حياتنا اليوم

الأشياء البسيطة.. أكثـرية صـامتـة

فليبتكروا من الأشياء ما شاءوا، ويجددوا ويبدعوا، ويدهشوننا كباراً وصغاراً.. لكن لن يحل شيء محل الأشياء البسيطة، التي رافق بعضها الإنسان منذ أزمنة بعيدة.

من يراجع تفاصيل حياته اليومية يكتشف كم أن أبسط الأشياء المتوارثة لا تزال تشكل عماداً في سد غالبية حاجاته وتوفير أسباب راحته.

الماء البارد من كوب زجاجي شفاف، الصابون.. الصابونة إياها التي نغسل بها أيدينا من دون أي تجديد منذ قرون، تبقى الأسهل والأفضل بين المطهرات الطبية تحت كل الظروف.. وخيرها أبسطها!

خذ مثلاً الكرسي، ماذا تغير في الكرسي الذي نجلس عليه خلال القرون الأخيرة؟ الكرسي المريح هو الكرسي الوحيد، وكذلك الثوب والحذاء، والمنشفة القطنية البيضاء، التي تعب الماء دون عناء.. المنشفة التي تبحث عنها كل صباح. أما أدوات التجفيف الأخرى كمنفاخ الهواء فأين هي من فاعلية ومتعة المنشفة؟

وما الذي يحضن رأسك، وقد أضناه عمل يوم شاق، خير من وسادة بسيطة ومريحة، فيها القدر المطلوب من الطراوة والثبات.. وعليها وعلى السرير البسيط تُمضي ساعات الليل الطويل محتضناً غطاءً قطنياً بسيطاً بدوره؟

وهناك، أيضاً، أشياء لا نكنّ لها أي عطف أو تقدير مثل الطاولة العادية ذات الأرجل الأربع. هل اختلفت يا ترى منذ العصور السحيقة؟!

وحتى في المأكل، فالخبز أو الرز أبسط الأطعمة
لا ينازعهما على مكانتهما شيء. ومهما أغرتك الوجبات الفاخرة.. تأتيك لحظات تشعر معها أنك تتوق للقمة خبز ساخن أو ملعقة أرز لذيذة.

ثم أي قلم تستخدم؟ تمر بك عشرات الأقلام الفاخرة بأشكالها وأنماطها وأسمائها الذائعة، ولا يبقى في يدك إلا قلم الحبر الجاف المخلص البسيط، قلم عملي يحمل كلماتك إلى الورق بمنتهى اليسر والكفاءة.

وربما يكون بعض أبلغ ما أضافته الحياة المعاصرة إلى الإنسان يندرج في لائحة الأشياء البسيطة. فإلى جانب القلم الجاف خذ مثلاً الـ (تي شيرت) وبنطال الچينز. كم هي عملية وأنيقة في أي وقت ومكان.

أما في الألعاب، فإليك هذه النصيحة: قدّم لأي طفل في أي وقت بالوناً أحمر يطير في الهواء أو اثنين، سيفرح ويلهو بهما كأغلى لعبة رائجة وربما أكثر! والأطفال يفرحون بالأشياء البسيطة التي تتحول إلى ألعاب أكثر بكثير مما نظن، وربما حتى أكثر مما يظنون هم, ففي القرى والساحات كم يلهو الأطفال بإطار معدني يُدحرجونه ويتسابقون معه وحوله، أو كرة بالية أو حتى شبه كرة يتقاذفونها ويقفزون حولها ويعدون ويضحكون! والكرة تنتمي إلى هذه العائلة من الأشياء ومنها «العجلة» التي تدهش بقدرتها على التقدم بمجرد إعطائها دفعاً صغيراً. وهذه الدهشة هي مزيج من الاحتفاء باكتشاف عظيم متوارث، وانبهار بأنه لا يزال يتكرر بنجاح كل مرة.

إن زهرة تهديها للحبيبة تعادل جوهرة، أو كتاباً تقدمه لصديق مع إهداء بيدك يمثل عنده قيمة كبيرة، ويحتفظ به كأعز المقتنيات.

لنتذكر دائماً الأشياء البسيطة إنها في حياتنا تشبه في دورها الأكثرية الصامتة، تحيط بنا من كل صوب وتقدم لنا الكثير من دون تظاهر أو منّة.

أضف تعليق

التعليقات