تأليف: د. عبدالله الأعرج
الناشر: دار المؤلف، 2024م
في كثير من المؤلفات التي تندرج تحت تصنيف ثقافات الشعوب، يكثر الحديث عن الجانب المادي من حياة الناس فتخرج المادة المكتوبة وصفيةً أكثر منها تفاعلية تتيح للكاتب والقارئ سويًّا تقاسم التأمل حول ممارسات تلك الشعوب والتفكر في ثقافاتها. لهذا لا يكتفي د. عبدالله الأعرج في كتابه “وقت الشاي: تأمل في المعيشة البريطانية” بتقديم المملكة المتحدة للقارئ العربي من خلال إمعان النظر في أهم معالم تلك الإمبراطورية خلال عصورها القديمة والوسطى والحديثة، بل يتتبع بأسلوب شائق ومبسط خصائص المعيشة البريطانية في أبعادها: الجغرافية، والتاريخية، والفلسفية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والشعبية العامة، وغيرها مما يتعلق مثلًا بنمط الشخصية البريطانية وطريقة تعاطيها مع الحياة في إيقاعها المحلي والدولي.
يتألف هذا الكتاب من سبعة وعشرين مقالة تسلّط الضوء على أبرز المشاهد الحياتية في المملكة المتحدة، ويغلب عليها طابع السرد المبسَّط الذي يشبه تلك الأحاديث بين الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل، وهم يحتسون الشاي الإنجليزي في أحد المقاهي بعد الرابعة عصرًا، و هو الوقت المعروف في المملكة المتحدة باسم “تي تايم” أو ” وقت الشاي”. ولأن الحديث عن المملكة المتحدة يحتاج إلى تأمل عميق بحكم طبيعة التاريخ الطويل والمثير الذي مرت به تلك البلاد، فإن المؤلِّف يقسِّم كل مقالة من مقالاته القصيرة إلى ثلاثة أجزاء، فيتناول في الجزء الأول المعلومة المعرفية قيد الحديث، سواءً كانت عن التاريخ البريطاني أو الفلاسفة الإنجليز أو حتى عن مشاهد النقل والمواصلات هناك. بينما يأتي الجزء الثاني ليتضمن بعض المشاهدات الحياتية التي تتفق مع طبيعة المقالة، انطلاقًا من تجربة الكاتب في العيش لفترة غير قصيرة في بريطانيا؛ لتكون بمثابة شهادة معاصرة حول موضوعها، ولتفتح نوافذ أخرى للقارئ حول المعلومات التي تناولها الجزء الأول. أما الجزء الأخير من المقالة فيمثِّل تأملات الكاتب، التي تجمع بين ما كتبه عن المملكة المتحدة وبين ما رآه بنفسه فيها. وفي هذا الجزء الأخير، يتمثَّل المؤلِّف دور القارئ محاولًا تقديم بعض التأملات والتساؤلات والتعقيبات والمقاربات بين المعيشة البريطانية ومثيلاتها في أماكن أخرى من العالم.
ولأن أحاديث الشاي لا تخلو من الجدِّية تارةً، ومن المرح والسخرية تارة أخرى، فإن الكاتب يعمد في بعض المقالات إلى ربط المعيشة البريطانية بما خبره في حياته الشخصية. فتراه يربط بين ممارسات معيشية بريطانية، وبين ما كان يشاهده أو يسمعه أو ربما يمارسه في طفولته القروية. وفي بعض الأحيان يربط المؤلِّف بعض المقالات بشعوب أخرى، وقد يستدعي حوادث تاريخية ملهمة لتشكيل علاقات منطقية للأحداث وتعزيز متعة القراءة لدى القارئ.
جميل السرد نتمنا إيضافة خاصية الاستماع في نفس المقال شكرا لكم.