عندما شحّت المواد الأساسية لصناعة الأدوات الكهربائية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، قام شخص يُدعى لاري مايلز من شركة “جنرال إلكتريك” بالعمل على تحليل وظائف الأجزاء في الأدوات الكهربائية، ووضع تقديراً لقيمة كل جزء على حدة. وبواسطة هذا الأسلوب، تمكن من تخفيض كلفة أجزاء كثيرة من دون المساس بالوظائف الأساسية، مما مكّن الشركة من متابعة الإنتاج بمواد أقل وكلفة أقل. وكان الأمر بمثابة ولادة لعلم جديد هو: الهندسة القيمية.
تقوم الهندسة القيمية على عملية تحليل منظم للكلفة من خلال تحليل وظائف المشروع وأجزائه. وتستعمل لتحسين الكلفة الكلية لعمر المشروع وأيضاً لتحسين أدائه. كما أنها تحاول العثور على فرص لزيادة القيمة وإزالة الفائض عن الحاجة، لكن من دون التضحية بالجودة أو بالأداء الوظيفي أو السلامة أو الموثوقية. وبالإضافة إلى المشاريع، يمكن للهندسة القيمية أن تكون مجدية في نظم الإدارة والتصنيع والتشغيل، وبشكل عام في كل مجال يحتاج إلى تحسين الكلفة والأداء.
وتعتمد الهندسة القيمية منهجاً منظماً يقوم على الإجابة عن ستة أسئلة هي:
1 – ما هو هذا الشيء؟
2 – ماذا يعمل؟
3 – ماذا يجب أن يعمل؟
4 – ما هي كلفته؟
5 – ما هي المواد الأخرى التي تؤدي العمل نفسه؟
6 – ما هي كلفة هذه المواد أو الطرق؟
ولو أخذنا أرامكو السعودية كمثال، لأشرنا إلى أنه قبل عام 1998م، كانت دراسات الهندسة القيمية تُعمل بصورة اختيارية ومجزأة، ولم تكن إلزامية. ولكن بدءاً من ذلك العام، أسست الشركة مجموعة الهندسة القيمية في إدارة مساندة المشاريع، وذلك بجمع أفراد كثيرين من تخصصات مختلفة. ويتكون الفريق عادة من رئيس ورئيس للدراسة واختصاصي تكاليف تقييم مشاريع واستشاري فني من مالك المشروع وممثل عن إدارة المشاريع وإدارة الهندسة وإدارة التخطيط ومجالات أخرى.
ومنذ عام 1998م، أمّنت دراسات الهندسة القيمية في الشركة فرص توفير بلغ مجموعها 1000 مليون دولار من خلال 150 دراسة، بمعدل 30 إلى 40 دراسة سنوياً. وفي إحدى الدراسات للمواصفات الكهربائية في أحد المشاريع تم تحديد توفير أكثر من 60 مليون دولار من المقترحات الموافق عليها. الأمر الذي دفع إدارة المشاريع إلى جعل دراسة الهندسة القيمية إلزامية لكل مشروع تفوق قيمته عشرة ملايين دولار، وهذا ما تنص عليه مواصفات عمل التصاميم الأولية. كما أن هناك مشاريع خاصة تقل قيمتها عن عشرة ملايين دولار وتعمل لها دراسة قيمية إذا كانت مشاريع متكررة.
وتؤكد التجارب أن أفضل وقت لإنجاز الدراسة الهندسية القيمية هو في مراحل تحديد جدوى المشروع، وفي المرحلة الأولية لوضع تصاميمه المبدئية.
ودفعت هذه النجاحات بالشركة إلى تدريس الهندسة القيمية لنحو 550 فرداً من موظفيها. كما تم تدريس 100 فرد دراسات متقدمة في هذا المجال. كما أصبح في أرامكو السعودية خمسة أشخاص يحملون أعلى شهادة تمنح من هيئة مهندسي القيمة العالمية (CVS)، وهو أكبر عدد لشركة واحدة في الشرق الأوسط.