ملف العدد

المهرِّج..

  • 93a
  • 93b
  • 94
  • 95a
  • 95b
  • 96a
  • 96b
  • 97a
  • 98-(limelight)
  • 98a
  • 98b
  • 98c
  • 98d
  • 100a
  • 100b
  • 101a
  • 101b
  • 102b
  • 102c
  • 102d
  • 102e

إضحاك حتى البكاء
الإضحاك وحده دون سواه مهنة مهرِّجنا ذي الأنف الأحمر الكبير!
إضحاك بأية وسيلة…
بل إضحاك.. يسخّر فيها ذاته كي يمرح الناس.

يضحكنا المهرِّج قبل أن ينبس ببنت شفة وقبل أن يقوم بأية حركة، يضحكنا من وجهه وملبسه. إنه يحوِّل نفسه إلى نكتة متحركة… من هنا يبدأ الضحك. الأنف الكروي الكبير وأحمر الشفاه الممتد إلى ما لا نهاية والرأس الأصلع بنتوءات شعر برتقالية من كل جانب وقبعة لا تتناسب وحجم الرأس… وملابس بمقاسات عشوائية مخططة ومرقطة.. ومعطف واسع وسروال قصير وحذاء ضخم.. ويبدأ الاستعراض.. وإذا كان سيركاً فالسيرك لا يبدأ بتاتاً إذا لم يبدأ بدخول المهرِّج أولاً إلى وسط الحلبة لإيقاظ الحماسة والفرح في قلوب الجموع وإدخالهم في المزاج المطلوب لمتابعة الاستعراضات التي تتوالى ليقطعها المهرج نفسه بين الفينة والأخرى مجدداً الحماس والغبطة! حلم كل مهرِّج هو الوصول بالمشاهدين إلى ذروة الضحك.. الضحك المتفجر الذي يفلت من السيطرة. وهذه هي لحظة انتصاره واعتزازه بالفوز الكبير.

ولد المهرِّج من رحم حاجة الإنسان إلى الضحك، ليكون نقيض الجد في كل شيء، وكثيراً ما نجد بيننا أو بقربنا “مهرِّجاً” غير محترف، صديقاً أو قريباً أو أحد أولاد الحارة الذي يقفز ويقوم بحركات مضحكة مزعجة في آنٍ معاً أمام كل عابر طريق. وصلة المهرِّج بهذه الحاجة الإنسانية العميقة – الضحك – أعطته دائماً طعماً خاصاً لا يشترك فيه مع الآخرين، وتحول إلى مهنة منتشرة لها أربابها ونجومها وثقافتها وفنونها، كذلك كتبها ومراجعها ومتاحفها. هذا الأبله اللمّاح الساذج الساخر اللامبالي السعيد المسحوق..
غير أن مهرِّجنا الذي يحوِّل نفسه إلى أضحوكة يتهدده دوماً خطر محدق.. أن يصل يوم يتوقف فيه عن الإضحاك وتتعثر قدرته على إثارة هرج ومرج الناس! وكم يتكرر مشهد المهرِّج الذي خرج من حلبة السيرك أو خشبة المسرح عائداً إلى غرفته حزيناً هضيم الجناح يزيل عن وجهه ” المساخر”، فينظر إلى ذاته غير المبرجة وتقابل عيناه عينيه في المرآة لتسألهما عن الخيبة والفشل.. وهو الذي رضي متواضعاً أن يسخر نفسه ذاتها لتكون موضوع الضحك، سمح لذاته “المضحوك عليها” هذه أن تقصّر في نيل حتى هذا المجد المعكوس! (يتلازم الضحك والبكاء في شخصية المهرج حتى في زينة وجهه).

كنّا إذا نسينا المهرِّج في الماضي عاد إلينا فجأة ليضحكنا أكثر. لكننا اليوم والمهرِّج أمام سؤال: هل يعود المهرِّج ثانية؟ أم أن العالم قد تحول عن هذا الضحك الجميل البريء ولم يعد للمهرِّج على خشبة مسرحه مكان؟ الزميل إبراهيم العريس يسلّط الضوء على مهرجنا من جديد مستعرضاً دنياه في ملف يجول فيه بنا على الحضارات والفنون أمام الكواليس وخلفها.

حكاية المهرِّج
من أيام الفراعنة إلى سينما فلليني

“حين تتفكك المنظومة الاجتماعية أو تنحل، يتضاءل حضور المهرِّج على خشبة المسرح، في حلبة السيرك أو على اللوحة، لكن المهرِّج نفسه لا يختفي، بل ينزل عند ذاك إلى الشارع: إنه يصبح كل واحد منا”. جاءت هذه العبارة في نص للناقد الفرنسي جان ستاروبنسكي عنوانه “صورة الفنان المهرِّج”. ولا شك أن هذه العبارة تتأرجح في ذهن المرء حين يستعيد في ذاكرته صورة ما من طفولته: في صف إحدى السنوات الدراسية الابتدائية، ثمة أستاذ معروف بضعف شخصيته وسماجته، معظم التلاميذ يصغون إليه بانتباه، غير آبهين بسماته تلك، فهم هنا ليتعلموا وينجحوا ويصبحوا مواطنين صالحين فيما بعد. ولكن بينهم صبياً أرعن لا يمكنه أن يأخذ الأمور على عواهنها. لهذا، في كل مرة يدير فيها الأستاذ رأسه عنه، يقوم بتقليد سمات وجهه آملاً في أن يضحك رفاقه. وفي كل مرة يلفظ الأستاذ جملة ممطوطة، يواصل ذلك الصبي آخر الجملة بشكل ساخر. وهذه اللعبة تثبت، دائماً، جدواها، إذ لا بد أن يضحك عدد من التلاميذ. أما إذا تنبه الأستاذ للفاعل وكان عقاب، فإن كل شيء يسقط على الأرض. المهم في هذا كله أن الصبي الساخر لا يعرف هنا أنه يمارس دور المهرِّج. في أكثر سماته بدائية، وصدقاً أيضاً.

ذلك أن هذا هو الدور الحقيقي للمهرِّج: أن يقلب الجد مزاحاً، أن يثير الضحك، أن يكشف عما هو قابل للسخرية لدى من هو قابل للسخرية. متحملاً، حتى العقاب في نهاية الأمر، مكتفياً بأن تكون جائزته حال المرح التي ينشرها بين رفاقه، ولو على حساب الأستاذ المسكين.

صــورة أوليـــة
نحن هنا أمام الصورة الأولية للمهرِّج… وفيها كل العناصر التي ترد في عبارة ستاروبنسكي: تفكك المنظومة الاجتماعية عن طريق “انهيـار” سلطة الأستاذ بسبب سماجته وضعف شخصيته، محاكاة التلميذ للحظات السماجة، منزلاً دور المهرِّج إلى الشارع .. أو “الساحة العامة”، وجعله كل واحد منا.

المهرِّج هو الغائب الحاضر، تمر بنا سنوات ولا نتذكره، ربما لأننا نعيشه في كل لحظة، من دون أن ندرك ذلك، ولكن في لحظة ما، يقفز إلى الواجهة: إنه هناك، عند الطرف الآخر للمرآة .. ولكنه أيضاً في حلبة السيرك، بفمه الملوّن وأنفه الكروي الأحمر، وأذنيه الكبيرتين وعينيه المرسومتين بظلال سوداء. هو هناك بثيابه الغريبة يطلع في السيرك بين فصل وفصل ليخفف من حدة التوتر الذي تثيره الألعاب الخطرة، ليغنّي صامتاً، ليقوم بحركات خرقاء ليزعم بطولة ليست له. إنه هناك واسمه يدل عليه. ولكن أو ليس ثمة شيء آخر خلف هذا كله، أو ليس هو ذاك الذي إذ يقوم بحركاته الخرقاء محاولاً إضحاك الجمهور، يكون دوره الحقيقي تسخيف البطولة والكشف عن غباء الغرائز؟.

لكنه هناك أيضاً في أغنية لأديت بياف تحكي كيف تضطهده زوجته باحتقار، ويسرق ابنه ما في جيبه من قروش قليلة. هناك، يحاول عبثاً أن يحطم مرآته الخاصة معتبراً أن مدّ نفسه مرآة للناس، سيزيد شقاءه. ولكن أنّى له هذا، إن القناع الذي يرسمه على وجهه ألوان ساخرة فاقعة، هو في حقيقته الحاجز الخفي الفاصل بين السعادة المزيفة والكآبة الحقيقية. ذلك إن المهرِّج بعد كل شيء، هو الكائن الأكثر كآبة… أو هذا على الأقل ما تقوله أغنية أديت بياف، كما تقوله لوحات لبيكاسو وتولوز لو تريك، من بين أعمال فنية أخرى وجدت في شخصية المهرِّج ما يسحرها.. هذا إذا نحّينا جانباً الآن، كل تلك السينما الهزلية الهوليودية التي استقت مناخاتها، عموماً، من شخصية المهرِّج من تشارلي شابلن، إلى الأخوة ماركس، ومن باستر كيتون إلى دبليو. سي فيلدز.

والحال أن هذه الأعمال الفنية كلها كانت تسعى إلى إخراج المهرِّج من سجنه الأبدي: السيرك. ذلك أنه لقرون طويلة ظلت شخصية المهرِّج بالمعنى الدقيق للكلمة، مرتبطة بالسيرك. ومع هذا لم يكن هذا صحيح، لأن وجود المهرِّج قديم، قدم وجود فن الأداء نفسه في تاريخ البشرية.

سيرته الذاتية
تفيدنا المراجع العامة عادة بأن المهرِّج حتى بالمعنى الأكثر حداثة ودقة للكلمة، كان موجوداً منذ أيام المسرح الإغريقي، حيث كان برأسه الأصلع وماكياجه الفاقع الغريب، يؤدي وصلات وأدواراً ثانوية في المسرحيات الهزلية وغالباً بشكل إيمائي تتخلله أحداث غير مفهومة. ولكن ثمة مراجع أخرى تؤكد لنا وجود الشخصية نفسها في نوع من الأعمال المسرحية كان يؤدى في قصور الفراعنة، ولا سيما أيام الفرعون داخيري- آسي من الأسرة الخامسة حوالي القرن الخامس والعشرين ق.م. والمراجع نفسها تتحدث عن مهرِّجين مشابهين وجدوا في “مسارح” الصين منذ القرن الثامن عشر ق.م. على الأقل، وفي أمريكا ما قبل كولومبوس. فما الذي أوصلهم إلى أمريكا الأزتيكية يا ترى؟ إن مشروعية هذا السؤال تأتي من وجود كتابات تاريخية تروي أن كورتيس، الغازي الإسباني، حين وصل مملكة الأزتيك في القرن الخامس عشر الميلادي اكتشف في قصر مونتزوما مهرِّجين ومشعوذين يشبهون تماماً، حتى في ثيابهم، أولئك الذين كانت أوروبا قد بدأت تعرفهم آنذاك إذ خرجت من قرونها الوسطى..

هل لكل هؤلاء أصول واحدة أم أن في الأمر صدفة؟ المهم هنا أن الأقزام الأزتيكيين والمهرِّجين والممثلين المقلدين الساخرين. كانوا من بين “الكنوز” التي عاد بها كورتيس إلى أوروبا ليقدم بعضهم هدية إلى البابا كليمان السابع، ويخبره في طريقه بأن كل قبيلة أزتيكية لديها مهرِّجوها ومشعوذوها والساخرون، مؤكداً أن هؤلاء كانوا يلعبون دوراً كبيراً في الحياة الاجتماعية والدينية للقبيلة، وأن بعضهم كان يُعتقد أن في كلامه وتصرفاته شفاءً من بعض الأمراض.

مزيــج مدهش
وهنا حدث ذلك المزيج المدهش بين دور المهرِّج الآتي من العالم الجديد، ودور نوع من الممثلين – المهرِّجين الذين كان لهم وجود ما في أوروبا. لكن المدهش أن هؤلاء الأوروبيين، كان في وسعهم، منذ تلك الأوقات المبكرة، أن يستخدموا سلاطة ألسنتهم سلاحاً لهم، وربما دواء اجتماعياً أيضاً، حيث أن الواحد منهم كان في وسعه أن ينتقد، حتى أفعال أسياده. مرة أخرى نجدن أننا هنا أمام صورة المرآة التي يرى فيها المرء نفسه. ولكن أفلا نجدنا هنا أيضاً أمام “مهرِّجنا” الأكبر جحا، أو نصر الدين، الذي تتقاسمه الحضارة العربية مع الحضارة التركية؟ وإذ نتحدث هنا عن جحا أفلا ترانا نصل إلى أبطال المقامات مثل أبى زيد السروجي؟.

إن المهرِّج كما عرفناه خلال القرون العديدة إنما ولد من ذلك كله، بحيث يصعب في الحقيقة على أية حضارة بمفردها أن تزعم أن المهرِّج ولد من رحمها الخاص، فهل يمكننا أن نستطرد هنا لنقول إنه ربما يصح اعتبار المهرِّج بعالميته هذه، المظهر الأول من مظاهر “العولمة” في تاريخ البشرية؟

لندع هنا هذا السؤال معلقاً، ونعود إلى المهرِّج نفسه، بالمعنى الأكثر ضيقاً للكلمة، ونتتبع حركته منذ وجوده مثلاً، في المسرح الإليزابيتي في بريطانيا، حتى لوحات بيكاسو وأفلام القرن العشرين.

إن عدداً كبيراً من المؤرخين يرصدون بداية وجود “المهرِّج” في المسرح الأوروبي، مع المسرحيات الإليزابيتية في القرن السادس عشر كما أشرنا. ولكن وجوده هناك لا يمكنه إلا أن يكون تالياً لوجوده في المسرح الإيطالي الهزلي المسمى “كوميديا ديل آرتي”، وذلك في زمن تال تماماً لزمن مهرِّجي الأزتيك، ونصر الدين خوجه – جحا – وأبطال المقامات. و”الكوميديا ديل آرتي” كانت بدأت في إيطاليا أوائل القرن السادس عشر. لتنتشر فور ذلك في طول أوروبا وعرضها. وكانت في الأصل عبارة عن مسرح ارتجالي مبني على شخصيات راسخة وأسس سيناريو قوية. ولقد تميز نوع معين من أنواع هذه المسرحيات، بوجود ثلاثة أنواع من الخدم الذين يمكن اعتبارهم آباء لـ “مهرِّج السيرك” الذي نحن، في نهاية الأمر، في صدد الحديث عنه: تساني الأول، تساني الثاني وفانتيسكا. وتساني الأول كان عبارة عن خادم شاطر وداهية غالباً ما يتآمر ضد سادته، أما الثاني فكان خادماً غبياً، غالباً ما يكون ضحية لمخططات تساني الأول وأداته الحمقاء لتنفيذ مؤامراته. أما فانتيسكا فهي خادمة أنثى فيها مزيج من الأولين، ولها في نهاية الأمر دور رومانسي إضافة إلى مشاركتها في اللعبة المسرحية.

تنويعــات أوروبـيـة
والحال أن المهرِّج الذي وصل إلى المسرح الإليزابيتي في بريطانيا، كان مزيجاً من هؤلاء الثلاثة معاً: له مكر الأول وقناع الثاني، وربما سمات الأنوثة والدهاء لدى الثالثة. ولسوف تكون أسماء مثل آرلكان وبريغالا، تنويعاً على أولئك حتى وصول جون ريتش الذي أوصل آرليكان إلى مستوى أدوار البطولة والشخصية الرئيسة.

وهكذا حين وصل شكسبير بمسرحه، وجد أمامه ألواناً من شخصيات يمكنه استخدامها ليجعل منها شيئاً شبيهاً بمرآة ممدودة أمام أبطاله، وأشبه بكورس يعلق ويفضح، بكلمات تبدو – كما الحال عند جحا وأبي زيد السروجي – غبية في ظاهرها، ولكن شديدة الدلالة والذكاء في باطنها. وكانت تلك الولادة الحقيقية للمهرِّج الذي نعرفه اليوم، سواء تكلم أو صمت، سواء أكان في السيرك أو على خشبة مسرح يقدم عملاً عينياً لبيكين، أو على صورة شارلو في “الأزمنة الحديثة”. ولسوف يقول لنا التاريخ إن ويليام كمب وريتشارد آرمن، معاصري شكسبير، كانا أول المهرِّجين المعاصرين في تاريخ المسرح.

ظهوره في السيرك
كان المسرح في ذلك الحين شيئاً آخر غير السيرك. وإذا كان المهرِّج كما نعرفه اليوم هو نزيل السيرك، كان علينا أن ننتظر القرن الثامن عشر لنشهد ولادة أول سيرك في التاريخ. وكان ذلك في بريطانيا أيضاً، حيث أسس فيليب آستلي ما اعتبر أول سيرك في العام 1768م. وفي طريقه خلف آستلي، كذلك، أول مهرِّج سيرك في التاريخ، وكان ذلك في عرض قصير عنوانه “الخياط يركب الحصان إلى برنتفورد”، وكان اسم الخياط بيلي بانونز، والعرض كان يقوم على أساس حكاية شعبية معروفة عن خياط يعجز عن امتطاء حصان، ومع ذلك يريد امتطاءه لكي يذهب إلى برنتفورد حيث عليه أن يدلي بصوته في انتخابات. لكن ذلك العرض الذي سيظل مرافقاً حياة السيرك طوال مائة عام، لم يكن في الحقيقة عرض مهرِّج بالمعنى الحديث للكلمة، بل كان مجرد عرض تهريجي غايته إضحاك المتفرجين على مغامرة الخياط السخيفة تلك.

كان على ولادة المهرِّج أن تنتظر مجيء جوزف غريمالدي (1778 – 1837م)، الفنان ذو الأصل الإيطالي الذي سيدخل التاريخ بوصفه أول مهرِّج مسرح حقيقي، وليرفع من مستوى هذا الفن، مُحِلاً ما سوف يسمى بـ “المهرِّج الأبيض” محل شخصية أرليكان. وبهذا كان غريمالدي، عن حق، المهرِّج Clown الأول الذي استحق هذا الاسم، علماً بأن كلمة Clown التي تترجم عربياً إلى مهرِّج هي من أصل إنجليزي هو Clod وتعني، ريفي وأحمق وماكر وأفاق، في وقت واحد تقريباً. وقد جمع غريمالدي في شخصيته وأدائه كل هذا معاً. لكن المهم أنه جمع كذلك في سمات تبرجه، كل العناصر التي شكلت، حقاً، شخصية المهرِّج كما وصلت إلى السيرك بشكلها النهائي: الوجه المصبوغ باللون الأبيض، الأنف الكبير الأحمر، العينان المحاطتان بكحل عريض – بشكل ما يسمى بتوقيع المهرِّج – والأذنان الطويلتان، إضافة إلى صلع الشعر المتناثرة بقاياه الخلفية تحت قبعة سخيفة، والثياب الملونة الموروثة من الكوميديا ديل أرتي مباشرة. وهذا دون أن ننسى لغة الجسد التي أتقنها غريمالدي جيداً. فالمهرِّج عنده كان في الوقت نفسه مقلداً، وإيمائياً وراقصاً ومصارعاً، خفيفاً بحيث يقفز كما يريد، وثقيلاً بحيث يظل مشدوداً إلى أرض هو من حثالتها: عليه أن يجيد ركوب الحصان وتسلق الجبال، وأن يعزف على آلات موسيقية عديدة أهمها الكمان.

ماذا.. هل كان المهرِّج حقاً في حاجة إلى كل هذا حتى يكون مهرِّجاً؟ حتى يكون شبيها بالحياة كلها.. كما سيؤكد لنا فلليني لاحقاً؟ فلليني نفسه الذي سيقول لنا في فلمه الشهير كيف أن الطفل الذي كانه، هو في مدينته الصغيرة ريميني، كان يخاف المهرِّج بدلاً من أن يندفع لمشاهدته: كان يراه في كوابيسه هاجماً عليه. لاحقاً فقط، حين كبر وصار السيرك جزءاً من حياته، اتخذ المهرِّج بالنسبة إليه سمة أخرى تماماً، ورأى المسكين المضطهد خلف صورة الداهية الماكر. رأى، ما صار هاجس كل فنان: دموع المهرِّج.

تراكم التجارب
وإذ نقول هنا دموع المهرِّج نجدنا نعود فوراً إلى السيرك، مكان المهرِّج الأثير… ولكن شرط أن نتوقف هنا لحظة لكي نشير، في استخلاص مما سبق إلى أن كل شعب كان له، ومنذ أزمان من الصعب رصدها، مهرِّجوه الخاصون به، وإلى أن أسماء هؤلاء المهرِّجين قد تنوعت بشكل مدهش، فإذا كنا أشرنا إلى مهرِّجي الكوميديا ديل آرتي، وإلى جحا والسروجي عندنا، فإن علينا أن نذكر أن التاريخ حفظ لنا أسماء آوغوست وبادان (من فرنسا العصور الوسطى) وبوبو (من إسبانيا) وتشارلي (من أوروبا عموماً، وهو سلف شارلو على الأرجح)، وشو (من الصين)، ولكون (من فرنسا القرن الثامن عشر)، وكورنتراري (من قبائل أمريكا الأهلية) وفول وغليمان (من إنجلترا القرون الوسطى) وغراسيوزو (من إسبانيا القرن السادس عشر) وهانزورست (من ألمانيا والنمسا) وكارتالا (من بالي في إندونيسيا) والمنيستريل (من أوروبا العصور الوسطى) ونار (من ألمانيا القرن السادس عشر) وصولاً إلى نبهاتكن (من بورما) وريجي (من روسيا)، وسيمار (من جاوا) وفيدوساكا (من الهند) ووايانغ أورانغ (من أندونيسيا)… والحقيقة أن دراسة معمقة لكل واحدة من هذه الشخصيات ستكشف لنا المدهش من السمات المشتركة في ما بينها.

فهل نقول أن المهرِّج الذي وصل أخيراً إلى حلبة السيرك، ومنها إلى لوحات الفنانين وأفلام المخرجين كان وليد ذلك كله؟ على الأرجح أجل… حتى من دون أن نزعم أن غريمالدي كان هو من توصل إلى تلك التوليفة. بالأحرى كان غريمالدي خلاصة تراكمات سبقته، أضاف هو إليها الفكاهات البذيئة واللئيمة والإكسسوارات المتنوعة والثياب الغريبة. وكان هدفه أن يعطي للمهرِّج سمات “تفردنه” – أي تجعل له ما وراء الماكياج والثياب والحركات – شخصية بارزة فردية تدل عليه وتجعل له مكانته، في الوقت نفسه الذي تجعل منه أيضاً تلك المرآة الاجتماعية التي سوف يتطلع إليها الجميع.

وما فعله غريمالدي سوف يفعله من بعده كل ذلك الرهط من المهرِّجين الذين تلوه وصار من الصعب تعدادهم، ولا سيما بدءاً من نهاية القرن الثامن عشر، طالما أن السيرك سرعان ما صار ظاهرة عالمية وحركة تنقله لا تهدأ. ومن أشهر الذين تلوا غربمالدي، الفرنسي الأصل فيليب لوران، الذي كان مهرِّجاً ومشعوذاً وبهلواناً في الوقت نفسه. أما الفرنسي الآخر جان – باتيست أوريول (1806 – 1881م) فهو الذي جعل لفن التهريج حداثته التي لا تزال قائمة حتى اليوم. كما جعل للمهرِّج مكانة أولى في السيرك لم تكن له أصلاً. وأوريول، استوحى الثياب الفضفاضة الإنجليزية، والبيريه الأسكتلندية المزينة بالريش. ولقد وصل أوريول إلى أن يكون مهرِّجاً حقيقياً وعصرياً بعد ما مارس كل ألعاب السيرك، بما فيها تلك الأكثر خطورة، فكان يقفز على الحبال ويقوم بألعاب الحواة ويشعوذ ويخب خبباً على الأحصنة. وهو إذ اعتاد أن يظهر على جمهور السيرك بين العروض، فإنه سرعان ما صار يعتبر هو العرض الرئيسي وينتظره الجمهور… وبهذا جسد أوريول نوعاً جديداً من المهرِّجين … ومع هذا، مهما كانت حصة الحركة المؤداة في عروضه، فإن الهزل ظلت له المكانة الأولى لديه.. والهزل بالنسبة إليه كان حركة وإيماءه قبل أن يكون أي شيء آخر… أما الأداء الصوتي فكان عبارة عن حروف مجتزأة يطلقها فتعني ما تعنيه، ويفهمها الجمهور.

لعبــة بصـريــة
بالنسبة إلى أوريول، كان السيرك لعبة بصرية في المقام الأول. والحقيقة أن هذا البعد أسهم، خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، في نهضة السيرك الأوروبي البصري، على حساب السيرك الإنجليزي الذي كان قد بدأ يشهد انحداراً كبيراً … وكان هذا من حسن حظ السيرك في القارة. إذ أن ذلك الانحدار دفع العديد من كبار المهرِّجين الإنجليز إلى التوجه إلى القارة بحثاً عن عمل، فأضافوا خبرتهم التعبيرية الرائعة إلى الإنجازات التهريجية في أوروبا. لقد جاءوا بسماتهم الشكسبيرية ولكن من دون اللجوء إلى استخدام الكلام. الحاجة هنا كانت، من جديد، أمّ الاختراع. وهكذا راح التهريج الأوروبي يغنى أكثر وأكثر… ولقد زاد من روعة هذا أن الاستعراضات الإيمائية في كل مكان من أوروبا، كانت قد بدأت بالاختفاء خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ما سمح لكل سيرك في أوروبا أن يتعاقد مع الممثلين الإيمائيين، محولاً إياهم إلى مهرِّجين حقيقيين. وهكذا وصل فن التهريج إلى ذروته التعبيرية، وصار كل مهرِّج حكاية في ذاته … صار له نصيب حتى من الدراما، وساعد على ذلك، أدب راح يكتشف خلف كل ماكياج شخصية درامية، ورسم راح يجد في شخصيات المهرِّجين مواضيع أثيرة له. صار المهرِّج من جديد، شيئاً آخر تماماً. فما هو؟

ما يخبئه الماكياج ويكشفه فلليني
نتذكر هنا المخرج الإيطالي فدريكو فلليني وما قاله تعليقاً على فلمه “المهرِّجون”: “المهرِّج؟ إنه يجسد سمات المخلوق الغريب الذي يعبر عن الجانب اللاعقلاني لدى الإنسان، العنصر المكون للغريزة، هذا الحد الأدنى من الرفض والاحتجاج ضد النظام الأعلى القائم لدى كل منا”. ويضيف: “عندما أقول مهرِّج فإنني أذكر بالمهرِّج الملون، لا بل السعيد. وذلك لأن ثمة صورتين للمهرِّج: المهرِّج الأبيض، والمهرِّج الملون. الأول هو الفخامة والرقة والانسجام والذكاء والوضوح (…) وعلى هذا النحو يصبح المهرِّج الأبيض أماً وأباً ومعلماً وفناناً وجمالاً مطلقاً، يصبح في اختصار “ما يتعين عمله” (…) أما المهرِّج الملون، الأبله السعيد، فهو شكل الطفل الذي يتغوط تحته ويثور ضد كمال المهرِّج الأبيض. إنه يفقد صوابه، يتدحرج على الأرض، ويُنشِّط بذلك احتجاجاً دائماً”.

إنه بالنسبة إلى فلليني، الصراع الدائم بين عادة الفعل، وبين حرية الغريزة. ويستند فلليني هنا إلى الصيني لاوتسو الذي يستعير منه عبارة “منذ أن تقوم الفكرة، تولد معها إمكانية السخرية منها”، مضيفاً: “حين يخلق المهرِّج الأبيض فكرة ما، لا بد للمهرِّج الملون أن يبدأ السخرية منها”. وهذا ما يجعل فلليني يستطرد قائلاً: “إن المهرِّجين الملونين، يمكن أن يكونوا هنا تعبيراً عن أدنى الطبقات الشعبية الرثة، صورة عن حيّز يعج باللصوص والجائعين والمنبوذين، هؤلاء الذين يكونون عادة قادرين على التمرد ولكن ليس على الثورة. ويحتمل أن يكون الشعب قد عاملهم دائماً بنوع من الألفة، لأنه وبسبب وضعه البائس أقام دائماً نوعاً من الحميمية مع كل ما هو شنيع”.

إن فلليني نفسه، ولأنه اشتغل طويلاً على التحضير لفلمه عن المهرِّجين، هو الذي سوف يخبرنا في نص لم ينشر إلا بعد موته في العام 1993م، بأن آل فراتيليني، أشهر نجوم السيرك في إيطاليا وفرنسا في القرن العشرين، هم أول من أدخل شخصية ثالثة تقع بين المهرِّج الأبيض والمهرِّج الملون، شخصية البهلول. إنه يشبه المهرِّج الملوّن في موقعه وسماته، لكنه لن يأنف تقديم العون إلى المعلم. فهو البائس الذي يتم ابتزازه فيصبح جاسوساً، مخبراً لدى البوليس، إنه – في اختصار – المتحلل الذي يعيش على حصان بين عالمين، في منتصف الطريق بين السلطة والشطارة. وفي هذا السياق يقول لنا فلليني أنه “في الحقيقة، وباستثناء فرانسوا فراتيليني، الذي لعب دور مهرِّج أبيض متقلب المزاج طافح بالرقة واللطف (…) فإن كل المهرِّجين البيض يبدون لنا قساة جداً. وليس على الخشبة في السيرك فقط، بل حتى في حياتهم الخاصة” ويروي المخرج الإيطالي كيف أن أنطوني، وهو أحد أشهر المهرِّجين في تاريخ السيرك الإيطالي، لم يتبادل خارج العروض أية كلمة مع بيبي الذي كان مهرِّجه الملوّن!!. وفي هذا السياق ها هو فلليني ينقل إلينا في نصه حواراً مختصراً يدور بين مهرِّج أبيض ومهرِّج ملوّن، يدلل فيه على أن المهرِّج الأبيض ينبغي دائماً أن يكون شيئاً، فهو بعد كل شيء، الذي يمضي وقته موجهاً الصفعات والعبارات اللئيمة.

المهرِّج الملوّن: أنا عطشان
المهرِّج الأبيض: هل معك نقود؟
المهرِّج الملوّن: لا …
المهرِّج الأبيض: إذاً … لا يمكنك أن تكون عطشاناً!”

مهرِّجون / مهرِّجات
وإذا كان فلليني يذكرنا هنا، بأن كل ما سبق يؤكد ما يذهب إليه بعض محاوريه من أن كل المهرِّجين الذين يتحدث عنهم هم من الذكور، فإنه يستطرد مذكرنا أيضاً بأن اثنتين من أشهر الشخصيات المهرِّجة في تاريخ السينما، هما امرأتان ظهرتا في فلمين له: جلسومينا (زوجته جوليتا ماسينا في “الطريق”) وكابيريا في “الباقي كابيريا”، لكنه يستطرد قائلاً إنهما في الفلمين ليستا امرأتين حقيقيتين. لماذا؟

بكل بساطة لأن المهرِّج لا يجب أن يكون له جنس محدد. وحتى كبار مهرِّجي فن السينما في القرن العشرين من شارلو إلى لوريل وهاردي والإيطالي توت، من الصعب التوقف عند أي جنس ينتمون. وفي هذا السياق أيضاً قد يكون من المفيد أن نقرأ صفحات رائعة كتبها فلليني: “ليس للمهرِّج جنس … غرورك هل كان له جنس محدد؟ وهل كان لشارلو، يا ترى، جنس؟ لقد قيّض لي منذ فترة أن أشاهد فلم شابلن “السيرك” فرأيت من جديد أنه عمل رائع بصورة مطلقة … لكنني أمام دهشتي وجدت أن شارلو لم يكن فيه، على الاطلاق، ذلك الرجل الساذج الصغير المثير للشفقة الذي اعتدنا الحديث عنه. بل كان أشبه بقط سعيد يعرف في كل لحظة كيف يرفع كتفيه بلا مبالاة ويمضي. وعَوْداً إلى جنس المهرِّجين أرى هنا أن لوريل وهاردي كانا مهرِّجين ملونين، أبلهين سعيدين، مليئين بالبراءة.. إن كل مواصفات جنسية تغيب عندهما تماماً. وربما كان هذا ما يثير الضحك فيهما. ثم ما أدهشني دائماً لدى باستر كيتون كان نظرته المترفعة إلى الأشياء والناس والحياة. وهي لا تشبه أبداً نظرة شارلو العاطفية الرومانسية الطافحة بالازدراء وبالنقد الاجتماعي (…) إن كينون شخص عصري جداً، إنه مهرِّج راهن. ونحن نعيش مثله حالات وأحداثاً تصيبنا بخبل يشلّ قدراتنا ويحوّلنا إلى حجر، يجمدنا، ويعطل حركتنا، دون أي ردّ فعل منا، مثلما كانت حاله تماماً”.

بين السعادة والبؤس: مهرِّج
إن الحديث عن هذا النوع من المهرِّجين السينمائيين في معرض الكلام على مهرِّجي السيرك، ليس من قبيل التكلف، ذلك أن شارلو ورفاقه هم الورثة الشرعيون لكل المهرِّجين الذين عرفهم تاريخ هذا الفن. فإذا كان الكاتب الأرجنتيني الكبير بورغيس قد قال يوماً، نقلاً عن مالارميه، إن أحداث العالم الكبرى تبدو وكأنها وجدت فقط لكي تدخل في نهاية الأمر في الكتب، فإن في إمكاننا أن نستطرد هذه الفكرة قائلين إن السينما، في طول القرن العشرين وعرضه تبدو وكأنها تضم كل ما حواه التاريخ من حكايات وأحداث وشخصيات، وصولاً إلى السيرك وأبطاله ومهرِّجيه. وإذا كان الإيطالي فلليني قد حقق فلمه الرائع عن “المهرِّجين” – للتلفزة لكنه عرض سينمائياً دائماً -، فإن المهرِّجين لم ينتظروا هذا الفلم حتى يدخلوا الشاشة، بل هم دخلوها منذ بداياتها، على شكل ممثلين هزليين استعاروا، ولا سيما أيام السينما الصامتة، سمات المهرِّجين وحركاتهم، وحياتهم أيضاً .. لكنهم تجاوزوا هذا كثيراً، ليقدموا للمتفرجين المبهورين، صورة الجانب الآخر من المرآة: قدموا المهرِّج ليس فقط في ظاهر حياته الضاحك، بل في باطنها البائس. ومن هنا ربما كانت السينما قد قدمت أعظم مساهمة في إضفاء الطابع الدرامي على حياة المهرِّج ولعل في صورة باستركيتون وهو يمسح عن وجهه ماكياج المهرِّج ليكشف خلف ذلك سمات بؤس عميق، في فلم شارلي شابلن، خير مثال على هذا.

لقد جاءت السينما هنا لتؤكد ما كانت فنون كثيرة تقوله منذ زمن بعيد: درامية حياة أولئك الذين ملأوا حياة ملايين المتفرجين حبوراً وسعادة. فالمهرِّج وإن لذّه دائماً أن يكون مهرِّجاً، فإنه لم يختر أصلاً أن يكون مهرِّجاً لأنه سعيد، بل ربما اختار ذلك لأنه أصلاً بائس يريد أن يبحث عن قناع سعيد يغطي به بؤسه. وفي العديد من الحالات تنتهي حياة المهرِّج نهاية شديدة البؤس، نهاية عبّر عنها فلليني نفسه أيضاً في “الطريق” من خلال شخصية جلسومينا، التي يصطحبها البهلوان (أنطوني كوين) زامبانو معه، محولاً إياها إلى مهرِّجة، تثير السعادة والضحك لدى الناس، لكنها تموت وحيدة حزينة في نهاية الأمر من دون أن يفهم زامبانو أنها ماتت يأساً من عدم فهمه أنها تحبه.

هذا هو مصير المهرِّج ولا سيما المهرِّج الملون، ذلك “الأبله السعيد” الذي يميل الأطفال إلى الهيام به عادة. فهو هناك، دائماً في السيرك، بين الفصول يتلقى الإهانات وضربات العصا، وعلى وجهه تنهمر الصفعات والبيض الفاسد وقوالب الحلوى بالكريما. وهو يقبل كل ذلك راضياً، يقبل دوره لِيُرَفِّه عن الناس … ولكنه في لحظة من اللحظات (وهذا ضمن المشهد طبعاً، ولكن ربما يكون أيضاً جزءاً من الحياة نفسها)، يسأم كل ذلك، يسأم أن يرسله معلمه مبطوحاً وسط النشارة مهاناً، غامراً إياه في رغوة صابون مذلة، فيحاول أن ينهض محتجاً، لكن المهرِّج الأبيض يكون في انتظاره. والسيء في الأمر أن هذا “الأبيض” يكون قد فقد مع مرور الزمن حسّه الهزلي وتحول بالتدريج إلى شرير حقيقي… وهكذا، إذا كنا نلاحظ اليوم مع الباحث الفرنسي ثيوفيل ريمي (صاحب كتاب “المهرِّجون” باريس، 1945م) أن المهرِّج الأبيض قد هبط من عليائه، ولم تعد له مكانته الكبيرة السابقة، فإن المهرِّج الملوّن يبقى على الأقل رمزاً للسيرك ولشاعريته، بحيث أنه نحو هذا المهرِّج هذا الأبله السعيد، الضحية الدائمة للفرص الضائعة، تتوجه ضحكات وضروب تصفيق مئات الملايين من الناس.

عربياً.. المهرِّج حاضر غائب
عندما نأخذ أفلاماً مثل “المهرِّج الكبير” الذي أخرجه يوسف شاهين عام 1952م، ومسرحية محمد الماغوط “المهرِّج”، وفلم “الأراجوز” الذي قام ببطولته عمر الشريف وميرفت أمين… وأيضاً حضور شخصيات صامتة عابرة في بعض اللقطات من الأفلام العربية (كما في “سمع هس” أو “البحث عن سيد مرزوق”) نكتشف أن حضور “المهرِّج” بالمعنى الغربي للكلمة ظلّ محدوداً في السينما العربية. ومع هذا ثمة حديث دائماً عن “تهريج” و”مهرِّجين” في هذه السينما. والأمر ينبع من خلط تبسيطي بين مفهوم المهرِّج Clown، ومفهوم الإضحاك. ومن هنا يطلق في أيامنا هذه اسم “المهرِّجين الجدد” على عدد من نجوم الإضحاك على الشاشة، لمجرد أن أشكالهم ليست مستقيمة تماماً، وأن غايتهم من فنهم هي الإضحاك.

ومع هذا، انطلاقاً من هذا الواقع بالذات قد يصحّ أن نتحدث عن “مهرِّجين” على الطريقة العربية، استُقيت شخصياتهم ومكوناتها من مزيج من التراث العربي والشرقي القديم (المقامات، جحا، بعض أجواء ألف ليلة وليلة …) ومن تراث المسرح الهزلي كما تُرجم في القرن التاسع عشر الميلادي، مدغوماً بتراث مسرحي عريق هو مسرح الكاراكوز وعيواظ المشترك بين العرب والأتراك. ولعل هذا الأخير هو الذي يبدو الأقرب إلى مفهوم المهرِّج بالمعنى الغربي، حتى وإن كان هناك فارق كبير يكمن في أن أداء الغربي يعتمد خاصة على الإيماء واللعبة التراجيكوميدية، بينما يعتمد الشرقي على الكلام والمواقف الهزلية المضحكة التي ندر أن حملت بعداً درامياً.

ومن أشهر التجارب العربية في هذا المجال نذكر مسرح حسن علاء الدين “شوشو” الذي لمع في بيروت خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وحملت شخصيته كل سمات المهرِّج وأدائه من دون الماكياج التقليدي والملابس الملونة (استعاض عنها بشاربين ضخمين كانا علامته المميزة الكبرى). كما نذكر أيضاً العمل المسرحي المتلفز “أخوت شاناي” الذي قام به الممثل نبيه أبو الحسن، ويروي فصولاً من حياة المهرِّج الذي عاش في بلاط الأمير بشير الشهابي.

مهما يكن، فإن مزيج هذا التراث كله، أنتج، مسرحياً وسينمائياً في القرن العشرين، هزليين عرباً كباراً، تفاوت مدى اقترابهم أو ابتعادهم عن مفهوم المهرِّج لكنهم لعبوا الدور الاجتماعي نفسه في حالات كثيرة، إذ من أمين الريحاني إلى عادل إمام، ومن كشكش بيك إلى إسماعيل ياسين وشكوكو وفؤاد المهندس وشرفنطح وغيرهم، تكوّن في الفنون العربية تراث إضحاكٍ طويل عريض لا يستهان به. ومن المؤكد أن ما نسميه اليوم بـ “المهرِّجين الجدد” (محمد هنيدي، الراحل علاء ولي الدين، أشرف عبد الباقي … إلخ) إنما هم أبناء هذا التراث كله، مهما كان رأينا فيهم وفي أساليبهم الإضحاكية. وإذ نقول هذا لن تفوتنا الإشارة إلى أن المهرِّج حتى في صيغته الغربية الأصيلة، ظهر على شكل قناع لغايات تنكرية، لا تتوخى الإضحاك نفسه، عبر شخصيات جدية، مثل نور الشريف في بعض أدواره، حين كان الأمر يقتضي تنكراً ما، فكان الاختيار متوجها نحو التنكّر على صورة المهرِّج… بما في ذلك أداؤه الإيمائي الصامت.

الرسم والتهريج
منذ زمن الفراعنة وربما من قبل ذلك كان ثمة، على الدوام حضور للمهرِّجين في المحفورات والآثار والفنون الجدارية بشكل عام. ولاحقاً منذ عصر النهضة وفنونه، ومع ازدياد الحضور الإنساني في لوحات وأعمال الفنانين بشكل عام، استقل المهرِّج بشخصيته في الأعمال الفنية: لم يعد جزءاً مكملاً للعمل الفني أو ذا حضور اكسسواري، بل صار يشكل أحياناً موضوع العمل. والحال أن ما دفع الفنانين إلى ذلك هو، بالتحديد الطابع المزدوج لشخصية المهرِّج كونه يشكل ظاهراً “كوميديا” وباطناً “درامياً” مفترضاً على الأقل.

وهكذا خلال بحث الفنان النهضوي عن عنصر تمثل جدليته موضوعاً جيداً للوحة، كان من الطبيعي أن يقع الاختيار على المهرِّج كشخصية تؤدي هذا الدور. ومن هنا، إن كان من المستحيل إحصاء اللوحات التي شكل المهرِّجون، موضوعها الرئيسي أو أحد مواضيعها الأساسية على أية حال، من الإمكان القول بأن فنانين كباراً من طينة بروغل وبيكاسو وتولوز لوتريك وبول سينياك (رسام السيرك في فرنسا بامتياز) اهتموا بالمهرِّج وبرسم لوحات تمثله. وتولوز لوتريك، الذي كانت له هو نفسه سمات خلقية مشوهة تجعله، من دون ماكياج وثياب خاصة، أشبه بالمهرِّج وعاش في أجواء السيرك والحانات في باريس أواخر القرن التاسع عشر، رسم شخصية المهرِّجين من الداخل. ولطالما ركّز على أبعادها السيكولوجية في تعبيرية من المؤكد أنها كانت تعنيه شخصياً، بل إنه ركز بشكل خاص على رسم مهرّجات كنّ حاضرات في الحياة الفنية الباريسية في زمنه. لكن اللافت للنظر أن تولوز لوتريك ندر أن صور مهرِّجاً أو مهرِّجة في حال ابتسام أو مرح.. وعلى عكسه كان بيكاسو الذي إذ رسم المهرِّجين مرات عديدة، بدا واضحاً أن همه هو رسم السمات الخارجية، غير السيكولوجية، لحياة المهرِّج… ومن هنا كثيراً ما حدث له أن استخدم ثياب المهرِّجين وزينتهم كإطار شكلي لبورتريهات أشخاص آخرين لا علاقة لهم، أساساً، بالتهريج: رسم أولاده في ثياب مهرِّجين، مثلاً.

أما في ألمانيا، وإبان انتشار التعبيرية التي كانت في الأساس صرخة اجتماعية عنيفة، حضر المهرِّجون ولكن على أشكال لا توحي تماماً بالتهريج، بل تعبر عن المأساة التي كانت تعتصر المجتمع الألماني في ذلك الحين. وهكذا، إذا تأملنا شخصيات رسامين، من كبار الرسامين الألمان في ذلك الحين، مثل جورج غروش وأوتود يكس، سنجد حضور المهرِّجين واضحاً، بثياب وسمات مهرِّجين أو من دونها، ولكن دائماً ضمن إطار تصوير موقف ناقد وساخر من المجتمع وسادته سواء أكانوا رجال أعمال أو جنرالات جيش. وعلى هذا يكون هؤلاء الرسامون الألمان، وعلى غرار ما كان فعل دومييه في فرنسا قبلهم بأكثر من نصف قرن، وظفوا السخرية التهريجية لغايات سياسية واجتماعية، محققين هنا ذلك الارتباط الذي سوف يطالعنا كثيراً، طوال القرن العشرين، بين البعد التهريجي، وفن الكاريكاتور وفن الرسم.

.. خارج السيرك
بسبب شعبيته الكبيرة، حضر المهرِّج في العديد من الأمكنة والمجالات بعيداً عن السيرك والمسرح، وصولاً إلى تخصيص دوائر البريد في بلدان عدة، طوابع تمجده وتمجد حضوره الطري في تاريخ البشرية. وفي الولايات المتحدة تشغل الفقرات التي تتضمن ركوب المهرِّجين للأحصنة (في شتى أنواع “الروديو”) وسط مخاطر يعرفون كيف يضبطونها، فقرات جذابة ودائمة المتعة.
والحال أن هذا الحضور للمهرِّجين في “طوابع البريد” و “الروديو” وما إلى ذلك، إنما يأتي منسجماً مع أوضاع ومناسبات تاريخية كانت دائماً ما تعطي للمهرِّجين مكاناً في الكرنافالات والاحتفالات.. إذ ندر أن خلا مهرِّجان شعبي في أي من بلدان أوروبا الشمالية أو الجنوبية، من مهرِّجين يشاركون في الاحتفالات والمسيرات، وينطبق هذا بشكل خاص على كرنافالات شهيرة مثل كرنفال البندقية، الذي منذ العصور الوسطى، يحفل بالمهرِّجين، تحت أي اسم ظهروا. وسواء أتت أبعادهم من الكوميديا ديل آرتي أو من أجواء السيرك. وخلال تلك المهرِّجانات والكرنافالات من المعروف أن الأطفال يحبون دائماً أن يلحقوا المهرِّجين ويتبادلوا النكات معهم، ما خلق تلك الألفة الدائمة بين المهرِّج والطفل.

‪————————–‬

كادر

نصر الدين..
لا يزال يهرّج!
جحا أو نصر الدين خوجا، هو الأشهر بين “المهرِّجين” المنتمين إلى التراث الشرقي المشترك، ولا سيما بين العرب والاتراك… ومع هذا فإن الثقافة الأوروبية، ولا سيما في بعض مناطق شرق أوروبا المجاورة لتركيا، اعتبرت نصر الدين هذا جزءاً من تراثها التهريجي. ومن هنا تناقلت عنه شعوب عديدة، من القصص ما يجعله في نهاية الأمر مختلفاً إلى حد كبير عن جحا كما نعرفه في تراثنا العربي، أو حتى التركي. ومن هذه القصص، ما يدل – كما كانت الحال في الصين القديمة – على أن هذا المهرِّج كانت له مكانة في البلاط، وكان في إمكانه أن يقول مزاحاً ما لا يجرؤ أحد غيره على قوله. غير أن اللافت في شخصية جحا هو في تحولها إلى صورة مجردة “للمهرِّج” بعيداً عن كل الدلالات التاريخية المحددة. فبمرور الزمن، كان العامة ينسبون إلى جحا كل طرفة تقوم على امتزاج الذكاء بالبلاهة، حتى صار مجموعها يشكّل كتباً كاملة تعتبر من أكثر كتب الأدب الضاحك رواجاً على الصعيد الشعبي في البلاد العربية.

‪————————–‬

كادر

هل كان شارلي شابلن مهرِّجاً؟
من الصعب اعتبار شخصية شارلو (تشارلي شابلن) شخصية تهريجية خالصة، حتى وإن كانت تجمعه بالمهرِّج التقليدي سمات وأقنعة عديدة. ومع هذا يميل باحثون كثر إلى القول إن شارلو هو الشخصية النهائية التي كان لا بد للمهرِّج القديم أن يتخذها، إذ صار ثمة انفصال تام، منذ ظهور السينما على الأقل، بين المهرِّج التقني (مهرِّج السيرك الأصلي) والمهرِّج الدرامي. إذاً، انطلاقاً من هنا يمكننا القول إن شابلن، عبر “شارلو” قد أعاد اختراع شخصية المهرِّج في الوقت نفسه الذي اخترع فيه شخصية جديدة تماماً من ناحية البعد الاجتماعي الذي هو، بالطبع، شيء آخر، غير البعد الدرامي الذي كان يمكن إسباغه على مهرِّج السيرك (تحت عنوان “دموع المهرِّج” الفكرة التي لطالما فتنت الكتاب والفنانين منذ أن اتخذ الفن طابعه الإنساني مع عصر النهضة).
إذاً، نعرف أن شابلن سخّر شخصية المهرِّج إذا أعاد صياغتها في تحديث لافت، للغوص في القضايا الاجتماعية، وحسبنا للتيقن من هذا أن نشاهد، ونشاهد من جديد، معظم أفلامه الصامتة .. وخاصة فلم “السيرك” الذي ظهرت فيه شخصية المهرِّج التقليدي، ولكن كعنصر جانبي في الفلم. وشابلن لم يكن وحده في السينما الغربية، إذ نعرف أنه كان حلقة في سلسلة طويلة من الفنانين الهزليين – تضم إليه: باستر كيتون والإخوة ماركس، والمساطيل الثلاثة، وآبوت وكاستيلو، وهارولد لويد … ويمكن أن نصل باللائحة إلى وودي آلن نفسه. وفي الوقت نفسه، يمكننا أن نستطرد من هنا للقول إن السينما اهتمت، حتى خارج إطار شابلن ورفاقه، بالمهرِّج ولكن من خلال اهتمامها بالسيرك بشكل عام، من سيسيل بي. دي. ميل إلى انغمار برغمان (وله فلم “ليلة العيد الريفي” المليء بالمهرِّجين، وكذلك نجد المهرِّجين في أفلام عديدة أخرى له، ولكن أقرب إلى أن تكون شخصيات ثانوية). وبشكل عام، لأن السينما كانت ولا تزال فن التناقضات التراجيدية، صوّر المهرِّج في أغلب الأحيان ضمن إطار ازدواجيته، بين القناع المضحك، والعمق الدرامي المأساوي. ولا شك أن السينما تبعت في هذا تلك التقاليد القديمة التي أرادت أن ترى في المهرِّج ازدواجية البعد بامتياز.

‪————————–‬

كادر

حقائق سريعة
• يعود أول ذكر للمهرِّج إلى حوالي العام 2500 ق.م. في الحديث عن حفلة تهريج أقيمت في البلاط الفرعوني في مصر.
• الصين تعرف المهرِّج بدءاً من العام 1818 ق.م.
• حوالي سنة 300 ق.م.، المهرِّج الصيني يوتزي يقنع الإمبراطور بالاستغناء عن طلاء سور الصين، وينقذ حياة آلاف العمال.
• القرن الرابع عشر الميلادي، ظهور نصر الدين خوجة أو جحا في بلاد المشرق العربي.
• في القرن السابع عشر بدأ التهريج بالظهور من خلال المسرحيات المختلفة في بريطانيا، ووضع روبرت آرمن أول كتاب يصدر في العالم حول المهرِّجين والتهريج.
• يعتبر جوزف غريمالدي (1779 – 1837م) الإيطالي الأصل والذي عمل أساساً في بريطانيا المؤسس الأول لشخصية المهرِّج الحديث.
• أصبح للتهريج معاهده الخاصة في القرن العشرين، وفي روسيا مثلاً على طالب هذا الفن أن يدرس في “معهد موسكو للسيرك” طيلة سبع سنوات قبل بدء العمل.
• يعتبر تبرج وجه كل مهرِّج علامته المسجلة الخاصة به، ولا يجوز لأي كان تقليدها، على عكس الملابس والتصرفات.
• يتراوح عدد المهرِّجين في العالم اليوم ما بين 50,000 و 80,000 مهرِّج.

‪————————–‬

كادر

يوتزي
مهرِّج الصين.. بطل قومي!
امتلأ تاريخ الصين، ومنذ أقدم العصور بالمهرِّجين … ومعظم هؤلاء كان يشكل جزءاً من البلاط الإمبراطوري، وكان يحظى بشعبية كبيرة.. غير أن ثمة مهرِّجاً هو يوتزي، يعتبر عادة بطلاً قومياً في الصين.
فالتقاليد الصينية العريقة كانت تجعل من مهرِّج الإمبراطور الشخص الوحيد القادر على أن يقول كل ما يخطر في باله، بما في ذلك أن يوجه أية انتقادات يشاء. شرط ألا يتجاوز الحدود، وأن تكون انتقاداته، مرتبطة بالمجال العام. وتبعاً لتلك التقاليد، حين اتخذ الامبراطور شيه – هوانغ – تي قراره ببناء ما صار يسمى لاحقاً بـ “سور الصين العظيم”، استلزم الأمر استخدام آلاف العمال والبناءين في عمليات البناء ثم في عملية لطلاء السور أزمع القيام بها، دون أن يهتم بأن الأحوال الجوية وصعوبات العمل راحت تقتل آلاف العمال البائسين. وإذ راح الصينيون يراقبون بصمت وخوف ما يحدث، دون أن يجرؤ أي منهم على الاعتراض، انبرى المهرِّج يوتزي، عبر مزاحه وتهريجه، لكي ينتقد الإمبراطور في حضرته، على ما يحصل، الأمر الذي أدى في النهاية إلى أن يتخلى الإمبراطور عن بقية مشروعه، موفراً حياة وجهود الآلاف. وإذ عرف الشعب أن يوتزي هو من أقنع الإمبراطور بذلك، جعل من المهرِّج بطله القومي ولا تزال ذكراه حاضرة كمهرِّج وبطل منقذ حتى اليوم.

‪————————–‬

كادر

كتب عن المهرِّج

الحمقى أينما كان

صدر هذا الكتاب في العام 2001م، ومؤلفته هي بياتريس ك. أوتو التي تأخذنا في رحلة حول العالم بحثاً عن المهرِّجين في كافة الثقافات والحضارات، غير أن كتابها هذا يتوقف عند مهرِّجي البلاطات القديمة، ولا يتناول الأشكال الشائعة الأخرى من التهريج في السيرك أو المسرح أو السينما.

وربما كان حصر الموضوع في هذا الإطار المحدد هو ما سمح للمؤلفة أن تشبع موضوعها بحثاً وغوصاً في الحقائق التاريخية، وتسليط المزيد من الأضواء على مهرِّجين مجهولين، وسرد عشرات الطرائف والحكايات حولهم حيثما يوجدون أو حيثما وجدوا في الماضي في الصين وأوروبا وآسيا الوسطى وإيران والبلاد العربية وإفريقيا والهند والأمريكتين وروسيا واليابان.. “ما عدا القطب الشمالي حيث لم ألتق بمهرِّج هناك”، على حد قول المؤلفة.

لوحات المهرِّجين

هذا الكتاب هو من إعداد الممثلة والمخرجة السينمائية المعروفة ديان كيتون، التي جمعت خلال عدة سنوات مجموعة من 65 لوحة تمثل مهرِّجين، من إنتاج فنانين هواة.

وتقول كيتون التي “صدمها” هذا الجمع بين القباحة الشكلية والجمال الفني، أنها لطالما تساءلت عن السر الذي يدفع بالرسام إلى بذل مثل هذا الجهد والوقت الطويل في سبيل نقل صورة المهرِّج بكل زخارفها إلى اللوحة، وما الذي يريد أن يقوله من خلال لوحته؟

وتخلص كيتون في كتابها إلى القول: “إن المهرِّجين يُرسمون عادة كأشياء تزيينية، ولكنها تدعو إلى التأمل. فبدلاً من المهرِّج الحي الذي يشتت تفكيرنا بأدائه وحركاته، تسمح لنا صورته المرسومة بالتأمل فيها، والتأكد أن هذا المهرِّج لم يوجد لإضحاكنا فقط، بل أيضاً ليسمح لنا بالتطلع إلى أنفسنا عن قرب”.

أضف تعليق

التعليقات

بلا اسم

طويل جدا لكن فييه ما يكفي حاجتي شكرا

مروان

احسنت …