يؤدي تغير المناخ إلى زيادة تواتر وشدة ومدة الجفاف في أجزاء كثيرة من العالم، مما يجعل مقاومة المحاصيل لإجهاد الجفاف هدفًا رئيسًا للتكنولوجيا الحيوية الزراعية. فقد تضاعفت نسبة تأثر كوكب الأرض بالجفاف في الأربعين سنة الماضية، مما أثر على البشرية لأن الإجهاد الناتج عن الجفاف يؤثر سلبًا على نمو النبات، مما يؤدي إلى انخفاض غلة المحاصيل، وفي النهاية يتسبب في نقص حاد في الغذاء أو مجاعة.
لمواكبة الجهود العالمية لتعزيز مقاومة المحاصيل لهذا الإجهاد، قام باحثون من عدة جامعات سعودية وبعض الجامعات الألمانية، بقيادة الدكتورة خيرية العتيد من جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، بأبحاثٍ واسعة حول الموضوع. وأثبتوا أن بعض الميكروبات، التي توجد عادة في عقيدات جذور النباتات الصغيرة الشبيهة بالشجيرات الموجودة في الصحاري، والمقاومة للجفاف، إذا أُدخلت إلى نباتات المحاصيل، فيمكنها أن تشكل أداة قوية لتعزيز قدرتها على مقاومة الجفاف عند الحاجة لذلك.
وقد أظهر البحث، الذي نُشر في دورية “تقارير منظمة البيولوجيا الجزيئية الأوروبية”، في 6 يونيو 2023م، أن إنبات نبات الأرابيدوبسيس، أو رشاد أذن الفأر (وهي من أهم النباتات التي يتم إجراء تجارب علمية عليها، ولهذا أُطلق عليها أذن الفأر الذي يُعتبر أكثر الحيوانات أهمية في الاختبارات البيولوجية) والبرسيم الحجازي (وهو من أهم محاصيل العلف) مع ميكروب مأخوذ من جذور نبات صحراوي شائع يساعدها على النمو في ظل ظروف الجفاف.
عزل الفريق أكثر من 10,000 سلالة ميكروبية صحراوية من تربة الصحراء وجذور النباتات الصحراوية. وفحصوا المئات من هذه السلالات، ثم قاموا بإنبات نباتات أرابيدوبسيس مع كل سلالة مختلفة للبحث عن تلك التي تعزز بشكل كبير تحمل النبات للجفاف.
وبما أن هذه الدراسة الخاصة تهدف إلى استكشاف الآليات الجزيئية وراء تعزيز مقاومة الجفاف، اختاروا سلالة بكتيرية من نوع الزائفة الأرجنتينية (Pseudomonas argentinensis) سُميت اختصارًا بالرمز (SA190)، وهي موجودة في عقيدات جذور نبات النيلة (Indigofera Argentea)، الظاهرة في الصورة أعلاه.
في هذا الصدد تقول خيرية العتيد: “نظرًا لأننا نعرف الكثير عن نبات الأرابيدوبسيس، فهو النموذج الجيني في بيولوجيا النبات، يمكننا تحليل الآليات الجزيئية الدقيقة والتغيرات التي أحدثتها سلالة SA190 في النبات استجابة للجفاف”.
هكذا، وجد الفريق أن السلالة تعدل حالة “التخلُّق المتوالي” (epigenetic status)، أو التغيرات التي تحدث لنمط وراثي ظاهري، لجينات إجهاد الجفاف المهمة. إذ لا يتم عادة التعبير عن هذه الجينات في ظل ظروف نمو جيدة (أي أن شكلها الخارجي لا يتغير في ظل الظروف العادية الجيدة)، ولكن يتم التعبير عنها حصريًا عندما تتعرض النباتات للجفاف. مما يعني، أن سلالة SA190 نجحت في تعزيز الجينات التي في حالة الحاجة لمقاومة الجفاف، وفقًا للعتيد.
قام الفريق بعد ذلك بتجهيز نبات البرسيم الحجازي باستخدام سلالة SA190، وأظهرت هذه النباتات زيادة كبيرة في مقاومة الجفاف.
وعلَّق على ذلك هريبرت هيرت، أحد الباحثين من جامعة كاوست: “يمكن بسهولة إنتاج SA190 بكميات كبيرة في المخمرات، ولا تحتاج بذور المحاصيل إلا إلى تغليفها بالميكروبات. بمجرد نشر البذور في الحقل، يرتبط SA190 مباشرة بشتلات المحاصيل، وبالتالي يتم تجنب المنافسة مع الكائنات الحية الدقيقة الأخرى في التربة. ومن المحتمل أن تكون هذه أداة قوية جدًا لمساعدة النباتات على مقاومة الجفاف”.
اترك تعليقاً