مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو – يونيو | 2024

هل يجب أن نقلق على الجيل الجديد؟


١- الجيل القلق.. كيف تسببت عملية إعادة التشكيل العظيمة للطفولة في انتشار وباء المرض العقلي؟

The Anxious Generation: How the Great Rewiring of Childhood Is Causing an Epidemic of Mental Illness by Jonathan Haidt

تأليف: جوناثان هايدت

الناشر: 2024م، Penguin Press

٢- العلاج السيئ.. لماذا لا يكبر الأطفال؟

Bad Therapy: Why the Kids Aren’t Growing Up by Abigail Shrier

تأليف: أبيغيل شراير

الناشر: 2024م، Sentinel

تغيّرت في عصرنا الحالي طبيعة الطفولة إلى حد بعيد. ومن الملاحظ أن معدلات الاكتئاب والقلق والانتحار بين الجيل الناشئ قد ارتفعت بشكل ملحوظ؛ حتى بات يمكننا القول إن صحة الشباب العقلية ليست على ما يُرام، وأن ذلك يمثل ظاهرة عالمية انتشرت في كثير من بلدان العالم.

أمَّا فيما يتعلق بالأسباب، فقد صدر حديثًا كتابان يُسلِّطان الضوء على هذه المشكلة بالتحديد. فكتاب “الجيل القلق”، لمؤلفه المتخصص في علم النفس الاجتماعي جوناثان هايدت، يعزو السبب إلى الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي التي يقول عنها إنها مصدر الشر الحقيقي. بينما يشير كتاب “العـلاج السيئ”، لمؤلفته الكاتبة الصحفية أبيغيل شراير، إلى أن السبب هو المبالغة في تشخيص الاضطرابات النفسية لدى الأطفال؛ ما يؤدي إلى علاجات ربَّما لا تكون في محلها في كثير من الأحيـان، فتُفـاقم المشكلات عوضًا من أن تحلَّها.

يقول هايدت في كتابه “الجيل القلق” إن شباب اليوم، عوضًا عن التفاعل مع مجتمعات العالم الحقيقي الصغيرة والمستقرة، يعيشون في مجتمعات العالم الافتراضي؛ إذ يختبرون “إعصارًا يوميًا من الميمات والبدع ومقاطع الدراما الصغيرة سريعة الزوال، التي يتناوب على لعب أدوارها طواقم من ملايين اللاعبين الصغار”، وهو ما يجعلهم، كما تقول عالمة الاجتماع شيري توركل، “للأبد في مكان آخر”.

وما يُسهِّل ذلك هو انتشار الهواتف الذكية في كل مكان، لا سيَّما أنها تسمح بالوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي على نحو دائم، بالإضافة إلى كل الألعاب المُسلية التي تتيحها، ما يجعلها مُغرية جدًا لدرجة أنها تقلل من الاهتمام بكل الأنشطة الأخرى، ويجعلها بحسب هايدت “حواجب للتجربة”. وهنا يشير هايدت إلى كثير من التطورات الرئيسة التي حصلت في عالم التكنولوجيا، ومن أبرزها: وصول الهاتف الذكي عام 2007م، وظهور خيارَي “الإعجاب” و”المشاركة” على وسائل التواصل الاجتماعي عام 2009م، وإطلاق هاتف آيفون 4 في يونيو 2010م، الذي تميّز بأول كاميرا أمامية ساهمت في سهولة التقاط صور سيلفي. وقد أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى ما يسميه “إعادة التشكيل العظيمة للطفولة”، التي شهدت “إعادة صياغة الأنماط الاجتماعية ونماذج القدوة والعواطف والنشاط البدني، حتى أنماط النوم، بالنسبة إلى المراهقين على مدار خمس سنوات فقط”.

ثم يبحث هايدت في طبيعة الطفولة، مركِّزًا على سبب احتياج الأطفال إلى اللعب والاستكشاف المستقل؛ حتى ينضجوا ويصبحوا بالغين أكفاء وناجحين. ويوضح كيف بدأت “الطفـولة القـائمة على اللعب” في التدهور في الثمانينيات من القرن الماضي، وكيف قُضي عليها أخيرًا مع وصول “الطفولة القائمة على الهاتف” في أوائل عام 2010م. وأخيرًا، يقول إن الوقت قد حان لإنهاء هذه التجربة المستمرة التي أرسلت أطفالنا دون حماية إلى أرض غريبة تمامًا، ومعادية في كثير من الأحيان، فيُطلق دعوة واضحة للعمل من أجل إبقاء الهواتف الذكية خارج المدارس، وإبعاد الأطفال الصغار عن وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى ضرورة فرض الحكومات على شركات التكنولوجيا مسؤولية رعاية الشباب، بحيث تشمل في الأقل رفع سن البلوغ الإلكتروني إلى 16 عامًا، وإدخال أنظمة فعّالة للتحقق من العمر عبر الإنترنت.

في كتابها المعنون “العلاج السيئ”، تتشارك أبيغيل شراير مع هايدت في إبداء قلقها بشأن الأجيال الناشئة، لكنها تختلف معه حول الأسباب. فبالنسبة إلى شراير، الجاني ليس التكنولوجيا، بل هو ما تُسمِّيه “صناعة الصحة العقلية”. فنحن اليوم نتعامل مع الأطفال بطريقة فيها اهتمام وتدخل أكثر مما ينبغي، ونعمد إلى المبالغة في التشخيص في كثير من السيناريوهات، فنسـارع إلى اعتبـار أي قلق نفسي قد يعانونه مشكلةً متعلقةً بصحتهم العقلية، بدلًا من السماح لهم بعيش طفولة طبيعية. تروي أبيغيل قصة سريعة في بداية الكتاب عندما اصطحبت ابنها إلى قسم الطوارئ؛ بسبب آلام في المعدة، وتبيَّن لاحقًا أنها ناتجة من إصابته بالجفاف. ولكن قبل مغادرتهما المستشفى، بدأت الممرضة تطرح عليه بعض الأسئلة المتعلقة بصحته العقلية، مثل: هل فكرت في يوم من الأيام في إيذاء نفسك؟

تُصوِّب شراير سهامها على العقلية العلاجية التي لا تنتشر في مكاتب الأطباء المتخصصين بعلم النفس والمعالجين النفسيين فقط، بل أيضًا في فصول المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وقوائم الكتب الأكثر مبيعًا، وداخل العائلات، والوكالات الحكومية.

أخيرًا، إذا ما أردنا الإجابة عن سؤال: هل يجب أن نقلق على الجيل الجديد؟ فمما لا شك فيه أن ما يُظهره هذان الكتــابان من مشكلات فعلية تواجهها الأجيال الناشئة يدعونا فعلًا إلى القلق ولأسباب مختلفة. أمَّا الحلُّ، فيكمن في تأكيد دعوة هايدت لاسترجاع بعض جوانب المفهوم القديم للطفولة القائم على اللعب، وفي أطروحة شراير بالاسترخاء وعدم جعل تحديات الطفولة العادية مصدرًا للقلق المبالغ فيه.


مقالات ذات صلة

صدر مؤخرًا كتابان يسلطان الضوء على العلاقة العميقة بين الخيل والإنسان. يُقدم “الغزاة والحكام والتجار” للمؤرخ ديفيد شافيتز لمحة عن دور الخيول في الحضارات، بينما يُعيد “ضربات الحوافر” لويليام تايلور صياغة القصة الملحمية للخيل مستندًا إلى أحدث الاكتشافات العلمية، ليحل محل الأساطير القديمة.

Money: A Story of Humanity
by David McWilliams
تأليف: ديفيد ماكويليامز
الناشر: 2024م، Simon & Schuster UK

The Haunted Wood: A History of Childhood Reading by Sam Leith 
تأليف: سام ليث  
الناشر: 2024م، Sutherland House Books


0 تعليقات على “هل يجب أن نقلق على الجيل الجديد؟”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *