ليس من غير المعتاد أن تُعالج الحيوانات وبعض الحشرات نفسها في البرية بتناول نفسها أو فركها بمواد مختلفة من أجل مكافحة السموم أو قتل الطفيليات أو طرد الحشرات؛ هذا ما يعرفه العلماء منذ فترة طويلة. لكن أن يقوم حيوان أو حشرة بمعالجة حيوان آخر، وخاصة أن يُجري له عملية جراحية، فهو حدث مذهل وجديد. لأنه كانت هناك قناعة بأن ذلك يقتصر على البشر. وفي هذا الخصوص، أكدت عالمة الأنثروبولوجيا مارغريت ميد (1901م – 1978م) أن الحضارة البشرية بدأت عندما وجد شخص ما كُسرت رجله، شخصًا آخر ليعالجه، كما جاء في مجلة القافلة، العدد 700 (سبتمبر- أكتوبر 2023م).
فقد لاحظ علماء من جامعة فورتسبورغ الألمانية كيف نظَّفت نملة النجار الفلوريدية (من فلوريدا) الجروح المُصابة وبتر الطرف المُصاب لرفيقتها في الوكر، وفقًا لما ذكرته مجلة “كيورنت بيولوجي” (Current Biology)، في 22 يوليو 2024م.
يجري اختيار نوع العلاج على أساس مكان الإصابة. فإذا كانت الإصابة في عظم الفخذ، الجزء الأقرب من الجسم، فإن النملة ستمضغ الساق بالكامل، وهو ما يزيد من فرص بقائها على قيد الحياة بنسبة 95% مقارنة بـ40% من دون بتر. ولكن إذا حدثت الإصابة في قصبة الساق، الجزء الأوسط من الساق، فإن النملة ستنظف الجرح جيدًا بفمها، وهو ما يزيد من معدل البقاء على قيد الحياة من 15% إلى 75%.
عند النظر إلى هذه الأرقام، قد يشتبه المرء في خطأ ما في سلوك النمل. إذ من المؤكد أن بتر قصبة الساق من شأنه أن يزيد من فرص البقاء على قيد الحياة. ولكن هناك سببًا وجيهًا جدًّا لعدم بتر قصبة الساق. وذلك لأن عظم الفخذ يحتوي على كتلة عضلية أكبر مقارنة بقصبة الساق، فإن إصابته تُبطئ من تدفق الدم، وهو ما يعيق انتشار البكتيريا إلى بقية الجسم. لذا، في أثناء إصابات عظم الفخذ، يكون لدى النملة الوقت الكافي لمضغ الساق، الذي يستغرق 40 دقيقة. أمَّا في إصابات قصبة الساق، فتنتشر البكتيريا بشكل أسرع. لذلك، فإن تنظيف الجرح هو الإجراء الأنسب في هذه الحالة.
اترك تعليقاً