في رواية «الساحر الجبار» لسومرست موم التي نُشرت عام 1908م. يحاول بطل الرواية الشرير أوليفر هادو أن يخلق خلايا حية من خلايا حية لإنسان آخر ليصل إلى الخلود وأكسير الشباب الدائم. كانت الرواية مرعبة لما تحويه من أفكار مجنونة لا يصدقها العقل، وأقرب ما تكون إلى السحر. بعد مرور مئة عام تظهر تقنية جديدة تفصل جزءاً من مكون دم الإنسان لتحفيز انقسام الخلايا. د. لبنى عبدالغفور تأخذنا في جولة في عوالم الطب الجديدة، وبين مكونات الدم التي يوجد فيها أكسير الشباب.
الخلايا الجذعية المستخلصة من الحبل السري للمولود، تعد من أفضل الخلايا لكونها صغيرة ونشطة وقادرة على التمايز مع غيرها، وبالتالي ستكون قادرة على الترميم والبناء
لا تمر ساعة في عالم الطب دون اكتشاف، أو حتى ملامح لاكتشاف جديد. فالمتعة في البحث عن علاج أو حل بين خلايا دم الإنسان كالمتعة في قراءة كتاب خيالي أو مشاهدة فيلم علمي مثير. إن بقعة الدم الحمراء التي لا تعدو كونها نقطة سائلة تتجلط، أحياناً، فيها من الأسرار والاكتشافات ما يجعل الباحثين أسرى أمامها لا يغادرون مختبراتهم إلاّ لماماً.
واليوم، يتردد اسم الخلايا الجذعية حول ماهيتها؟ ما دورها؟ لقد بات الكثيرون يتساءلون عن عملية البناء الذي تقوم به وعمّا تحمله من أمل للمصابين بالأمراض المستعصية. فبالنظر إلى أسلوب العلاج الماضي والحاضر نجد أن العلاج يستدعي، أحياناً، عملية هدم، تماماً، كما تستدعي البنية التحتية في المدن إلى حفر وجرف ثم ردم. كذلك كان جسد الإنسان يحتاج عند إصابة عضو من أعضائه بالتلف إلى استئصال، أو تناول أدوية لها من الأعراض الجانبية ما يجعل الشركة المصنعة ترفقها في نشرة الدواء، أو أدوية يُكتشف بعد زمن أنها فاشلة وقاتلة!
الحقن بالخلايا الجذعية
منذ عشرين عاماً بدأت الفكرة في المختبرات الأمريكية وهي أن تتم معالجة المريض بالخلايا الجذعية القادرة على التجديد الذاتي، وذلك بالحقن لتشكيل أي نوع من الخلايا المطلوبة لإعادة بناء وترميم الأنسجة التالفة. ثم وصلت إلى أوروبا، ومنذ سنوات قليلة وصلت هذه التقنية إلى الصين التي قامت بأبحاث جادة ومضنية لتوفير مادة الخلايا الجذعية المستخلصة من الحبل السري للمولود، وذلك لأن الخلايا فيه تعد من أفضل الخلايا لكونها صغيرة ونشطة وقادرة على التمايز مع غيرها وبالتالي ستكون قادرة على الترميم والبناء، ما يجعل الأعضاء المصابة تتماثل سريعاً للشفاء لتكون قادرة على ممارسة دورها ووظائفها بطبيعية، ولكن بشرط أن تتلاءم هذه الخلايا مع خلايا المريض. لذا لجأت بعض الدول إلى إنشاء بنوك للخلايا الجذعية. تماماً كبنوك الدم، مع الفارق أن الخلايا الجذعية بمنزلة أكسير لأغلب الأمراض المستعصية مثل السكر والزهايمر والشيخوخة والكهولة.
أما في البلدان العربية فقد عُرفت هذه التقنية منذ عامين، فانطلق المرضى يبحثون عن أمل في الشفاء عن طريق الخلايا الجذعية، لكن لعدم توفر بنوك للخلايا الجذعية في أوطانهم اضطروا إلى أن يطرقوا أبواب مختبرات بلدان أخرى، لكن العقبة تتمثل في عدم وجود خلايا جذعية تناسبهم.
وداعاً للشيخوخة
يقال أن الملك الأسطوري السومري جلجامش ظل يبحث عن سر الخلود والشباب إلى أن أضناه البحث. وعندما يئس لجأ إلى حيلة، ربما، وجدها ناجحة وهي أن يحفظ جسده بعد موته في العسل! إلى أن يجد الحكماء سر الحياة والخلود. فيستيقظ من رقدته العسلية شاباً معافى. لم يكن جلجامش الوحيد الذي شغله الخلود والشباب، بل حتى الفراعنة وكثيرون جاؤوا بعدهم تفننوا في الهروب من الشيخوخة وأعراضها سواء بالتجميل أو التزوير. ولعل ذلك الهروب مرجعه إلى أن الشيخوخة وأعراضها تُعدُّ مؤشراً طبيعياً للنهاية فقد كانت ولا زالت النهاية والتلف ذلك الشبح المرعب الذي يهدد البشرية. لكن مع الخلايا الجذعية بدا الأمر مختلفاً، فالشيخوخة قاب قوسين أو أدنى لتتراجع، فبدلاً من أن تبدأ الكهولة من الثلاثين. ربما مع ثورة التقنية الجديدة بدأت من الأربعين.
إن انقسام الخلايا الجذعية يعني بناء وترميماً، لذا كان استخدام جزء من مكون دم الشخص ذاته في تحفيز هذا الانقسام أمراً مثيراً غير قابل للتصديق حول النتائج التي تبدو مذهلة، إذ يبدأ تراجع الشيخوخة خلال أسبوعين. وذلك من خلال تقنية حقن البلازما التي تحفز الخلايا الجذعية على الانقسام فتبني الجلد دون الحاجة إلى العلاجات الكيميائية، أو العمليات الجراحية وما يصاحبها من تأثيرات على المدى البعيد. كل ما يحتاج إليه المريض أو من يبحث عن أكسير الشباب لهذه التقنية هو أن يُسحب مقدار 8 ملم من دمه، ثم توضع العينة في جهاز الطرد المركزي المخبري لمدة 9 دقائق. تصل سرعة الجهاز إلى 51 ألف دورة في الدقيقة لتفصل مكونات الدم الحمراء والبيضاء بشكل نقي. تنتج بعد ذلك البلازما الغنية بالصفائح الدموية التي تُحقن بها البشرة المجهدة أو المتراخية أو المتجعدة بفعل الشيخوخة فتقوم بتحفيز انقسام الخلايا الجذعية التي في انقسامها بناء وترميم وتجديد.
مستقبل الأدوية
بعد هذا الدواء الذي يستخلص من الإنسان فيشفيه ويمنحه مظهراً شاباً.. هل يودع العالم الأدوية الرخيصة والباهظة الثمن إلى غير رجعة، والعمليات الجراحية المكلفة؟ وهل نتنبأ في المستقبل القريب بثورة شركات الأدوية في وجه هذا الاكتشاف الطبي الفريد؟ هل ستختفي الصيدليات وتستبدل بها إبر حقن وأجهزة الطرد المركزي، أم ستنشر الشائعات المغرضة حول هذا الاكتشاف التقني، وتحارب بضراوة على جميع الأصعدة؟!