيمة مضافة للاستشارات في الرياض- إذ تبين أن %95 من المتعاملات في سوق الأسهم ينتهجن المضاربة بدلاً من الاستثمار، مما يدل على تدني الوعي الاستثماري. (عرض للدراسة. سحر رملاوي. جريدة الرياض، 25 مايو 2006م)، لكن هناك أيضاً همة وحراكاً حقيقيين لأجل التوعية وتجاوز العقبات. جائزة إبداع للعمل المنزلي التي نظَّمها مركز السيدة خديجة بنت خويلد مثال حي على ذلك. حيث كان سبباً في بروز بعض نشاطات العمل المنزلي النسوي، التي كانت في حيز الظل، إلى العلن، وشجعت العاملات من المنازل ضمن (اقتصاد الظل) على الاتصال بالمركز، وتسجيل نشاطاتهن، كما تذكر الدكتورة بسمة عمير. وقد فازت بالجائزة 37 سيدة من أصل 77 سيدة بـ 309 منتجات وفق لجنة التحكيم المكونة من متخصصات وأكاديميات.

المستقبل.. القوانين وحدها لا تكفي
تعد السمة الأبرز في قوة العمل النسائية هي كونها من الفئات الفتية عمراً (25-34 سنة) مما يشير إلى إمكانات تحقيق زخم أكبر في وتائر النمو المستقبلية لمعدلات النشاط الاقتصادي للنساء مقارنة بالذكور. إذ إن معدلات النشاط الاقتصادي للذكور هي أساساً عالية جداً للفئة العمرية 25-54 سنة، في حين أن مشاركة النساء الحالية في النشاط الاقتصادي متدنية، مما يشير إلى أن احتمالات الزيادة الكبيرة وإمكاناتها هي أعلى عند النساء. وإذا أخذنا في الحسبان صحة الفرضية التي تقول: إن التعليم مفتاح العمل، وبوجود مؤشرات تؤكد أن الزخم الكبير في معدلات النمو يكمن في مشاركة الإناث في النظام التعليمي، فإن هذا يعني أن وتيرة العرض من القوى العاملة خلال المدة المقبلة ستكون عالية في صفوف الإناث. وذلك إذا ما أزيلت العوائق المجتمعية والتشريعية التي تحول دون زيادة هذه المشاركة.

والأرقام في علاقة المرأة السعودية بالاقتصاد، رغم أهميتها، ليست المؤشر الوحيد على التنمية كفعل حضاري مجتمعي ما دامت هناك إرادة حقيقية. يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: إن عالم الاقتصاد ليس عالم الكميات وعالم الأرقام إلا في الرتبة الثانية، أي بعدما تبعث فيه الإرادة الحضارية الحركة والحياة .

هذه الإرادة نجدها حاضرة في إقبال الفتيات السعوديات على العمل، فقد تقدمت إلى مركز السيدة خديجة بنت خويلد -في جدة- خمسة آلاف فتاة سعودية لشغل وظيفة بائعة كان المركز قد أعلن عنها.

كما نجدها حاضرة في الوعي والهمة اللذين أثمرا خوض المرأة السعودية لأول مرة في تاريخها انتخابات الغرفة التجارية بجدة، على سبيل المثال. ولا يمكن تجاهل أثر هذا التوجه على العملية التنموية. وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة بسمة عمير: إن حصول المرأة على حقوقها يلزمه مثابرة منها، إذ لا أحد يرفض أن تتقدم المرأة، لكن هذا التقدم لن يحصل إن لم تعمل المرأة على تحصيله عزماً ومتابعة .

أضف تعليق

التعليقات