مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس – أبريل | 2024

مقارنة بين كتابين

ظاهرة التوائم ودلالتها الفلسفية والثقافية


(1) كيف تكون متعددًا؟ فلسفة التوائم

How to Be Multiple: The Philosophy of Twins by Helena de Bres

تأليف: هيلينا دي بريس

الناشر: 2023م، Bloomsbury Publishing

(2) نوع التوائم.. الأهمية الفريدة للتوائم

Twinkind: The singular significance of twins by William Viney

تأليف: ويليام فيني

الناشر: 2023م، Thames and Hudson Ltd

منذ زمن بعيد حتى يومنا هذا، أثار التوائم مختلف أنواع المشاعر كالدهشة والرهبة والخوف، وكانوا مصدرًا لشتى أنواع الخرافات والأساطير. فقد ظهر التوائم في الأعمال الأدبية لأهم الكتَّاب من أمثال: شكسبير وتشارلز ديكنز وشارلوت برونتي ودوستويفسكي، وكتب الشباب مثل: بوبسي توينز وسويت فالي هاي. وتداخلت قصصهم مع الأساطير، فارتبطوا بأصول الأمم، كما كان الأمر مع التوأمين “مولوس” و “ريموس”، من الميثولوجيا الرومانية، اللذين يعتبران مؤسسَي روما القديمة؛ وكذلك الحال مع التوأم “كاستور” و “بولوكس”، من الميثولوجيا الإغريقية، الشهيرين بشجاعتهما ومهاراتهما العالية في الصيد والفروسية. لقد كانت ظاهرة التوائم، التي يجري تبجيلها في بعض الثقافات والخوف منها في ثقافات أخرى، رمزًا للتقارب والتنافس. أمَّا بالنسبة إلى العلماء والفلاسفة، فكانت بمنزلة نماذج لدراسات الحالة، ولا سيما لاستكشاف مفهوم الطبيعة ضد التنشئة.

ومما يجعل ظاهرة التوائم مثيرة للاهتمام ندرتها، على الرغم من ارتفاع معدلاتها النسبية منذ ثمانينيات القرن الماضي بسبب التلقيح الصناعي. هذه الندرة النسبية هي التي تدعو إلى التكهنات حول مدى اختلاف تجربة التوائم عن تجربة الأشخاص الآخرين، وحول ما الذي يمكن أن يعلمنا إياه هذا التميز عن طبيعة الشخصية البشرية.

في كتابها “كيف تكون متعددًا؟”، تستخدم أستاذة الفلسفة في كلية ويلسلي الأمريكية، هيلينا دي بريس، تجربتها الخاصة المثيرة للاهتمام، فهي نفسها توأم متطابق مع شقيقتها جوليا التي تورد لها رسومات عدة ضمن صفحات الكتاب. وتستهدف المؤلفة إعادة النظر في مكاننا في العالم واستكشاف حدود العقل والجسم وطبيعة الفردية والاستقلالية. تقول دي بريس إنه عادة ما يُطرح على التوائم أغرب الأسئلة من قبل الغرباء والأحباء وحتى الأقرباء، مثل: هل أنت أنت، أم الآخر؟ من منكما هو التوأم الشرير؟ هل سبق لك أن قمت بتبادل الأدوار مع توأمك الآخر؟ هل يستطيع كل واحد منكما قراءة أفكار الآخر؟ وبالنسبة إليها، ترتبط هذه الأسئلة ارتباطًا وثيقًا ببعض المسائل الجوهرية في مجال الفلسفة لأنها تثير تساؤلات من نوع: ما الذي يجعل الشخص نفسه بدلًا من شخص آخر؟ هل يمكن لشخص واحد أن يسكن في جسدين؟ كيف يبدو الحب المثالي؟ هل يمكننا حقًا التصرف بحرية؟

من جهة أخرى، تقول دي بريس إن التوائم يقدمون دليلًا على ما يُسمَّى بنظرية العقل الممتد، التي تفترض أنه نظرًا لاعتمادنا على العالم المادي والتفاعل الوثيق معه، يمكن فهم بعض الإدراك على أنه متشابك مع محيطنا المادي الممتد. ولأنها توأم متطابق، تصف بشكل مفصل الطرق التي تبدو فيها أفكار توأمها وأفكارها، وتجاربهما الجسدية، وكأنهما تندمجان. كما تشير إلى تجربة الفنانين المعاصرين التوأمين “تيم” و “غريغ هيلدبراندت”، اللذين يعملان معًا على رسومهما الفنية ويوقعان باسمهما الأخير فقط. لأنه، على حد تعبير “تيم”: “كل لوحة هي لوحتنا نحن معًا، وليست لوحة “غريغ” أو لوحتي أنا وحدي”.

بينما تحاول دي بريس النظر إلى ظاهرة التوائم من الناحية الفلسفية، يسعى الباحث والكاتب ويليام فيني في كتابه “نوع التوائم”، لاستكشاف الدلالات الثقافية لهذه الظاهرة المميزة، ويحاول البحث في الاستجابات وردّات الفعل لغير التوائم، التي تحدد الكثير من تجربة التوأمة نفسها، بهدف استكشاف ما يسمّيه “الأهمية الفريدة للتوائم”. ومثله مثل دي بريس، “فيني” هو توأم أيضًا، لكن تركيزه لا ينصب على تجربته الشخصية بقدر ما يركز على كيفية فهم الناس في الثقافات والعصور المختلفة للتوأمة، فيكتب ليقول إنه: “على مر التاريخ وعبر الثقافات، اُستخدم التوائم لقياس المعايير وتوقع القواعد السلوكية القديمة والجديدة لما يستطيع البشر القيام به”، وإنه في ثقافات معينة: “تحول التوائم إلى آلهة ووحوش، وأرواح شريرة وحيوانات، ونُظرِ إليهم بأنهم أشباح ومستنسخون”. كما يصف، مثلًا، التوائم على أنهم رموز للقوة والغموض في الأساطير المصرية واليونانية والأزتيكية والهندو أوروبية، ويستعرض الطرق التي تغير بها الثقافات وجهات نظرها حول التوائم بمرور الوقت. ففي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مثلًا، رأى سكان أويو يوروبان (في نيجيريا الحالية) أن التوائم “لعنة خارقة للطبيعة”. ولكن بحلول أوائل القرن العشرين بدؤوا ينظرون إليهم على أنهم بشائر للحظ السعيد و “عاملوهم بعناية ورعاية”. في مكان آخر، يوثّق “فيني” كيف يُستخدم التوائم لغايات طبية، وهي ممارسة كان أول من قام بها العالم البريطاني فرانسيس غالتون، المتخصص في مجال تحسين النسل في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، الذي درس التوائم لتحديد التأثيرات النسبية للطبيعة والتنشئة.

أخيرًا، كما يقول “فيني”، إن أحد أسباب صعوبة تصوير تاريخ التوائم في صورة واحدة أو بضع مئات من الصور، هو أن كل توأم هو “شخص كسري”، كما أطلق عليه عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي، روي فاغنر؛ أي أنه ليس مفردًا ولا جمعًا. وربَّما يكون افتتاننا بالتوائم نتيجة للحقيقة الغامضة الدائمة، بحيث إننا كأفراد منفردين لا يمكننا أبدًا أن نفهم حقًا ما يعنيه أن نكون متعددين.


مقالات ذات صلة

صدر مؤخرًا كتابان يسلطان الضوء على العلاقة العميقة بين الخيل والإنسان. يُقدم “الغزاة والحكام والتجار” للمؤرخ ديفيد شافيتز لمحة عن دور الخيول في الحضارات، بينما يُعيد “ضربات الحوافر” لويليام تايلور صياغة القصة الملحمية للخيل مستندًا إلى أحدث الاكتشافات العلمية، ليحل محل الأساطير القديمة.

Money: A Story of Humanity
by David McWilliams
تأليف: ديفيد ماكويليامز
الناشر: 2024م، Simon & Schuster UK

The Haunted Wood: A History of Childhood Reading by Sam Leith 
تأليف: سام ليث  
الناشر: 2024م، Sutherland House Books


0 تعليقات على “مقارنة بين كتابين: ظاهرة التوائم”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *