التيارات البحرية أعظم شأناً من أن يقتصر الحديث الإعلامي عنها على حالات غرق بعض السابحين هنا أو هناك.. وليس من المبالغة في شيء القول إنها على الصعيد البيئي أهم من الغابات التي تحظى بنصيب عادل من الاهتمام العلمي والإعلامي. فما هي التيارات البحرية؟ وما هي أدوارها على الصعد المناخية والبيئية؟ وهل بدأ الإنسان بالتطاول على منظومتها كما هو حاصل بالنسبة إلى الغابات؟ أسئلة يجيب عنها عبود عطية ورياض الشواي في هذا التقرير.
شارلي، فرانسيس، إيفان، جاين.. أسماء تبدو وكأنها لتلامذة مدرسة يتلوها الناظر حسب تسلسلها الأبجدي. غير أنها في الواقع أسماء أعاصير مدمرة وقاتلة ضربت خلال هذا الخريف جزر البحر الكاريبي وتحطمت على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية مخلفة آلاف القتلى وخسائر مادية بعشرات بلايين الدولارات.
اللافت للنظر، أن الأعاصير الأربعة وصلت كلها من المحيط إلى اليابسة عند نقطة محددة: ولاية فلوريدا. وفي تفسير لتركيز الطبيعة على صب غضبها على هذه المنطقة دون غيرها، كان علماء الأرصاد الجوية يشيرون بإصبعهم إلى التيار البحري المسمى بـ “تيار الخليج”.
سجلت ولاية فلوريدا بهذه الأعاصير رقماً قياسياً لم تشهده ولاية أمريكية أخرى خلال القرن العشرين (الولاية الوحيدة الأخرى التي ضربتها أربعة أعاصير في موسم واحد هي تكساس، وكان ذلك في القرن التاسع عشر). ولكن فلوريدا لا تزال بعيدة جداً عن اللحاق بالرقم القياسي الذي سجلته اليابان في العام الجاري. إذ تعرض الأرخبيل الياباني والساحل الشرقي للصين لعشرة أعاصير مدمرة حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، وهو رقم لم يسبق تسجيله منذ بدء تدوين الأحوال الجوية في العالم. وكما هو الحال في تفسير أعاصير الأطلسي، يشير العلماء بأصابعهم هنا إلى التيار الدافئ في المحيط الهادئ، المعروف باسم “تيار اليابان”. وقبل التطرق إلى خصوصية الأحوال الجوية في العالم لهذا الموسم، يجدر بنا التوقف أمام ما هية التيارات البحرية وأهميتها البيئية والمناخية بشكل عام.
النهر في البحر
التيارات البحرية هي عبارة عن تحرك كتل مائية في أحواض المحيطات والبحار في اتجاهات محددة وبأشكال منتظمة في مسارات تشبه مسارات الأنهار العريضة. ويعود تشكّل التيارات البحرية إلى عوامل جغرافية عديدة منها:
–
الرياح، خاصة الدائمة منها. إذ تدفع الرياح المياة البحرية السطحية في اتجاهها العام نفسه.
–
حركة دوران الأرض حول محورها التي تؤدي إلى انحراف المياه صوب اليمين في نصفها الشمالي، وناحية اليسار في نصفها الجنوبي.
–
خصائص المياه البحرية والمحيطية، خاصة ما يتعلق بدرجة حرارتها وملوحتها. ويضاف إلى ذلك عوامل أخرى مثل أشكال السواحل ومياه الأنهار التي تصب في البحار والمحيطات.
عرف الإنسان التيارات البحرية منذ أن عرف السباحة والملاحة. ولكن دراستها علمياً تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر فقط.
كان للضابط الأمريكي ام. اف. موري فضل كبير في تسجيل الكثير من المعلومات عن حركة التيارات البحرية والرياح على أساس علمي. ووضع أول مؤلف في الجغرافية الطبيعية للبحر عام 1855م. وكان للخرائط التي رسمها لنظم الرياح والتيارات البحرية في العالم فائدة كبيرة لحركة التجارة العالمية. فقبل نشر هذه الخرائط، كان متوسط الزمن الذي تستغرقه رحلات السفن ما بين إنجلترا وأستراليا نحو 124 يوماً. ولكن باستخدام تلك الخرائط انخفض هذا المتوسط في تلك الفترة إلى 97 يوماً. كما اختُصرت المدة التي كانت تستغرقها السفن ما بين كاليفورنيا ونيويورك (عبر جنوب الأرجنتين) من 183 يوماً إلى 135 يوماً.
البارد والساخن
تنقسم التيارات البحرية إلى قسمين أساسيين:
–
التيارات البحرية الباردة: وهي التيارات القادمة من المناطق القطبية الباردة في الشمال والجنوب.
–
التيارات البحرية الحارة: وهي التيارات المنطلقة من المناطق الاستوائية.
وبين هذين النوعين من التيارات علاقة وثيقة جداً، إذ يختلطان مثلاً، أو يتحول التيار البحري البارد إلى تيار بحري حار، أو العكس، إذ يتحول التيار الحار إلى تيار بارد. وتشترك أحياناً عدة تيارات في إنتاج تيار معين.. أي أن عدة تيارات تتحول إلى تيار بحري واحد، وهذا التيار قد يتحول بدوره إلى تيار آخر أيضاً.
إلى ذلك يميز العلماء بين نوعين من التيارات البحرية. فهناك التيارات التي تتحرك ما بين محيطين وتسمى بتيارات التوازن الأفقية، والنوع الآخر ويعرف باسم تيارات التوازن العمودية.
تنشأ الفئة الأولى من هذه التيارات بين المسطحات المائية المتصلة ببعضها بعضاً، نتيجة اختلاف منسوب المياه بينها بسبب اختلاف نسبة التبخر، كما هو حاصل بين المحيط الأطلسي من جهة والبحر الأبيض المتوسط من جهة أخرى. والسبب أن نسبة التبخر في المتوسط هي أكبر مما يصب فيه من مياه الأمطار والأنهار. وبالتالي، فإن مستوى المياه فيه يميل نحو الانخفاض. ولتعويض هذا النقص تندفع مياه الأطلسي باستمرار في اتجاه المتوسط عبر مضيق جبل طارق لتعويض هذا النقص. ويقدر العلماء أن مياه المتوسط تتجدد كلها نتيجة لذلك مرة كل 30 عاماً تقريباً.
في هذا النوع من التيارات، تنتقل المياه من بحر إلى آخر بشكل أفقي، سواء أوقعت قرب سطح البحر أو بعيداً عنه في الأعماق. وقد جرى العرف بين الجغرافيين على استخدام تعبير “التيارات البحرية” للإشارة بوجه خاص إلى التيارات الأفقية السطحية. ولكن هذا النوع من حركة التيارات البحرية ما هو إلا جزء محدود من الحركة العظمى للتيارات البحرية الكبرى في الأحواض المحيطية، المعروفة باسم تيارات التوازن العمودي.
تختلف مياه المحيطات في حرارتها وكثافتها ما بين مكان وآخر. وقد لاحظ العلماء أن المياه الباردة للمحيط المتجمد الجنوبي ذات ثقل نوعي أكبر من مياه الأطلسي، لذلك فإنها تغور تحت مياه هذا الأخير لتصل إلى الأعماق، يقابلها ارتفاع للمياه الدافئة نسبياً إلى السطح، كما تغور إلى الأعماق المياه ذات الكثافة المرتفعة (المالحة نسبياً) بفضل التبخر الحاصل عند السطح.
ولا يمكن للناظر مشاهدة التيارات البحرية، لأن حركتها تشبه حركة جزيئات المياه السطحية التي تحدث في إناء فوق مصدر لهب. فنلاحظ أن سطح الماء في الإناء يكون ثابتاً عند مستوى واحد على الرغم من حدوث انتقال جزيئاته السفلى على شكل تيارات صغيرة أفقية ورأسية تبعاً لتغير درجة حرارة المياه واختلاف كثافتها من جزء إلى آخر داخل الإناء. ولكن يمكن مشاهدة حركة المياه وتتبعها داخل هذا الإناء عند وضع مواد خفيفة فيه. فنراها تنتقل أفقياً ورأسياً فيه تحملها جزيئات الماء المتنقلة في هذا الاتجاه أو ذاك. كذلك هو الحال في الأحواض المحيطية العظمى، حيث تتحرك جزيئات مياه البحر على شكل تيارات أفقية ورأسية تبعاً لاختلاف كثافتها. ولا يمكن مشاهدة هذه التيارات إلا عند وضع العوامات الطافية وأقراص الفلين وتتبع حركتها والاتجاهات التي تسلكها.
ولأن التيارات البحرية من المعالم الجغرافية الثابتة في المسطحات المائية وليست عشوائية أبداً كما قد يتراءى للبعض، فإن كلاً منها يحمل اسماً غالباً ما يكون اسم منطقة من اليابسة ينطلق منها هذا التيار أو يصطدم بها، أو يمر بها. فتيار الكناري البارد مثلاً سمي بهذا الاسم نسبة إلى جزر الكناري، وتيار الخليج وهو أعظم تيار في الأطلسي وفي العالم سمي كذلك لأنه ينطلق من منتصف المحيط ويمر بخليج المكسيك قبل أن ينعطف شمالاً ويعود إلى أوروبا الغربية، وكذلك تيار الأطلسي الشمالي سمي بذلك نسبة إلى موقعه المحدد..
ولأن التيارات البحرية كثيرة جداً، ولكل منها خصوصياته ودوره المنفرد ننتقل إلى الحديث عمّا هو مشترك في ما بينها على الصعد البيئية ودورها بالغ الأهمية في رسم معالم الحياة على سطح الأرض.
أثرها على الحرارة
لما كانت التيارات الحارة تعمل دائماً على تدفئة السواحل التي تمر بها، بينما تعمل التيارات الباردة على تبريدها، فقد ترتب على هاتين الظاهرتين أن اختلفت درجات الحرارة على السواحل التي تقع عند خطوط العرض نفسها. وهذا يظهر بوضوح عند مقارنة السواحل المتقابلة في القارة الواحدة، أو السواحل المشرفة على محيط واحد من قارتين مختلفتين. فالسواحل الغربية لأوروبا الشمالية أدفأ بكثير من السواحل الشرقية لكندا وشمال الولايات المتحدة. ويرجع ذلك إلى تأثير تيار الخليج الدافئ الذي يعود من خليج المكسيك إلى أوروبا الغربية، وتأثير تيار لابرادور البارد على السواحل الكندية. وقد ترتب على ذلك عدة نتائج من أبرزها أن المياه أمام الساحل الشمالي الغربي لأوروبا لا تتجمد في أي شهر من شهور السنة، فنرى الموانئ النرويجية تعمل صيفاً وشتاءً في حين أن الملاحة تتوقف شتاءً في المناطق الكندية المقابلة. وتنعكس الحال تماماً في الجنوب. فمرور تيار الكناري البارد قبالة سواحل أفريقيا الغربية يجعل معدلات الحرارة فيها أدنى بنحو درجة مما هي عليه في أمريكا الوسطى وسواحل البرازيل.
أثرها في الرطوبة والتصحر
وإلى جانب تدفئة السواحل أو تبريدها، تؤثر التيارات البحرية كذلك في رطوبة الهواء. فالرياح التي تمر على تيارات دافئة تكون أقدر على حمل بخار الماء من الرياح التي تمر على تيارات باردة. ولهذا فإن الأولى تكون سبباً في سقوط أمطار غزيرة على السواحل التي تهب عليها، خصوصاً إذا كانت هناك سلاسل جبلية مرتفعة تعترض طريقها. وهكذا نرى أن تيار الخليج يشكل مصدراً لمياه المطر الغزير أينما مر، سواء أكان ذلك للساحل الشرقي للولايات المتحدة أم لسواحل غرب أوروبا. ولذا فإن هذه المناطق غنية بالزراعة والغابات.
ويختلف الحال تماماً بالنسبة للتيارات الباردة والرياح التي تمر فوقها. فهذه التيارات لا تساهم بنصيب يذكر في أمطار السواحل التي تمر بها، بل إنها على العكس من ذلك تساعد على جفاف هذه السواحل، كما هو الحال في جنوب غرب أفريقيا، حيث يوجد تيار بنجويلا وفي شمالها الغربي، حيث يوجد تيار الكناري. فقد ساعد هذان التياران الباردان على امتداد صحراء ناميبيا في الجنوب والصحراء الكبرى في الشمال حتى ساحل المحيط الأطلسي. وتتكرر هذه الظاهرة في جنوب غرب أمريكا الجنوبية، وكذلك غرب أستراليا. (ولكن لا يفهم من هذا أن جميع الصحارى في العالم قد تكونت بسبب التيارات الباردة وحدها. إذ إن السبب الرئيس في وجودها هو أن الرياح التجارية الشمالية الشرقية أو الجنوبية الشرقية التي تهب عليها في معظم أيام السنة تكون شديدة الجفاف لمرورها على مساحات واسعة من اليابسة. أما التيارات البحرية فقد ساعدت على امتدادها حتى ساحل المحيط من جهة وزيادة جفافها من جهة أخرى).
حفر الخلجان ورسم الشواطئ
وتساهم التيارات البحرية في تشكيل السواحل التي تمر بها، حيث إنها تنقل الرواسب التي قد تحملها الأنهار والرياح من اليابسة إلى البحر، أو تلك التي تتفتت بفعل الأمواج، وترسبها في الأماكن التي تهدأ فيها حركة الماء. ولهذه الحركة علاقة وطيدة بإنشاء الموانئ التي تمر بها التيارات البحرية. إذ تنشأ الموانئ عادة في الأماكن التي يقل فيها الإرساب. ففي شمال مصر، أنشيء ميناء الإسكندرية إلى الغرب من مصب نهر النيل، لأن التيار البحري يمر بساحل مصر الشمالي من الغرب إلى الشرق. ولو أنشيء هذا الميناء إلى الشرق لامتلأ بسرعة بالرواسب الطينية التي يحملها النيل إلى البحر. ومثل هذا يُقال عن ميناء ليون في فرنسا الذي أنشيء إلى الشرق من مصب نهر الرون، لأن التيار الذي يمر أمام هذا الساحل يأتي من الشرق.
وعلى الحياة البحرية
إضافة إلى ما تقدم، تتوافر العناصر الغذائية التي تحتاجها الكائنات البحرية في المسطحات المختلفة. وتساعد عملية اختلاط المياه على صعود المواد والعناصر الغذائية التي تكون قد هبطت إلى القاع بفعل الجاذبية، إلى الطبقات المائية العليا القريبة من السطح، حيث تنتشر الكائنات البحرية.
وبشكل عام، يمكن القول إن التيارات الحارة تحمل معها “الهوائم النباتية” (الفيتوبلاكتون) أما التيارات الباردة فتحمل “الهوائم الحيوانية” (الزوبلاكتون). وهذان النوعان من الهوائم يشكلان الغذاء الأساس للأسماك الصغيرة التي تشكل بدورها غذاء الأسماك الكبيرة. ولذا، فإن أفضل أماكن صيد الأسماك في العالم تكون عادة في مواقع التقاء تيارين أحدهما حار والآخر بارد، كما هو حال جزيرة نيوفاونلاند شمال شرق الولايات المتحدة، حيث يلتقي تيار لابرادور البارد بتيار الخليج الدافئ.
من كتب الجغرافية…
إلى الصحف اليومية
من المرجح أن ضخامة التيارات البحرية إنْ لجهة مقاييسها أو لديمومة آثارها على السواحل، جعلت الكثيرين يعتقدون أنها باقية على حالها إلى الأبد كما كانت منذ الأزل. ولذا، بقي الحديث عنها مقتصراً على كتب الجغرافية الطبيعية، ولم يكن هناك من مبرر حتى وقت قريب، لوصوله إلى الإعلام البيئي كاهتمام وموضوع يستحق المراقبة كما هو حال الغابات الاستوائية وحزام الأوزون على سبيل المثال. ولكن تسلط الإنسان عل الطبيعة يبدو أنه بات على قاب قوسين من المس بهذا الشأن الخطير، هذا إن لم يكن قد بدأ بمسه فعلاً، ودخل مرحلة دفع الثمن.
فخلال الحديث عن غزارة موسم الأعاصير الذي ضرب ولاية فلوريدا الأمريكية، طرحت شبكة “سي إن إن” التلفزيونية سؤالاً على مجموعة من علماء الأرصاد الجوية حول ما إذا كانت كثرة الأعاصير هذه السنة في فلوريدا واليابان على علاقة بموضوع الاحتباس الحراري وارتفاع حرارة الأرض. ولم يكن هناك من نفي لهذه العلاقة، بل شبه إجماع على أن إعطاء الجواب الحاسم يستدعي مراقبة موسم الأعاصير في السنوات القليلة المقبلة، لنعرف ما إذا كان الموسم الحالي استثناءً أم يعبر عن اتجاه جديد. ولكن العلماء أجمعوا من جهة أخرى أن أعنف مواسم الأعاصير التي ضربت الساحل الشرقي لأمريكا خلال العقدين الماضيين تزامنت مع تسجيل أعلى معدلات حرارة لمياه تيار الخليج.
ولكن ما الذي يمكن أن يؤدي إليه الاحتباس الحراري غير ارتفاع حرارة مياه المحيطات وتياراتها؟
والجواب هو سرعة هذه التيارات أيضاً. فبعضها قد يصبح أسرع، وبعضها قد يبطئ في حركته. والكلام هنا ليس نظرياً فقط.. فقبيل هبوب موسم الأعاصير الخريفية على فلوريدا واليابان، نشرت مجلة “العلم والحياة” الفرنسية خبراً لم يكن هناك ما يستدعي ربطه بأية أعاصير، ومفاده أن عالمين هما الفنلندي سيربا هاكينن (من وكالة الفضاء الأمريكية) وبيتر راينز (من جامعة سياتل) أكدا أن التيار الأطلسي الشمالي الذي يتجه من سواحل إيرلندا إلى كندا تباطأ بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي. وأكد العالمان صحة الخبر بإسناده إلى صور من الأقمار الاصـطناعية لمستويات سطح الماء، وإلى قياسات للسرعة في الأعماق.
فهل يعود الأمر إلى تقلب طبيعي في سرعة التيارات أم إلى الاحتباس الحراري. يقول العالمان إنهما بحاجة إلى عشر سنوات لحسم الجواب. غير أنهما يؤكدان أن أي تقلب في سرعة التيارات ومهما كان سببه، سيكون ذا أثر يتجاوز المقاييس على أحوال المناخ في محيطه المباشر، والأبعد منه قليلاً.
——————————————————————
كادر
أعظم من ألف نهر
يتراوح اتساع التيارات البحرية من عدة أميال إلى عدة مئات من الأميال. فمتوسط اتساع تيار الخليج الحار في قسمه الأوسط الرئيسي يبلغ نحو 80 ميلاً، وتيار الأطلسي الشمالي نحو 300 ميل، وتيار كاليفورنيا نحو 45 ميلاً. كما يختلف عمق أو سمك التيارات البحرية بين الواحد والآخر. وقد تبين أن متوسط عمق تيار الخليج الحار يبلغ نحو 1000 متر، وتيار المحيط الأطلسي الشمالي نحو 700 متر. وتقوم التيارات بتصريف حجم هائل من مياه البحر، كما تختلف سرعة انسيابها مقارنة ببعضها، وأيضاً خلال الفصول المختلفة من السنة.
وعلى سبيل المثال، فقد تبين أن حجم المياه المنصرفة من تيار فلوريدا الذي يلتحم بدوره مع تيار الخليج يصل إلى نحو 26 مليون متر مكعب في الثانية، وتتراوح سرعته ما بين 15 و 20 ميلاً في اليوم الواحد. ومتوسط سرعة تيار المحيط الأطلسي الشمالي تتراوح ما بين 12 و 17 ميلاً في اليوم. كما أن تيار لابرادور البارد وهو في الشتاء أقوى وأعظم حجماً وسرعة مما هو عليه خلال الصيف.
وأكدت الدراسات البحرية أن حجم ما يحمله تيار الخليج من مياه ويدفعها من جنوب فلوريدا إلى المسطحات المائية شمال شرق سواحل الولايات المتحدة، يقدّر بأكثر من 33 مثلاً لحجم كل المياه التي تحملها المجاري النهرية والثلاجات (Glaciers) الموجودة على سطح الأرض اليوم. وينقل هذا التيار حجماً هائلاً من الأملاح المذابة وغير المذابة يقدر بنحو 1.2 مليون طن في الثانية!! ولمثل هذه الأرقام العملاقة آثار.. عملاقة أيضاً.
————————————————————————
اقرأ للبيئة
جغرافية المياه
يمتاز هذا الكتاب الذي صدر في العام الجاري 2004م بشمولية قلّما نجدها في الكتب التي تتناول موضوع المياه.
الغلاف المائي والدورة المائية، بخار الماء ورطوبة التربة، التساقط، التوزيع الجغرافي لأنهار العالم، التصريف المائي وأهم استخدامات الأنهار، البحيرات، المياه الجوفية، الجليد والأنهار الجليدية، البحار والمحيطات… وصولاً إلى المياه العذبة في العالم العربي.. هذه هي بعض عناوين فصوله التي تقع في 409 صفحات.
وتحت عنوان كل فصل نجد مجموعة من العناوين الفرعية. ففي فصل البحيرات على سبيل المثال نجد أن الصفحات الثلاثين تتوزع على عدة مواضيع هي: تصنيف بحيرات العالم تبعاً لظروف نشأتها، البحيرات.. خصائصها العامة واستخدامات الإنسان لها، المسطحات المائية الضحلة (المستنقعات، السبخات، المسطحات الموحلة) والبحيرات والمستنقعات كحدود سياسية.
ولأن الكتاب من تأليف اختصاصي وأستاذ في الجغرافية الاقتصادية هو الدكتور محمد خميس الزوكه، ونشر دار المعرفة الجامعية، فقد يميل البعض إلى تصنيفه ضمن الكتب الجامعية غير الموجهة إلى العامة. غير أن شموليته مضافة إلى بساطة الأسلوب، تجعل مطالعته من قبل الفضوليين غير المختصين أمراً ممكناً، وغزارة الأرقام والمعطيات العلمية الدقيقة تجعله مرجعاً أو مذكرة لكل مهتم بأية قضية من قضايا المياه في العالم.