بالرغم من صعوبة الغوص في العالم المتناهي الصغر للمادة، وقلة عدد المهتمين بهذا العالم وصعوبة البحث العلمي الفيزيائي التجريبي مقارنة مع علوم أخرى، إلاّ أن تميز بعض الباحثين وإصرارهم على الغوص في أعماق المادة، ينتج بين فترة وأخرى اكتشافات علمية بارزة تساهم في فهم الفيزياء، وتساعد على استثمارها في بعض مجالات الحياة. من هذه الاكتشافات، الإلكترونات السبينية (Spintronics)، وهي تقنية جديدة تستثمر العالم العجيب لفيزياء الصغائر «فيزياء كوانتية»، وبالأخص تعتمد على خاصية مهمة تتميز بها الإلكترونات هي الاسبينات «لكل إلكترون سبين قيمته نصف»، إضافة إلى شحنتها، بدلاً من الاعتماد على هذه الشحنات السالبة التي يستفاد منها في الإلكترونيات التقليدية.
يعود اكتشاف تقنية الإلكترونات السبينية أو السبينترونيات إلى العالمين الفرنسي ألبيرت فيرت والألماني بيتر جرونبيرج، اللذين حصلا على جائزة نوبل للفيزياء عام 2007م نتيجة نشرهما مقالين في فترة قريبة لا تتجاوز أشهراً عدة، نهاية عام 1988م وبداية 1989م، حول تقنية فيزيائية جديدة اشتق اسمها من مفهومي الإسبينات والإلكترونات وأطلقا عليها اسماً آخر هو المقاومة المغناطيسية العملاقة من الأجهزة التي تخضع لتقنية السبينات الإلكترونية، نذكر الصمام السبيني وهو جهاز يتكون من طبقات ذات مواد مغناطيسية تظهر حساسية كبيرة للحقول المغناطيسية. يسمح الصمام السبيني بمرور الإلكترونات عند وجود أحد هذه الحقول، وفي حالة معاكسة لذلك، يسمح بمرور إلكترونات ذات سبينات محددة. ومن الجدير ذكره، توجد بعض التطبيقات التجريبية مثل بعض الأجهزة الإلكترونية المغناطيسية التجارية، ومثل قارئات رؤوس المقاومات المغناطيسية التي يتم استعمالها لقراءة المعلومات المخزنة مغناطيسياً في الأقراص الصلبة لأجهزة الحواسيب أو لمجسات المواضع «التمركز» في السيارات التي تستخدم لعدم حدوث تماس وبالتالي لتأمين الراحة والأمان.
يتم التركيز خلال هذه التقنية على المواد الفيرومغناطيسية مثل الحديد، الكوبالت، النيكل، لأنها تملك مغنطة تلقائية عند غياب الحقل المغناطيسي وتتوجه غالبية إسبينات إلكتروناتها بشكل موازٍ لهذه المغنطة. ولهذا يوجد في هذه المواد عدد من الإلكترونات تتجه إسبيناتها نحو الأعلى مختلف عن عدد الإلكترونات التي تتجه إسبيناتها نحو الأسفل، وبالتالي يقال بأن التيار الكهربائي في هذه المواد مستقطب إسبينياً، علماً بأن هذه المواد على خلاف المواد غير المغناطيسية التي تكون نصف سبيناتها متجهة نحو الأعلى، والنصف الآخر متجه نحو الأسفل. وقد دخل مفهوم استقطاب إسبين الإلكترون في أنصاف النواقل، بطريقة تسمى حقن الإسبينات أو بالأحرى، إدخال الإلكترونات المستقطبة إسبينياً في أنصاف النواقل، للاستفادة الجيدة من هذا الحقل في مجال نقل المعلومات والتخزين والسرعة وتخفيف النفقات.
تعد الإلكترونات السبينية واحدة من المواضيع المهمة، لأنها تقنية جديدة تسعى لتطوير أجهزة يستثمر من خلالها العالم الغريب لفيزياء الكوانتية أو فيزياء الصغائر، وتعتمد على خاصية التأرجح بين حالتي سبين الإلكترون «نحو الأعلى» و«نحو الأسفل»، وقد نالت اهتماماً كبيراً في السنوات الثلاث الأخيرة، إذ يعمل كثير من علماء العالم على تطوير تقنية متقدمة من السبينترونيات قادرة على إحداث ثورة في صناعة الحواسيب والبرمجيات باستخدام شيبات «رقاقات» أكثر تقلباً، وفعالة أكثر بكثير مما تقدمه التقانة الحالية المتقدمة نسبياً مقارنة مع التقانة العائدة لعقود سابقة، حيث تؤدي إلى زيادة سعات ذاكرات الحواسيب وذاكرات الكاميرات الرقمية والهواتف الخلوية، وكذلك زيادة سرعة نقل المعلومات التي قد تصل إلى أكثر بكثير من السرعات الحالية. كما أن العمل على هذه التقنية سيعزز الحوسبة الكوانتية المتقدمة، حيث يستفاد من البيتات الكوانية، التي تعتمد على خاصية امتلاك البيتات الحاسوبية على قيمتين هما الصفر والواحد، واستعمال خاصية توجه الإسبينات الإلكترونية «إلى الأعلى» و«إلى الأسفل» كبيتات. هذا ويجدر الذكر بأن الدراسات تشير إلى ظهور باحثين جدد في العالم مهتمين بهذه التقنية عاماً بعد آخر، يقومون بدراسة مفاعيل جديدة، ويطرحون أفكاراً مختلفة، بهدف استثمار هذه التقنية التي تخبئ كنوزاً كثيرة في مجالات مختلفة.