لاستكشاف كل إمكانات القمح من نوع “وحيد الحبة”، قام فريق مؤلف من 30 باحثًا من عدة جامعات أوروبية وأمريكية بقيادة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) بتجميع أول خريطة جينومية كاملة لهذا النوع.
القمح وحيد الحبة “إينكورن” (Einkorn) هو أول أنواع القمح التي استزرعها البشر منذ حوالي 10000 عام في منطقة الهلال الخصيب؛ وشكَّلت بداية العصر الزراعي. وكان النوع البري من هذا القمح قبل استزراعه أحد مكوِّنات أقدم المنتجات المعروفة التي كان يخبزها البشر في عصر الصيد وجمع الثمار في الأردن المعاصر قبل أربعة آلاف عام من ذلك. وهكذا أدَّى إينكورن دورًا محوريًا في تأسيس الزراعة؛ وهو النوع الوحيد من القمح ثنائي الصيغة الصبغية. وتأتي أهمية إينكورن، من أن له تاريخًا طويلًا في الزراعة والانتقاء البشري في ظروف بيئية متنوعة، مما يجعله مصدرًا لدراسة التنوع الوراثي والاستفادة منه في زراعة القمح.
ورغم أن إينكورن يحظى بنكهة فريدة وفوائد غذائية عديدة، فقد انخفضت أهميته في إنتاج الغذاء العالمي على مدى آلاف السنين تدريجيًا مع ارتفاع شعبية أصناف “قمح الخبز”، الذي يشكل %95 من القمح المنتج عالميًا في الوقت الراهن. إذ تنتِج أصناف قمح الخبز عمومًا غلاتٍ أعلى، مما يجعلها أجدى اقتصاديًا للزراعة التجارية واسعة النطاق. ومع ذلك، بالمقارنة مع أبناء عمومته البرية، يتمتع قمح الخبز الحديث بتنوع وراثي منخفض. ولهذا السبب يشعر العديد من المزارعين الآن بالقلق بشأن كيفية أداء المحاصيل الحالية في مواجهة تغيُّر المناخ والتهديدات الجديدة للأمراض.
أهمية جينوم القمح وحيد الحبة
يوفر التسلسل الجينومي لنوع القمح المذكور، الذي يبلغ طوله 5.2 مليار حرف، نافذة على الأصول التطورية لأنواع مختلفة من القمح. وتقول حنين إبراهيم أحمد، المتخرجة في كاوست، والمؤلفة الأولى في الدراسة التي نُشرت في مجلة “نيتشر” بتاريخ 2 أغسطس 2023م: “من خلال فهم التنوع الجيني والتاريخ التطوري للقمح وحيد الحبة، يمكن للباحثين الآن الاستفادة من إمكاناته في جهود التكاثر المستقبلية وتطوير أصناف قمح أكثر مرونة وأغنى بالمغذيات”. كما يمكن أن يساعد المزارعين ومربي المحاصيل على تطوير أصناف من قمح الخبز، مع تعزيز مقاومة الأمراض، وزيادة الغلة.
ولكشف هذه الأسرار، قام فريق بقيادة سايمون كراتينجر وجيسي بولاند من جامعة كاوست، بنشر مجموعة من تقنيات تسلسل الحمض النووي لإنشاء مجموعات جينومية عالية الجودة لأصناف إينكورن البرية والمهجنة على حد سواء. وكان الباحثون قد افترضوا في السابق أن تطوُّر القمح كان عملية ثابتة مع اختلاط محدود لأنواع القمح المختلفة. ولكن وفقًا لكراتينجر: “تظهر تحليلاتنا الجينومية الآن أن تاريخ القمح أكثر تعقيدًا، ويتضمن الكثير من الاختلاط وتدفق الجينات بين أنواع القمح المختلفة”.
وكما يحتوي الجينوم البشري على تسلسلات من أنسبائنا القدامى، النياندرتال، فإن جينوم قمح الخبز الحديث مليء أيضًا ببقايا الحمض النووي لإينكورن. وفي الواقع، قد يكون إدخال جينات إينكورن أدَّى دورًا في مساعدة قمح الخبز على التكيف مع الظروف المناخية المتغيرة في الماضي، كما يشير كراتينجر. وإذا كان التاريخ يُعطي أي مؤشر فإن الشيء نفسه يمكن أن ينطبق على المستقبل، خاصة بمساعدة تقنيات التربية الحديثة الموجهة جزيئيًا. ويضيف كراتينجر: “ستساعد موارد مختبرنا على النقل الدقيق للجينات المفيدة من إينكورن إلى قمح الخبز“.
اترك تعليقاً