تأليف: توم نيكولز
ترجمة: عمر فايد
الناشر: نادي الكتاب، 2024م
“لماذا يتباهى الناس بالجهل؟”. السؤال السابق، الذي يبدو غريبًا في مضمونه، كان عنوانًا فرعيًا لهذا الكتاب، الذي ألفه أستاذ شؤون الأمن القومي بكلية الحرب البحرية الأمريكية، توم نيكولز. صدرت ترجمة الكتاب إلى العربية حديثًا، ليطرح فكرته المركزية التي تنتقد بشدة التقليل المتزايد من قيمة المعرفة، في ظل هيمنة تكنولوجيا الاتصال الرقمي على حياة أفراده بشكل واسع؛ لتصبح وكأنها صاحبة الكلمة العليا في تشكيل أذهانهم والتأثير على أنماط معيشتهم.
يتعجب المؤلف، بحس أقرب إلى السخرية، من فكرة أن “الجميع صار يعرف كل شيء”، ومن اعتقاد أعداد كبيرة من مستخدمي الإنترنت أنهم قد صاروا خبراء بمجرد حصولهم على معلومات عن موضوعات معينة من دون فهم متعمق، ومن دون إعمال الفكر النقدي بشأنها، بل حتى من دون التحقّق من صحتها.
ويؤكد أن الخبرة لم تمت، لكنها “في ورطة”، وأن الأمر لا يتعلق بقلة معرفة الناس بالعلوم أو السياسة أو الجغرافيا، فعدم إحاطتهم بذلك ليس جديدًا ولا يُمثل مشكلة. لكن الأزمة، من وجهة نظره وبالتطبيق على المجتمع الأمريكي كنموذج، تتركّز في التفاخر بحالة عدم المعرفة واعتبارها “فضيلة حقيقية”؛ فتُرفض نصيحة الخبراء الفعليين إمعانًا في تأكيد الاستقلالية الذاتية، ورغبة في عدم الإقرار بإمكانية الخطأ في أي شيء. وهكذا، بات هناك تصديق لكل الحقائق “حتى المُنافي للحقيقة منها”، وأصبحت “جميع الآراء في أي موضوع وجيهة بقدر أي رأي آخر”.
ويشرح “نيكولز” الدافع وراء تأليفه هذا العمل، وهو شعوره بالقلق بعد ملاحظته أن المعرفة الأساسية وصلت إلى درجة متدنية تخطت حاجز “الجهل البسيط” إلى “الجهل المركّب”، وانحطت إلى مستوى “الحياد التام عن الصواب”. فقد وجد أن الناس، كما يكتب، “لا يؤمنون بأشياء غبية فحسب، لكنهم يقاومون تعلّم المزيد عوضًا من التخلي عن تلك المعتقدات”. باختصار، هم “يرفضون الخبرة” في شتى المجالات ويفعلون ذلك “بغضب”. وصار الهجوم على الخبراء أكثر وضوحًا للطبيعة غير المنضبطة للنقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي. في هذا السياق، لا يرفض “نيكولز” مبدأ النقاش في ذاته، لكن يقلقه غياب التحلي بمهارة النقاش المستند إلى أسس ومعلومات حول ما يُعدُّ حقائق أو يُصنّف كأكاذيب، والذي يُعدُّ وجوده دليلًا على الصحة الفكرية.
ويناقش المؤلف في ستة فصول مجموعة من الموضوعات المتعلّقة بطرحه الرئيس، منها: طبيعة العلاقة بين المواطنين والخبراء، وكيف صارت المناقشات مرهقة، وتحليل خدمات التعليم العالي الذي يقدّم العلم وفقًا للطلب، انطلاقًا من مقولة “الزبون دائمًا على حق”، وفهم الدور الذي تؤديه محركات البحث على الإنترنت في زيادة نسب الجهل؛ وذلك لأن المعلومات المطلقة، ليست مؤشرًا على ذكاء من يمتلكها. كما يرصد بالتفصيل الحالات التي يفشل فيها الخبراء.
اترك تعليقاً