قضية العدد

من زوايا جغرافية متعددة..
لماذا لا نقرأ؟

  • 39a
  • 26a
  • 28c
  • 29a
  • 29b
  • 29c
  • 29d
  • 29e
  • 31a
  • 33a
  • 33b
  • 33c
  • 33d
  • 33e
  • 33f
  • 33h
  • 38a

دأبت منظمة اليونسكو العالمية على إحياء اليوم العالمي للكتاب في السابع عشر من نيسان (أبريل) من كل عام، ساعية إلى تشجيع الشعوب على القراءة ومحرضة إياها على جعل الكتاب رمزاً للأمل والحياة كما قال المدير العام للمنظمة. الأرقام التي تطالعنا بها بعض الإحصاءات تؤكد أن الوطن العربي هو من الأقل إقبالاً على القراءة وعلى الكتاب. ويفيد إحصاء أجرته منظمة اليونسكو (2001م) أن الإنتاج العام للكتب في الدول العربية مجتمعة أقل مما تنتجه منفردة أصغر دولة في أوروبا وهي بلجيكا. وتؤكد أرقام منظمة اليونسكو دوماً أن صناعة الكتاب العربي تتراجع على مستوى النشر مثلما تتراجع على مستوى القرّاء. هذا الملف الذي أعددناه يحاول إلقاء الضوء على ما يُسمى أزمة الكتاب والقراءة في العالم العربي ويسعى إلى البحث في عناصر هذه الأزمة وإلى رسم صورة للقارئ العربي، انطلاقاً من تحقيقات ميدانية وآراء لعدد من الكتّاب والناشرين والمثقفين من المملكة العربية السعودية إلى المغرب مروراً بدمشق وبيروت والقاهرة.
معارض الكتب وأحوال النشر في الوطن العربي
أية مشكلات تواجه الكتاب العربي؟
بيروت: عبده وازن

كان على الكتّاب والناشرين العرب أن ينتظروا معرض فرانكفورت للكتاب الذي استضاف العالم العربي في دورته الأخيرة، كي يتبيّنوا واقع النشر العربي إزاء أحوال النشر في الدول الغربية، الأوروبية والأمريكية والآسيوية.

وليس من المستغرب أن تُجمع الصحافة العربية على أنّ جامعة الدول العربية فوّتت فرصة كان من الممكن أن يستفيد منها الناشرون والكتّاب على السواء. فالمشاركة العربية لم تجنِ الثمار التي كان من المفترض أن تجنيها، ولم يستطع الناشرون العرب أن يأتوا بعقود مبرمة لترجمة بعض الكتب العربية إلى لغات عالمية وبعض الكتب الأجنبية إلى اللغة العربية، وهذه أصلاً تتم قرصنتها في الكثير من العواصم العربية، ويمكن القول إن الناشرين العرب فشلوا في تقديم الكتاب العربي إلى الزائرين الألمان والعالميين، فبدت الكتب معروضة في طريقة عشوائية، وقد اختلطت عبرها العناوين والأنواع حتى بات من الصعب على الزائر أن يتابع الكتب المعروضة. أما المعرض فكان معرضاً عربياً عادياً احتلت مصر واجهته. والبيع كان خفيفاً جداً، وبدا الناشرون العرب في حالٍ من السأم، جالسين في أجنحتهم بانتظار جمهور يجهلونه تماماً.

قد يكون الكلام عن المشاركة العربية في معرض فرانكفورت خير مدخل إلى الكلام عن أحوال النشر في العالم العربي، وعن أحوال الكتاب العربي فيه. فاللافت أن معارض الكتب في العالم العربي تشهد نوعاً من الازدهار رغم الكلام الدائم الذي يتبادله الناشرون والموزّعون والكتّاب حول أزمة الكتاب المتعدّدة الوجوه. فما إن ينتهي معرض بيروت حتى يبدأ معرض جدّة ويليه معرض القاهرة – وهو الأضخم – ثم معرض الشارقة فدمشق والدار البيضاء والرياض والكويت والأردن وأبو ظبي. وهكذا دواليك. وسيعود هذه السنة (2005م) معرض بغداد للكتاب بعد انقطاع دام سنوات طوالاً. والمفاجئ في هذه المعارض أنها لم تعد محلية الطابع، بل أصبحت عربية بامتياز، في معنى أنها تضم معظم الدور المهمة في العالم العربي، ناهيك عن بعض الدور المهاجرة في الغرب. وقد يظن الزائر المتجوّل على هذه المعارض ما بين دولة وأخرى أنه يشاهد معرضاً واحداً تمتد أجنحته من عاصمة إلى أخرى. فالدور الرئيسة هي نفسها وكذلك العناوين والكتب.

تجدر هنا الإشارة إلى أن بعض الكتب التي تمنع في معرض، يسمح بها في معرض آخر، تبعاً لمزاج الرقيب أو لسياسة الرقابة التي قد تكون صارمة في بعض الأحيان. أما ما يختلف في المعارض هذه، فهو الجوّ، إذ إن كل معرض يتميّز بمناخه الخاص. ويجب عدم نسيان البرنامج الثقافي الذي بات تقليداً يرافق المعرض بأنشطته المختلفة. وقد تطغى الأنشطة الأدبية في أحيان على جوّ المعرض حتى يصبح أشبه بالموعد الثقافي الذي تقام خلاله الندوات والأمسيات وحفلات التوقيع. لكن السؤال الذي يظلّ مطروحاً هو: هل يعني ازدهار حركة المعارض العربية ازدهاراً للكتاب العربي نفسه؟ قد تصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال نظراً إلى طبيعة الأزمة التي يعانيها الكتاب، وهي أزمة نشر وتوزيع وتسويق وقراءة.. وكلّ وجه من هذه الأزمة المتعددة ينفتح على وجوه عدّة.

قد تكون أزمة القراءة هي الأولى وأمّ الأزمات كما يقال. فالقارئ العربي اليوم قد يكون الأشد تضاؤلاً واختفاءً كما تفيد التقارير التي ترفع حيناً تلو آخر، وهي، في أي حال، عرضة للشك، تبعاً لالتباس مصادرها. فمن يستطيع أن يلمّ بأحوال الكتاب العربي في الدول العربية كافة؟ وما هي المناهج المعتمدة في إجراء الإحصاءات؟ وهنا لا بدّ من العودة مثلاً إلى تقرير التنمية الإنسانية العربي لعام 2003م الذي أثار الكثير من السجال في الصحافة العربية. فهو يورد إحصاءً عن حركة الترجمة في العالم العربي، معتبراً أن عام 2003م شهد ترجمة 330 كتاباً موزّعة على الأقطار العربية. ويبيّن التقرير أن هذا العدد لا يتجاوز خُمْس ما يترجم في دولة مثل اليونان وحدها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإجمال التراكمي للكتب المترجمة إلى العربية منذ عصر المأمون حتى العصر الراهن يبلغ نحو عشرة آلاف كتاب، وهذا رقم يوازي ما تترجمه دولة مثل إسبانيا وحدها في عام واحد. ويبرز التفاوت عندما نعلم أن متوسط الكتب المترجمة في النصف الأول من الثمانينيات من القرن المنصرم، كان نحو أربعة كتب لكل مليون مواطن عربي، فيما بلغ 519 كتاباً في دولة المجر و920 كتاباً في إسبانيا لكل مليون مواطن.

قد تدلّ هذه الإحصاءات بوضوح تام على حال القراءة في العالم العربي، وأزمة القراءة هي التي تنعكس على صناعة الكتاب في شكل مباشر. أما ظاهرة هذه الأزمة فترجع إلى أسباب عدّة وفي طليعتها ما يُسمّى عدم التربية على القراءة . ويلاحظ الباحثون في علم الاجتماع أن المناهج التربوية في العالم العربي لا تحضّ الطفل على القراءة مثلما يحصل في العالم الغربي. فالقراءة في الطفولة عادة غير رائجة عربياً، لكنها تختلف طبعاً بين بلد عربي وآخر. ويشير بعض علماء التربية إلى أن الأهل نادراً ما يهدون أبناءهم كتباً في الأعياد، وهذا ما يؤثر في ثقافة الأبناء لاحقاً وفي ذائقتهم. وما يجدر الالتفات إليه أنّ الأطفال في العالم العربي دخلوا عالم التكنولوجيا ، وباتت الشاشات الصغيرة على اختلافها تختطف معظم أوقاتهم ولا سيما ألعاب الفيديو والبرامج التلفزيونية، مما يضيّق مساحة الكتاب في حياتهم.

ومن وجوه أزمة الكتاب هناك الرقابات التي تعوق نشر الكتب وتسويقها. وشكوى الناشرين من عدم القدرة على تسلّم أموالهم من سوق الكتاب العربي وخصوصاً من الجهات الرسمية التي تخضع لنظم بيروقراطية تقليدية. وعلاوة على ذلك، تبرز أيضاً مشكلة نوعية الكتاب وطبيعة مادته وقدرته على مرافقة الأحداث السياسية والاجتماعية، عطفاً على تراجع الكتب الموسوعية ووقوعها في السطحية وكأن غايتها هي الاتجار بالمادة العلمية وليس التوجه إلى القارئ في طريقة علمية صحيحة. ولا غرابة أن تشهد سوق الكتاب موجات من الرواج: ففي بعض المراحل يروّج الكتاب السياسي، وفي مراحل أخرى يروّج الكتاب الديني، وفي فترات يصعد نجم الكتب العامة، العلمية والاجتماعية وسواها. واللافت أن سوق الكتاب لا يخضع لمعيار واضح أو ثابت، بل إن المعيار يتبدّل من فترة إلى أخرى ومعه تتبدل حركة الكتاب، تأليفاً ونشراً.

كتاب في جريدة يتعثر
و كتاب مع جريدة ينجح

ويستكمل عبده وازن عرضه لواقع النشر في الوطن العربي بتناول تجربتين متشابهتين، اتخذت كل منهما مساراً مختلفاً، وهما كتاب في جريدة الذي أطلقته منظمة اليونيسكو، و كتاب مع جريدة الذي انطلق من دار المدى في دمشق.

كتاب في جريدة … في كل بيت
عندما انطلق كتاب في جريدة برعاية منظمة اليونيسكو في عام 1995م بدا من أهم المبادرات الثقافية التي يشهدها العالم العربي قاطبة. فقد استطاع هذا الكتاب خلال فترة قصيرة أن يكسر جدار الأزمة التي طالما عاناها الكتاب العربي, نشراً وتوزيعاً, ونجح أيضاً في أن يوصل الكتاب إلى المنازل في طريقة بسيطة جداً: كتاب في شكل ملحق تحمله الصحيفة إلى قارئها هدية شهرية. نجحت التجربة ولقيت صدى طيباً على الفور وحظي الأدباء الذين اختيرت لهم كتب ضمن المشروع بشهرة لافتة في بلدانهم وفي معظم الدول العربية.

الشاعر العراقي شوقي عبدالأمير المشرف على المشروع في مرحلتيه يقول في هذا الصدد: تأسس كتاب في جريدة ليحمل روائع الأدب العربي مصورة بريشة كبار الفنانين العرب خالطاً على طريقته التشكيل الفني بالنص الأدبي، متوجهاً إلى السواد الأعظم من الناس، ليقدم لهم أداة جديدة متطورة لنقل المعرفة والفن التشكيلي لا تشبه الكتاب بشكله التقليدي . ويضيف: من هنا ابتكرت اليونيسكو الصيغة الأولى لـ الكتاب – الجريدة لتجربها في أمريكا اللاتينية تحت عنوان Periolibros أي الكتاب الدوري . وبعد نجاح هذه التجربة في جميع الدول الناطقة بالإسبانية، انتقلت التجربة إلى وطننا العربي، ليولد كتاب في جريدة وليكون الصيغة الأمثل للوصول إلى قارئين يعدّون بالملايين من أبناء هذه الأمة, وأنا أميّز بين القرّاء و القارئين ، لأن مصطلح القرّاء موجود وهم طبقة خاصة بالمثقفين والمعنيين مباشرة بهموم الكتابة والقراءة، أما القارئون فهم كل من يعرف القراءة ويعزُف عنها، وهم هدف كتاب في جريدة الأول، لأن اليونيسكو ليس في أولوياتها تثقيف المثقفين إنما تسعى إلى إيصال المعرفة لكل من يطلبها كحق إنساني حضاري .

ملايين من الكتب وزعت مجاناً بمعدل ثلاثة ملايين نسخة لكل كتاب من روائع النصوص الإبداعية العربية، ترافقها رسوم لكبار الفنانين العرب. وهذه خصوصية أخرى لـ كتاب في جريدة ، إذ يلتقي على صفحات كل عدد أديب وفنان عربي. والغريب في الأمر أن هذه النقطة قلّما لفتت أنظار النقاد والصحافيين الذين واكبوا مسيرتنا منذ سنوات فتركزت الأسئلة والانتقادات والمتابعات على الكتاب الأدبي وعلى المؤلفين فقط. جاء كتاب في جريدة ليعبر حاجز الرقابة والانكفاء على الذات، تحمله كل الأيدي بخاصة تلك التي تتعود ملامسة الكتب وتصفحها أو قراءتها. جاء كتاباً عربياً موحد الشكل والمضمون يوزع في اليوم نفسه، وتلك فرادة وحضور يحمل الكثير من الدلالات الثقافية والوحدوية العربية، التي طالما حلمنا بها. جاء هدية تقدمها الصحف العربية إلى قرّائها مؤسسة بذلك لتقليد حضاري متميز ليكون بكل بساطة تمريناً وحدوياً عربياً مهماً في حاضرتنا الثقافية.

إلا أن كتاب في جريدة ما لبث أن واجه أزمة بعد سبع سنوات على انطلاقته، فتوقف فترة زمنية ليعود إلى الصدور في الحلة نفسها ولكن برعاية مؤسسة MBI FOUNDATION ، وبتوقيع اتفاق شامل مع منظمة اليونيسكو. وتحوّل هذا الكتاب مؤسسة ثقافية مستقلة. أما الصحف التي تعمل على نشره فهي: الرياض (الرياض)، النهار (بيروت)، تشرين (دمشق)، الأيام (رام الله)، الدستور والرأي (عمّان)، الأهرام (القاهرة)، العربي (الكويت)، الأيام (المنامة)، الراية (الدوحة)، الخليج (أبو ظبي)، الوطن (مسقط)، الثورة (صنعاء)، الأنباء (الخرطوم)، العرب (تونس)، الشعب (الجزائر)، الصباح (الرباط)، العرب (طرابلس الغرب)، صحف عدة في بغداد و القدس في لندن.

كتاب مع جريدة من دمشق إلى أينما كان
أما كتاب مع جريدة أو القراءة للجميع فهو مشروع لافت بادرت به دار المدى التي يملكها الناشر العراقي فخري كريم، وهو يختلف عن مشروع كتاب في جريدة من حيث حفاظه على الشكل الكلاسيكي للكتاب الذي يوزع مع عدد من الصحف العربية. إلا أن بعض الصحف توزعه فقط على المشتركين فيما توزعه صحف أخرى مع أعدادها. والكتاب هذا شهري، تشرف على اختياره دار المدى في دمشق بالاتفاق مع رؤساء تحرير الصحف المعنية بالمشروع. أما الصحف فهي: السفير (لبنان)، الحياة (السعودية)، القبس (الكويت) الثورة (سورية)، الأيام (البحرين)، البيان (الإمارات)، القاهرة (مصر)، المدى والاتحاد (العراق).

الشاعر السوري بندر عبد الحميد المشرف على الكتاب الشهري يقول للقافلة: نجح المشروع، واستطاع أن يجذب قرّاء الصحف في عدد من البلدان العربية. وهو مشروع لا يتوخى الربح لا من الدار ولا من الصحف نفسها. فكل شيء مجاني والدار متفقة مع الصحف والمصادر التي تستقي منها الكتب، على عدم دفع أي حقوق لأن الكتاب يوزع مجاناً وبالسعر نفسه الذي تباع به الجريدة. حتى الكتب المترجمة لا تدفع حقوقها ومعظمها أصلاً من الترجمات القديمة والمهمة التي قام بها أساتذة كبار في الترجمة. أما الكتب العادية فآثرنا أن تكون متنوعة بين الأدب والتراث والعلم وسواها . وعن طبيعة التعاون بين الدار والصحف أردف قائلاً: نختار الكتاب بالاتفاق مع رؤساء التحرير ثم نجهزه تنضيداً، ونصمم الغلاف ليكون موحداً ونرسله عبر أسطوانة إلكترونية. ثم تتولى كل صحيفة الطباعة على نفقتها. وهكذا يصل الكتاب مجاناً إلى قرّاء الصحف .

وعن الرقابة والتخوف من تدخلها يقول: نتحاشى طبع الكتب التي تثير حفيظة الرقابة العربية. فهمنا أن يصل الكتاب إلى الناس، ولكن على أن يكون الكتاب جيداً ومفيداً. ويجب ألا ننسى أن الكتاب هذا سيدخل المنزل وستقرأه العائلة كلها ربما. وأحياناً نصطدم ببعض الاقتراحات ونعيد النظر فيها. مهمتنا في هذا المشروع هي أن نسهم في نشر القراءة وفي جعل قارئ الجريدة يهتم بالكتاب وأن يعتاد عليه شهرياً. وقد لقي المشروع نجاحاً وهذا ما تفيد به الصحف نفسها .

مصر.. الكتاب جليس مكلف و مكتبة الأسرة محاولة للعلاج
القاهرة – أمينة خيري

المعلمون في المدارس المصرية يلقنون طلابهم الصغار أن الكتاب خير جليس . لكن واقع الحال يشير إلى غير ذلك. فقد تقلص دور الكتاب، وتضاءلت مساحة الاطلاع، واختفت أو كادت القراءة من بين هوايات الأطفال والشباب. أما الكبار، فقد تحوّل الكتاب لديهم إلى مكتبة ورثوها عن الآباء، أو مسألة غير واردة من الأصل بسبب الأمية. والكتب المدرسية التي ينوء بحملها طلاب المدارس هي نفسها متهمة بالتواطؤ على دفع الطفل والمراهق المصري بعيداً من عالم القراءة. فهذه الكتب المتخمة بكم لا حصر له من المعلومات والعلوم المعتمدة على أسلوبي الحشو والصم تنهك عقول الصغار، وتتركهم في عطلتي نصف العام وآخره وقد طبعت في عقولهم وقلوبهم رغبة عارمة في الابتعاد عن كل أشكال المطبوعات الورقية، بما في ذلك الجرائد والمجلات. أما المعلم، والذي كان قبل زمن ليس ببعيد نموذجاً يحتذى في القراءة وتنمية معارفه ومداركه، فقد نبذ الكتاب هو الآخر تحت الضغوط المادية التي أجبرت الغالبية العظمى على اقتطاع كل وقت ممكن في إعطاء الدروس الخصوصية. والأمر لا يختلف كثيراً بين طلاب الجامعات، بل يزداد سوءاً في ظل ارتفاع أسعار الكتب الجامعية المقررة عليهم، وهو ما يدفع كثيرين إلى الاستعاضة عنها بالملخصات والملاحق التي يجهزها الأساتذة ويبيعونها للطلاب بأسعار زهيدة بالنسبة إلى الكتاب، لكنها تحقق للأستاذ ربحاً لا بأس به.

وعلى الرغم من أن البعض من أولئك الشباب الجامعي يفكر أحياناً في القراءة باعتبارها مصدراً للمعلومات الحياتية، واستثماراً إيجابياً للوقت، ووسيلة للتثقيف الآتي بعيداً من أطر التثقيف الرسمي الجامدة، إلا أن عقبة ارتفاع سعر الكتاب تقف حجر عثرة أمام الكثيرين. وتلك مشكلة ضخمة لم تصب هواية القراءة فقط في مقتل، لكنها أغلقت أبواب حوالي 750 مطبعة، فالرسوم الجمركية والضرائب الباهظة المفروضة على مستلزمات النشر وضعت الناشرين في موقع لا يحسدون عليه. وكانت النتيجة أن ارتفع سعر الكتاب في الداخل، وبالتالي كلفة تصديره إلى الخارج في آنٍ واحد.

وتزامنت هذه العراقيل مع ازدهار شبكة الإنترنت وانتشارها في شكل ملحوظ بين الفئات المتعلمة وتلك الملتحقة بالتعليم بين أبناء الشعب المصري، ويقدر عدد مستخدمي الشبكة في مصر بنحو أربعة ملايين مستخدم، وهم في زيادة مستمرة في ظل سياسة الدولة الهادفة إلى نشر تكنولوجيا المعلومات. فها هي حكومة رئيس الوزراء أحمد نظيف – الملقب بـ رجل التكنولوجيا الأول في مصر – تتبنى مبادرات عدة لتوفير كومبيوتر لكل بيت مصري. ولكن الواقع الحالي يشير إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت والمتمكنين من الوصول إلى جهاز الكومبيوتر أصلاً ما زال محدوداً، ما يعني أن ما لحق بالكتاب والقراءة في مصر لا يمكن تعليقه كلية على شماعة الكومبيوتر والإنترنت.

ولعل المكان الأمثل لمعرفة مصير القراءة بمفهومها الكلاسيكي هو الموقع الجديد لـ سور الأزبكية حيث العشرات من أكشاك بيع الكتب الجديدة والمستعملة، حيث يقول أحد التجار: سنوات كثيرة تفصلنا عن العصر الذهبي لـ سور الأزبكية في زمن كان تلامذة الابتدائي يزاحمون الكبار لينفقوا قروشهم القليلة في شراء بضعة كتب بتشجيع من الأهل وتعضيد من المعلم. وكان الشباب يأتون للبيع والشراء. كانوا يقرأون في السياسة، والخيال العلمي، والرواية. حتى الموظفون كانوا يأتون إلى هنا ويتبادلون الكتب. أما هذه الأيام، فالأمر يقتصر على أعداد قليلة ممن لا يزالون يتعلقون بحبال القراءة التي بدأت تتمزق، إضافة إلى الزوار من بلاد عربية .

ولكن مكتبة الأسرة التي أطلقت فكرتها ودعمتها السيدة سوزان مبارك، وبدأت أنشطتها عام 1994م، قامت بمهمة ضخمة في محاولة إعادة نشر عادة القراءة. فهي تهدف إلى تشجيع المصريين على اقتناء الكتب مقابل ثمن زهيد، وبعث الروح الوطنية والاعتزاز بالثقافة المصرية، ونشر التراث الإسلامي، وأحدث الإنجازات العلمية. وتتلخص الفكرة في طبع كتب ذات عناوين مهمة في طبعات شعبية بأسعار تكون في متناول الجميع. وقد طبع في هذا الإطار حتى اليوم ما يزيد على 30 مليون نسخة لآلاف من العناوين.

ملايين العناوين الأخرى ولكن في طبعات مختلفة الفئات والأنواع يحتضنها معرض الكتاب في كل عام. وفي يناير من هذا العام أقيم في القاهرة المعرض السابع والثلاثون للكتاب. وقد بلغ عدد الناشرين المصريين والعرب والأجانب 3150 ناشراً مثّلوا 97 دولة على مساحة 180 ألف متر مربع. ورغم الأهمية المحلية والعربية لهذا المعرض الرائد، ورغم زواره الملايين، تحوّل التركيز إلى الأنشطة الثقافية المصاحبة له من ندوات لكبار الكتاب والأدباء والفنانين والمفكرين، وجانبً آخر منه تحوّل إلى يوم للتنزه. ساعد على ذلك الانتشار المخيف لأكشاك الوجبات السريعة، والمثلجات والآيس كريم. واكتفى الكثيرون بالذهاب إلى المعرض لشراء شرائط الكاسيت الحديثة، وقضم ساندوتش هامبورغر اكتفاءً بغذاء البطون، فهو أقل سعراً وأسهل على الهضم.

واقع القراءة في المغرب
مؤلفون ناشرون ومكتباتُ مرتجعات
ودعم… بلا فاعلية
الرباط: ياسين عدنان

حينما رفض القاص المغربي أحمد بوزفور العام الفائت جائزة المغرب للكتاب التي حصل عليها، دخلت الساحة الثقافية المغربية في سجال لا نهاية له بخصوص موقف بوزفور، خلفياته ومبرراته. لكن لا أحد توقف عند المبرر الأبسط والأقسى الذي ساقه صاحب النظر في الوجه العزيز في ختام بيانه حين قال: أخجل أن أقبض جائزة على كتاب طبعتُ منه ألف نسخة، لم أوزع منها في أسواق شعب من ثلاثين مليون نسمة إلا خمسمائة نسخة، وهي لا تزال معروضة لم تنفد بعد، على رغم مرور أكثر من عامين .

قبل أيام فقط سأل أستاذ طلبته في إحدى الثانويات المغربية عن فيلم محمد عبدالرحمن التازي الأخير جارات أبي موسى . تباينت آراء التلاميذ حول العمل, لكنهم جميعاً كانوا شاهدوه إما في قاعات السينما أو على شاشة التلفزيون. لكن حينما سألهم عن الرواية التي اقتبس منها التازي عمله السينمائي لم يرفع أحد إصبعه. لا أحد منهم قرأ الرواية، ولا أحد يعرف أن جارات أبي موسى هي أولى روايات أحمد التوفيق المعروف لدى الطلبة باعتباره وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في الحكومة الحالية، لكنه المجهول تماماً كأديب وروائي.

بعد أن حاصرتها شكاوى الأدباء واتهاماتهم، بادرت دار نشر مغربية نشيطة إلى فتح سجلاتها الخاصة في وجه هؤلاء، فكانت النتيجة صاعقة. كاتب معروف وفرت له الدار توزيعاً جيداً اكتشف أن تحفته الأدبية التي كان ينتظر منها أن تهز الساحة الثقافية المغربية لم يُبع منها سوى سبع نسخ على مدار ستة أشهر كاملة.

في الواقع لا تمكن مقاربة وضع القراءة وواقع الكتاب والنشر في المغرب إلا عبر أمثلة من هذا النوع. فهي وحدها القادرة على أن تفسر لنا المعطيات والأرقام، ووحدها قادرة على أن تشرح لنا سبب إحجام أكثر من نصف الأدباء المغاربة عن العودة إلى سوق النشر بعد تجاربهم الأولى اليتيمة. فأكثر من 50 في المئة من الكتّاب المغاربة ليس في رصيدهم سوى كتاب واحد، على رغم أن معظمهم ما زالوا يمارسون نشاطهم الأدبي والإبداعي على صفحات الملاحق والمجلات الثقافية المغربية والعربية.

طبعاً، حاولت وزارة الثقافة المغربية في السنوات الأخيرة أن تقوم بالكثير من المبادرات التي تهدف إلى تنشيط واقع النشر والقراءة في البلد. لكن غالبية هذه المبادرات لم تحظ بالمتابعة اللازمة لتحقق أهدافها. بادرت الوزارة مثلاً إلى إحداث سلسلة الكتاب الأول في إطار دعمها للأدباء الشباب. لكن المشكلة بقيت في التوزيع، حتى أن المركز الثقافي العربي الموزع الذي تعاقدت معه الوزارة لا يعرض نماذج من إصداراتها في مكتبته الخاصة بالدار البيضاء.

ويبدو أن انسداد الآفاق أمام الأدباء المغاربة الذين ما عادوا يعولون كثيراً على مشاريع وزارة الثقافة، ولا يُستقبلون بالأحضان من طرف الناشرين الذين زهدوا تماماً في نشر الأعمال الأدبية الفاشلة كلها بمنطق السوق، هو ما جعل المغامرين منهم ممن يجازفون بتجاوز عتبة الكتاب الأول يطبعون أعمالهم على نفقتهم الخاصة. فنصف الكتب الحاصلة سنوياً على رقم الإيداع القانوني ينشرها مؤلفون مستقلون على نفقتهم الخاصة. وأسهمت هذه الظاهرة في تدهور مؤسسة الناشر الذي تراجعت سلطته الرمزية. بل حتى أسطورة الكتاب سقطت بعدما فتحت هذه الظاهرة الجديدة الباب على مصراعيه لصنف عجيب من المؤلفين صاروا يمطرون الساحة بإصدارات غريبة ليست لها أية قيمة تُذكر، وغالباً ما يتعامل أصحابها مع إصداراتهم باعتبارها بطاقات زيارة ، لهم فيها مآرب عدة أخرى…

وإذا كان الناشر المغربي لا يجسر على طبع أكثر من ألف نسخة من العمل الأدبي، فإن تجارب مثل كتاب الجيب و المعرفة للجميع ، ثم سلسلة منشورات الزمن جعلت عدد النسخ المطبوعة من إصدارات هذه السلاسل الشهرية لا يقل عن عشرة آلاف نسخة، وقد يتجاوز أحياناً عتبة الـ40 ألف نسخة. نجاح هذه التجارب حفّز المفكر المغربي محمد عابد الجابري على ارتيادها، وهكذا صار له هو الآخر موعد شهري مع القارئ المغربي من خلال سلسلة مواقف التي يواظب على إصدارها منذ أكثر من سنتين. أما سبب انتشار هذه السلاسل فيعود في الأساس إلى ثمنها الذي لا يتجاوز العشرة دراهم (أي ما يعادل دولاراً واحداً). ويبدو أن ثمن الكتاب يعني الكثير بالنسبة إلى المغاربة الذين يعانون في شكل واضح من ضعف القدرة الشرائية. لذا فالكثير من العناوين التي يحكم ناشروها عليها بالفشل كثيراً ما تنفد عن آخرها من المكتبات المختصة في بيع المرتجعات بأثمان يجدها الطلبة خصوصاً ومعهم عموم القراء في متناولهم.

ويبدو أن الناشرين المغاربة الذين استفادوا من دعم وزارة الثقافة لم يُخفضوا من سعر بيع إصداراتهم للعموم، كما أنهم عموماً لا يؤدون ما التزموا به من حقوق المؤلفين. ويمكن طبعاً أخذ العبرة من مكتبات المرتجعات هذه. فحينما يصير الكتاب أرخص يقبل القرّاء عليه أكثر ويتحقق الترويج للقراءة الذي تنادي به الوزارة. فما يجب أن تتنبه إليه الوزارة هو أن دعمها الناشرين على أهميته لن يحقق أهدافه ما لم يستفد منه القارئ في شكل ملموس من خلال أثمان معقولة على أغلفة الإصدارات الجديدة.

واقع النشر والقراءة
في سورية
دمشق: خليل صويلح

شهدت ساحة النشر في سورية، منذ العقد المنصرم وإلى اليوم تحولات جذرية في توجهاتها، أبرزها تراجع عدد النسخ المطبوعة من الكتاب كنتيجة مباشرة للأزمات الاقتصادية التي عصفت بالفرد، ففي الوقت الذي ازداد فيه عدد السكان، تراجع طردياً عدد القرّاء.

ويعيد البعض ندرة القرّاء إلى انتشار الفضائيات التي عمّمت ثقافة بصرية بديلة، أغلقت الباب أمام الكتاب لمصلحة ثقافة سريعة ومسلية، تتناسب مع متطلبات جيل لا يجد في الكتاب مبتغاه، وهذا ما يفسر انحسار عدد المكتبات في دمشق، وتحول بعضها إلى مقاه للإنترنت أو محلات لبيع أجهزة الخلوي. ومع ذلك، تنتج سورية سنوياً حوالي 1000 عنوان نصفها على الأقل مترجم عن لغات أخرى، إذ تنشر مطابع وزارة الثقافة نحو 125 كتاباً في السنة، ضمن سلسلة تشمل التراث والروايات العالمية والفكر والفنون، فيما تنتج مطابع اتحاد الكتاب العرب نحو 100 عنوان، أما بقية العناوين فتتوزعها دور النشر الخاصة التي تتجاوز في عددها 100 دار، بينها نحو خمس دور مهمة، أما البقية فتهتم بطباعة الكتب التراثية والدينية.

وتحت وطأة الكلفة المرتفعة لصناعة الكتاب؛ لجأت معظم دور النشر إلى طباعة الريزو وبذلك استغنت عن الطباعة الآلية للتحكم بعدد النسخ المطبوعة، والبعض منها يقوم بعمليات قرصنة مكشوفة كنتيجة لسهولة تقليد الكتاب الأصلي بتصويره وتوزيعه محلياً عبر نسخ محدودة، بحسب الطلب (أثناء مصادرة رواية حيدر حيدر وليمة لأعشاب البحر قامت دار نشر محلية بطباعة الرواية سبع طبعات متتالية). وكأفضل مثل على تراجع أهمية الكتاب وتداوله، نذكر أن وزارة الثقافة التي كانت تطبع من الكتاب نحو 3000 نسخة قبل خمس سنوات، لم تعد تطبع اليوم 1500 نسخة. وبخصوص دور النشر الخاصة، فإن معظمها يكتفي بطباعة 500 نسخة من الكتاب الرائج، ونحو 300 نسخة من كتب الشعر مثلاً، التي تطبع غالباً على حساب المؤلف.

وإذا كانت الجامعة مقياساً للقراءة كفضاء ثقافي مفتوح، فإن طلاب الجامعة اليوم، صاروا خارج معادلة القراءة تماماً، وبالكاد يتابعون قراءة الكتب المقررة في المنهج الدراسي. ففي استطلاع أجرته إحدى الصحف المحلية حول طقس القراءة، تبين أن نسبة كبيرة من الطلاب لا يقرأون على الإطلاق. وتشير بعض الإجابات إلى جهل مخيف لأسماء المبدعين، إذ كتب أحدهم أن محمد الماغوط بطل ملاكمة وأن حنّا مينة موسيقي وأن نزيه أبو عفش شاعر مصري ! وفي اختبار القبول لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، تبين أن المتقدمين يعرفون المطرب علي الديك أكثر مما يعرفون سعد الله ونّوس. ويؤكد صاحب مكتبة مرموقة وسط دمشق، أن أكثر الكتب رواجاً هي التي يباع منها سنوياً بحدود 100 نسخة لا أكثر. ويستدرك قائلاً: إن قارئ اليوم يهتم بالكتب السياسية وكتب المذكرات والكتب التراثية، فيما تحتل الكتب الأدبية أسفل القائمة.

ويعلق نجيب نصير (كاتب سيناريو تلفزيوني) بقوله: لا شك في أن الدراما التلفزيونية السورية سحبت البساط لمصلحتها، لكن هذه الدراما تستقطب في الأساس جمهوراً عشوائياً، معظمه ينتمي إلى شرائح متدنية ثقافياً، لم يكن الكتاب في قائمة اهتماماتها ، ويشير إلى أن القارئ السوري هو قارئ موسمي يتبع الموضة والفضيحة والكتاب المقروء أو الإشكالي، وهكذا فهناك موسم لقراءة حيدر حيدر، وآخر لقراءة أمين معلوف أو أحلام مستغانمي، وثالث لقراءة نصر حامد أبو زيد أو صادق جلال العظم، تبعاً للفضيحة، سواء كانت فضيحة مصادرة أو تكفير، ويضيف: أعتقد أن محاولة اغتيال نجيب محفوظ، أسهمت بقراءة أعماله من جديد، أكثر من حصوله على جائزة نوبل، وأن قراءة نزار قباني ازدادت بعدما غنى كاظم الساهر معظم قصائده .

ويوضح عدنان سالم، رئيس اتحاد الناشرين السوريين إن مشكلة الكتاب العربي تتمحور في اتجاه المعرفة، والترجمة من الغرب إلى الشرق وليس بالعكس، وهذا ما يجعل الكتاب العربي متقوقعاً على نفسه ، وبناء على هذا الواقع قامت دار الفكر التي يديرها عدنان سالم بجملة مقترحات منها إعلان جائزة أقضل قارئ وإصدار نشرة دورية مجانية بعنوان مرآة الفكر والثقافة بقصد ترويج الكتاب السوري ومناقشة مشكلاته بين أكبر عدد من القرّاء. والحض على القراءة.

أزمة الكتاب والقراءة
في المملكة
الخبر: محمد الفوز

عندما تدخل أية مكتبة عامة في السعودية ستقرأ وخير جليسٍ في الأنام كتابُ ، ولكن لا أحد يتمثلها كحافز مفترضٍ ودافع لممارسة القراءةِ الجادة التي يعرّفها ألبرتو مانغويل في كتاب تاريخ القراءة أنها عملية بصرية مصحوبة بالتأمل. فالكتاب موجود والقارئ مفقود. انحسرت القراءة ولم ينحسر الكتاب. والمطابع ودور النشر تضخ أعداداً ضخمة من الإصدارات الحديثة التي يتم تداولها في نطاق ضيق من خلال تسويقها في معارض الكتاب أو في المكتبات العامة والمكتبات المدرسية. كما أن الكتَّاب والمؤلفين أصبحوا يتبادلون إصداراتهم كهدايا على صعيد نخبوي خاص. وهنا آراء عدد من الكتَّاب والنقَّاد السعوديين:

• عبد العزيز السبيل:
المدرسة … وتهميش الوعي
يقول الناقد عبد العزيز السبيل (رئيس تحرير مجلة نوافذ ومجلة جذور ): إن المدرسة تلعب دوراً سلبياً في مسألة القراءة ليس لأنها لا تشجع الطالب على القراءة، بل لأنها تكون أحياناً عامل حدِّ لمزيد من القراءة بالنسبة إلى من يرغب الدخول إلى عوالم معرفية متشعبة. فبالنسبة إلى مادة المطالعة يفترض أن تكون نافذة يدخل من خلالها الطالب إلى عوامل قرائية مختلفة بحيث يكون أمامه عشرات الكتب يختار منها ما يناسبه ليقوم بقراءتها وتلخيصها وتقديمها لمعلمه وزملائه. لكن ما يحصل هو أن هذه المادة تتحول إلى قراءة كتاب واحد وكأن المطالعة أو القراءة لا يجوز أن تتعدد وتكثر وتكبر. فالطالب حينما يصل إلى المستوى الجامعي يكون قد توجه سلبياً نحو القراءة وأصبح لديه موقف غير إيجابي أمام مسائل البحث والرغبة في الاطلاع. ولا يبدو أن الجامعة تنجح في تحويله طالباً إيجابياً في تعامله مع الكتب المتعددة. كان هذا الأمر قديماً، وفي الوقت الحاضر أضيفت إليه عوامل الاتصال الحديثة التي صرفت ليس الطالب فقط وإنما الإنسان عموماً عن عوامل القراءة التقليدية للكتاب إلى عوامل القراءة البصرية. ويمكن تفعيل القراءة لدى المجتمع السعودي بشكل عام من خلال إيجاد برامج ثقافية جادة على مستوى المدارس في مختلف مراحلها ومن خلال الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية. كما أن وسائل الإعلام يجب أن تؤدي دوراً محورياً في هذا المجال. وأتمنى أن تكون مادة المطالعة حرة، فمن المهم ألا تكون هذه الكتب إعادة صياغة لمادة من المواد التي يدرسها الطالب، ومن المهم أن تكون النظرة أكثر انفتاحاً على الواقع الثقافي، وألا تكون الكتب ذات قيمة وعظية نفعية مباشرة، بقدر ما تكمن قيمتها في جعل الفكر أكثر اتساعاً والرؤية إلى الحياة أكثر رحابة .

• عبد العزيز الصعقبي:
مناخات صعبة … وقارئ لا يأتي
ويقول عبد العزيز الصعقبي (متخصّص في علم المكتبات) عن أزمة القراءة في السعودية: ضعف الاهتمام بالقراءة يرجع إلى أسباب عدّة؛ أولها المدرسة فالنظام التعليمي لا يشجع على القراءة مطلقاً، والمناهج تعتمد التلقين المباشر ولا تفتح مناخات للطالب أو طرقاً للاتجاه إلى المكتبة والبحث. والسبب الثاني سوء صناعة النشر والتوزيع في السعودية. فالكثير من الكتب التي تصدر تخرج في شكل لا يحفز مطلقاً على القراءة وبأسعار باهظة لا تشجع على اقتنائها، إضافة إلى عدم وجود الطبعات الشعبية لكثير من الكتب ولا سيما الإبداعية منها.

• ناصر الجاسم:
طغيان الصورة على النص
وإلى ذلك يضيف القاص والروائي ناصر الجاسم (يحضّر دكتوراة في القصة القصيرة): إن أول سبب لضعف القراءة هو الابتعاد عن تنفيذ الأمر الرباني الوارد في سورة العلق وهو قوله سبحانه وتعالى اقرأ باسم ربك الذي خلق . وفي ما يتعلق بالمجتمع السعودي نلحظ عدم وجود مدارس أو معاهد متخصصة في تعليم مهارات القراءة، إذ إن للقراءة وحدها مهارات مثل سرعة القراءة مع سرعة الاستيعاب. وهذه المهارة من الصعب الحصول عليها في مدارس التعليم العام أو في البيوت عن طريق الأسرة، إذ إنها في حاجة إلى أساتذة متخصصين وإلى محترفات لغوية. وحينما نعود إلى ثقافة المجتمع السعودي، نجد أن هناك إرثاً يعيق غرس فضيلة القراءة لدى الأبناء ولدى الأحفاد. أما أطفال اليوم فقد انصرفوا كلياً إلى ثقافة الصورة التي تقدمها الفضائيات فانبهروا بها انبهاراً عالياً طغى على الكتب وأضعف الإقبال عليها .

• خالد اليوسف:
صمت المكتبة … رحيل القارئ
أما الروائي خالد اليوسف (رئيس نادي القصة السعودي – سابقاً – باحث في القصة العربية) فيقول: تصيبني الدهشة كثيراً حينما أسمع أو أقرأ عن موضوع القراءة المفقودة في حياتنا نحن العرب بشكل خاص، وكأن هذه أصبحت سمة نتميز بها عن الآخرين. ما أراه هو أن التعليم سبب رئيس لفقدنا حاسة القراءة وحب الاطلاع والبحث والمتابعة. فكل شيء جاهز أمام الطالب منذ المرحلة التمهيدية ولا يحتاج إلى تفكير أو خروج عن النص. وإذا كنا الآن نتلمسُ الأسباب ونبحث عن الوسائل لمعالجة هذا التدهور، أرى أن نركز على خطوة واحدة وهي أن يعرف الطالب المطلوب منه بطريقته وليس بطريقة المعلم .

• فهد علي العليان:
كتاب الطفل … مشروع يحتضر
ويقول فهد علي العليان ( أستاذ جامعي ورئيس الفريق العلمي للمشروع الوطني لتوثيق الصلة بالكتاب) يجب أن ننطلق بالطفل في عالم القراءة منذ البدايات، ففي أمريكا على سبيل المثال يأخذ الآباء والأمهات أطفالهم إلى المكتبات العامة وهم صغار من أجل التعرف إلى الكتاب ورؤية الصور. وعلى رغم وجود المكتبات الخاصة في منازلنا إلاّ أنَّ الأهل لا يعتنون بها ولا يعرفون أهميتها، ولا يوجد لدينا اهتمام بالكتب التي تتناسب مع الأعمار. ونجد أن بعض المثقفين يمنع أطفاله من الدخول إلى مكتبته الخاصة خوفاً من تمزيق الكتب، وهذا حرمان مبكر من الدخول إلى عالم المعرفة.. وأشير إلى جانب مضيء في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض حيث يوجد نادي كتاب الطفل وهو نادٍ للقرّاء الصغار يسعى إلى توافر الكتاب المناسب لكل طفل مشارك من عمر 3 إلى 12 سنة، مقابل رسم اشتراك رمزي هو عبارة عن 300 ريال، ويتولى النادي إرسال كتاب أو أكثر بالبريد شهرياً يتناسب مع عمر المشارك في مطلع كل شهر هجري.

• محمد العبيكان:
وسائل الإعلام لا تعرّف بالكتاب
ومن عالم النشر تحدث إلينا محمد العبيكان (نائب اتحاد الناشرين العرب ومدير عام مكتبة العبيكان ) فقال: لا شك في أن الكتاب يتراجع إلى الوراء بسبب عوامل عديدة، ومنافسة الكتاب ظهرت عبر النشر الإلكتروني وثورة المعلومات في الإنترنت ووسائل الاتصالات الأخرى؛ حيث أصبح القارئ في حيرة أين يذهب وماذا يختار. في السابق كان الكتاب هو الوحيد أما الآن فهناك منافسة شديدة. ونحن كناشرين في بحر متلاطم من التحديات، ما زلنا نحافظ على جمهور الكتّاب والمثقفين والعلماء المهتمين بالنشر الورقي والمتمثل في الكتاب. فدورنا كناشرين أن ننتقي الكتاب الجيد والهادف لنعرضه أمام الناس. ويظل التعريف بالكتاب المشكلة الوحيدة التي تواجهنا، فوسائل الإعلام لا تعرّف بالكتاب ولا تسهم في نشره، لأنها تتعامل معه كسلعة مثل المواد الغذائية والاستهلاكية الأخرى كتجارة، وهذا أدى إلى تدهور الكتاب وضعف القارئ .

• حسن النعمي:
تأهيل النخبة … هجرة الشعبي
ويتحدث الكاتب حسن النعمي (أستاذ مساعد في جامعة الملك عبدالعزيز، عضو جماعة حوار في نادي جدة) عن مساهمة الأندية الأدبية في تشجيع القارئ السعودي: القراءة عادة اجتماعية تنشأ مع الطفل في البيت والمدرسة، الركيزتين الأساسيتين لتعليم الطفل العادات النبيلة. بمعنى أن القراءة ليست فعلاً منفصلاً عن السياق الاجتماعي، فإذا وجد الطفل رعاية وتوجيهاً من البيت بخصوص القراءة وكذلك من المدرسة، فلا يوجد أي شيء يعيق الطفل في الوصول إلى ما يريد. إذاً المشكلة ليست مشكلة مؤسسات ثقافية وإنما في تنمية واكتشاف قدرات مبكرة للطفل. والدور المنوط بالمؤسسات الثقافية كالأندية الأدبية هو تهيئة المناخ المناسب مثل وجود مكتبات متنوّعة للأطفال والشباب والكبار، بالإضافة إلى تنويع النشر بما يخدم كافة الشرائح الاجتماعية.

• سليمان العقيلان:
الكتاب السعودي أصبح مميزاً ومطلوباً
الباحث سليمان العقيلان (عميد شؤون المكتبات في جامعة الملك سعود ومدير معرض الرياض الدولي للكتاب) يملك خبرة في مجال الكتب والقراءة، ويقول: بالنسبة إلى الإقبال على معارض الكتاب وخصوصاً معرض الرياض فهو كبير جداً، والتقنيات الحديثة لم تؤثر في إقبال القرّاء على معارض الكتاب. وصناعة النشر في السعودية تفوقت – خصوصاً – في السنوات الخمس الأخيرة حتى أصبحت تنافس الدول العربية الأخرى، فهي متفوقة في الإخراج على ما يطبع في لبنان. وأسهمت المؤسسات الحكومية إضافة إلى القطاع الأهلي الخاص في إنتاج الكتاب السعودي المميز حتى أصبح مطلوباً في معارض الكتب العربية. وفي السنتين الأخيرتين زاد الإقبال على معارض الكتاب في السعودية من الرجال والنساء بنسبة 30 في المئة. وتأتي الكتب الدينية والتراثية في المرتبة الأولى، تليها الكتب الأدبية والسياسية ثم تأتي كتب الطبخ والمرأة والطفل. ومثلت مشاركة السعودية في معرض فرانكفورت حدثاً جديراً بالذكر، حيث كان جناح السعودية من الأجنحة الكبيرة في المعرض وحاز ثناء المثقفين الألمانيين والمستشرقين. ولذلك أرى أن معارض الكتاب في السعودية جادة وفي طريقها إلى التميّز أكثر فأكثر .

• حمد القاضي:
القرّاء ازدادوا ولم ينقصوا
الأديب حمد القاضي (عضو مجلس الشورى ورئيس تحرير المجلة العربية) يقول: لم يتناقص إقبال القارئ على الصحف والمجلات إلا في شكل محدود؛ لأن القارئ تعود على الصحيفة والمجلة فضلاً عن سهولة قراءة الصحيفة والمجلة في أي مكان وبأي وضع وكون بعض القرّاء أصبحوا يقرأون المجلة والصحيفة عبر الإنترنت، فهذه قراءة ثانية ولكن بوسيلة أخرى، وأنا أرى أن القرّاء ازدادوا ولم ينقصوا. ولكن بالنسبة إلى القراءة الجادة فهي قليلة منذ زمن قديم، فالقرّاء يميلون إلى المواد الخفيفة، وهناك فئة من القرّاء إلى قراءة الأحداث. فبحكم مغريات هذا العصر أصبحت تجذب القرّاء الكتب ذات الطابع الخفيف والمباشر . ويتحدّث عن تجربة إصدار كتيب المجلة العربية وهو من القطع الصغير في حدود 33 صفحة: بدأناه منذ عام 1416هـ، وقد حقق شيئاً من النجاح وقد زادت مبيعات المجلة بشكل ملحوظ بعد صدوره. وهناك ردود فعل تأتينا على الإصدار الخاص في شكل متوالٍ، ولدينا نحو 15 كتيباً جاهزاً للطبع .

وماذا عن الكتاب العربي في الغرب؟ فرنسا أنموذجاً
باريس: ماجد نعمة

الأزمة العامة التي يشهدها الكتاب، في شكله التقليدي المطبوع في فرنسا لم تنعكس على سوق الكتاب العربي فيها ولا على القرّاء الذين زاد عددهم في المطلق وإن كان تناقص نسبياً. ومرد ذلك أن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت ارتفاعاً كبيراً في عدد المهاجرين العرب المتعلمين إضافة إلى أن أعداداً متزايدة من أبناء المهاجرين الأوائل بدأوا يعيدون اكتشاف اللغة العربية من خلال رحلة البحث عن الذات وعن الهوية. علاوة على ذلك فإن تكنولوجيا المعلومات والتواصل المذهل بين الدول العربية والمهاجرين العرب في أوروبا أسهما في الازدهار النسبي للكتاب العربي واستطراداً للكتاب الفرنسي الذي يتناول القضايا العربية بشكل أو بآخر.

دور الدولة
ترى الدولة أن نشر الثقافة العربية العصرية في الداخل وفي الخارج يعزز من جهة اندماج المواطنين الفرنسيين ذوي الجذور العربية بالمجتمع الفرنسي، ويدعم من جهة ثانية العلاقات الاستراتيجية مع العالم العربي. من هنا يمكن فهم تأسيس معهد العالم العربي في باريس الذي يولي، إلى جانب أنشطته الكبرى، أهمية بارزة للكتاب العربي في فرنسا، إذ ينظم كل عامين معرضاً دولياً للكتاب العربي. ثم إن مكتبة المعهد المتخصصة بالكتب الأجنبية التي تدورحول القضايا العربية أو بالكتب العربية المستوردة، تتيح للقارئ العربي والفرنسي وسيلة ثمينة للتعمق في الحضارة العربية. وهذه المكتبة تكمل نسبياً المكتبة الوطنية الفرنسية وما تتضمنه من ذخائر المخطوطات النادرة والكتب القديمة والحديثة الصادرة في مشرق الوطن العربي ومغربه، وتكمل أيضاً وظيفة مكتب اللغات الشرقية والذي يضم مئات الآلاف من الكتب والمخطوطات ناهيك عن المجلات والصحف والوثائق العربية. وإلى ذلك وضع المعهد في خدمة القارئ العربي في فرنسا مكتبة لبيع هذا الكتاب يشرف عليها الكاتب والباحث السوري الدكتور بدر الدين عرودكي. وتعتبر هذه المكتبة من أغنى المكتبات العربية في باريس رغم محدودية خياراتها وفرضها نوعاً من الرقابة الذاتية على العناوين التي تعرضها للبيع تجنباً لإثارة غضب هذه الدولة العربية أو تلك.

المراكز الثقافية ودور النشر
وإضافة الى مكتبة معهد العالم العربي, هناك مراكز عربية ثقافية تضع مكتباتها في تصرف المنتسبين إليها، وأشهرها: المركز الثقافي الجزائري، المركز الثقافي السوري والمركز المصري… أما المكتبات العربية الخاصة فيتجاوز عددها الخمسين. عشرون منها في العاصمة الفرنسية وثلاثون في المدن الأخرى. ومن أشهر المكتبات العربية في باريس وأقدمها: مكتبة ابن سينا ومكتبة المتوسط وهما تقعان في الحي اللاتيني، وتقدمان للقارئ أحدث إصدارات بيروت والقاهرة ودول المغرب، وتنظمان باستمرار حفلات للتوقيع على الإصدارات الجديدة بحضور مؤلفيها.

أما بالنسبة إلى دور النشر العربية في فرنسا فلا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة وهي جميعها دينية التوجه وأبرزها: التوحيد، اقرأ، الشرق… وهذه الدور تكتفي إجمالاً بإعادة تصوير أو طبع كتب رائجة. ولحسن الحظ، فإن الدور الفرنسية الكبرى تولي الثقافة العربية عناية خاصة، سواء من حيث المضمون أو الشكل، وبعضها يهتم بإصدار طبعات ثنائية اللغة (فرنسي – عربي) تشمل الكتب المؤلفة حديثاً أو التراثية أو المخصصة للأطفال. ويلقى هذا النوع من الكتب رواجاً كبيراً سواء لدى القرّاء الفرنسيين الذين تجذبهم الثقافة العربية أو الناشئة من أبناء الجالية العربية. ويبدو أن هذا النوع من الكتب سيتصدر تدريجاً قائمة المنشورات المخصصة للعالم العربي بين الناشرين الفرنسيين، إضافة إلى الكتب التعليمية البحتة والمخصصة لتعليم اللغة العربية وقواعدها.

أما الكتب الصادرة بالفرنسية والتي تتمحور حول العالم العربي والاسلامي وقضاياه فتبلغ نحو خمسمائة عنوان جديد سنوياً وهو رقم لا بأس به إذا ما عرفنا أن مجمل عدد الكتب الصادرة سنوياً في فرنسا لا يتجاوز الثلاثين ألف عنوان ثلثها من الكتب المعاد طبعها. وأبرز دار نشر فرنسية تعطي الثقافة العربية حيزاً أساساً هي دار أعمال الجنوب (ACTES SUD) والتي يشرف على منشوراتها العربية الكاتب السوري فاروق مردم بك. وبلغ عدد الكتب التي نشرتها هذه الدار منذ نشأتها أكثر من 600 عنوان. وتستحق باريس بجدارة لقب عاصمة الثقافة العربية بسبب كثرة مراكز الأبحاث التابعة للجامعات والتي تصدر دراسات كثيرة عن العالم العربي في جوانبه كافة. ولعل أبرز هذه المراكز يقع في مدينة إيكس أن بروفانس وتعتبر منشوراتها مرجعاً في كل ما يتعلق بالمغرب العربي. ورغم أن موسوعة الإسلام (Studia Islamica) تصدر في هولندا، فإن القسم الأكبر من محرريها يعمل في باريس.

سهولة الحصول على الكتاب
يجد قرّاء العربية في فرنسا سهولة كبيرة في الحصول على كل ما يريدونه من الكتب العربية أو عن العالم العربي. فثلث المكتبات العامة والبلدية (وعددها بالآلاف) تخصص قسماً لهذه الكتب، كما أن اللغة العربية أصبحت مادة اختيارية في الكثير من الثانويات والمعاهد التكميلية، وطلاب الآداب العربية يزداد عددهم باطراد. ويبلغ هذا العام عدد المنتسبين إلى الأقسام الجامعية الخاصة بالحضارة العربية أكثر من عشرة آلاف دارس. وقد بدأت المؤسسات الحكومية والخاصة، وكذلك المدارس العليا التي تتخرج فيها النخب الفرنسية القائدة في المجتمع والدولة، بتشجيع موظفيها وطلابها على دراسة اللغة العربية. ففي وزارة الخارجية الفرنسية، على سبيل المثال، بلغ عدد الديبلوماسيين الكبار الذين يتكلمون بلغة الضاد 40 سفيراً. لكنّ الأهم من كل ذلك هو ازدهار نوعين من الكتب: كتب الأدب والكتب الفنية الراقية التي لم تترك جانباً من الحضارة العربية والإسلامية إلا وغطته بامتياز. والى هذا وذلك، فإن وزارة الثقافة الفرنسية تسهم في تمويل الكتاب العربي المترجم إلى الفرنسية تماماً كما تسهم في تمويل الكتب الفرنسية المترجمة إلى العربية… كل هذه المعطيات تؤمِّن لطالب الثقافة العربية ولقارئ الكتاب العربي مناخاً جيداً لممارسة هوايته. وآخر التقديرات تقول إن عدد القرّاء العرب في فرنسا اليوم يتجاوز الآن مليون قارئ، ظرفي أو دائم.

أضف تعليق

التعليقات