يتزايد الحديث حالياً عن “الحوسبة الكمومية” التي تختلف كثيراً عن الحوسبة التقليدية التي نعرفها اليوم، وتتفوَّق عليها في السعة والسرعة وأمور أخرى كثيرة حتى حدود يصعب تخيلها. ووعود الحوسبة الكمومية ضخمة وتشمل قطاعات عديدة تبدأ بالاتصالات، ولا تتوقف عند الطب والصيدلة والسيارات الذكية، كما أنها لا تخلو من بعض التهديدات. فما هي طبيعة هذه الحوسبة المرتقبة؟ وكيف تعمل؟
أصبحت الحوسبة الكمومية “حَكَمْ” موضوع الساعة في أوساط العلماء والصناعة والأكاديميين، والحكومات وحتى السياسيين. وكان وراء هذه الإثارة توقعات قيامها بتعزيز الأمن القومي، وتسريع الابتكار العلمي، وتعزيز قوة الحوسبة في مجالات كانت صعبة.
ويُتوقع من “حَكَمْ” تجاوز الحاسبات التقليدية في مجالات مستعصية مثل “فك تشفير المفتاح العام” (Public Key Decryption)، والحد من الوقت اللازم للبحث في قواعد البيانات، بل ستكون وراء كشف أسرار الطبيعة، والتفاعلات الكيميائية، وعلوم المواد والمخدرات و”النانو” و”الفيمتو”.
ويتميز “حَكَمْ” عن الحاسب التقليدي الرقمي في مجالات عديدة، الجدول (1). فمثلاً، يمكن أن يحتوي حاسب رقمي تقليدي حجمه 4 “بتات” على أي واحد من 16 رقماً (2^4) في أوقات مختلفة. بينما، توجد في “حَكَمْ” “كيوبِتات” تتراوح قيمتها من 0 إلى 1؛ وبالتالي، يوجد نظام كمّي لجميع الحالات الممكنة؛ فيمكن مثلاً أن يحتوي سجل “حَكَمْ” حجمه 4 “كيوبت” على 16 رقماً مختلفاً في وقت واحد. ونظرياً، يمكنه العمل وفقاً لكثير من القيم على التوازي، بحيث تصل سرعة “حَكَمْ” صغير بحجم 30 “كيوبت” فقط إلى 10 تريليونات “فلوبس” (FLOPS)، أي تقارب سرعة حاسب رقمي عملاق.
وتسمح الخصائص الكمومية للجسيمات دون الذرية (الـ”كيوبت”) بالتفاعل والتشارك في المعلومات والحوسبة والتشفير الآمن والاتصالات بسرعة تستحيل على التقنية الرقمية التقليدية، ولكنها في تحديات شديدة، التي تعيق الاستفادة الكاملة من التقنية الكمومية.
ولزيادة قوة “حَكَمْ” الحوسبية، يلزم إجراء تحسينات في بعدين: الأول هو كلما زاد عدد الـ “كيوبتات”، أمكن معالجة وتخزين مزيد من الحالات الكمومية. والآخر هو خفض معدلات الخطأ الضروري لمعالجة حالات “الكيوبتات” المختلفة بدقة، ولتقديم إجابات واضحة وليس ضوضاء. والمقياس المفيد لفهم القدرة الكمومية هو حجم الكم الذي يقيس العلاقة بين عدد ونوعية الـ “كيوبتات”، والاتصالات بين الدارات، ومعدلات الأخطاء.
مراحل تطوُّر الحاسبات الكمومية
مرَّت “حَكَمْ” بأربع مراحل حتى الآن من أصل خمس، وهي: مرحلة الظاهرة الفيزيائية، ثم التجارب، ثم التحقيق، ثم الأنظمة العملية، ثم المرحلة التجارية لحل مشكلات واقعية فيما بعد. الرسم (1).
فقد جاء اكتشاف “حَكَمْ” لأول مرَّة في الثمانينيات من القرن الماضي كوسيلة لتحسين النمذجة الحاسوبية لسلوك الأنظمة الفيزيائية الصغير جداً (“الكم”). ففي عام 1959 م، أشار الفيزيائي الأمريكي الحائز جائزة نوبل “فاينمان” إلى أنه عندما تبدأ المكونات الإلكترونية الوصول إلى المقاييس الذرية، تحدث التأثيرات التي تنبأت بها ميكانيكا الكم وهو ما يمكن استغلاله في تصميم حواسيب واتصالات كمومية أقوى وأسرع.
وتطورت نظرية “حَكَمْ” لاحقاً بعد إلى ما هو أبعد من توقعات “فاينمان”. ففي عام 1985م، تم وصف البوابات المنطقية الكمومية لـ”حَكَمْ”. ونما الاهتمام بهذا المجال في التسعينيات مع إدخال خوارزمية “شورShor” لتحليل الأعداد الأولية الصحيحة إلى عوامل بأقل من 6 “كيوبتات”، والتي إذا نفذت بواسطة “حَكَمْ”، ستسرع أضعافاً مضاعفة سهولة فك التشفير من دون معرفة مفاتيح التشفير، بل ستهدِّد أمن أساليب التشفير المعروفة. وتُعدُّ “حَكَمْ” النموذج الوحيد لمعرفة التشفير بسرعة أعلى من حاسبات اليوم. وعندما يتم بناء “حَكَمْ” عملي، فإنه سيمكن كسر خوارزميات التشفير الحالية بسرعة. ومن ناحية أخرى، ستقدِّم التأثيرات الميكانيكية الكمومية طريقة جديدة للاتصالات الآمنة والمعروفة باسم تشفير الكم. وعلى الرغم من إمكانات “حَكَمْ” الهائلة، إلا أن متطلباتها صارمة بالقدر نفسه، فيجب أن يحافظ “حَكَمْ” على الترابط بين وحداته (“التشابك الكمومي”) لفترة كافية لإجراء الخوارزميات الكمومية بنجاح.
المقياس المفيد لفهم القدرة الكمومية هو حجم الكم الذي يقيس العلاقة بين عدد ونوعية الـ “كيوبتات”، والاتصالات بين الدارات، ومعدَّلات الأخطاء.
السباق
في 1998م، كان أول “حَكَمْ” عملي أمريكي بحجم 2 “كيوبت”يعتمد على الجسيمات دون الذرية. وعلى الرغم من تماسكه لبضع ثوانٍ وكونه بدائياً في حل مشكلات واقعية، لكنه أوضح مبادئ الكمومية الغامضة. وبدلاً من محاولة عزل عدد قليل من الجسيمات دون الذرية، استطاع معالجة عدد كبير من جزيئات سائل “الكلوروفورم” عند درجة حرارة الغرفة. واستخدم الباحثون مجالاً مغناطيسياً لتوجيه دوران نواة الكربون ونواة الهيدروجين السريع فيه. وبالإضافة إلى المجال المغناطيسي الخارجي، تم إنفاذ نبضات تردد راديوي لجعل حالات دوران النووي السريع “تتقلب”، مما يؤدي إلى خلق حالات موازية للكيوبتات ومضادة متراكبة.
ثم أنشأ المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا الأمريكي “حَكَمْ” بحجم 4 “كيوبت” من خلال تشبيك أربع ذرات “بريليوم” متأينة وباستخدام “مصيدة” كهرومغناطيسية. وبعد تحديد مسار خطّي للأيونات، قام ليزر بتبريد الجسيمات إلى درجة الصفر المطلق تقريباً (للتقليل من فك تراكب وتشابك الأيونات). وأدت مزامنة حالات دورانها السريع باستخدام الليزر إلى تشابك وتراكب حالتي الدوران العلوي والسفلي في الوقـت نفسـه للأيونات الأربعة.
واعتمدت “حَكَمْ” على تقنية أشباه الموصلات أيضاً. وفي مقاربة، يوجد عدد من الإلكترونات الحرة (“كيوبتات”) داخل مناطق صغيرة للغاية في أشباه الموصلات، والمعروفة باسم النقاط الكمومية (مثل بقع الألوان الصغيرة التي تظهر على شاشات التلفاز). وفي واحدة من حالتي الدوران السريع، يتم تفسير النقاط على أنها تشابك من 0 إلى 1. وعلى الرغم من تعرضها لفك التشابك، فهي تعتمد على تقنيات الحالة الصلبة وتتميز باحتمال تطبيقات الدوائر المتكاملة المتوسعة بسهولة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تصنيع مجموعات كبيرة من النقاط الكمومية المترابطة على رقاقة “سيليكون” واحدة. وتعمل الرقاقة في مجال مغناطيسي خارجي يتحكم في حالات دوران الإلكترون السريع، بينما تكون الإلكترونات المجاورة متشابكة من خلال ميكانيكا الكم. وتسمح مجموعة من أقطاب الأسلاك المتراكبة معالجة النقاط الكمومية الفردية، ولديها القدرة على دمج أعداد كبيرة من الـ”كيوبتات” لتنفيذ الخوارزميات واستخلاص النتائج.
خلال السباق الكمومي بين عمالقة التقنية، نجحت “آي بي إم” في بناء معالج بحجم 20 “كيوبت” ثم 50 “كيوبت”، باستخدام مكونات فائقة التوصيل أيضاً.
وخلال السباق الكمومي بين عمالقـة التقنيـة، نجحت “آي بي إم” في بناء معالج بحجم 20 “كيوبت” ثم 50 “كيوبت”، باستخدام مكونات فائقة التوصيل أيضاً.
وأفصحت “إنتل” في عام 2018م عن رقاقة حالة صلبة فيها 49 “كيوبت”، بعد مراحل 7 و17 “كيوبت”، ورقاقتي “سيليكون”، تحتوي كل منها على إلى 26 “كيوبت” تعتمد على الدوران السريع للإلكترونات الفردية.
وتهدف “جوجل” إلى “حَكَمْ” بحجم 49 “كيوبت” باستخدام مكونات فائقة التوصيل.
وعلى الرغم من وجود الكمومية كمفهوم منذ أوائل الثمانينيات، فإن أول دليل حقيقي على قدرة “حَكَمْ” على التعامل مع المشكلات المعقَّدة مقارنة مع الحاسبات التقليدية لم يحدث إلا في أواخر 2019م. وكان ذلك حينما أعلنت “جوجل” عن استخدام معالج فائق التوصيل بحجم 53 “كيوبت” قام باختبارات دارة كمومية مليون مرَّة في 200 ثانية فقط وهي المهمة نفسها التي يحتاج حاسب فائق تقليدي إلى 10 آلاف سنة للقيام بها. ولكن كان هذا مجرد تمرين رياضي، وليس له استخدام واقعي.
وفي 2018م، أطلق “برنامج تقنيات المستقبل والبازغة” الأوروبي مبادرة بحثية باسم “تقنيات الكم الرائدة” (Quantum Technologies Flagship) لمدة عشر سنوات وميزانية بليون يورو لتعزيز تطوير صناعة الكم التنافسية الأوروبية.
وفي عام 2019م، أُنشأت شراكة بين الصناعة والحكومة والجامعات اليابانية نظاماً يستخدم فوتونات تجري في الألياف الضوئية يسمى “الشبكة العصبية الكمومية”. والهدف “حَكَمْ” يستطيع حل الحسابات الصعبة مثل “مسألة البائع المتجول” (Traveling salesman problem). وإجمالاً، اقترح الباحثون عشرة أنظمة مختلفة تعمل كحواسب كمومية: تتراوح من الشبكات البصرية (ذرات محصورة في شبكات ضوئية) إلى أنظمة “طوبولوجية” (Topological)، حيث تُنفذ الجسيمات عمليات منطقية.
نظراً لقدرة الحوسبة الكمومية على فك الرموز الرقمية القياسية التي تحمي الخصوصية والأمن على الإنترنت للحكومات والشركات والأفراد، حفّز المعهد الوطني للمعايير والتقنية الأمريكي الباحثين على تطوير جيل جديد من خوارزميات التشفير المقاومة للحوسبة الكمومية بحلول 2022م.
وعند حوالي 50 “كيوبت”، قد تتمكن “حَكَمْ” من عمل أشياء تعجز الحاسبات التقليدية القيام بها. ومع ذلك، فإن التصميمات الحاسوبية الكمومية التجريبية الموجودة تفتقر إلى تصحيح الأخطاء مما يحد من موثوقيتها. وتحتاج الحلول الصعبة – مثل تحليل العوامل الأولية – “كيوبتات” وطاقة أكثر. وستُستثمر مبادئ الكم لإنشاء أشكال جديدة من الاتصالات وأساليب جديدة للأمن باستخدام الفوتونات لنقل المعلومات من “حَكَمْ” إلى آخر. وتعدُّ تقنية الاتصالات الكمومية – مثل “كيو كيه دي” (QKD) – من أكثر تقنيات الاتصالات تطوراً اليوم. وحديثاً، أرسلت الصين فوتونات متشابكة من قمر صناعي إلى الأرض على بُعد 1200 كيلومتر مما يُنبئ بإنترنت كمومي فائق.
ونظراً لقدرة الحوسبة الكمومية على فك الرموز الرقمية القياسية التي تحمي الخصوصية والأمن على الإنترنت للحكومات والشركات والأفراد، حفّز المعهد الوطني للمعايير والتقنية الأمريكي الباحثين على تطوير جيل جديد من خوارزميات التشفير المقاومة للحوسبة الكمومية بحلول 2022م. ومن المتوقع أن تصبح أنظمة الحوسبة المستعصية الحالية قابلة للحل، التي كانت تحمي أنظمة التشفير المنتشرة، مما يعني أن “حَكَمْ” ستكون قادرة على اختراق الاتصالات الأكثر أماناً. وحينها ستكون مخاطر التهديدات الأمنية كبيرة للتجارة الإلكترونية بخسارة مئات بلايين الدولارات – ناهيك عن خسارة تريليونات الدولارات في الاقتصاد الرقمي الأوسع بالنظر إلى الطفرة التقنية الكمومية.
يستطيع الحاسوب الكمومي القيام بمحاكاة كيميائية كانت مستحيلة بأي حاسوب عملاق تقليدي مما يُتيح اكتشاف مواد كيميائية جديدة مفيدة.
مجالات الاستفادة منها
يمكن الاستفادة من “حَكَمْ” لإيجاد الحل “الأمثل” بين كثير من الحلول الممكنة، مثل محاكاة جزيء عن طريق تحديد أدنى حالة طاقة بين أطوال روابط الجزيئيات الممكنة. وبينت التجارب أن “حَكَمْ” لها ميزات فريدة، حيث تستهلك طاقة أقل بكثير (1/ 10000) من طاقة الحواسيب العملاقة الموجودة حالياً، وتتفوق عليها في السرعة (بحوالي 1000 مرّة). فمثلاً، يستطيع الحاسوب الكمومي القيام بمحاكاة كيميائية كانت مستحيلة بأي حاسوب عملاق تقليدي مما يُتيح اكتشاف مواد كيميائية جديدة مفيدة. وتشمل التطبيقات الأخرى المساعدة السلسة في الأعمال بواسطة الواقع الافتراضي الكمومي؛ والروبوتات التعاونية؛ ومحاكاة العالم الفيزيائي؛ والمركبات المستقلة؛ والمواد الحيوية، والأنسجة القابلة للطباعة. وشملت التقنيات التي جرى تبنّيها الواسع بالفعل استخدام الاتصالات الفوتونية السريعة في مراكز البيانات، والتعرّف على الوجوه، واتصالات الجيل الخامس “جي5″، وأنظمة الوكلاء، وأمن إنترنت الأشياء، والخوادم المصنفة، وتطبيقات تقنية “البلوكتشين” المختلفة.
وهناك أربعة تطبيقات كمومية ذات إمكانات عالية:
- خفض وقت التطوير للمواد الكيميائية والأدوية بالمحاكاة الكمومية
يحتاج العلماء الذين يتطلعون إلى تطوير عقاقير ومواد جديدة إلى نمذجة التركيب المُعقّد للجزيئات لتحديد خصائصها وتفاعلاتها مع الجسيمات الأخرى. لكن حتى الجسيمات الصغيرة نسبياً يستحيل تحقيق نمذجة دقيقة لها باستخدام الحاسبات التقليدية، لأن كل ذرة تتفاعل بطرق معقَّدة مع الذرات الأخرى. وهذا أحد الأسباب التي تجعل تطوير الأدوية والمواد الكيميائية الجديدة عملية طويلة زمنياً ومرهقة. وتعد “حَكَمْ” مناسبة تماماً لمعالجة هذه المشكلة، لأن تفاعل الذرات داخل الجسيمات هو في حد ذاته نظام كمي. - حل مسائل أمْثَلَة المشكلات كثيرة المتغيرات بسرعة عالية
في كل صناعة، تنطوي الأعمال المعقَّدة على مجموعة من المتغيرات التي يواجهها قادة الأعمال. مثلاً، أين نضع الروبوتات في المصنع؟ ما أقصر طريق لشاحنات البضائع؟ ما أنجع وسيلة لنشر السيارات والدرَّاجات لإنشاء شبكة مواصلات انسيابية؟ كيف يمكن تحسين استثمار محفظة مالية في البنوك؟ وحل هذه المشكلات باستخدام الحوسبة التقليدية عملية شاقة وطويلة. فلإقصاء المدخلات التي تؤدي إلى تدني الأداء، يجب الحد من عدد المتغيرات في العملية الحسابية. نتيجة لذلك، يجب على الشركات إجراء عمليات حسابية معقَّدة واحدة تلو الأخرى، وهي عملية مكلفة تستغرق وقتاً طويلاً نظراً لكثرة المتغيرات. ولكن بسبب تعامل “حَكَمْ” مع متغيرات كثيرة في وقت واحد، فيمكن استخدامها لتضييق نطاق الإجابات المحتملة ولخفض الوقت. ثم تُستخدم الحوسبة التقليدية بعدها في نهج هجين للتركيز على إجابة واحدة دقيقة مما يقلل وقت إيجاد أفضل الحلول. - تسريع ظهور المركبات المستقلة
من المحتمل أن يسرِّع الذكاء الاصطناعي الكمومي ظهور المركبات المستقلة. وتستثمر شركات “فورد”، و”جنرال موتورز”، و”فولكس واجن” وشركات النقل الناشئة، الذكاء الاصطناعي لتعليم المركبات كيف تتخذ قرارات القيادة الحاسمة، مثل الانعطاف والسرعة وتجنب المركبات الأخرى والمشاة والبنية التحتية. ويتطلب تعليم خوارزمية الذكاء الاصطناعي مجموعة من العمليات الحسابية المكثفة، التي تزداد صعوبة مع إضافة مزيد من البيانات والعلاقات المعقَّدة بين المتغيرات الكثيرة. ونظراً لأن “حَكَمْ” يمكنها تأدية عمليات حسابية معقَّدة كثيرة مع متغيرات عديدة في وقت واحد، يمكنها أن تسرِّع بشكل كبير تعليم المركبات السياقة المستقلة بأنظمة الذكاء الاصطناعي الكمومي. - ثورة التشفير وتحوُّل الأمن السيبراني
تُشكّل “حَكَمْ” تهديداً خطيراً بإختراق أنظمة الأمن السيبراني. وحالياً تتم حماية كلمات المرور للوصول إلى الحسابات والمعاملات الآمنة عبر الإنترنت والشبكات من خلال خوارزميات التشفير. ويتطلب اختراق هذا التشفير قوة حوسبية رياضية هائلة تستحيل تقريباً على الحاسبات التقليدية. ونظراً لأن “حَكَمْ” يمكنها إجراء حسابات كثيرة في وقت واحد، فإن لديها القدرة على اختراق أي نظام تشفير كلاسيكي. وتوجد خوارزمية كمومية للقيام بذلك بالفعل (خوارزمية “شور”)، لكن لا يوجـد الآن “حَكَمْ” قادر على تنفيذ الخوارزمية لأن عـدد الـ” كيوبتات” ما زال ضئيلاً. وعساه ينجح خلال 10-20 سنة من الآن. وحينها، ستبرز الحاجة إلى موجة جديدة من تقنيات التشفير لحماية الخدمات الاستراتيجية عبر الإنترنت.
يحتاج العلماء الذين يتطلعون إلى تطوير عقاقير ومواد جديدة إلى نمذجة التركيب المُعقّد للجزيئات لتحديد خصائصها وتفاعلاتها مع الجسيمات الأخرى.
متى الوصول؟
في المستقبل، ستكون “حَكَمْ” باهظة الثمن وبعدد قليل من اللاعبين الرئيسين. وتأمل الشركات مضاعفة قدرات “حَكَمْ”، حيث لوحظ تضاعف عدد الكيوبتات في معالج “حَكَمْ” كل 6 أشهر (بمعدل أسرع من قانون “مور” أربع مرات). ومن خلال التراكب والتشابك والتداخل الكمومي تنمو سرعة المعالجة طبقاً لدالة أسّية مع نمو عدد الكيوبتات، لكن ببطء. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول 2030م، لن يوجد سوى 2000 إلى 5000 “حَكَمْ”. ومع ذلك، أطلقت “أمازون” و”ميكروسوفت” حديثاً، خدمات سحابية كمومية على الويب. وخلال الفترة الممتدة من 2022م وحتى 2026م، يُتوقع أن تتبع الشركات الأسلوب الهجين؛ وتصبح “حَكَمْ” قوية بما يكفي لبدء محاكاة ذات مغزى للهياكل الجزيئية للمواد الكيميائية والصيدلانية. لكن قد يتأخر نضج الذكاء الاصطناعي الكمومي. وبحلول منتصف الثلاثينيات من القرن الحالي، ستكون لدى مجموعة واسعة من الصناعات القدرة على إنشاء قيم كبيرة من “حَكَمْ”، الرسم (2).
تحديات
“الكم” يجعل متطلباته أكثر صعوبة. فنسخ “الكيوبت” شاق، مما يُعيق البرمجة – التي تعتمد على نسخ المتغيرات – كذلك يستحيل قراءة “الكيوبت” نفسه مرتين. وأيضاً رضوخ “الكيوبت” للضوضاء والأخطاء يحتاج إلى خوارزميات تصحيح كمومي بعدد “كيوبتات” كبير، ناهيك عن صعوبة السيطرة عليه. وما زالت “مشكلة القياس الكمومي” عسيرة، فالكمومية مبنية على الاحتمالية الغامضة للجسيمات ومبدأ الريبة (uncertainty)، وازدواجية خصائص الضوء والإلكترونـات كموجـات وكجسيمات في آنٍ واحد، في حين أن القياس محدد الزمان والمكان. وكيف نعرف أننا صنعنا شيئاً لم نستطع قياسه، وكيف يمكنا قياس شيء لم نتمكن من صنعه.
المراجع
[1] Britannica.com
[2] Shor, P.W. (1994). “Algorithms for quantum computation: discrete logarithms and factoring”. Proceedings 35th A.S. Foundations of C. S. IEEE Computer. Soc. Press: 124–134
[3] Www-03.ibm.com
[4] Newsroom.intel.com
[5] Aps.org
[6] Nature.com
[7] Ec.europa.eu
[8] Qnncloud.com
[9] Sciencemag.org
[10] Backreaction.blogspot.com
[11] أبوبكر سلطان، “المركبات المستقلة”، مجلة القافلة، يناير-فبراير 2020م
[12] أبوبكر سلطان،”تقنية “بلوكتشين” ما هي، كيف تعمل، وآفاقها”، مجلة القافلة، مايو-يونيو 2019م
[13] قانون يقول بعدد الترانزستورات على شريحة المعالج يتضاعف تقريباً كل عامين في حين يبقى سعر الشريحة على حاله
[14] تحليل ماكينزي 2019
اترك تعليقاً