بالنسبة إلى كثيرين، كانت الرياضة منذ فترة طويلة، مصدرًا للمتعة والاسترخاء. ولكن مشاهدة الألعاب الرياضية، وخاصة في التجمعات الكبيرة، تتجاوز مجرد الترفيه. فهي تعزِّز الشعور بالانتماء إلى المجموعة. وهذا الشعور بالارتباط لا يجعل الأفراد يشعرون بالرضا فحسب، بل يفيد المجتمع أيضًا من خلال تحسين الصحة وتعزيز الإنتاجية والحد من الجريمة، لكن هذه الظاهرة لم تُدرس علميًا من قبل.
وردمًا لهذه الفجوة، أجرى فريق من الباحثين بقيادة البروفيسور شينتارو ساتو، من كلية علوم الرياضة بجامعة واسيدا باليابان، دراسة رائدة نُشرت في مجلة “سبورت منجمنت ريفيو” في 22 مارس 2024م. واستخدم البروفيسور ساتو، إلى جانب آخرين، نهجًا متعدد الأساليب يجمع بين تحليل البيانات الثانوية والتقارير الذاتية وإجراءات التصوير العصبي، لفهم العلاقة بين مشاهدة الألعاب الرياضية والرفاهية لدى عامة السكان.
ولأن أحد التحديات الكبيرة في أبحاث الرفاهية، هو الطبيعة الذاتية لإجراءات القياس، التي قد تؤدي إلى نتائج متحيّزة، ركَّزت الدراسة على المقاييس الذاتية والموضوعية المتعلقة بالرفاهية.
في الدراسة الأولى، حلَّل الباحثون بيانات واسعة النطاق متاحة للجمهور حول تأثير مشاهدة الرياضة على 20 ألف مواطن ياباني. وأكدت نتائج هذه الدراسة النمط المعروف للرفاهية المرتفعة المرتبطة بمشاهدة الألعاب الرياضية بانتظام.
أمَّا الدراسة الثـانية، فكانت استقصائية عبر الإنترنت تهدف إلى التحقُّق مما إذا كانت العلاقة بين مشاهدة الألعاب الرياضية والرفاهية تختلف باختلاف نوع الرياضة التي جرت ملاحظتها، وقد شملت 208 مشاركين عرّضتهم التجربة لمقاطع فيديو رياضية مختلفة، وقيّمت صحتهم قبل المشاهدة وبعدها.
وفي الدراسة الثالثة، استُخدم الجانب الأكثر ابتكارًا، وهو إجراءات قياس التصوير العصبي بالرنين المغناطيسي متعدد الوسائط، لتحليل نشاط الدماغ عند 14 مشاركًا يابانيًا سليم الجسم أثناء مشاهدتهم مقاطع رياضية. وأظهرت نتائج هذا البحث أن مشاهدة الألعاب الرياضية تؤدي إلى تنشيط دوائر المكافأة في الدماغ، ما يدل على مشاعر السعادة أو المتعة.
إضافة إلى ذلك، ظهرت نتيجة جديرة بالملاحظة في تحليل الصور الهيكلية. فقد كشفت أن الأفراد الذين أبلغوا عن مشاهدة الألعاب الرياضية بشكل متكرر، أظهروا حجمًا أكبر من المادة الرمادية في المناطق المرتبطة بدوائر المكافأة، وهو ما يشير إلى أن مشاهدة الألعاب الرياضية بانتظام قد تؤدي تدريجيًا إلى حدوث تغييرات في هياكل الدماغ.
ولهذه الدراسة الأخيرة آثار عميقة وإسهامات نظرية في أدبيات الإدارة الرياضية. فالأدبيات الموجودة قبلها ركَّزت في المقام الأول على عشاق الرياضة، لكن هذه الدراسة أخذت في الاعتبار عددًا أكبر من السكان بغض النظر عن علاقتهم بالاستهلاك الرياضي. ولذا، يمكن أن يُسهم هذا البحث بشكل كبير في تعزيز ممارسات الإدارة الرياضية، وصُنع السياسات المتعلقة بالصحة العامة.
اترك تعليقاً