مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس - أبريل 2023

مقارنة بين كتابين

في أهمية قراءة الأدب وإنقاذ العلوم الإنسانية


مهى قمر الدين

(1) حيوات الأدب: قراءة، تعليم، معرفة
The Lives of Literature: Reading, Teaching, Knowing
by Arnold Weinstein
تأليف: أرنولد وينشتاين
الناشر:Princeton University Press ، 2022

(2) إنقاذ سقراط: كيف غيرت الكتب العظيمة حياتي ولماذا هي مهمة للجيل جديد
Rescuing Socrates: How the Great Books Changed My Life and Why They Matter for a New Generation

by Roosevelt Montás
تأليف: روزفلت مونتاس
الناشر: Princeton University Press، 2021

لماذا نقرأ الأدب؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه كل من أرنولد وينشتاين، أستاذ الأدب المقارن في جامعة براون الأمريكية، في كتابه “حيوات الأدب”، وروزفلت مونتاس، أستاذ الدراسات الأمريكية والأدب الإنجليزي في جامعة كولومبيا الأمريكية، في كتابه “إنقاذ سقراط”. فمن خلال خبرة 50 عامًا قضاها وينشتاين في تدريس الأدب والتأليف والقراءة، يحاول في كتابه هذا أن يقدم إجابته الخاصة عن السؤال ليقول إنه في: “الأدب تسكن حيوات بشرية كاملة” تمس حياتنا بشكل أو بآخر، إذ عندما نفتح صفحات الكتب نتعرف على شخصيات قريبة وبعيدة في الوقت نفسه، بعضها حقيقي وبعضها خيالي، ولكننا نعقد معها صداقات روحية تتخطى الزمان والمكان لتبقى محفورة في أذهاننا طوال حياتنا. ومن هنا قد تحتل شخصيات من روائع الأدب العالمي، مثل أوديب وهاملت ودون كيشوت والإخوة كارامازوف وهاكلبيري فين، مكانة في وجداننا أكثر من شخصيات “حقيقية” نعرفها في حياتنا؛ لأننا في بضع ساعات يمكننا التعرف على حياتها كاملة في مختلف تحولاتها التي يمكن أن تستغرق شهورًا أو سنوات. فعلى سبيل المثال، نتعرف على انتقال “الملك لير” في مسرحية شكسبير من ملك نافذ إلى مجنون يعيش وحيدًا في أرض قاحلة، وعلى رحلة “جين آير” بطلة رواية شارلوت برونتي وانتقالها من طفلة منبوذة إلى امرأة متزوجة لها مكانتها، وعلى الحياة الغريبة لـ”سامسا” بطل رواية فرانز كافكا “المسخ” من بداية تحوله إلى حشرة عملاقة حتى موته.


وبينما يركز وينشتاين على قدرة الأدب في جعلنا نحيا معه حيوات كاملة، يتحدث روزفلت مونتاس في كتابه “إنقاذ سقراط” عن قدرة الأدب على التغيير وما يمكن أن تحدثه في النفوس وذلك من خلال الأفكار المستمدة من أهم الأعمال الأدبية. يذكر مونتاس كيف أنقذه الأدب وحوّله من مهاجر قدِم من جمهورية الدومينيكان إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو في عمر الثانية عشرة حين لم يكن يتحدث الإنجليزية على الإطلاق، ليصبح طالب دراسات عليا، ومن ثم أستاذًا جامعيًا ومحاضرًا في اللغة الإنجليزية في جامعة كولومبيا. يركز الكاتب على تلك الفرص التي أتيحت له لقراءة كتب عظيمة ومناقشتها، مثل اعترافات القديس أوغسطين وإلياذة هوميروس وكتابات سقراط وغاندي وغيرها، بحيث أعطته تلك النصوص معرفة انطلق منها في رحلة البحث عن ذاته وتحقيقها. يقول مونتاس إن الأدب بطبيعته ينبذ التفرقة، ويسمح لأي ذات أن تنعكس في النصوص حتى تكون قادرة على التعرف على نفسها والغوص في خباياها. ويضيف قائلًا: “كوني مهاجرًا أسمر اللون من جمهورية الدومينيكان لا يجعل الأدب أقل صلة بي من زوجتي المرأة البيضاء التي وُلدت في ريف ميشيغان، فهي ليست أقرب إلى هومر وسقراط ولا تبعد عنهما أكثر مما أنا عليه الآن”.


الكتابان يشتركان في تضمنهما دفاعًا عن مكانة العلوم الإنسانية في النظام التعليمي، ولا سيما في النظام الجامعي، بحيث يعتقد المؤلفان أن أساس التعليم يجب أن يكون معرفة الذات. فالفن والأدب، كما يقول وينشتاين: “مخصصان للاستخدام الشخصي، ليس بمعنى المساعدة الذاتية ولكن كمرايا أو كمداخل إلى ما نحن عليه أو ما قد نكون عليه”. أما مونتاس فيقول: “لا يمكن لأستاذ العلوم الإنسانية أن يمنح الطلاب موهبة أعظم من اكتشاف الذات باعتبارها هدفًا رئيسًا لتحقيق مدى الحياة”. وبالنسبة لهما معًا، فالعلوم هي عدوة البصيرة الأخلاقية ومعرفة الذات، فهي تُعنى فقط باستخدام الأدوات، وقياس الكم، واختصار الحياة إلى عناصر. يقول مونتاس إن مشكلة العلوم تكمن في أنها تجيب عن الأسئلة المهمة، من قبيل “من أنا؟ وكيف سأعيش؟”، بعبارات “مادية بحتة”. أما وينشتاين فيقول إنه لا يمكنه أن يطلق على ما يتعلمه الطلاب في دورات العلوم كلمة “معرفة” بل يسميها “معلومات”، فهو يعتقد أن لا علاقة لها بالكيفية التي يجب أن يعيشها المرء لأن الحياة ليست مجرد أرقام وبيانات.


يأتي هذان الكتابان في وقت تعاني فيه العلوم الإنسانية لتحافظ على مكانتها في الوعي العام، فانتصار العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، الذي يذكره وينشتاين في كتابه بات يخطف الأضواء. ولكن في حياتنا المحمومة سريعة الوتيرة، غالبًا ما تكون قراءة الكتب مسألة صعبة فلا يوجد وقت كاف لها. ومع ذلك، يؤكد وينشتاين أن الأمر في الواقع هو العكس تمامًا لأن الكتب تمنحنا الوقت الذي تسرقه منا الحداثة. بينما يكتب مونتاس عن الأسباب التي يجب أن تدفعنا إلى إنقاذ سقراط وغيره من المفكرين من غياهب الاندثار والغياب عن مقررات التعليم العالي، لا لإنقاذهم فحسب بل لإنقاذ أنفسنا أيضًا.


مقالات ذات صلة

الثقافة تعارفٌ وتثاقف، وحوار وتواصل وتآلف؛ إنها نوافذ مشرعة وأبواب مفتوحة، وطرق تُمهّد وجسور تُبنى. بتلك النية بدأت القافلة..

عبدالله الحواس، رئيس مكتبة إثراء، يكتب عن أهمية القراءة والكتب في حياتنا، ودور مسابقة “أقرأ” في التشجيع على جعل القراءة أسلوبًا للحياة.

كما تقول هيلين كيلر، نحن نسافر لنشعر بأننا أحياء، ونكتشف أنفسنا في المجهول، بينما يعلمنا السفر التواضع ويُثري تجاربنا الإنسانية..


0 تعليقات على “مقارنة بين كتابين: في أهمية قراءة الأدب وإنقاذ العلوم الإنسانية”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *